أم مع 3 توائم
حلمت ميشلين يزبك بطبوطة بالأمومة ثلاث سنوات قبل أن تنجب طفلها الأول، وعندما أرادت أن تكرر التجربة لعشقها للأطفال وجدت صعوبات خلال سنتين. لكن هذه المرة، عندما استجاب الله دعاءها، لم تكن تعرف أن التجربة ستكون مختلفة إلى هذا الحد، إذ كانت تحمل ثلاثة توائم. ورغم وقع الصدمة عليها وعلى العائلة في المرحلة الأولى، كان قرارها النهائي الحفاظ على أطفالها الثلاثة أياً كانت النتائج مع أنها تعرف حجم الصعاب التي ستواجهها خلال الحمل وبعده والمضاعفات التي قد تتعرض لها والتي كانت قد تعرضت لها أثناء حملها بطفلها الأول. لمناسبة عيد الام ولأن ميشلين عاشت تجربة الأمومة بكل صعابها ولم تر منها سوى الجانب الجميل والإيجابي، ولأنها تشكر الله على هذه النعمة التي أهداها إياها، كان لنا هذا اللقاء معها الذي تمكنت من خلاله من إيصال أجمل رسالة عن معنى الأمومة.
تتحدث ميشلين عن حملها بالتوائم بالإشارة إلى وجود توائم في العائلة لجهة أمها، بيد أنها لم تتوقع طبعاً أن تحمل ثلاثة توائم خصوصاً أنها وجدت بعض الصعاب في الإنجاب وكانت تحلم بإنجاب طفل واحد، لكن حملها بثلاثة بدا مستبعداً. تقول: «فكرت أني قد أحمل بتوأمين لكن ليس بثلاثة أبداً». فبعد خضوعها لعلاج بالهرمونات، وهي تؤكد أنها لم تحمل بالتلقيح الصناعي كما قد يفكر البعض لحملها بثلاثة توائم، تبيّن في فحص مستوى هرمون الحمل أن نسبته مرتفعة. لكن رغم ذلك لم تتوقع ميشلين أن السبب قد يكون حملها بالتوائم الثلاثة. ولاحقاً أبلغها الطبيب بالخبر الذي شكّل صدمة لها في البداية، خصوصاً أنها كانت قد واجهت صعاباً أثناء حملها بطفلها الأول حيث عانت تعباً شديداً وتورّماً في جسمها. وكان من الطبيعي أن تفكر أن هذه المضاعفات قد تتكرر أثناء حملها بثلاثة، لكن هذه المرة بشكل أكبر وبصعوبة كبرى. عن هذه المرحلة، تقول ميشلين: «تحدثت مطولاً مع العائلة ومع زوجي في موضوع حملي، خصوصاً أن الطبيب كان قد حذرني من الأخطار التي قد يحملها هذا الحمل لأن جسمي قد لا يتحمل وقد لا أعود قادرة على النهوض من السرير. كما حذرني من وجود احتمال كبير لوضع الأطفال في الحاضنة لأن الحمل بالتوائم لا يستمر عادةً حتى الشهر التاسع. رغم كل ذلك، كان قراري حاسماً ، ولم أفكر إلا بالحفاظ على أطفالي الثلاثة الذين لا يمكن أن أتخلّى عنهم بعد أن تحقق حلمي واستجاب الله دعائي».
مضاعفات كثيرة في الحمل
كانت مرحلة الحمل صعبة جداً على ميشلين، لكنها تحلّت بالصبر وتحملتها بكل عزم حتى تلد أطفالها المنتظرين. «عانيت كثيراً خلال الحمل، خصوصاً على أثر تورم جسمي كاملاً بدءاً من قدميّ نتيجة انحباس السوائل في الجسم . لكن الانحباس كان كبيراً إلى درجة أني أصبحت عاجزة عن رفع ساقيّ بمفردي لأضعهما على السرير. كان الألم شديداً وأشبه بوخز الإبر في جسمي. راح الورم يتصاعد من قدميّ وصولاً إلى أعلى جسمي، إلى أن وصل إلى الأجنة وهذا كان الأكثر صعوبة. ازداد وزني 40 كيلوغراماً في الحمل بسبب انحباس السوائل. وكان الطبيب قد توقع لي أن ادخل المستشفى في الشهر السادس وألا أتمكن من التحمل أكثر، لكن في الواقع تحمّلت حتى بداية الشهر الثامن. أعترف بأن عذاباتي هذه خلال الحمل شغلتني إلى درجة أني لم أكن أملك الوقت الكافي لأفكر في أطفالي كأي حامل تنتظر مولوداً. حتى أني شعرت بأني أهمل في هذه المرحلة طفلي البكر لأني كنت عاجزة عن الاهتمام به. لم يكن يهمني إلا أن يولد أطفالي سليمين وبصحة جيدة، خصوصاً أنه لم يكن من الممكن إجراء كل الفحوص اللازمة التي تجريها الحامل عادةً للتأكد من عدم وجود مشكلة أو تشوّه خلقي، بسبب حملي بثلاثة. وهذا ما كان يقلقني أيضاً».
