إبني يرفض إنجاز واجباته المدرسية!
«يبدو كريم سعيدًا جدًا بأن لديه واجبات مدرسية، فيما هاني يمتعض منها، ولا يظهر أي حماسة لفتح الكتاب وحفظ الدرس». إنها الفروض المدرسية وواجب إنجازها.
في بداية العام المدرسي يكون التلميذ مرتاحًا لأن الواجبات والفروض المطلوب منه إنجازها في البيت سهلة وليست كثيرة، ولكن شهراً بعد شهر تزداد صعوبة وتستغرق وقتًا لا بأس به كي ينجزها.
فإما أن يستمر التلميذ على حماسته وينجزها في الوقت المحدّد، وإما مثل هاني يتذمر وقد ينشب شجار بينه وبين والدته لأنه يماطل في إنجازها إلى درجة أنه يستغرق وقتًا طويلاً فوق المعتاد.
لماذا يكره بعض التلامذة إنجاز فروضهم المدرسية؟ وكيف يمكن الأم أن تساعد ابنها في إنجاز فروضه من دون مشكلات؟ وماذا عن التلميذ الصغير الذي يقوم بواجباته المدرسية للمرة الأولى؟
«لها» التقت الاختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.
- كيف يمكن الأم تحفيز طفلها على إنجاز فروضه خصوصًا إذا كانت المرّة الأولى؟
من المهم أن تدخل الأم مفهوم الدرس إلى ذهن الطفل في سن مبكرة لأنه في عالمنا العربي يدخل التلامذة إلى المدرسة في سن صغيرة جدًا، وفي مرحلة معيّنة يطلب من التلميذ معرفة الأحرف والأرقام.
وبناء على ذلك فإن أول فروض مدرسية يطلب منه إنجازها في البيت، تكون ضمن إطار كتابة الأحرف والأرقام بلغتين مختلفتين، لأننا في العالم العربي ندرّس التلميذ إما العربية والفرنسية وإما العربية والإنكليزية أو الثلاث في الوقت نفسه.
لذا من المهم تحضير الطفل، لأنه إذا لا يعرف لمَ عليه أن ينجز فروضًا في البيت سوف يجد صعوبة في تقبّل الأمر في حين التلميذ الذي تحضّر لهذا المفهوم لن يجد صعوبة.
- كيف يكون هذا التحضير؟
قبل دخول الطفل إلى الحضانة أو المدرسة، على الأم أن توفّر له كل الوسائل التي تساعد في بلورة تفكيره وتطوّر قدراته التعلّمية، من خلال تشجيعه على الرسم مثلاً أو إشباع فضوله عندما يسأل عن أساس الأشياء المحيطة.
فمثلاً عندما يسألها كيف تمطر؟ يمكنها أن تعوّده بالرجوع إلى كتاب معلوماتي مناسب لسنه وتجيبه من خلاله معلّقة بالقول: «عندما تذهب إلى المدرسة سوف يمكنك الرجوع إلى هذا الكتاب وحدك لأنك عندها ستتعلّم القراءة».
بهذه الطريقة تدخل إلى ذهنه مفهوم التعلّم وأهمية المدرسة. وعندما يدخل الحضانة أو المدرسة عليها أن تشرح له لماذا هو ذاهب إلى هذا المكان ولمَ عليه أن يمضي فترة طويلة بعيدًا عن والديه، وتتحدث عن النشاطات الإيجابية ممّا يعوّده على الاستقلالية.
فالطفل المعتاد على الاستقلالية يكون دخوله إلى المدرسة أسهل وقبوله لتلقي المعلومات أسرع، لأنه يكون لديه دافع.
- لماذا يكره بعض التلامذة الصغار الفروض المدرسية؟
هناك أسباب عدة قد تجعل التلميذ الصغير يكره الفرض المدرسي. فقد يكون التلميذ يعاني مشكلة عسر الكتابة أو القراءة ديسليكسيا، أو يعاني مشكلة في تحريك يديه، أو أنه لا يفهم الدرس في المدرسة وسبب ذلك ربما مشكلة في السمع أو النظر، أو أنه بكل بساطة لا يحب المعلّمة، فينفر منها وبالتالي يكره إنجاز فروضه.
