تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

لماذا ينفر التلميذ المراهق...

يعاني الكثير من التلامذة صعوبة في مادة القواعد العربية، فبعضهم يجد المشكلة في فهمها كأنه يحاول فك أحجية صينية، ومنهم من يجد أن لا طائل منها ما دام لن يستعمل تقنياتها في مستقبله المهني لأن معظم الوظائف تتطلب إتقان لغة أجنبية.
ولكن ماذا يفعل التلميذ عندما يختار دراسته الجامعية في مجالات تتطلب منه إتقان اللغة العربية، كالحقوق أو العلوم السياسية أو الآداب؟ ويبقى السؤال لماذا تبدو القواعد العربية بالنسبة إلى بعض التلامذة مادة صعبة لا يمكن حل ألغازها؟ ومن المسؤول عن كره الكثير من التلامذة لهذه المادة؟ وكيف يمكن جعلها مادة حيّة يسهل فهمها على التلميذ؟
"
لها" حملت هذه الأسئلة وغيرها إلى مدرّسة اللغة العربية في كلّية خالد بن الوليد في بيروت ملك أبو ظهر التي تحدثت عن أسباب الصعاب التي يواجهها التلامذة في دراسة القواعد العربية، وعن الوسائل أو الحلول الممكنة لجعلها مادة سلسة يسهل على التلميذ اتقانها.


بداية تتحدث أبو ظهر عن الأسباب التي تجعل قواعد اللغة العربية أمراً صعباً فتقول: "هناك أسباب عدة تجعل دراسة اللغة العربية عموماً وقواعدها خصوصاً شيئاً يعصى على التلميذ فهمه، ويمكن تحديد هذه الأسباب بالآتي:

  • يعتبر معظم الناس في الوطن العربي أن اللغة العربية العامية مستقلة عن اللغة العربية الفصحى. فالتحدث بها من حيث المفردات التي نستعملها في حياتنا اليومية يختلف من بلد عربي إلى آخر. فمثلاً في بعض البلدان يسمون خزانة الملابس دولاباً في حين أننا في لبنان نطلق عليها خزانة، كما أن صيغة الجمع باللغة العامية تختلف كلياً عما هي باللغة الفصحى، مثلاً نقول بالعامية نسوان عوضاً عن القول نسوة أو نساء.
  • تتميز قواعد اللغة العربية بالتنوّع وكثرة التفرّع. كما تتقاطع هذه القواعد في ما بينها فالفاعل يكون أحياناً مرفوعاً ومنصوباً أحياناً أخرى.
  • تتميز اللغة العربية بغناها بالمفردات إذ يكون الفارق أحياناً بين استعمال مفردة وأخرى بسيطاً لكن المعنى مختلف. فمثلاً هناك فارق بين كلمتي حب ومحبة، وبين هرولة وجري وعدو. وفي أحيان كثيرة تختلف المفردة العامية عن المفردة باللغة العربية الفصحى.
  • لحروف الجر وظائف عدة ويختلف معنى الجملة باختلاف استعمالها مثلاً أكلتُ السمكة حتى رأسِها أو حتى رأسَها.
  • تتميّز القواعد الإملائية مثل كتابة الهمزة أو التاء الطويلة أو المربوطة بتنوّعها وتشابكها.
  • التواصل باللهجة العامية أمر سهل مما يجعل اللغة الفصحى عبئاً على الشخص.
  • لا تعتمد اللغة العربية الفصحى كلغة التداول اليومي بل هي لغة الكتب ووسائل الإعلام بكل مجالاته. وبالتالي فإن تواصل التلميذ مع اللغة الفصحى محدود، فيما يتطلّب اكتسابها جهداً خاصاً".

وتشير أبو ظهر إلى أن هناك منطقاً واضحاً يحكم القواعد العربية عموماً، فأدوات الجزم تجزم وأدوات النصب تنصب. ويكفي أن يدرك التلميذ هذا المنطق ويعمل على تطبيقه.


- ما هي سبل تبسيط هذه القواعد على التلميذ؟
سبل تبسيط هذه القواعد على التلميذ تكون على الشكل الآتي