من جهة أخرى، تحدثت ميشلين عن كيفية انتظار ابنها البكر لاخوته الصغار، مشيرةً إلى ان سنه لا تتخطى السنتين ونصف السنة، وبالتالي لم يكن يدرك تماماً معنى حملها وانتظارها اطفالاً هم أخوة له. فكل ما كان يدركه أن بطنها كبيرة وأنها مريضة لكونه يراها في السرير.
ولادة التوائم واللحظة الأجمل
ولد التوائم الثلاثة في 24 كانون الأول/ديسمبر، فحملوا أسماء نويل وكريس وماري، علماً أن الولادة كانت مبكرة في بداية الشهر الثامن. عن أجمل اللحظات في كل هذه المراحل التي مرّت بها تقول ميشلين: «اللحظة الأجمل هي تلك التي كنت فيها في غرفة العمليات عندما أخبروني بأن أطفالي الثلاثة بصحة جيدة وأنهم ولدوا بالسلامة. ومع أن أوزانهم كانت مقبولة وبلغت كيلوغرامين، إلا انها انخفضت كثيراً بعدها وقد وُضعوا في الحاضنة لفترة حتى يكتسبوا مزيداً من الوزن وكان الأمر يتطلب وقتاً. لذلك لم أتمكن من عيش تجربة الإرضاع كما كنت أحب مما تسبب لي بحالة من الاكتئاب، خصوصاً أني أردت إرضاع طفلي الذي ولد أصغر حجماً من أخوته ولم يكن ذلك ممكناً. كان الحليب يعطى لهم بالانبوب. وكم كان صعباً لي أن أعود إلى المنزل دون أطفالي وهم لا يزالون في المستشفى فيما يزورني الناس لتهنئتي بالولادة. لذلك عشت مرحلة من الاكتئاب. كنت أزورهم يومياً في المستشفى وأتألم بشدة لدى رؤية الأنابيب التي وضعت لهم . لكن ما كان يريحني هو أن الوضع لم يكن حرجاً وكانوا يتمتعون بصحة جيداً ولم يحتاجوا إلى الأوكسيجين حتى».
أجمل المشاعر رغم التعب
تعترف ميشلين بأن مرحلة العناية بالأطفال ليست سهلة، أبداً فهي تشعر مع أطفالها الثلاثة وابنها البكر بضيق الوقت والإرهاق لكون الأعمال لا تنتهي. ومع ذلك تنسى كل الهموم عندما تنظر إلى أطفالها الذين لا تريد أن تقصّر بحقهم وإن للحظة وتعرف بأنهم يستحقون كل الجهد الذي تقوم به والذي يبقى جميلاً لوجودهم قربها. عن عنايتها باطفالها، تقول: «لا وقت لي لأخرج لحظة رغم وجود أمي إلى جانبي طوال الوقت . لكن الاهم أن أطفالي يتمتعون بصحة جيدة وهم يتميزون بالهدوء مما يسهّل علي الأمور إلى حد ما. رغم العذاب الذي تخلّلها، تعتبر هذه المرحلة رائعة لي وأشعر بسعادة لا توصف. عشقي لأطفالي يتخطى التعب الذي أشعر به لظروف العناية بهم. أحاول قدر الإمكان ألا تكون أوقات العناية بالثلاثة في الوقت نفسه لأن الأمر شديد الصعوبة عندها، فأقوم بتقسيم الأوقات وترتيبها مداورة حتى يتسنى لي الوقت لأعتني بكل واحد في دوره، خصوصاً أني أكون أحياناً بمفردي ولا بد لي من تقسيم الاوقات بالشكل المناسب. إلا أن الأصعب يبقى في الليل لأنه لا يتسنى لي النوم، خصوصاً في المرحلة الاولى حيث أبدا بتقديم ما يلزم للأول من أكل وتغيير حفاضات ونوم وعندما يصل دور الثالث يكون دور الأول قد حان مجدداً وهو أمر مرهق لي. لذلك أحاول تولّي الأمور ليلاً مداورةً بيني، وبين أمي ليتسنى لكل منا النوم في وقت من الأوقات. هذا إلى أن اصبحت الأمور أسهل وأصبح الأطفال ينامون اكثر ليلاً».
