تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

سلوك مدمّر... هذا ما يحصل عند التمييز بين الأبناء؟

سلوك مدمّر... هذا ما يحصل عند التمييز بين الأبناء؟

هبة في حالة انهيار نفسي تام. في كل مرة تذهب إلى طبيبها النفسي يسألها السؤال نفسه: "هل هناك شيء لم تحكِ عنه بعد؟ هل هناك تجربة لم تروِ تفاصيلها؟".

تنفعل هبة مؤكدة: "أحكي لك عن كل شيئ، مشكلاتي في العمل، والظلم الذي أواجهه من الناس، فأنا أحاول أن أكون جيدة". يزداد انفعال هبة وتقول لطبيبها: "حتى أمي تراني غير مفيدة".

كانت تلك هي الجملة التي استوقفت الطبيب، فهذه هي المرة الأولى التي تأتي فيها هبة على ذكر والدتها، فباغتها بالسؤال: "إلى هذه الدرجة أنت غاضبة من أمك؟".

أزمة مقارنات

انتبه الطبيب إلى أن الأزمة النفسية التي تمر بها مريضته ترجع لطبيعة علاقتها بوالدتها، وهي نوعية المشاكل التي تصادفه كثيرًا بسبب أسلوب التربية، والمقارنات التي تعقدها الأم طوال الوقت، مع أقارب وقريبات أبنائهن وبناتهن.

تلك الأمور التي تعتبرها الأمهات أشياءً تافهة، ولا تستحق التوقف عندها، هي في الحقيقة مقارنات تعقد في لحظات انفعال، إلا أنها مدمرة على المدى الطويل، ولا يجوز ذكرها حتى بين الأشقاء.

ومن هنا ترك الطبيب هبة تروي أزمتها كاملة. انهمرت دموع هبة وهي تروى لطبيبها: "الفارق بيني وبين أكبر شقيقاتي 17 سنة. أنجبتني أمي في التوقيت نفسه الذي أنجبت فيه شقيقتي الكبرى أولى بناتها سهى، وكان الفارق بيننا بضعة أيام، تربيت أنا وابنة شقيقتي معًا، ولكن بما أن سهى كانت هي الحفيدة، نالت كل الاهتمام، ونشأت أنا دون رعاية حقيقية من والدتي، ودائمًا ما كان الكل يقارن بيني وبين سهى: هي الأجمل.. سها هي العاقلة والهادئة وأنا المشاغبة.. هي تشبه الأميرات... بيضاء وشعرها طويل، وأنا سمراء وشعري مجعد".

وتضيف: "في فترة المراهقة ضبطتني شقيقتي الكبرى أتكلم مع ابن الجيران، وكان نصيبى علقة ساخنة، وكلاماً من نوع: شوفي سهى محترمة وما بتعرفش ولاد (مع أنني في الحقيقة كنت أقلد سهى، لكن لم يصدقني أحد). أصبحت كاذبة في نظرهم، في حين ظلت سهى الملاك البريء. تلك المقارنات استمرت طوال الوقت، حتى بعد زواج سهى وزواجي، وأصبح هدف حياتي هو محاولة إثبات أنني أفضل منها".

هناك الكثير من الحالات التي تشبه حالة هبة، حيث تروى شيماء "الثلاثينية" أنها تربت دائمًا على أنها الأقل بين شقيقاتها، فهن الأجمل، ويمتلكن بشرة بيضاء، وأكثر طولاً، وهي سمراء وأقصر.

تقول شيماء: "تلك الطريقة في التربية جعلتني أشعر دائمًا بالدونية، وأنني أقل من كل المحيطين بي، وليس شقيقاتي فقط، وصرت أكثر تقوقعًا على نفسي وحتى أخشى النظر إلى نفسي في المرأة، ووجدت نفسي أقوم بخدمة الجميع حولي. ولكن في لحظة أفقت، وبعد انهيارات كثيرة وجدتني أدخل في صراع من نوع جديد، وهو سعي دائم لأن أثبت لكل من حولي أنني أحسن وأفضل، لألفت أنظارهم فقط إلى أننس إنسان جيد بغض النظر عما تم زرعه في نفسي، وللأسف هذه الحالة انعكست على كافة تفاصيل حياتي".

أساليب خاطئة

مستشار إطلاق القدرات وتطوير الذات، سليمان بن علي العلي، أكد في تصريحات صحافية سابقة لجريدة "الرياض" أنّ التفرقة بين الأبناء من الأساليب التربوية الخاطئة، التي تكون لها آثار وعواقب خطيرة على نفسية الأبناء، منها الحقد، والغيرة، والأنانية، وتولد أيضًا الكراهية بينهم، وينتج عنها أبناء غير أسوياء، فيما تكون الصحة النفسية للأطفال بالمساواة بينهم، بصرف النظر عن الجنس‏ أو السن‏، حيث إنّ التفرقة ينتج عنها شخصية حقودة.

وأضاف أنّ التفرقة بين الأبناء من المبادئ المرفوضة تربويًا، والتي يقع فيها الوالدان ويكون لها العديد من السلبيات، ويترتب عليها تكوين شخصيات مملوءة بالغيرة، فضلاً عن الانانية التي تتكون لدى الشخص المميز في الأسرة، والذي يحظى بالقسط الوفير من الاهتمام والامتيازات، ورغبة في الحصول على ما في يد الآخرين، وكثرة الطلبات التي لا تنتهي، مع عدم الاكتراث بالآخرين أو مراعاة مشاعرهم‏.

نقلاً عن شبكة الحياة الاجتماعية

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079