لوسيان بو رجيلي: هل ما يُعرض للجمهور هو فعلاً ما يحبّه!
على طاولة الغداء غاصت إحدى العائلات اللبنانية في زحمة المشاكل التي يعانيها المجتمع اللبناني، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي وصولاً إلى الفساد والحراك الشعبي. حاول الكاتب والمخرج اللبناني لوسيان بو رجيلي أن يلمس وجع الناس من خلال «غداء العيد»، الفيلم الذي حاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دبي السينمائي وجائزة «الرؤية العالمية» في الدورة 28 لمهرجان Cinequest كاليفورنيا عن فئة Global Landscapes، وأكّد أن مغامرته في اختيار ممثلين جدد في فيلمه الطويل الأول كانت ناجحة... لوسيان بو رجيلي يتحدث عن مقص الرقابة وفيلمه الأول في هذا الحوار.
- هو فيلمك الطويل الأول، ألا تعتقد أن الاستعانة بممثلين جدد هي مخاطرة؟
الأمر يتعلق برؤية الفيلم. كان عليّ إيجاد الطريقة المثلى لأخبر الناس عن هذه القصة. مثلاً عرضت سابقاً أعمالاً مسرحية في البرازيل ولندن وفرنسا مرتبطة بالمسرح الانغماسي. ولكي يصدّق المُشاهد القصّة، كان عليّ الاستعانة بوجوه جديدة، مما يجعلنا منغمسين في واقع العائلة على مائدة الغداء. «غداء العيد» شارك في أكثر من مهرجان، وحاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دبي السينمائي (تمّ إجراء المقابلة قبل مشاركة بو رجيلي في مهرجان Cinequest)، وينافس بنصّه في مهرجان ميامي... مما يشير إلى أن اختيار الممثلين كان صائباً. أعتقد أنها مغامرة ولكنها نجحت في النهاية، لا يمكن أن يشارك ممثل معروف أفراد العائلة، لأنه بذلك سيكسر واقعية المشهد، وبالتالي لن نصدق أنهم عائلة حقيقية.
- ما الذي أهّل الفيلم للفوز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان دبي السينمائي؟
شاهدت كل الأفلام المشارِكة في المهرجان، وهي أفلام رائعة ومحترفة. لم أكن واثقاً بأننا سنفوز بالجائزة، وعند الإعلان عنها كانت مفاجأة لنا، خاصةً أن لجنة التحكيم عالمية، ولو لم تكن مقتنعة بجدوى الفيلم لما اختارته، وهذا تقدير كبير لنا. وبعد الإعلان عن النتيجة، التقيت أعضاء لجنة التحكيم الذين أشادوا بحبكة النص وإدارة الممثلين من الناحية السيكولوجية.
- يزدحم النص بمشاكل اجتماعية وسياسية نعيشها في لبنان... هناك استفسارات كثيرة عن هذه الأحداث!
الفيلم لا يقدم أجوبة بل يطرح أسئلة. في طفولتي، كنت أتابع أفلاماً يعصى عليّ فهمها، وهذه الأفلام نفسها عندما شاهدتها بعد عشر سنوات تغيّرت نظرتي إليها، وحين بلغت سن الرشد وأصبحت في سن الكاتب فهمت مغزاها بطريقة مختلفة. هذه الأفلام تعتمد على الحالة التي تُشاهَد فيها، حتى أن تحديد المكان والزمان في الفيلم هو ضابط الإيقاع، إضافة إلى ديناميكية العائلة الموجودة في بيتها، كما أن هناك هوية للبيت وغرفه المتعددة. عندما نشاهد العمل مراراً ندرك كنه الأفكار التي يطرحها. ولا أرغب في الإجابة عن التساؤلات لأن كلاً منا يرى الإجابة من منظاره الخاص.
