بابا ماذا جلبت لي معك من السفر؟
«قل لي ماذا جلبت لي معك من السفر؟» سؤال يطرحه معظم الأبناء على والدهم أو والدتهم عندما يعود أو تعود من السفر، فبعد التحية والسلام والتعبير عن الشوق خلال المسافة بين المطار والبيت، وبمجرّد الوصول إلى المنزل ووضع الحقائب، يهرع الأبناء إلى فتحها لمعرفة ماذا أحضر الوالد من هدايا.
تعتبر هديّة السفر عادة يمارسها الآباء الذين يسافرون. وكلما كانت الرحلة طويلة كثرت الهدايا... والسؤال الذي يطرح هل هدية السفر طريقة لإعتذار الأب أو الأم عن الغياب؟ أو هل هي طريقة للتخلّص من الشعور بالذنب؟ يقول اختصاصيو علم نفس المراهق والطفل أنه من الضروري جلب هدية للطفل بعد العودة من السفر، فهي تظهر للطفل أن والده فكّر فيه ويتخيّل البلد الذي سافر إليه، وهي أيضًا طريقة لمواساة الطفل وتساعده في تحمّل التوتّر الذي يشعر به أثناء سفر أحد والديه. ولذلك تسمح الهدية بجعل لحظة السفر التي يشعر الطفل خلالها بأنه مهمل، إيجابية. كما تظهر له أن والده يسافر أيضًا لأجله.
اللافت اليوم أن الأمهات أيضًا يسافرن في رحلة عمل مدتها قصيرة، ويعترفن بأن شراء هدية تقلل من شعورهن بالذنب لغيابهن عن أطفالهن ولو ليوم. وبعيدًا عن الإعتبارات النفسية، فمن النادر أن يسافر أحد الوالدين ويعود بحقيبة خالية من الهدايا. ولكن في الوقت نفسه يشير اختصاصيو علم نفس الطفل إلى أن شراء هديّة للطفل أمر مهم للأهل مثلما هو مهم للطفل، ففي حالة الطفل دون السنة الذي لا يكون بعد مستقلاً عن والدته تكون الهدية بالنسبة إلى الأم طريقة للتخلّص من شعورها بالذنب، وفي الوقت نفسه تطمئن الطفل إلى أن والدته تفكّر فيها وإن كانت غائبة عنه ماديًاً.
وإذا كان مبدأ الهدية أمرًا بديهيًا فعلى الأهل أن يعرفوا أي هدية يجب شراؤها. في البداية ثمن الهدية ليس مهمًا بل رمزيتها، فقد يكتفي الطفل الصغير ببطاقة بريدية.
كما يمكن أن تحمل الهدية قيمة تربوية، خصوصًا إذا سافر الأب خارج البلاد، ففي الماضي اعتاد الآباء الذين يسافرون أن يشتروا رمزًا من القماش للبلد الذي سافروا إليه ليخيطه الطفل على حقيبته المدرسية، وكانت لهذه الهدية قيمة رمزية كبيرة وتسمح للطفل بتخيّل البلد الذي سافر إليه والده.
لذا، وبحسب الاختصاصيين، ليس من الضروري شراء هدية باهظة الثمن خصوصًا إذا كان الأهل يسافرون في شكل متواصل، لأن الطفل حاد الذكاء، و يدرك أن الهدايا الثمينة و الفريدة من نوعها التي تنهال عليه في شكل منتظم في كل مرّة تهبط الطائرة لا تحل مكان وجودهم.
إذًا نعم للهدية ولكن بطريقة ذكية، وأن تكون مسلّية ولكن في الوقت نفسه تربوية، فمفتاح هديّة السفر الجميلة يكمن أولا في قبول فكرة السفر. ويمكن للأب الذي يسافر باستمرار أن يشتري لعبة خريطة العالم هدية لأطفاله.
وتضم هذه الهدية مجسّمات مغنطيسية مثل القوارب أو الطائرة إضافة إلى أعلام البلدان، وفي كل مرة يسافر فيها إلى بلد يمكن أن يشير في الخريطة إلى البلد المسافر إليه عبر لصق العلم والطائرة، فهذا يسمح للطفل بتمضية لحظات مسلية ويساعده على تخيّل البلد الذي يسافر إليه والده.
- ماذا عن هدية المناسبات؟ هل يكتفي الأهل بأن تكون رمزيّة؟
تعتبر الهدية بصورة عامة تعبيرًا عن المشاعر الجميلة للشخص الذي نقدّمها إليه. وهدّية المناسبة يتوقّعها الطفل وربما يلمّح إلى أهله في ما يرغب أن يتلقّاه في هذه المناسبة، لذا ففكرتها مختلفة عن هدية السفر التي ترمز للطفل بأنها آتية من مكان لا يعرفه، ويدرك أن والده ووالدته كانا يفكّران فيه.
إذاً معناها مختلف، فقد تكون لوح شوكولا ونرى الطفل يفرح بها كثيرًا ويخبر أصدقاءه عنها. فيما الهدية التي يقدّمها الوالدان لأطفالهما في مناسبة معيّنة، لا تنطبق عليها مقولة «المهم النية» c'est le geste qui compte لأن الطفل لا يفهمها، بل ينظر إلى هدية أخيه ما إذا كانت أجمل أو أكبر حجمًا، لذا عندما يختار الوالدان هدايا أولادهما عليهما أن يفكّرا في الهدية المناسبة والتي تفرح الطفل فعلاً.
- ولكن ماذا عن الطفل الذي يحبّ تلقي هدايا بمناسبة ومن دون مناسبة؟
من المفروض أن يحصل الطفل على الهدية في أوقات معينة ومناسبات محددة. وخارج هذه الأوقات تفقد الهدية معناها الرمزي بالنسبة إلى الطفل الذي تعوّد على الحصول على الهدايا في شكل دائم ومن دون مناسبة خاصة، وبالتالي لا يعود يدرك قيمة الهدية وهدفها ومناسبتها، بل تصبح أمرًا مفروغًا منه يحصل عليه ويظن أنها حقه.
فالهدية هي متعة. في البداية تكون أمنية ينتظرها الطفل مما يساعده على تعلّم الصبر وأن ليس كل ما يتمناه يأتيه في التو.
وفي المفاجأة هناك الابتهاج أو خيبة الأمل، وهناك الخيال لأنه حتى لو لم يحصل على الهدية التي يرغب فيها، فإنه يتوقّع أن يحصل عليها في المرة المقبلة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024