من جهة أخرى، تتحدث ميشلين عن وجود أمها إلى جانبها قائلة: «أنا مقربة من أمي كثيراً أصلاً، وخلال هذه المرحلة تقربنا من بعضنا البعض أكثر فأكثر وعرفت أكثر قيمتها وقيمة ما قدمته لي وما لا تزال تفعله من أجلي. لها أهمية كبرى في حياتي ولا يمكن أن أنسى ما تفعله لي فهي تكرّس حياتها من أجلي. ازدادت علاقتنا متانة وقوة ومهما فعلت لا يمكن أن أعوّض وإن جزءاً مما تفعله. هي لا تتركني أبداً وحتى في الأوقات التي تكون فيها متعبة تطلب مني أن أذهب لأرتاح لتبقى مكاني رغم الإرهاق الذي تشعر به. فهمها الأكبر هو أن أرتاح أنا ولا تفكر بنفسها».
أما عن ابنها البكر فتقول إنها تعوّض عليه الآن، قدر الإمكان، تقصيرها معه في فترة الحمل، خصوصاً انها انتظرته أن تعيش معه تجربة الامومة للمرة الأولى ثلاث سنوات مما ساهم في تدليله بشكل زائد. «كان كل اهتمامنا، كعائلة، يصب عليه، لكوننا انتظرناه طوال ثلاث سنوات. هو طفلي الأول ولا أريد أن أشعره بأي نقص أو إهمال بحقه. لطالما اهتممت به كثيراً ولا ازال أفعل الآن، بقدر ما يسمح لي وقتي، خصوصاً أن أطفالي الصغار لا يزالون غير مدركين لهذه الأمور بعد، رغم العاطفة الكبرى التي أقدمها لهم».
حاضرة مسبقاً
عما إذا كانت ميشلين مستعدة مسبقاً لما واجهته من صعاب في العناية بثلاثة أطفال، لما في هذه التجربة من ضغط نفسي وتعب جسدي، تقول: «كنت مستعدة مسبقاً لما ينتظرني مع ثلاثة أطفال وفي الواقع تبدو لي الأمور أكثر سهولة مما واجهته عندما ولدت طفلي الأول شربل وإن كان وحده عنده. فقبل الإنجاب عشت سنوات حرّة أخرج ساعة أشاء ولا تقيّدني أي مسؤوليات أو مهمات كتربية الأطفال. لكن عندما أنجبت شربل احتجت إلى بعض الوقت لأعتاد على هذه المرحلة الجديدة في حياتي وعلى مسؤوليات الأمومة التي لا تعتبر سهلة. تبدو الأمور أسهل الآن لأنها لم تكن مفاجأة لي بل كنت أعرف ما ينتظرني . أدرك الآن ان أمامي سنة على الأقل أخصصها بشكل كامل لأطفالي وعليّ أن أنسى فيها أي شيء آخر حتى ينمو أطفالي قليلاً. وأود ان اشير هنا إلى أن زوجي وقف كثيراً إلى جانبي أو في مرحلة الحمل أو بعدها الآن حيث ينهض ليلاً ليتولى العناية بشربل عند الحاجة فيما أهتم أنا بالصغار خصوصاً أنه لا يزال هو في مرحلة يخشى فيها من حمل التوائم لأنهم لا يزالوا صغاراً.
أما ما حصل مع شربل فهو العكس إذ كنت أنا أخشى حمله في البداية، لكن اليوم اكتسبت المزيد من الخبرة وصرت أكثر قوة وصلابة من أجلهم لأني لا أريد أن أبقى ضعيفة لأنهم يحتاجونني ويجب أن أكون أماً بكل ما للكلمة من معنى. وبالتالي أنا مسؤولة عنهم الآن ولا بد لي أن أتولى أمورهم بنفسي. أشعر بأن المرحلة الحالية هي الأصعب وستصبح الأمور أسهل بالنسبة إلينا كلنا في المرحلة الآتية ما أن ينمو الأطفال قليلاً ويناموا بشكل أفضل. لكن في كل الحالات، سعادتي لا توصف فكل من اطفالي الأربعة يشكل جزءاً من قلبي، علماً أن عشقي لشربل نما أكثر مع الوقت وصار تعلّقي به لا يوصف حتى أني أعجز عن تأنيبه عندما يكون مخطئاً. كذلك بالنسبة إلى التوائم فتعلّقي بهم يزداد أكثر يوماً بعد يوم، خصوصاً اني أشعر بنوع من الذنب لأني كنت أتمنى لو أن حملي استمر وقتاً أطول لينموا بشكل أفضل في رحمي بدلاً من أن يعانوا وهم صغار إلى هذه الدرجة. لكن في كل الحالات أشكر الله على هذه النعمة التي أهداني إياها وأتمنى أن لأستحقها وأن أكون على قدر هذه المسؤولية».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024
شؤون الأسرة
اقتراحات تمييزية للتشويش على حق الأمهات اللبنانيات بإعطاء الجنسية لأطفالهن
شؤون الأسرة
عائلة حسام ورولا تنقل تفاصيل دقيقة عن الحياة في هولندا بكل صعوباتها وإيجابياتها
شؤون الأسرة