من الطفولة إلى المراهقة...
«رتّب غرفتك، وضب ألعابك». هذه العبارة تثير غضب الطفل فيصرخ، ويركل بقدميه ويعترض صائحاً: «لا أريد!». وعندما تطلب الأم من ابنها المراهق أو ابنتها المراهقة ترتيب الغرفة يكون الجواب الجاهز: «ليس الآن، سوف أرتبها لاحقًا»، أو «هذه غرفتي وأنا حرّ في أن أفعل بها ما أشاء». ويصفق الباب مستاء لأن أحدهم يحاول اجتياح غرفته التي تشكل بالنسبة إليه عالمه الخاص.
وفي المقابل تشعر الأم بأن ابنها قلّل أدبه، وتعتبر سلوكه وقحًا واعتداءً شخصياً على صورتها كوالدة. وتجتاحها الأسئلة حول أسباب سلوك ابنها. لماذا يتصرّف على هذا النحو؟ ماذا عليّ أن أفعل تجاه رفضه واعتراضه؟ لماذا يرفض الطفل أو المراهق ترتيب غرفته أو أغراضه؟
يرى الاختصاصيون أن رفض الطفل تنفيذ رغبات والدته، مثل ترتيب غرفته أو أغراضه، يشير إلى مراحل النمو الضرروية التي يمر بها والتي لا يمكن تجنبها.
ويظهر أول ميوله الاعتراضية في الثانية حين يصبح قادرًا على التعبير لغويًا باستعماله كلمة لا، فيما الـ «النعم» تأتي متأخرة، وتلي ذلك سلسلة رفض لديه من الطفولة إلى المراهقة، مترافقة مع الإكتساب التدريجي للمسؤولية والاستقلالية.
فالـ«لاءات والنعم» حتى للأشياء التي يحبها تترجم رغبته في الاختيار وإدراك الآخرين له أنه كائن مستقل. وفي الوقت نفسه يختبر سلطة أهله وحدودهم في التعامل معه بالدخول في لعبة المواجهات السلبية التي غالبًا ما يكون صعبًا التكيف معها، ولكن لا بد منها لنموه النفسي الصحيح.
تعليم الطفل الترتيب عن طريق اللعب والتقليد
يرى الراشدون أن الترتيب أمر رائع لأنه يسهّل عليهم الكثير من الأمور، فيما يرى الطفل أنه أمر غريب عنه وأن الفوضى أمر شخصي. فالركن الذي يراه الراشد «مكركباً»، يكون الركن المحبب لدى الطفل الذي يضع فيه أشياءه الصغيرة، فهذا الركن» المكركب» هو مملكته. ومن الطبيعي أن تطلب الأم من طفلها ترتيب أغراضه، ولكن شرط أن يكون طلبها ملائمًا لسنه. فهو بحاجة إلى معرفة بماذا وأين يبدأ، وأين يرتّب الأغراض وينظّمها.
فبين الثالثة والخامسة يتعلّم الطفل عن طريق التقليد، لذا يمكن الأم أن تعرّفه الترتيب عن طريق اللعب. فإذا كانت تلعب معه يمكنها أن تطلب منه توضيب ألعابه، ويمكنها أن توزّع العمل بينها وبينه أثناء قيامها بترتيب غرفته.
كأن تقول له مثلاً: «يمكنك تجميع الكتب، وأنا أضعها في المكتبة». فبهذه الطريقة يصبح الترتيب فترة تبادل مرحة. ويمكنهما خلال ذلك الغناء معاً أو الاستماع إلى الموسيقى. كما يمكن الاستفادة من ذلك بتعليمه أموراً جديدة كالتصنيف مثلاً كأن تقول له: «رتب السيارات الخضراء أولاً ثم الحمراء».
وبين السادسة والحادية عشرة، يميل إلى إظهار قدرته على تدبّر أموره ، ويفضل أن يرتب كل شيء وحده، ولكن لا يشير هذا الميل إلى أنه يعرف القيام بكل شيء ويقبل القيام به تلقائيًا.