- التأتأة في الفيلم، هل هي ضمن النص أيضاً؟
هي جزء من إدارة الممثل، لكي يصدّق الجمهور أنه يشاهد عائلة ولا يُتابع تمثيلاً. من الصعب أن نصور فيلماً سينمائياً يكاد يكون وثائقياً.
- ثمة مشاهد لم تكن واضحة، أي Blur، لماذا؟
الكاميرا في الفيلم، وكما لاحظتم لم تكن ثابتة بل متنقلة. تشبه الى حد ما عفوية الممثلين. الـBlur هو نوع من العفوية أيضاً... إذ لم تظهر الكاميرا وكأنها تنتظر الحدث لمعاينته، فبدا لنا مسارها عفوياً وكأنها لا تعرف محتوى النص، لكن المصوّر يعرف حركة الممثلين، لدرجة أن أغلب المشاهد صُوّرت حوالى 28 مرة، لكي تكون متكاملة ويشعر الجمهور بالضغط النفسي والتشنّج المرافق للأحداث، ولكن مقص الرقابة لم يرُق له ذلك فاقتطع بعض المشاهد.
- من المستغرب أن تُعرض الأفلام في دبي كاملة، وعندما تصل إلى لبنان يُصار الى اقتطاع بعض مشاهدها، علماً أن لبنان هو بلد الحريات!
هذا صحيح. في دبي والمغرب عُرض الفيلم كاملاً. لكن أين هي حرية التعبير بتعريض فيلم لبناني الإنتاج والإخراج لمقصّ الرقابة؟ حتى أنه لم يُسمح لي بكتابة عبارة: «تم اقتطاع المشهد من جانب الرقابة»، وذلك في مشهد النهاية.
- لماذا عُرض الفيلم في مهرجان السينما الأوروبية؟
في هذا المهرجان يتم تكريم فيلم سينمائي لبناني إثر الانتهاء من عرض الأفلام الأوروبية.
- هل تعتقد أن الأفلام السينمائية اللبنانية تأخذ حقها في المهرجانات العالمية أكثر من لبنان؟
عندما يُعرض الفيلم كاملاً في دبي ويتم اقتطاع بعض مشاهده في لبنان، أؤكد أنه ينال المزيد من التقدير في الخارج.
- ألا تعتقد أن فيلماً يستغرق حواره حوالى ساعة على طاولة غداء يبدو طويلاً؟
لو أردنا مقارنته بأفلام أخرى، يمكن أن نجد وتيرته بطيئة نوعاً ما. أعتقد أن المُشاهد لما استمتع بالجزء الثاني لو لم يكن الجزء الأول أكثر بطئاً منه. الفيلم متكامل، ولولا الجزء الأول لما كان الجزء الثاني. هذا النوع من الأفلام يسمّى Low Burner Film.
- لي مأخذ على غالبية الأفلام اللبنانية إذ تُكثر فيها الألفاظ النابية...
نحن لا نعرف ما يحصل في المنازل. ثمة عائلات تستخدم الألفاظ النابية وأخرى لا.
- خرج الوالد إلى الشرفة ليأتي بسند مصرفي، هل ثمة من يحفظ أوراقاً رسمية في الشرفة؟
والدي! يخبّئ أوراقه الثبوتية في الشرفة. وما لا نتوقعه ربما يحدث في بيوت عائلات أخرى. أحداث الفيلم واقعية، فهي إما اختبرتها بنفسي أو استوحيتها من أصدقائي وأشخاص أعرفهم.
- لماذا لم تقدّم فيلماً تجارياً؟
علينا أن نسأل أولاً: هل ما يُعرض للجمهور هو فعلاً ما يحبّه! ثمة كثر شاهدوا الفيلم واستمتعوا به وهم ليسوا خبراء سينمائيين. البعض سأل ما إذا كان هناك جزء آخر لمتابعة تطور الشخصيات. كما أن الفيلم أضحك الجمهور أكثر من أي فيلم كوميدي، وبما أنه متنوع سيتفاعل كل مُشاهد مع إحدى شخصياته.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024