تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

التوأمان بركة للعائلة ولكن...

يبدو مشهد التوأمين وهما يسيران جنباً إلى جنب أمراً لافتاً لأنظار الآخرين، فأينما وُجدا سواء في السوق أو الشاطئ أو المتجر تسمع الأم عبارة «ماشاء الله كم هما جميلان»! من الجميل أن يكون في العائلة توأمان، ولكن هذا لا يعني أن أسلوب تربيتهما سهل.
فما
هي المشكلات التي تواجهها الأم؟ وما النصائح التي يسديها الاختصاصيون إلى الأم الحامل بتوأمين؟ وكيف يجب التعامل معهما لينشأ كل واحد منهما بشخصية مستقلّة؟ وماذا عن الأخ أو الأخت غير التوأم؟ هل يتأثر بوجود شقيقين توأمين؟
«لها» التقت كالين عازار الإختصاصية في علم نفس الطفل، لتجيب عن هذه الأسئلة وغيرها.

في البداية تقول عازار: «ليس التوأمان شقيقين عاديين، بل أخوان أمضيا معاً 9 أشهر في رحم أمهما تشاطرا خلالها كل الأحاسيس الجميلة التي كانت تشعر بها وتعرّفا إلى بعضهما قبل أن تفعل هي.
وعندما وُلدا بدأت رحلة حياتهما معاً، ينظران حولهما ويستكشفان كل ما يحيطهما، ويحاولان لمس الأشياء، ويتبادلان المناغاة، ويبدآن خطواتهما الأولى معاً... رغم هذه الصورة الجميلة لا تخلو تنشئة التوائم من صعاب تواجهها الأم.
لذا أنصح الأم الحامل بالتحدث مع أمهات مررن بتجربة إنجاب توأمين، ليخبرنها عن الأخطاء التي ارتكبنها وعن الأمور الصحيحة التي قمن بها.
إضافة إلى ضرورة استشارة طبيبها النسائي الذي أصبحت لديه خبرة كافية في هذا الموضوع، فهو من خلال خبرته يمكنه إسداء النصائح المتعلقة بالأمور النفسية».

- ماالذي يجدر بالأم الحامل التي تعرف أنها ستلد توأمين أن تقوم به قبل الولادة؟
لحسن الحظ أصبح في إمكان الأم الحامل اليوم معرفة جنس الجنين قبل الولادة وما إذا كانت حاملاً بتوأمين.
لذا فالنصيحة الأساسية قبل ولادة التوأمين هي، عدم اختيار اسمين متقاربين من حيث الصوت والإيقاع والأحرف مثل هادي وشادي، فهذا النوع من الأسماء يؤدي إلى التباس أثناء مناداة أحدهما.
لذا من الضروري اختيار اسمين مختلفين تماماً مثلا رامي وأحمد. فمناداة أحدهما باسم الآخر، وكثيراً ما يحدث هذا الأمر عند زيارة الأقارب، قد يجعل أحد التوأمين يظن أن الآخر محبوب أو مفضل عند الآخرين.

- ما التدابير التي على الأهل اتخاذها بعد ولادة التوأمين؟
لا يجوز أن يضع الأهل التوأمين في الخانة نفسها، بل من الضروري التفريق بينهما منذ لحظة الولادة، وأن يكون التواصل بين الأم والتوأمين في شكل مستقل مرتكز على أن لكل واحد منهما شخصيته الفريدة.
لذا أشدّد على ضرورة التعامل مع التوأمين كشخصيتين مستقلتين فالتعامل معهما على أنهما شخص واحد يؤثر سلباً في علاقتهما مع بعضهما ومع الآخرين.
مثلاً حين ترضع أحدهما عليها أن تتواصل فقط مع طفلها الذي بين أحضانها، وتتجنب التفكير بالشقيق التوأم فلا تقول مثلاً بعد خمس دقائق سوف أُرضع أحمد.
صحيح أن هذا صعب على الأم لكن عليها التعوّد على الأمر منذ اللحظة الأولى للولادة، فهي إذا شرعت في التفكير على هذا النحو سوف تسهّل على نفسها طريقة التعامل مع التوأمين في المستقبل. لذا عليها أن تضع كل طاقاتها وتفكيرها في الطفل الذي أمامها. فالرضيع يحس بكل ما تشعر به والدته.
وهنا أشير إلى أنه من الملاحظ أن حوار الأهل مع التوأمين يكون بصيغة المثنى «أنتما» بدل «أنت».
لذا على الأهل أن يحاولوا توجيه الحديث إلى كل واحد منهما منفرداً، فبدل أن تقول الأم «ما أروعكما أيها التوأمان»، عليها أن تخاطب كل واحد منهما بلهجة منفردة كأن تقول «كم أنت جميل يا طفلي».
فلكي ينمو التوأمان في شكل سليم يحتاج كل واحد منهما إلى الشعور بأنه طفل فريد في نظر والديه.

