تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

كالين عازار: الاختلاف في الرأي بين الوالدين صحي...

قد يختلف الوالدان حول ما إذا كان في استطاعة طفلهما القيام بأمر ما، فأحدهما يوافق على طلبه والآخر يمنع، ونسمع الابن يقول «ولكن البابا سمح لي»، أو «لا تشرب العصير تقول الأم، ويرد الأب: اسمحي له هذه المرة»... هذا الاختلاف بين الوالدين في الأمور الثانوية لا يؤثر سلبًا في الطفل كما يؤكد الاختصاصيون.
فرغم أن الوالدين يتفقان على الكثير في المسائل التربوية، ليس بالضرورة أن يكون لديهما الطريقة نفسها في تطبيقها. إذا لكل واحد منهما تاريخه العائلي الخاص به ونظرته الخاصة إلى الحياة، لذا قد تختلف أولويات كل واحد منهما.
ولكن هل يؤدي هذا الاختلاف إلى محاولة الطفل استغلاله لمصلحته؟ وهل اختلاف الرأي بين الوالدين في بعض الأمور المتعلّقة بطفلهما يؤدي إلى قلق الطفل؟ ومتى يجوز للوالدين الاختلاف في الرأي؟
«لها» التقت الاختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها. 

- هناك اختصاصيون يقولون إن اختلاف الوالدين في الرأي يفيد الطفل في المستقبل، هل توافقين على هذا الرأي؟
نعم ولكن بشروط. فمن المهم جدًا أن يفهم الطفل أن في العائلة وفي المجتمع تناقضات وهي جزء من الطبيعة الإنسانية وهذا مفيد، لأن ليس جميع البشر لديهم نظرة واحدة إلى الأمور، وعليه ألا يخاف من التناقضات الموجودة، بمعنى إذا لم يتوافق الوالدين في مواقف معينة فليست مشكلة، ولكن عليهما في الوقت نفسه أن يوضّحا للطفل أن الاختلاف بينهما لا يعني أبدًا أنهما يكرهان بعضهما، فبعض الأطفال يخافون ويظنون أنهم سبب خلاف أهلهم.
فمثلاً حين يناقش الأهل مسألة متعلّقة بالطفل و لا يتفقان على حل أو أن أحدهما يقنع الآخر بوجهة نظره، قد يشعر الطفل بالذنب ظنًا منه أن سبب مشكلة بين والديه. لذا على الأهل التنبه إلى هذا الأمر ويشرحوا له أن الاختلاف في الرأي لا يؤدي إلى مشكلة كأن تقول له والدته مثلاً: «أنت تتجادل مع أخيك أو أنا أختلف أحيانًا مع البابا لكن هذا لا يعني أننا لا نحب بعضنا، ولن نتحدث مع بعضنا، التناقض موجود».
وقد يستغل الطفل أحيانًا هذا الأمر ويقول: «البابا يسمح لي» هنا يمكن أن ترد الأم: «صحيح عندما تكون معه والآن أنت معي وأنا لست البابا، لكل واحد منا أسلوبه».
لذا في القرارات الكبرى التي تخص الطفل يكون هناك مرجعان وليس واحد، الأم تقول أنا ووالدك أخذنا القرار واتفقنا عليه، ربما عندما يعود تتحدث إليه وتكون له وجهة نظر أخرى.

- ولكن هذا التمايز في الرأي ألا يؤدي إلى استغلال الطفل والديه؟
الثابت أن الأبناء في حاجة دائمًا إلى الاستقرار النفسي الذي يعززه أسلوب تربوي موحد يتبعه الوالدان، خصوصًا في الأمور المتعلقة بالطفل. فمن الممكن أن يختلف الوالدان في الشخصية ونظرتهما إلى الحياة بصورة عامة، ويرغب كل منهما في تربية ابنه تبعًا للأسلوب التربوي الذي تربّى عليه، ولكن عليهما الاتفاق على أسلوب تربوي واحد في ما يخص أطفالهما.
فالطفل في سن صغيرة يراقب والديه، ويسجل طريقة تعاملهما مع بعضهما وإن كان لا يفهم حديثهما، ويستطيع أن يدرك من خلال سمات وجهيهما، ونبرة صوتهما ما إذا كان بينهما تناقض. فإذا كان التناقض موجودًا بشكل دائم خصوصًا في الأمور المتعلقة بالطفل، فهذا يسبب مشكلة، لأن الطفل يستوعب بسرعة ويخزّن في ذهنه هذه المعلومات ويعود ويستعملها ضد أحدهما.
فهو يراقب ويلاحظ أن أحدهما كلمته غير مسموعة. وإذا كان موجودًا فقط مع أحد الوالدين يراقب تصرفاته ويدرك أن في إمكانه التصرف على هذا النحو مع والدته وذاك النحو مع والده. ويستغل هذا الأمر.