لتجنب هذه الأمور على الأم مراقبة طفلها قبل دخوله المدرسة أو حتى الحضانة، ويكون ذلك بتوفير نشاطات له مثل الرسم أو المعجون مما يسمح لها بمراقبته واكتشاف نمطه، أي إذا كان بطيئًا يستوعب بسرعة أم لا، أو إذا كانت لديه مشكلة في الخط أو في الكتابة كيف يمسك القلم.
لذا من المهم أن يكون هناك شخص واحد يشرف على تدريس الطفل وليس عدة أشخاص، أي أن يكون له مرجع واحد، يتكيف مع نمط الطفل وفي المقابل يرتاح الطفل الى وجوده وإشرافه على درسه.
- إذا لم يكن التلميذ الصغير يعاني أي مشكلة من المشكلات التي ذكرتها. كيف يمكن الأم تحفيز طفلها على إنجاز واجباته المدرسية؟
هناك أمور أساسية يمكن أن تساعد الأم في تحفيز طفلها الصغير على القيام بواجباته المدرسية بمتعة:
جعله يختار المكان أو الركن الذي يدرس فيه
الطفل يمكن أن يعمل وينجز فروضه في أي مكان في المنزل، ولكن من المفضل أن يكون لديه مكان مرجع يجلس فيه وينجز فروضه، ويدرك أنه الركن المخصص لإنجاز فروضه.
فهو في سن صغيرة يستوعب حدوده والأمور المطلوبة منه، ومن الضروري ألا يكون المكان الذي اعتاد اللعب فيه. ويمكن الأم التمهيد لهذا المفهوم مسبقًا.
فمثلاً في الشهور الأولى يعود التلميذ إلى البيت من دون واجبات مدرسية تذكر، هنا عليها أن تحضّره لما سيأتي لاحقاً فتحدد له زاوية في المنزل يقوم فيها بالرسم مثلاً. فهناك أطفال أذكياء ولكن للأسف لم يعتادوا على القيام بأي نشاط يعزز أداءهم المدرسي في ما بعد لا فرديًا أو جماعيًا.
وفي المقابل قد تكون الأم مقتنعة بأنه من الضروري أن ينجز طفلها فروضه المدرسية في مكان هادئ في المنزل في غرفته، ربما هذا الأمر جيد بالنسبة إليها ولكن قد لا يكون بالضرورة جيدًا بالنسبة إلى الطفل.
ففي المرحلة الإبتدائية أي في سن السابعة أو الثامنة قد يقلق الطفل من وجوده وحده في الغرفة لإنجاز فروضه، فقد يشعره ذلك بالإنغلاق وبالإختناق.
فيما قد يشعر في ركن فيه بعض الضجّة بالأمان وبأنه محاط بالرعاية والاهتمام. لذا لا يمكن تحديد المكان المرجع المناسب لأنه أمر ذاتي جدًا ويستند إلى شخصية التلميذ الصغير. لذا على الأم أن تعرف كيف تستمع إلى طلبات طفلها وتمنحه الثقة باختيار المكان المريح بالنسبة إليه.
أن تكون الأم حاضرة أثناء إنجاز فروضه لا أن تقوم بدور المعلّمة
من المهم أن تكون الأم حاضرة أثناء إنجاز طفلها فروضه المدرسية، ففي هذه السن الصغيرة يحتاج إلى وجودها بقربه ليشعر بالأمان والإهتمام، شرط ألا تتدخل أو تحاول إنجاز فروضه بدلاً منه، بل تجعله يفكّر في الحلول لا أن تعطيه إياها، فلكي يصبح الطفل مسؤولاً وقادرًا على العمل وحده عليه أن يشعر بانه سيّد الموقف وأن فروضه تعنيه وحده.
