الإعلامي زافين قيومجيان يقدم «لبنان على الشاشة» بعدما قبض على «مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان»
الإعلامي اللبناني المتميز زافين قيومجيان، شخصية فاعلة في الميدانين الإعلامي والاجتماعي. بدأ مسيرته المهنية في العام 1992 مراسلاً إخبارياً في تلفزيون لبنان، حيث تنقّل بين نشرات الأخبار والبرامج السياسية. تخصّص في البرامج الحوارية الاجتماعية بعد أن انضم إلى تلفزيون «المستقبل» عام 1999، وهو لا يزال إلى اليوم في المحطة نفسها، محافظاً على ألق نجوميته التي عرفه بها جمهور الشاشة الصغيرة، وخصوصاً برنامجه «بلا طول سيرة» الذي يواصل حلقاته من دون توقف.
ينشط زافين أيضاً في ميدان الكتابة، وقد ألّف عدداً من الكتب التي تتعلّق بأمور الحياة والشاشة والذاكرة. وأصدر السنة الماضية كتابه الضخم «أسعد الله مساءكم: مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان»، ويتناول فيه قصة التلفزيون في لبنان، ليكتشف «أن خلف القصة حكاية وطن صنعته شاشة صغيرة بالأبيض والأسود، ثم عادت ونسجته حكاية ملونة في خيال فراشة هائمة في الصحراء».
جديد زافين اليوم هو الجزء الثاني، أو ما تبقى من «أسعد الله مساءكم»، في كتاب أنيق بعنوان «لبنان على الشاشة» lebnanon on screen، صادر باللغة الإنكليزية، 646 صفحة، طباعة أنيقة وفاخرة (هاشيت ـــــ انطوان)، بالتعاون مع الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة ـــــ ألبا.
ويقول زافين الذي تحدّث مطولاً إلينا عن الكتاب: «الكتاب مستوحى من كتابي السابق «أسعد الله مساءكم»، وهو بمثابة الجزء الثاني من الكتاب أو ما بقي منه. ويلخص الكتاب الجديد حقبة زمنية غنية بأهم لحظات التلفزيون، بأفضل وأسوأ الإنتاجات»... ويضيف: «يهدف الكتاب الى نقل تجربة تلفزيون لبنان الى العالم كي يكون هذا التلفزيون جزءاً من خريطة التلفزيون العالمي. وهو يحوي أكثر من ألفي صورة تغطي ثلاثة عقود ونيف من تاريخ لبنان. كما يتوقف عند منعطف نهاية الحرب 1991 وسبل انتقال التلفزيون اللبناني من زمن الحرب الى زمن السلم بعد «اتفاق الطائف». كذلك أردت من خلال الكتاب تسليط الضوء على رموز العصر الذهبي وأساطيره كما الأبطال والأشرار».
بحيوية وذاكرة صافية يتحدث زافين عن كتابه فيقول: «ذكريات مشاهدي التلفزيون في لبنان أيام العزّ وأيام الحرب يستعيدها هذا الكتاب (الكتابان) عبر شخصيات خيالية وأخرى حقيقية من لحم ودم، عاشت على الشاشة اللبنانية، وأضاءت منازل اللبنانيين في ليالي النور والنار».
ويُكمل حديثه موضحاً: «بدأت في الكتاب الأول، بجمع مئة لحظة تلفزيونية، هي أهم وأفضل وأشهر لحظات التلفزيون اللبناني في ثلاثة عقود... من لحظة التأسيس في العام 1959، إلى تجارب البدايات في الستينيات، والزمن الجميل في السبعينيات، فالحرب في الثمانينيات، وصولاً إلى العام 1989 وولادة الجمهورية الثانية.
ليست هذه اللحظات التلفزيونية مجرد لقطات مبعثرة من أرشيف مغبرّ، وإنما هي محطات صنعت الثقافة الشعبية لأسطورة وطن وذاكرة وشعب بنى حلماً سمّاه لبنان، وعاد وحطّمه في علبةٍ صغيرةٍ احتلت غرفة الجلوس في كل بيت. تختزل لحظات هذا الكتاب أحلام ثلاثة أجيال من اللبنانيين وخيباتهم، يرويها كما أظهرتها الشاشة الصغيرة. بعضها حاضر فينا، وبعضها غاب وضاع... أو هكذا اعتقدنا. لا شيء يضيع في صندوق الذاكرة. ننسى وحسب لنفاجأ في لحظة واحدة كم أننا نتذكّر. عبق هذا الكتاب يستهدف من عاش تلك الأزمنة، التي تبدو اليوم كما لو أنها تاريخ ما قبل التاريخ. ويستهدف كذلك من يدفعهم الفضول لمعرفة لماذا أصبحنا على ما نحن عليه اليوم، في الشاشة وخلفها».
«ليس للتلفزيون سمعة حسنة»، يقول زافين ويشرح معلّلاً: «إزاء الكتاب هو أداة تجهيل وتسطيح، إزاء المدرسة هو وسيلة لهو، وإزاء المسرح هو وسيلة استهلاك... الكثير منه ضارّ، والقليل منه مضيعة للوقت. هكذا قال لنا أهلنا، وهكذا سنقول لأولادنا. مسكين التلفزيون: هو نفخ في الهواء، وهواؤه مفتوح ومشرّع أمام سهام النقد والتسخيف من كل الاتجاهات. تعايش التلفزيون اللبناني مع هذه السمعة وعاش، ومعه عشنا لحظات ساهمت في تكوين ثقافتنا الشعبية وهويتنا الوطنية. هي لحظات صنعتنا، شئنا أم أبينا، على ما نحن عليه اليوم أفراداً وجماعاتٍ... فكراً وعلماً وذوقاً وخيالاً وسلوكاً اجتماعياً وجماعياً».
