تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

الرسوب المدرسي والصيف

تغمر معظم التلامذة السعادة مع انتهاء الفصل الدراسي، ويبدأون التخطيط لإجازة صيفية لا درس فيها ولا همّ امتحانات وعلامات واستيقاظ مبكر، بل سهر ونشاطات ترفيهية، فيما بعض التلامذة يشعرون بالغصّة لأنهم رسبوا وإجازتهم الصيفية لن تكون مثل إجازة أقرانهم، بل لوم وعتاب من الأهل، وربما دروس مكثّفة، وربما لا هذا أو ذاك وإنما بمجرد أن يلتقوا أصدقاءهم الناجحين يشعرون بالحزن أو الخجل لأنهم رسبوا.
فما هي أسباب رسوب التلميذ إلى درجة إعادة صفه؟ وماذا على الأهل أن يفعلوا؟ وهل يمكن خلال العطلة الصيفية ردم الثغرات المدرسية؟
« لها حملت هذه الأسئلة إلى الإختصاصية في التقويم التربوي لمى بنداق...

- ما هي اسباب الفشل المدرسي؟
هناك ثلاثة أطراف مسؤولة عن الفشل المدرسي، الأهل والمدرسة وأخيراً التلميذ، فغياب التعاون والتواصل بينهم قد يؤدي إلى رسوب التلميذ، خصوصاً في المرحلة الابتدائية.
فالتلميذ في هذه المرحلة في حاجة إلى مساعدة الأهل ومتابعتهم وتعاونهم مع إدارة المدرسة لمعرفة ما يواجهه من صعاب تعلّمية والعمل على تخطّيها.
ولكن قبل الحكم على من يقع اللوم في رسوب التلميذ، يمكن تحديد أسباب الرسوب بالآتي:

صحية
قد يكون التلميذ يعاني مشكلة في نظره أو مسمعه أو أي عارض صحي يمنعه من التركيز في الصف.
لذا نصر على الأهل على إجراء الفحوص الطبية للتلميذ خصوصًا في المرحلة الإبتدائية، لأنه يصعب على التلميذ في هذه السن إدراك ما إذا كان يعاني مشكلة صحية أم لا.

نفسية
منها أن التلميذ ربما يواجه مشكلات عائلية كأن يكون الوالدان على خلاف دائم مما يشعر الابن بالقلق والخوف من انفصالهما، فينشغل باله ويفقد تركيزه على الدرس، أو أنه يواجه صعوبة في بناء علاقات صداقة مع أترابه فيميل إلى العزلة، أو أنه تلميذ خجول مما يمنعه من المشاركة في الصف، فيؤدي ذلك إلى تراجع أدائه.
مثلاً إذا لم يفهم شرح الأستاذ يتردد في طرح الأسئلة بسبب خجله مما يؤدي إلى تراكم الثغرات التعليمية لديه، ويصبح غير قادر على الاستيعاب.
كما من الممكن أنه لا يحب أستاذ المادة فلا يهتم بها وبالتالي يسوء أداؤه فيها.

صعاب تعلّمية
منها أن التلميذ قد يكون مصاباً بالديسليكسيا Dyslexia أي عسر النطق، وحين لا يستطيع الكتابة في شكل جيد فمن المحتمل أنه يعاني الديسغرافيا Dysgraphia، أي عسر الكتابة، أما عدم قدرته على حل المسائل الرياضية المجرّدة فقد تكون مؤشر للديسكالكوليا Dyscalculia أي عسر الرياضيات.
إهمال التلميذ دروسه خصوصاً في سن المراهقة حين تصبح لديه اهتمامات أخرى تتعلّق بهوّيته الجديدة واستقلاليته... فينظر إلى التعليم على أنه أمر لا طائل منه، ولكن هذا لا يعني أن جميع التلامذة لديهم النظرة نفسها، بيدأ أن غياب متابعة الأهل وإشرافهم منذ الطفولة قد يعطي التلميذ انطباعاً أن التعليم ليس أمراً مهماً.
أو قد يكون العكس، أي حين تكون العلاقة بين الأهل والتلميذ مشروطة بنجاحه المدرسي قد يحصل رد فعل سلبي عند التلميذ فيكون رسوبه طريقة للفت انتباه أهله إليه خصوصاً إذا كان طفلاً.