  • يقرأ التلميذ الجملة ثم يشرح الأستاذ قاعدتها الإعرابية وليس العكس. فمثلاً يطلب من التلميذ أن يقرأ جملاً مرفوعة أو منصوبة مرتكزة على قاعدة الرفع أو النصب إلى أن ترسخ في ذهنه الصيغة الإعرابية بشكلها الصحيح ثم يُشرح له لمَ رُفع الفاعل أو لمَ نُصب. بمعنى آخر لا يجوز شرح القاعدة الإعرابية قبل التطبيق بل يجب قراءة نموذج ثم شرح القاعدة.
  • تعويد الطالب على النماذج الإعرابية من خلال توفير نصوص خاصة بالفاعل المنصوب أو المرفوع مثل الأناشيد أو الأشعار التي تتضمن الكثير من هذه الصيغ الإعرابية.
  • التركيز على القواعد السهلة ثم الانتقال إلى الأصعب. فمن المعلوم أن القواعد العربية تتراكم في درجة تعقيدها أو تفريعها وعندما يكون التلميذ متمكّنا منها في المراحل التعليمية الأولى أي أنه استوعب بداهات القواعد العربية يجد القواعد الأكثر تعقيداً سهلة. وإذا لم يكن فإنه يجد نفسه أمام كمٍ كبير من القواعد المتفرّعة والمتشابكة التي عليه فهمها وحلّها. لذا يجدر بالأهل الذين يواجه ابنهم صعوبة في القواعد العربية أن يعيدوا شرح مبادئها الأساسية له.
  • ممارسة اللغة بشكل مستمر مما يساعد التلميذ في فهمها ورسوخ قواعدها في ذهنه. فكلما قلّ استعماله للغة الفصحى صعبت عليه. مثلاً يمكن لأستاذ اللغة العربية أن يطلب من تلامذته التحدث باللغة العربية الفصحى أثناء حصة اللغة العربية، فاللغة مهارة يحتاج اكتسابها إلى تدريب يساهم في إتقانها.


- ما دور الأهل في مساعدة أبنائهم على إتقان اللغة العربية وقواعدها؟
دور الأهل يكون عبر اتباع الوسائل الآتية

  • إظهار الاهتمام باللغة العربية الفصحى وعدم الاستخفاف بها.
  • شراء كتب باللغة العربية فالأهل هم القدوة التي يحتذي بها الأبناء. لذا من الضروري أن يرى الابن والديه يطالعان كتباً باللغة العربية إضافة إلى ضرورة استعمال مفردات بالفصحى.
  • تشجيع الأبناء على متابعة برامج ناطقة باللغة العربية الفصحى.
  • تشجيع الأبناء على المطالعة أو قراءة القصص العربية القصيرة.
  • إيجاد فرص التواصل بين الأبناء والأهل للتحدث باللغة الفصحى. كأن تطلب الأم من ابنها أو ابنتها رواية قصّتها المفضّلة أمام أفراد العائلة باللغة العربية الفصحى.
  • إبداء التقدير والإعجاب بقدرة الطفل على التحدث باللغة العربية الفصحى كما يفعلون عندما يظهر قدرته على التحدث بلغة أجنبية.
  • تشجيع الطفل على المشاركة في نشاطات ترفيهية أو مسابقات تتطلب كتابة رسائل أو إيجاد مفردات باللغة العربية الفصحى.
  • تشجيع الطفل على حفظ الآيات القرآنية.
  • الاستماع إلى أشرطة تروي القصص حتى لو كان في السيارة ومناقشة القصة باللغة الفصحى.
  • توفير البرامج التثقيفية التي تعلّم قواعد اللغة العربية والإملاء عن طريق الكمبيوتر لأنها تساعد التلميذ على التفاعل بينه وبين الكمبيوتر مما يجعل تعلّم القواعد نشاطاً ترفيهياً.
  • تقوية العبارات الإنشائية ويكون ذلك عن طريق:
  • قراءة نص يختار منه التلميذ العبارات التي تلفت نظره ثم نطلب منه استعمالها في جمل مفيدة.
  • قراءة نصوص وتلخيصها باستعمال العبارات الواردة فيها.
  • تنويع أنماط النصوص، أي قراءة النصوص السردية والوصفية والإيجازية والبرهانية. فالعبارات تختلف باختلاف أنماط هذه النصوص وقراءتها مما يساعد في إغناء أسلوب التلميذ في الكتابة. فمن المعلوم أن المفردات في النصوص الوصفية تختلف عما هي في النصوص العلمية، واللغة العلمية غير تلك الأدبية...

- ماذا عن التلامذة المراهقين خصوصًا أنهم يستعملون اللغة الأجنبية في محادثاتهم عبر الإنترنت، ويرون أن لا طائل من اللغة العربية فهي ليست لغة علمية تساعدهم في اختصاصهم الجامعي؟
هذا صحيح للأسف. من خلال تجربتي في تعليم صفوف المرحلة المتوسّطة والثانوية لاحظت أن معظم التلامذة لا يكترثون لأهمية اللغة العربية فعندما أدخل إلى الصف وأتحدث مع التلامذة بالفصحى يضحكون، ويظنون أنني أتكلم "المكسيكية"، ولا يعرفون أنها لغتهم العربية الفصحى.
للأسف سنة بعد سنة ألاحظ جهل التلامذة بلغتهم الأم. اللغة العربية ترتكب فيها الكثير من الأخطاء الفادحة والمثال على ذلك لغة التحادث على الإنترنت اذ اخترعوا أحرفاً أجنبية للغة العربية، وأصبحت ركيكة جدًا.
أنا ألوم الأهل قبل التلامذة، لأنه كان عليهم العمل على تعزيز اللغة العربية عند أولادهم منذ الصغر. تخيلي أن هناك تلامذة في الثانوي لا يعرفون قراءة نص أدبي، ولا يعرفون لفظ الشدّة بالشكل صحيح.