- من الملاحظ أن التوأمين يحبان اللعب مع بعضهما. إلى ماذا يمكن أن يؤدي هذا؟
بالفعل تفرح الأم عندما ترى طفليها التوأمين منسجمين يلعبان مع بعضهما ويتناولان الطعام معاً ويأويان إلى الفراش في اللحظة ذاتها، أي أنهما يقومان بكل الأمور معاً، في حين أنبّه من هذا الأسلوب في التربية لأنه قد يؤدي إلى عزلة التوأمين عن المجتمع، فهما يشعران بأنهما ليسا في حاجة إلى اللعب مع أطفال آخرين، الأمر الذي يؤخر قدرتهما على اكتساب المهارات الاجتماعية والتعامل أو التواصل مع أقرانهما في شكل سليم.
لذا أنصح الأم بأن تدعو أطفالاُ آخرين للعب معهما، كأن تدعو ابن أختها ليلعب مع أحمد وابن الجيران ليلعب مع رامي.
فهي بذلك تمهّد لهما الطريق ليكون لكل واحد منهما شخصيته المستقلة، وتوفّر على نفسها مشكلة انفصالهما التي ستواجهها حين يدخلان الحضانة أو المدرسة.

- ماذا عن الحضانة و المدرسة؟
من الضروري فصل التوأمين عن بعضهما في الحضانة وفي المدرسة. لذا يجدر بالأم أن تطلب من الحادقة في الحضانة أن تضمّهما إلى مجموعتين مختلفتين، وفي المدرسة يجب أن ينتسب كل واحد منهما إلى صف مختلف.
فيكون لكل واحد منهما معلّمته وأصدقاؤه مما يعزز استقلالية كل واحد منهما، ويطور مهاراتهما الاجتماعية.
وقد يبدي التوأمان استياءهما وحزنهما من هذا الانفصال، مما يشعر الأهل بالذنب. لذا عليهم أن يفكروا بعقلانية ويدركوا أن هذا الانفصال في مصلحة التوأمين.
ولكن في الوقت نفسه لا يجوز أن يكون الفصل مفاجئاً لئلا يظن التوأمان أن الحضانة أو المدرسة هي السبب، فيكرهانها. بل يجب أن يكونا قد استعدا للأمر قبل ذلك، كما ذكرنا سابقاً، أي أن تكون الأم قد عززت لديهما التواصل مع الآخرين من خلال دعوة أقران يلعبان معهما وفي شكل مستقل.
كما من الضروري أن يكون لكل واحد منهما نشاطاته اللاصفية الخاصة، فمن المفيد أن يقوم التوأمان بنشاطات لاصفية منفصلة كالموسيقى أو الرسم أو الرياضة... فالفصل في النشاطات يجعل الأقران والمدربين يتعاملون معهما على أساس أنهما كيانان مستقلان وليس أحدهما مكملاً للآخر.

- ماذا عن الشقيق غير التوأم؟ ألن يشعر بالغيرة والإنعزال خصوصًا أن التوأمين غالبًا يفضّلان اللعب مع بعضهما؟
صحيح، قد يشعر الشقيق بالغيرة من شقيقيه التوأمين خصوصًا إذا كانا قد وُلدا بعده، فهو لفترة ليست بعيدة كان سيد البيت، وفجأة صار لديه أخوَان لا أخ واحد.
فمن المعلوم أن الطفل الأول في العائلة يشعر بالغيرة من الثاني، فكيف إذا أتاه شقيقان دفعة واحدة وأنزلاه عن عرشه؟! التوأمان سيكونان محط أنظار الجميع سواء في العائلة أو خارج محيط العائلة والكل يجدهما طريفين، كل هذا قد يشعر الأخ الكبير، خصوصًا إذا كان التوأمان من الجنس نفسه ولا يوجد فارق كبير في السن بينهم، بالإنعزال والظلم، فهما يلعبان معًا وأحيانًا يتفقان عليه، فيدعيان مثلاً أنه هو من كسر الإبريق، أو تعدّى عليهما.
لذا أنصح الأم أن تنتبه إلى هذا السلوك وتتحقق من سبب المشكلة، كي لا تظلم أحدهم. كما من المهم جدًا أن تحضّر ابنها البكر لولادة شقيقيه التوأمين، كي يتوقع ما ينتظره في المستقبل.