- كيف على الأهل التعامل مع ابنهم الذي يعيد صفّه، خلال الصيف؟
لا يجوز أن تتحوّل العطلة الصيفية إلى فصل مدرسي ثانِ أو عقاب، ولا يجوز أن يكون الدرس محور العلاقة بين الأهل والتلميذ لأنه سوف يظن أن قيمته وحب أهله مشروطان بالنجاح المدرسي.
ولكن يمكن الأهل تخصيص ساعات للدرس شرط أن لا تلغى الأنشطة الأخرى.
إذ من الضروري أن يخرج التلميذ ويلتقي أصدقاءه. ولا يجوز حرمانه كل ما يحبه لأن ذلك سيؤدي إلى عرقلة تقدّمه.
فالدرس ليس قصاصاً بل يجب أن يعرف أنه بعد الدرس ثمة أمور جميلة سيقوم بها ويجب أن يعرف مسبقاً البرنامج اليومي فهذا يشعره بالراحة.
وإذا كان الأهل لا يستطيعون مساعدته أو ليس لديهم صبر وكانوا ممن يصرخون على أطفالهم أو يضربونهم أو يطلبون منهم المستحيل.
عندها من الأفضل تعيين أستاذ خصوصي، وتكون العلاقة بين الابن والأهل علاقة عاطفية تسودها المحبة.
لذا فالتأنيب ممكن أن يعطي نتيجة لفترة محدودة ولكن آثاره السلبية على التلميذ لا يمكن إحصاؤها من حيث تشويه صورته لنفسه، وقلة ثقته بنفسه، وإلغاء الحافز الذاتي للعمل والإنجاز.
فكلما سمع التللميذ أنه ليس على المستوى المطلوب بالإضافة إلى الكلمات والنعوت الجارحة يصبح لديه إقتناع بأنه كذلك.
أمّا بالنسبة إلى القصاص فيعتمد على نوعه ومدته وشكله وتوقيته، فإذا نفذت لدى الأهل جميع أنواع التحفيز الإيجابي، يمكن البدء بالقصاص بإلغاء بعض المكتسبات مثل تقليل الوقت المخصص للعب على الكمبيوتر، أو أي من الألعاب المحببة للولد، وتتدرج لحرمانه منها لوقت محدد وقصير نسبيًا.
أمّا القصاص بالعزل فهو أيضًا يجب أن يراعي المكان والزمان والتوقيت.
وأهم شيء أن نشرح للتلميذ الأسباب المباشرة التي من أجلها يعاقب، فمعظم التلامذة لا يستطيعون الربط بين السبب والنتيجة ولهذا تبقى الأمور غير مفهومة لديهم لذا يجب شرح ذلك.

- كيف يمكن الأهل التأكد من وجود أو عدم وجود صعوبة تعلّمية لدى ابنهم؟
يجب الرجوع إلى الاختصاصيين بحيث يتم دراسة ملف التلميذ على جميع الصُعُد من سلوكية وعاطفية، وأكاديمية، وإجتماعية، وتطورية ومن ثم إخضاع التلميذ للإمتحانات المقننة لتحديد إمكانية وجود صعوبة تعلمية أو لا.
ويجدر بالذكر أن معظم الصعوبات التعلمية ليست متعلّقة بمستوى الذكاء لدى التلميذ لذلك نجد أن التلميذ يعاني من صعوبة تعلمية وفي الوقت نفسه نسبة الذكاء لديه مرتفعة.