- مبررات الأهل أن اللغة العامية تختلف عن اللغة الفصحى خصوصًا أن معظم الأهل والتلامذة مقتنعون بأن اللغة الأجنبية هي لغة العلوم والتخصص الجامعي؟
لنفترض أن هذا صحيح، لكن قبل الدخول إلى الجامعة سوف يخضع التلميذ في لبنان مثلاً لامتحانين رسميين الأول امتحان شهادة المتوسطة وتتضمن خمس مواد باللغة العربية، وفي الشهادة الثانوية لديه سبع مواد، مما يعني أن الضعف في اللغة العربية قد يسبب له رسوبًا في الشهادة الرسمية، لأن الحفظ يحتاج إلى فهم ولكي يستطيع التلميذ أن يكتب عن طريق الفهم عليه أن يكون لديه مخزون لغوي صحيح من حيث التعبير والمفردات.
والأهل الذين لا يعون أهمية اللغة العربية بالنسبة إلى ابنهم عليهم أن يدركوا أنه سيواجه عقبة أثناء الامتحانات الرسمية.

- ما دورك كمعلّمة لغة عربية؟
 دوري كمعلمة لغة أن أقدم للتلميذ المادة بطريقة علمية يفهمها، فلغة القواعد أقرب إلى المادة العلمية منها إلى الأدب الذي هو لغة التحليل والخيال والعاطفة.
في التربية الحديثة، لا يهمني أن يعرف قاعدة الاستثناء أو قاعدة الشرط، ما يهمني إذا رأى حرف شرط في الجملة أن يعرف وظيفته، وإذا جزمت فعلين مضارعين لماذا نسمي الأوّل فعل الشرط والثاني جواب الشرط. إذا فهم المعنى، بدأ يفهم القاعدة.
ما يهمني أن يعرف التلميذ توظيف اللغة بشكل صحيح في الكتابة. فالقواعد لم توجد لتكون علمًا قاسيًا وصعبًا بالنسبة إلى التلميذ، بل يتطلب فهمها تفكيرًا رياضيًا منطقيًا.
نريد من التلميذ أن يعرف كيف يوظف علم القواعد في لغته المكتوبة والمحكية، مثلا عند استعمال النواسخ أو المبتدأ والخبر، كلها أساليب بلاغية في التعبير، فبمجرد امتلاك الطالب مهارة الكتابة يحسن أسلوبه ويشد القارئ الذي يقرأ نصه أو ورقة امتحانه مما يعطي انطباعًا جيدًا، وبالتالي ينال علامة جيدة.
إضافة إلى دور المعلّمة هناك المدرسة التي عليها أن تكون على اطلاع على التقنيات الحديثة في التعليم لاسيّما ما في عالم التكنولوجيا.
ففي مدرستنا صرنا نستعمل بما يعرف باللوح التفاعلي Interactive board لنكون متماشين مع تفكير التلامذة ونجعل المواد المدرسية تفاعلية تجذب التلميذ. أي أننا نحاول جعل المواد المدرسية مترافقة مع التطور التكنولوجي، وهذا يجعلنا نفكر باستمرارية الابتكار.
كيف أبتكر طريقة لأحول المادة إلى صف حيوي، نحوّل المسائل المجردة إلى ملموسة لتترسخ في ذهن الطالب ولا ينساها بمجرد انتهاء الإمتحان.

- ما هو دور الأهل خصوصًا مع تلميذ مراهق يصعب إقناعه بدرس اللغة؟
دور الأهل تعزيز فكرة الهوية والانتماء إلى اللغة العربية. أنت تدرس اللغة العربية ليس لأنها واجب مدرسي بل لأنها أساس هويتك. ولكن إذا كان الأهل مقتعنين بأن ابنهم لن يستفيد من اللغة فليس هناك حل، مهما فعلت المدرسة والمدرّس.

- أليس أستاذ المادة مسؤولاً عن نفور التلميذ منها؟
التلميذ إذا أحب الأستاذ أحب المادة. لذا فكما هدف الأستاذ تعليم تلامذته المادة عليه أن يعرف قبل ذلك كيف يجعل تلامذته يحبونه ويحترمونه، وإلا كرهوا المادة. عليه العمل على نفسه لابتكار وسيلة جذابة.
والمهم جعل التلميذ منتجًا للمادة، وإذا أخطأ دور الأستاذ تصحيح الخطأ وليس الاستهزاء به. الترداد والتصحيح والقراءة كفيلة بتعزيز مخزون التلميذ اللغوي.
أما إذا كان التلميذ رافضًا للمادة رغم ذكائه فأعمل معه بطريقة فردية وأحاول أن أعرف سبب رفضه ثم أحاول أن أجعله يشعر بأنه مكتشف لشيء وقادر على تخطي الصعوبة التي يعانيها، حتى يصل إلى مرحلة يفكر فيها: "في إمكاني أن أبرع في اللغة فلمَ لا أدرسها، لم تعد مادة سبب تأخري في المعدل العام ما دام في إمكانها دعمي". أنا أحث التلميذ وأشجعه على التقدم.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078