يعترف زافين ويقول: «أكثر من خمسة وخمسين عاماً مرّت والتلفزيون يجمعنا ويفرّقنا، يبكينا ويضحكنا، يشعرنا بالراحة والتحدي والدهشة، ويزيدنا معرفة وجهلاً. في هذا التناقض يكمن سرّ التلفزيون وعظمته. عظمة يصعب على من يرونه آفة تفسد الذوق العام أو بوق سلطة، أو بائعاً متجولاً، الاعتراف بها والتسليم بأمرها. مشكلة هؤلاء أنهم يريدون التلفزيون كتاباً أو مدرسة أو مسرحاً. هو لا هذا ولا ذاك. التلفزيون هو التلفزيون. هو قادة الدول ونجوم الفن وهواة الشهرة في منازلنا. هو أبو ملحم وأبو سليم وفهمان ودويك وشوشو وبلبل ووردة والمختار وكابتن بوب وأبو الزوز، والعشرات العشرات غيرهم مجموعين في علبة واحدة داخل غرفة النوم».
يحاول زافين في كتابه توثيق وإعادة إحياء ما يعتبره أهم وأشهر مئة لحظة تلفزيونية لبنانية في الأخبار والأحداث والترفيه والدراما بين الأعوام 1959 و 1989 «كما يحاول أن يُغيّر الكثير من المفاهيم السائدة حول التلفزيون والفن اللبناني في مرحلته الذهبية، ويعيد رسم صورة أبطال هذه المرحلة ورموزها، لتقديمها إلى جيل جديد من المشاهدين أيقونات حيّة وحاضرة».
التزم زافين في كتابه البحث بمعايير صارمة لتحديد هذه اللحظات، بغض النظر عن الأهمية المعنوية والجماهيرية والإنسانية لأصحابها أو كتّابها أو منتجيها: «لا تُعبِّر هذه اللحظات بالضرورة عن أهم ما قدّمه التلفزيون اللبناني في مرحلتي الزمن الجميل والحرب، ولا عن أهم الشخصيات التي مرّت على الشاشة من إعلاميين ومبدعين ونجوم، بل عن اللقطات والمواقف والبرامج التي أحدثت الفرق، لأنها كانت الأولى من نوعها، أو لأنها كانت الأكثر مشاهدة أو الأكثر تأثيراً، أو الأكثر تعبيراً عن زمانها وناسها، والقاسم المشترك بين هذه اللحظات هو أنها لحظات تمرّد. لحظات ابتدعها صنّاعها، لكنها خرجت عن طوعهم وباغتتهم لتصير مُلك الشاشة والمشاهدين، عندما كانوا لا يزالون يشاهدون التلفزيون... على التلفزيون».
بدأت «مغامرة» زافين في البحث عن أهم وأشهر لحظات التلفزيون اللبناني عام 1994، حين كلّفه المدير العام للتلفزيون في حينها فؤاد نعيم إعداد تقرير إخباري عن أرشيف «تلفزيون لبنان». وقد أدخله هذا التقرير، للمرة الأولى إلى غرفة الأرشيف في مبنى الحازمية، وخرج منها مصاباً بلوثة الأبيض والأسود: «لقد استغرق العمل على إعداد هذا الكتاب خمس سنوات متواصلة من البحث والتنقيب ومشاهدة مئات الساعات التلفزيونية، وكذلك استعراض آلاف الصور الفوتوغرافية الخاصة والعامة. خمس سنوات قابلت خلالها أكثر من 200 شخصية من روّاد صناعة التلفزيون في لبنان، ممن عملوا أمام الكاميرا وخلفها. واعتمد الكتاب على شهادات هؤلاء، وعلى مشاهدات مشاهدين أعادوا صوغ حكايا التلفزيون كما عاشوها وتذكّروها».
لم يكتف زافين بدور المتلقي أمام الشاشة، ولا بدور اللاعب خلفها، بل بحث عن دلالات ما ظهر عليها، وفاءً لمن سبقه من صنّاع التلفزيون، وحرصاً على أن يكون لهذا الجهاز المنزلي الأكثر شعبية ذاكرة وجذور.
صور نادرة من أزمنة مضت. نجوم لمعت وخبت. طرائف وأخبار لم ولن تخبرنا إياها المذيعة الرصينة. حكايات مثيرة شغلت الكواليس. مشاحنات سياسية استعرت في الاستديو، لم يصلنا منها سوى ابتسامة لائقةٍ تمليها أضواء الكاميرات.
من دوستويفسكي وفكتور هوغو إلى شوشو وأبو سليم، دراما نخبوية لم نتوقع أن تكون قد وجدت يوماً، وأخرى شعبية مهدت للحداثة.
تاريخ وذاكرة ووقائع جمّة حضرت في كتاب زافين، هذا الكتاب الأنيق الذي احتوى، بالصوّر والكلام، على مشاهد الزمن الجميل، وأهم ما يحمله الكتاب، هو البقية التي فاضت بمخزونها، مخزون الذاكرة، لتعرف الأجيال تاريخ الزمن الجميل الذي لا يغيب بحضور كتاب كهذا بين أيادي تلك الأجيال المستقبلية.
الصور في الكتاب تمثل ذاكرة ناطقة بالصوت والصورة. وهي تكاد تتكلم لما فيها من حنين وتعابير مضت (لم ولن تمضي). نجح زافين وفعل الكثير عبر الصور، صور الكتاب التي قالت وشرحت وعبّرت أكثر من الكلام.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024