لذا على الأم أن تعرض عليه تدبر أموره تدريجيًا، وتشرح له حسنات الترتيب الذي سرعان ما يفهم الطفل أهميته. فمثلاً حين يعرف أن وضع كتبه على الرف في شكل منظم يحميها من التلف، وأن توضيب ألعابه يجنّبه ضياع القطع الصغيرة، سوف يحفّزه ذلك على الترتيب.
كما أن اكتسابه هذه العادة سوف يهيّئه للمدرسة وما تتطلب منه من واجبات. فالترتيب يعني الملاحظة والتصنيف والتأليف والتمييز بين رغبته والواقع فيصبح أكثر استعداداً لمواجهته.
ويدرك أن ليس في إمكانه القيام بما يريد فقط بل بما واجب عليه أيضاً. لذا يؤكد الاختصاصيون أن الترتيب له حسنات في تطور الطفل النفسي والاجتماعي. ولكن في الوقت نفسه على الأم تجنب فرضه على طفلها أو الترتيب بدلاً منه.
الفوضى في غرفة المراهق انعكاس لمزاجه المتقلّب
من المألوف تقلّب سلوك المراهق بحدة، فهو يتغيّر بسرعة بين الحزن والسعادة وبين الحماقة والذكاء وبين الخجل والوقاحة.
يعكس هذا التناقض في المشاعر ما يخالجه من قلق وتوتر. فمن المعلوم أن التغيّرات الجسدية والنفسية والفكرية التي تحدث في مرحلة المراهقة، تُسبب للمراهق الكثير من الاضطرابات التي يعبّر عنها بسلوك إما عدواني أو فوضوي.
ويميل بين الحادية عشرة والثامنة عشرة إلى وضع قوانين العائلة ونظامها موضع تساؤل ويحاول اختراقهما، وتعكس غرفته ومظهرها ما يدور في رأسه، مثلا فوضى عاطفية ، أو قلق أو توتر... لذا حين يكون معتادًا على ترتيب غرفته كل عطلة أسبوع، فهذا لا يعني أنه سيستمرّ على هذا المنوال، بل سيبدّل سلوكه ويلاحَظ رفضه وكسله.
كما أنه سيعترض على القواعد التربوية المتّبعة في العائلة لا سيّما تلك التي تعتبر أساسية و لايمكن تخطّيها. وفي المقابل، تشكّل غرفة المراهق بالنسبة إليه عالمه الخاص الذي لا يحق لأحد اختراقه، وعندما يتعمد عدم ترتيبها فهذه وسيلته لتحديد منطقته الخاصة والقول لأهله لا يحق لكم الدخول إليها.
لذا فإن بعض الفوضى أمر طبيعي، وعلى الأهل ألا يفرضوا عليه الكثير من النظام بطريقة متشدّدة ومن دون توقف، وألا تحاول الأم ترتيب غرفته بدلاً منه في غيابه مثلا، بل عليها أن تطرق الباب وتطلب إذن الدخول، فهي بهذا التصرف تظهر له احترامها لخصوصيته وأخذها في الاعتبار اهتماماته.
أما إذا لم يتجاوب بعد محاولات عدة لإقناعه بترتيب غرفته، فيجب إنذاره كأن تقول أمه « إذا كانت غرفتك يوم الجمعة لا تزال على حالٍ من الفوضى سوف أقوم بترتيبها، ولكن أتمنى عليك مساعدتي للقيام بذلك»، على أن تختار وقتاً يكون فيه االابن - أو الابنة - متفرغاً.
فإذا لم يحضر في الموعد المحدد يمكن الأم التغاضي عن الأمر شرط ألا تقوم بترتيبها قبل أن تنبهه، وألا تحاول التفتيش في أغراضه فهذا الأمر يزعجه كثيراً.
ويشير الاختصاصيون إلى أنه من السهل التفاوض مع المراهق الذي اكتسب العادات الجيدة حين كان طفلاً. فهو سوف يعرف كيف يختار الوقت المناسب والطريقة المثلى للتعامل مع معظم الأمور.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024