وكي لا يشعر الطفل بأن أمه شرطية تراقبه يمكنها أن تجلس إلى جانبه وتحمل كتابًا تقرأه أو تنجز أمرًا آخر. أي ان تكون حاضرة بقربه لتجيبه عن الأسئلة التي يطرحها أو تساعده في حل مشكلة تواجهه، وتعلّمه كيف ينظّم أفكاره وتعطيه نصائح حول طريقة درسه كأن تقول له: «قد يكون في إمكانك البدء بهذا الفرض» أو تنصحه: «يجدر بك قبل إنجاز التمارين قراءة الدرس أوّلاً لتتذكر القاعدة، فهذا يسهل عليك إنجاز التمارين».
مساعدة الطفل على إيجاد الطريقة التي يدرس بها
من الضروري أن يتعلّم الطفل ترتيب دفاتره وكتبه وتعليمه خطة إنجاز فروضه. ويكون ذلك من خلال جلوس الأم قربه أثناء قيامه بفروضه المدرسية، يمكنها أن تجلس إلى جانبه وتقرأ أي أن تقوم بأمر ما كي لا يشعر بأنها تراقبه كالشرطي، وفي الوقت نفسه يشعر بأن لديه مساحة خاصة به.
ويمكن الأم مساعدة طفلها في إيجاد الطريقة المثلى التي تناسب نمطه لإنجاز واجباته بسرعة وببراعة. فإذا كان لديه درس يحفظه يمكنها أن تعرض عليه طرقاً عدة:
- بصرية مثلاً أن يقوم بكتابة ملخص الدرس
- سمعية أن يشرح الدرس شفهيًا، أو يحفظه عن طريق الغناء
- حركية- جسدية كأن يمشي أثناء حفظ الاستظهار أو يعبر عن الكلمات بيديه أي أن يستعمل حواسه الخمس.
منحه شعور أهمية ما يتعلّمه في المدرسة
من المهم أن يشعر الطفل بأهمية ما يتعلّمه في المدرسة وارتباطه بكل ما يراه حوله. إذ لا يوجد شخص يبذل مجهودًا في عمل ما لم يفهم مردوده عليه.
لذا نسمع احيانًا التلميذ الصغير يقول لماذا عليّ الذهاب إلى المدرسة؟ والجواب الكلاسيكي: «لتحوز مهنة جيدة في المستقبل» يبدو مبهمًا بالنسبة إليه وبعيد جدًا عن واقعه الحاضر.
لذا من المفضل أن نعطيه جوابًا أقرب إلى واقعه ومفهومه كأن نقول: «كي تتمكن من قراءة كل ما تراه، كي تعرف محاسبة البائع عندما تشتري منه الحلوى». فهناك أمور يقوم بها يوميًا وبالتالي يستطيع أن يربط بينها وبين ما يدرسه في المدرسة.
- هل يجوز للأم تدريس طفلها أثناء العطلة الأسبوعية، وإن لم يكن لديه فروض؟
إن لم يكن لدى الطفل فروض، من المهم أن تثير الأم فضوله وتعزز أداءه الذهني من خلال نشاطات كالرسم والمعجون أو لعبة الكلمات.
ومن المهم أيضًا أن تطلب منه نشاطًا واحدًا وليس نشاطات عدة فهذه يشوّش تفكيره، وهكذا كل أسبوع تقوم بنشاط واحد وبلغة واحدة. فمن المهم تعليم الطفل استعمال حواسه الخمس.
- ماذا على الأم أن تفعل إذا علمت أن سبب عدم رغبة طفلها في إنجاز فروضه أنه لا يحب معلّمة المادة؟
قد تكون المعلّمة سبب المشكلة، فالتلميذ إذا كانت علاقته سيئة بمعلّمة الصف لن ينجز فروضه، بينما العلاقة الجيدة بين الطفل والمعلمة مهمة جدًا تجعله يعمل ليكسب رضى معلمته ويكون لديه دافع لينال المزيد من اهتمامها، ويقوم بجهد.