- ماذا عليها أن تجيب عندما يسألها ابنها لماذا شقيقاي توأمان، وأنا ليس لدي توأم؟ وكيف تجعله يعبّر عن غيرته؟
أن تكون واضحة معه، وتشرح له الأمر بشكل مبسط يستوعبه، ويمكنها الإستعانة بكتاب خاص لعمره يشرح كيفية تكوّن التوائم.
وتحاول أن تخفف حدة غيرته بالعبارات اللطيفة كأن تقول له مثلاً «أدرك شعورك، الواحد منا يشعر بالغيرة إذا ما أصبح له شقيق واحد فكيف بشقيقين دفعة واحدة، وهذا حقك، ولكن ليس من حقك أن تؤذي أحدهما، كما ليس من حق كل واحد منكم أن يؤذي الآخر.
وأعرف أنني منشغلة عنك، ولكن المشكلة أنني علي الإهتمام بهما. فأنت عندما كنت في سنهما كنت أهتم بك مثلهما، ولكن الفارق أنك كنت واحدًا وهما إثنان».
ويمكن أن تدخل الأم بعض الطرافة على الموضوع كأن تقول له مثلاً «تخيّل أن علي أن أطعمها وأغير حفاضهما في الوقت نفسه! هذا صعب، أليس كذلك؟!»

- بالعودة إلى التوأمين لماذا نلاحظ في كثير من الأحيان أن شخصيتيهما متناقضتان إلى أقصى حدود؟
بالطبع لكل توأم شخصية خاصة به وطباع ونمط في التفكير وفي النمو مثلهما مثل كل الأطفال. ولكن الذي يحدث أن الأهل هم الذين يُسبغون على أحد التوأمين نعتًا أو صفة معيّنة. مثلا تقول الأم عمر حنون مثلي بينما علي جريء مثل والده.
ويعامَل التوأمان على هذا الأساس، وأحيانًا نجد أحدهما يتكل على الآخر في كل شيء إلى درجة أن يسيطر أحدهما على الثاني.
لذا أشدد على أن ضرورة أن يتعامل الأهل مع التوأمين على أساس أن لكل واحد منهما شخصيته الفريدة والمميزة وكذلك نمطه في النمو والتفكير، وبالتالي عندما يعرف الوالدان نقاط القوة عند كل منهما ونقاط الضعف، عليهما تصويب السلوك وتعزيز هوية كل واحد منهما حتى ينموَا بشكل مستقل ويستطيع كل واحد منهما تدبّر أموره وتحمل مسؤولياته.

- ما هي الإرشادات التي تنصحين بها الأهل لتعزيز الهوية المستقلة لكل من التوأمين؟
بداية ليس هناك من مانع أن ينام التوأمان في الغرفة نفسها شرط أن يكون لكل واحد منهما ركنه الخاص.
فإذا لم يكن في مقدور الأهل أن يجعلوا لكل واحد منهما غرفة خاصة ففي إمكانهم أن يلجأوا إلى حيل في ديكور الغرفة كأن تكون مثلاً ألوان أغطية السريرين مختلفة أو لكل واحد منهما صندوق خاص يضع فيه ألعابه... فبهذه الطريقة يكون لكل واحد منهما ركنه الخاص المختلف عن الآخر.
من الضروري أن تتجنب الأم شراء الملابس نفسها للتوأمين، ولا يقتصر ذلك على الألوان بل على الأسلوب أيضاً.
فقد يبدو ارتداء التوأمين الملابس نفسها ظريفاً خصوصاً عندما يلتبس الأمر على الأقارب فينادون أحدهما باسم الآخر، وقد يجد التوأمان في الأمر طرافة، ولكن هذا الالتباس قد يؤثر سلباً في استقلاليتهما.
لذا من الضروري أن تختار الأم الملابس المختلفة في الشكل واللون، كما يجدر التنبه إلى تسريحة الشعر التي يجب أن تكون مختلفة، مما يساعد المحيطين والأقارب في التمييز بينهما.
ويجب معرفة رغبة كل واحد منهما: غالبًا ما يسيطر على تفكير معظم الأهل الذين لديهم توأمان هاجس المساواة المطلقة بينهما، وذلك خشية أن يشعر أحدهما بأن أهله يحبون شقيقه أكثر منه. في حين أن هذه المساواة يجدها التوأمان غير عادلة، فإذا كان رامي مثلاً يود الذهاب إلى المسبح فهذا لا يعني أن أحمد يريد ذلك.
لذا أنصح الأهل بضرورة أن يعرفوا رغبة كل واحد منهما. فإذا أرادت الأم مثلاً شراء ألعاب لهما من المفضّل أن تصطحب أحدهما إلى السوق ليختار لعبته وفي اليوم التالي تصطحب الآخر.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080