تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

تراجع واضح في معدلات الرضاعة الطبيعية تقابله خطوات تشجيعية جديّة

تراجع واضح في معدلات الرضاعة الطبيعية تقابله خطوات تشجيعية جديّة

ثمة تراجع ملحوظ في معدلات الرضاعة الطبيعية اليوم في مجتمعنا. فمع تزايد اهتمامات الأم العصرية وكونها عاملة، ابتعدت عن الرضاعة التي تعتبر حقاً طبيعياً وأساسياً، لا لطفلها فحسب وإنما لها أيضاً.
هذا الانخفاض الواضح في معدلات الأمهات المرضعات دفع وزارة الصحة اللبنانية إلى القيام بخطوات عدة جدية لتشجيع الأمهات على العودة إلى الرضاعة الطبيعية.
وتبدو اليوم الحملة الوطنية للتوعية حول أهمية الرضاعة الطبيعية عبارة عن إحاطة شاملة بالموضوع لاعتبارها لا تطاول أمهات فحسب، بل تتعامل مع الطاقم الطبي والمستشفيات والمجتمع والمحيط وأرباب العمل وغيرها من الجهات المعنية لاعتبارها كلّها مسؤولة عن تقديم الدعم للأم بهدف تشجيعها وتوفير الظروف المناسبة لها لتُرضع طفلها وتقدّم له ولها كل الفوائد التي تنتج من ذلك.
رئيسة دائرة الأم والطفل في وزارة الصحة اللبنانية باميلا منصور تتحدث هنا عن كل هذه العناصر التي لا بد من توافرها لمساعدة الأم ودعمها.

- من الواضح أن ثمة تراجعاً في نسبة الأمهات المرضعات في أيامنا هذه، هل يعتبر هذا سبباً رئيساً لقيامكم بجملة للتوعية حول أهمية الرضاعة؟
بالفعل، لا تتخطى نسبة الأمهات المرضعات الـ 15 في المئة بحسب إحصاءات عام 2006، وهي نسبة منخفضة جداً لدينا مقارنةً بالدول المحيطة، مما دفعنا إلى القيام بهذه الحملة التي أردنا من خلالها التشديد على أهمية الرضاعة نظراً لدورها في الحد من الأمراض والوفيات وتقليص قيمة الفاتورة الصحية في بلدنا. لذا فهي تدخل في صميم السياسة الصحية للبلاد كما لمختلف الدول.

- ما الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع الواضح في معدل الأمهات المرضعات في بلادنا؟
ثمة أسباب عدة أدت إلى تراجع نسبة الرضاعة في مجتمعنا، منها استراتيجيات شركات الحليب المصنَّع التي تعتبر الأم سلعة يتم استخدامها لبيع الحليب بمعدلات كبيرة.
في هذه الحالة، تُدفع أموال طائلة على الإعلانات بهدف التسويق للحليب المصنّع. والأسوأ من ذلك أن التأثير يطاول أيضاً الأطباء والمستشفيات بهدف التأثير في الأمهات من خلالهم، مما يزيد من صعوبة الوضع ويستدعي التدخل للتصدي لذلك.
فنظراً إلى تأثير هذه الشركات في الطاقم الطبي، لا تصل المعلومة الصحيحة إلى الأم. ونظراً لنقص الوعي حول فوائد الحليب الطبيعي، لا تتجه الأمهات تلقائياً إلى الرضاعة الطبيعية. ثمة حاجة ملحّة اليوم لتدريب الطاقم الطبي لنشر الوعي بين الأمهات حول أهمية الحليب الطبيعي لهن ولأطفالهن.

- ماذا عن مسؤولية الأم في ذلك؟
ثمة مسؤولية أيضاً على الأم لاعتبار أن لها اهتمامات كثيرة أخرى غير إرضاع طفلها. يضاف إلى ذلك غياب الدعم من المحيط، مما يجعلها تتهاون أكثر فأكثر في غياب التشديد على أهمية الرضاعة.
لا بد لنا من الاعتراف بأن ظروف الحياة اليوم تبدو أكثر صعوبة بالنسبة الى الأم، فهي عاملة وعصرية وتقع عليها مسؤوليات كثيرة تُضاعف من صعوبة الرضاعة عليها. لكن يجب التشديد أيضًا وأيضاً على دور العاملين في المجال الصحي وأهمية تدريبهم لينشروا الوعي حول فوائد الرضاعة بين الأمهات.
من هنا، تعمل الوزارة اليوم مع المستشفيات في هذا الإطار، لأن الموضوع يحتاج إلى إحاطة من نواحٍ عدة. لا بد من دعم الأم منذ اللحظات الأولى، وقد قمنا بعدد من الخطوات لتشجيعها وليصبح الإرضاع إلزامياً علّنا نحقق ذلك. تم التعاون مع مستشفيات ومع اليونيسف ومع جمعيات أهلية عدة تُعنى بالأمر. وتم التركيز على مستشفيات صديقة للطفل تشدد على الرضاعة ولا تسمح بالحليب المصنّع عند الولادة.