فيما الطفل الذي يخاف من معلمته يرتبك ولا يعمل. لذا على الأم أن تكون على تواصل مع المعلمة، وتحاول أن تحسن صورتها أمام ابنها وتقرّبهما إلى بعضهما.
فمعلّمة الصفوف الإبتدائية غالبًا ما تكون محببة إلى قلوب التلامذة الصغار، ولكن قد يحدث أحيانًا أن بعضهن لا يعرفن التعامل مع التلامذة أو يعطين انطباعًا سيئًا عن شخصيتهن قد يبدون قاسيات وتكون الحقيقة عكس ذلك، لذا على الأم أن تتحقق من أسباب نفور طفلها من معلمته وتعمل معها على تحسين العلاقة بينهما.
- نسمع بعض الأمهات يشكين أن طفلهن الذي لم يبلغ الثامنة بعد يستغرق إنجاز واجباته خمس ساعات؟
في البداية الأم القلقة تنقل قلقها إلى الطفل فيتأثر بها وبالتالي يشعر بالتوتر أثناء إنجاز واجباته فيتأخر في إنهائها. هذا ما لاحظته من خلال خبرتي، لذا أنصح الأم أن تتذكر نفسها عندما كانت في سنه، وأن تتحقق ما إذا كان ما يتلقاه في المدرسة يناسب نمطه إذ ليس من المعقول أن يدرس الطفل خمس ساعات.
فهناك إما عدم قدرة على تنظيم الوقت، أو أن ما يدرسه الطفل لا يناسب نمط تفكيره. فالتلميذ يدرس سبع ساعات في المدرسة، وخمس ساعات في البيت كارثة... عندما يواجه الطفل صعوبة في مادة على الأم أن تمنحه وقت راحة.
أما إذا لاحظت أن ما يتلقاه في المدرسة غير ملائم لنمط طفلها عليها التواصل مع المدرسة لإيجاد الطريقة المثلى التي تساعد التلميذ الصغير في فهم المواد المدرسية، وبالتالي إعطاؤه إياها بشكل يناسب نمط تفكيره وقدراته الذهنية.
- ماذا عن الطفل الذي يكره مادة معينة رغم براعته في بقية المواد؟
هذه ليست مشكلة طالما أن معدله وسط. وقد يكون سبب المشكلة أن التلميذ لا يحب المعلمة، أو أن أسلوبها في التعليم غير ملائم لنمط تفكيره، لذا على الأم أن تتحقق من الأسباب وتحاول مع المعلّمة على إزالة سبب المشكلة.
ولكن أعود وأؤكد أنه إذا كان معدل التلميذ وسطًا في هذه المادة فلا مشكلة، إذا من الطبيعي أن يكون ضعيفًا في مادة.
- هل يجوز الأم متابعة ابنها أثناء إنجاز واجباته من الألف إلى الياء؟
حتى سن السادسة أو السابعة يجب أن يحوز الطفل مراقبة دائمة من والدته، لأنه يحتاج إلى مساعدتها واهتمامها، فهذه المرحلة هي الأساس لكل مراحله الدراسية اللاحقة.
صحيح أن هناك أمهات عاملات وليس لديهن الوقت الكافي وأحيانًا الصبر، ولكن عليهن إلزام أنفسهن ومتابعة أبنائهن، أما إذا خشيت الأم من أن تتوتر العلاقة بينها وبين طفلها فيمكنها تعيين استاذ خصوصي أو الاستعانة بأحد راشدي العائلة يكون لديه الصبر والقدرة على مساعدته. فهو بحاجة إلى مراقبة والدته المباشرة.
- ماذا عن الطفل الذي يكره إنجاز فروضه، رغم كل قيام الأهل بكل الإجراءات التي ذكرتها؟
إذا كان الطفل لا يحب الدرس بالمطلق، على الأهل استشارة اختصاصي يعمل على معرفة تاريخ الطفل ليعرف الأحداث التي جعلته يصل إلى هذه المرحلة، ويكون ذلك بالتنسيق مع الأم والمعلمة وإدارة المدرسة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024