معاني الألوان: من الراحة والهدوء إلى الغموض والخوف
مثلما يعكس المقام الموسيقي مزاج شخص ما، سواء أكان عازفا أو مستمعاً، فالظاهرة ذاتها تنطبق على الألوان، تلك المكونات البصرية التي تحيط بنا في كل تفصيل من تفاصيل حياتنا. فحتى في الحالة التي تكون فيها العين مغمضة، ستعترضك أهم قيمة ضوئية على الإطلاق وهي قيمة اللون الأسود.
سيف الدين العامري
وتقول مجلة "Top Santé (توب سانتي) الفرنسية، إن الألوان تؤثر في حالتنا النفسية، وقد يكون ذلك مدخلا للقيام بعلاجات معقدة في الجانب النفسي للمريض، وهو ما يعكس قدرة الألوان على اختراق أجهزتنا العصبية والذهنية، وكيف أنها قادرة على تحفيز المخ ودفعه إلى ضخ كميات معينة من الهرمونات دون أخرى.
ووفقا لتقسيم الباحث في علم النفس "كلود ديسبريس" فإن للألوان لغتها الخاصة التي نتحاور معها في مستوى اللاوعي، إذ تنقسم الألوان إلى ثلاثة أنواع تبعا لعلاقتها بعالمنا اللامحسوس، وهي: الألوان الفاعلة، والالوان الساكنة، والالوان المحايدة. وبناء على هذا التقسيم يمكنك اختيار اللون المناسب لغرفتك أو لباسك أو أي شيء تريده. فالألوان ليست مجرد صبغات مختلفة، بل إن لها تأثيرا مباشرا على الحالة النفسية التي يعيشها الإنسان. وأشار "ديسبريس" إلى أن الألوان تعد إحدى أقوى وسائل التأثير النفسي على الإنسان، بل وعلى الكائنات الحية الموجودة في الكون بشكل عام.
وقد استخدم الإنسان منذ العصور القديمة الألوان، التي كانت تستخرج من مستخلص بعض النباتات، في الأعمال الفنية والتشكيليّة والآثار والمباني التي كانت بدورها تصور الحياة الداخلية والنفسية للإنسان، وتعبّر عن مَشاعره وقيمه وانتماءاته وميوله، ما جعل الألوان تكتسب دلالات رمزية، كالحياة والموت والسعادة والرحمة والقسوة وغيرها. وفي العصر الحالي، أثبتت دراسات حديثة أن الألوان تمتلك التأثير الكبير على الخلايا البشرية.
ولكل لون موجة ضوئية خاصة به، لها طول معين يختلف من لون لآخر، ولكل موجة أثرها الذي يظهر على الجهاز العصبي والحالة النفسية. فالأثر الإيجابي أو السلبي يعود إلى أسباب كثيرة، منها ما هو فسيولوجي، ومنها ما هو نفسي، ومنها ايضا الاسباب البيئية والجغرافية والاجتماعية. لذلك تعد الألوان مادة أنتروبولوجية مهمة لفهم الشعوب ومقاربة علمية دقيقة للغوص داخل نفسية الإنسان.
وبالنظر إلى الأهمية النفسية التي تتميز بها الألوان والآثار النفسية الإيجابية لها، ظهرت استخدامات مدلولاتها النفسية في مختلف المجالات الحياتية، خاصة في الميادين والمساكن والمستشفيات والمباني التعليمية، بالإضافة إلى اهتمام الكثير من العلماء بإجراء الدراسات والبحوث العلمية التي بحثت في مدلولات الألوان ورمزيتها. فقيمة الأبيض مثلا تدلّ على النقاء والطهر والفرح والسلام، ولذا نرى الابيض يستخدم من قبل الأطباء والعاملين في المجال الطبي لما يبعثه من مشاعر الراحة والأمل والتفاؤل والشفاء في نفوس المرضى.
أما قيمة الأسود فهي قاتمة ومُعتمة، لا تعكسُ أي موجة ضوئية ملونة تسقط عليه، فهو يمتص جميع ألوان الطيف التي توجه إليه، ما يضفي حالة من الغموض على شخصية الفرد. واللون الأسود في معظم حالاته يوحي بالكآبة.
أما الأحمر فهو لون يرمز إلى المشاعر الجياشة ولون الدم والثورة، فيما الأزرق هو لون الماء والسماء والأفق والراحة. وأما الأصفر فهو لون دافئ ويستعمل في أحيان كثيرة لمقاومة الانهيارات العصبية لأنه لون منشط ومستفز، وأما الأخضر فيقع بينهما، أي بين الدائرة اللونية الزرقاء والصفراء، فيجمع بين الإثنين: الهدوء والدفء.
نقلاً عن "شبكة حياة الاجتماعية"
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024