- نلاحظ في السنوات الأخيرة، وبعد أن كان الحليب المصنّع غير متوافر عند الولادة أن المشكلة لا تقتصر على عدم التشجيع على الرضاعة الطبيعية، لا بل أيضاً على توافر الحليب المصنّع لتعطيه الأم لطفلها منذ لحظات ولادته الأولى، ما الذي استطعتم فعله في هذا الإطار؟
إضافة إلى تعاملنا مع هذه المستشفيات الصديقة للطفل، لدينا اليوم مراقبون من وزارة الصحة يهتمون بهذه المسألة للحد من ذلك. هذا أمر مرفوض تماماً ونعمل جاهدين على عدم السماح بإدخال الحليب المصنّع إلى المستشفيات. لسوء الحظ، ثمة مستشفيات كثيرة تتعامل مع شركات الحليب التي تعرف كيفية التسويق لمنتجاتها بهذه الطريقة.
لكننا نتعاون أيضاً مع أمهات للكشف عن الخروقات التي تحصل من خلال صور أو تبليغ، وندعو كل الأمهات إلى التعامل معنا في هذا الإطار. من جهة أخرى، يمنع القانون بيع الحليب المصنّع المخصّص لمن هم دون سن الثالثة في المتاجر، إذ لا يباع إلا في الصيدليات، وهو أيضاً يخضع إلى المراقبة. حتى أن قوارير الحليب والرضّاعات لا تُباع إلا في الصيدليات وفق القانون.
والخطوات التي نقوم بها تطاول أيضاً حاويات الحليب المصنّع بوضع تعليمات عليها حول أهمية الحليب الطبيعي لنشر الوعي. نشدّد كثيراً اليوم على تطبيق القانون، ونعمل بجهد على الفريق المسؤول عن ذلك

.- يبدو واضحاً أن المسؤولية لا تقع على جهة واحدة في تراجع معدلات الرضاعة وغياب الوعي، مما يزيد من صعوبة الإحاطة بالموضوع، عملياً كيف تحيطون به من كل الجوانب؟
إضافة إلى عملنا الذي يشمل المستشفيات والطاقم الطبي والأمهات، نقوم منذ 4 سنوات بحملات وطنية للتوعية حول أهمية الرضاعة فيما نركز أكثر فأكثر اليوم على دور المحيط ونشدد في عملنا على ذلك.
فللزوج دور مهم، إضافة إلى الطاقم الطبي بالكامل لدعم الأم. هذا من دون أن ننسى دور أرباب العمل الذين يُطلب منهم تسهيل الظروف للأم خلال الأشهر الستة الأولى التي يُنصح فيها بأن تكون الرضاعة الطبيعية حصرية، حتى لا تكثر العوائق أمامها. الدعم النفسي للأم المُرضعة مطلوب من كل الأطراف.

- تشير شركات كثيرة للحليب المصنّع اليوم إلى أن منتجها مطابق للحليب الطبيعي، إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا صحيحاً؟
مهما قيل عن الحليب المصنّع فلا يمكن أن يكون قريباً من الحليب الطبيعي. ونحن نعمل كثيراً على توعية الأمهات حول هذا الموضوع.
لكن طريقة إيصال المعلومة الصحيحة لها مسألة في غاية الأهمية. على الأم أن تكون أكثر وعياً لتطالب بهذا الحق الطبيعي لها ولطفلها انطلاقاً من اللحظات الأولى لها في المستشفى ثم في المجتمع. لا بد من الإشارة إلى أن الحملة التي تقوم بها تطاول مختلف المناطق للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة، وتعاوننا مع مختلف الجهات المعنية يساعدنا في ذلك.
إضافة إلى اعتمادنا على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى مختلف وسائل الإعلام لإيصال الرسالة. وفي كل الخطوات التي نخطوها، نركز على مختلف مكونات المجتمع، لكننا نتعامل مع كل فرد وفق توجهه، خصوصاً في ما يتعلّق بالأمهات ليدركن أهمية الرضاعة بالشكل الصحيح.

- ما الذي يؤمّنه الحليب الطبيعي للأم والطفل ويعجز الحليب المصنّع عن تقديمه لهما؟
ثمة فوائد لا تُعدّ ولا تحصى للحليب الطبيعي، لا للطفل فحسب بل للأم أيضاً، فهو يحميها من الإصابة بالسكري والسرطان، ويساعدها على خفض وزنها بسرعة كبيرة، وعلى عودة الرحم إلى حجمه الطبيعي، إضافة إلى فوائد عدة أخرى.
وبالنسبة إلى طفلها، أيضاً يساعد على التطور الذهني وعلى تقوية المناعة وعلى الحد من معدل الالتهابات لديه، خصوصاً الالتهابات المعوية والتهابات الأذن. هذا ومن الطبيعي أن مع تراجع معدلات الالتهابات، تتراجع معدلات الوفيات بين الأطفال.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079