- هل دور الأستاذ الخصوصي إيجابي أم سلبي في حال الفشل المدرسي؟
إن الإستعانة بالأستاذ الخصوصي خلال العام الدراسي أو خلال العطلة الصيفية لردم فجوة في مادة معينة يعاني منها التلميذ أمر مفيد ويشكل أساس العمل الوقائي.
وهذا يتم خلال فترة محددة ولهدف محدد. أمّا الإستعانة باستاذ خصوصي طيلة العام الدراسي فهو أمر غير مقبول في معظم الحالات إذ أن التلميذ غالبًا ما يتجه نحو الإتكالية وبذلك تصبح الحصة المدرسية غير مهمة وبالتالي لايركّز في الصف بل ربما يتعمّد التشويش على زملائه خلال الحصة.
وفي بعض الحالات حيث لا يستطيع الأهل المتابعة لأسباب أو ظروف عائلية فعندها دور الأستاذ يتدرج من تعليمي إلى توجيهي إلى مراقب وتقويمي.

- ما النصائح التي توجهينها للتلميذ وللأهل وللمدرسة بخصوص الفشل المدرسي للتلامذة؟
ليس هناك من وصفة سحرية يمكن القول إنها الطريقة المثلى لمساعدة التلميذ الذي يعيد صفه.
فهذا يعتمد على شخصية التلميذ وقدراته، والمنهج المدرسي المتّبع في المدرسة، إضافة إلى المحيط العائلي والاجتماعي الذي يعيش فيه. لذا هناك حلول عدة ممكنة يمكن الأهل اعتمادها:

  • الانتقال إلى مدرسة أخرى إذا كانت معايير النجاح في مدرسته القديمة لا تلائم قدراته الفكرية، إضافة إلى أن تغيير المدرسة له حسنات كثيرة منها:
  • يضع التلميذ في محيط جديد بمعايير مدرسية جديدة تناسب قدراته الفكرية.
  • يمنح التلميذ فرصة جديدة لإثبات نفسه في ظل توقّعات جديدة.
  • يجنّب التلميذ الملل بسبب الكتب نفسها والتعامل مع الأستاذ نفسه. إضافة إلى أنه يجنّبه الانتقادات التي يمكن أن توجه إليه من أستاذه، ويبعده عن نظرات رفاقه القدامى، ويخفف وطأة الشعور بالخجل الذي قد يلازمه في كل مرة يلقاهم في الملعب.
  • مناقشة التلميذ في أسباب رسوبه لقبول وضعه. أي أن يجلس معه الأهل ويتحدثوا إليه ويسمحوا له بالتعبير عن مشاعره، ويحفزوه على تحديد نقاط ضعفه التي سببت له الرسوب، ويضعوا خطة محددة للدرس لتخطي الصعاب التعلّمية التي واجهها العام المنصرم وتحويل الرسوب إلى أمر إيجابي أو فرصة لإثبات جدارته.
  • عدم مقارنة التلميذ بأترابه أو أخوته، وعدم وضع توقّعات تفوق قدراته الفكرية.
  • إشراك التلميذ في برامج الدعم التي توفّرها المدرسة للتلامذة الذين يواجهون صعاباً تعلّمية.
  • توفير فرص تساعد التلميذ على إبراز قدراته في مجالات أخرى كالرياضة أو الموسيقى أو أي نشاط آخر، فهذا يعزز ثقته بنفسه مما ينعكس إيجاباً على أدائه المدرسي.
  • التنسيق بين الأهل والمدرسة لتغيير طريقة التعامل مع التلميذ، ومدحه على التقدم الذي يحرزه مهما كان بسيطاً.
  • عدم السماح للآخرين بالتدخل في أداء التلميذ الدراسي. أي ألا يسمح الوالدان للأقارب كالعم أو الجد أو الجدة بالتدخل في شؤون ابنهما المدرسية.
  • عدم نعت التلميذ بالراسب أو الفاشل، فهذا يفقده ثقته بنفسه وبالتالي يفقد رغبته في الدرس. فرغم أن بعض التلامذة يظهرون عدم اكتراثهم لرسوبهم، فإنهم يشعرون في قرارة أنفسهم بالذنب لأنهم خيّبوا آمال أهلهم.
  • عدم حرمان التلميذ من النشاطات التي يحب القيام بها، فرسوبه عقاب كافٍ له. فبعض الأهل يظنون أنهم إذا حرموه مما يحب قد يكون ذلك حافزاً له للدرس، في حين يشعر التلميذ بأن حبهم مشروط بعلاماته المدرسية.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080