- متى يعتبر الاختلاف في الرأي بين الوالدين أمرًا جيدًا ومتى يصبح نقمة؟
يعتبر تصرفًا صحيًا حين يسمح بتجنب التوتر، فلكل واحد منهما الحق في التعبير عن رأيه، إذ يجب التخلي عن الصورة الأسطورية للوالدين المنصهرين مع بعضهما، المتفقان على كل الأمور إلى حد المثالية، فعندما يوافق أحدهما الآخر على رأيه من دون أن يكون مقتنعًا، فمن الممكن أن يؤدي إلى شعور بالغبن الذي قد يشعر به الطفل فيجد نفسه سجين صراع صامت بين والديه، أو قد يستغله لمصلحته، لذا فإن الاختلاف في الرأي بشكل واضح أفضل.
وعندما يستفز الطفل أحد الوالدين إلى أن يصل إلى نقطة لا يحتمل فيها، فهو بهذه الطريقة يدرك إلى أي نقطة يمكن الالتزام بقراره.
مثلا عندما يرغب في مشروب غازي وأمه ترفض في كل مرة، وفي إحدى المرات تكون مرهقة وتمتثل لرغبته وإلحاحه وموافقة والده، يعرف أن في إمكانه أن يحصل على ما يريد لأنه نجح في إحدى المرات.
ويبرر الأهل هذا الخرق للقاعدة بأنهم مثلا وضعوا نقطة عصير، ولكن هو لا يفهم هذا وإنما يرى أن والدته نفذت له طلبه، وبالتالي يمكنه أن يتصرف على هذا النحو في كل مرة يرغب في أمر ما.
لذا على الأهل توضيح سبب تنفيذ رغبته وأنهم تساهلوا هذه المرة ولكن لا يعني أنهم سيتساهلون في كل مرة يرغب في شيء ما.

- ولكن ألا يسبب التناقض توترًا للطفل؟
لا، طالما الوالدان متفقان على القيم والمبادئ العامة في التربية والتي يرغبان في نقلها إلى طفلهما و يختلفان حول الأمور الثانوية التي لا تجعله مشوش التفكير.
فالاختلاف في بعض الأمور يفيد الطفل ويغني تفكيره، و يعزز استقلاليته الشخصية، فمثلاً إذا كان في رأي الأم أن طفلها لا يزال صغيرًا جدًا على السباحة بينما الأب يشجع على ذلك من خلال دفعه إلى السباحة، فإنه يساعد طفله في تعزيز استقلاليته الذاتية، ويدرك أن مع والده يمكنه القيام  بالكثير من الأمور الطريفة والجريئة أحيانًا، وأنه مع والدته يجب أن يكون أكثر نظامًا.
هذا التعامل مع الطفل يؤدي إلى  توازن شخصيته، ويدرك أنه في الإمكان أن يكون مرنًا في بعض الأمور التي لا تشكل خطرًا على حياته، فيكون الوجود مع الوالد متنفسًا له وفي الوقت نفسه يتذكر القانون مع والدته.
ولكن إذا كان التناقض في الرأي يفرض على الطفل الخضوع من دون نقاش، فهذا لا يفيده.


- هل هذا يعني أن التوافق التام على كل صغيرة وكبيرة بين الوالدين في ما يخص طفلهما ليس جيدًا؟
من المهم أن يعرف الأهل أن النظام والتقيد بقوانين المنزل أمران ضروريان، ولكن في حالات معينة يحتاج الطفل إلى بعض المرونة في التعامل، ومنحه بعض الحرية  فهو لا يعيش في معسكر.
 لذا من الضروري أن يدرك أن أهله يشعرون به في حالات معينة أو في موقف معين، بمعنى إذا تساهل أحد الوالدين في بعض الأحيان يكون الطفل يستحقها، أو مراعاة لمشاعره، فطالما يعرف أن هذا الخرق موقت وأن النظام سار في المنزل ليس هناك مشكلة.

- عندما يكون أحد الوالدين بجانب الطفل دائمًا، ألا يؤدي ذلك إلى احتمال أن يبتز الطفل أحدهما عاطفيًا كأن يقول أنا أحب والدي أكثر منك لأنه يلبي لي رغباتي؟
التناقض يسبب مشكلة. فاضطرار أحد الوالدين للعب دور المرجع الحازم والممسك بزمام الأمور، يدفع الطفل إلى التعبير عن أنه يميل إلى أحدهما أكثر من الآخر.
ولا يمكن لوم الطفل لأن الوالدين غذيا هذا الشعور. لذا التناقض يكون على درجات، والتناقض في الأمور البسيطة ليس مشكلة. مثلا في بال الطفل أن يلعب خارج المنزل: الأم تمنع والأب يسمح مرات قليلة.

- التناقض المستمر ألا يهز صورة أحدهما؟
أكيد، ويفقد إحترامه لأحدهما، فمثلما لا يأخذ أحدهما في اعتباره رأي الآخر كذلك الطفل سوف يتصرف على النحو نفسه. لذا أشدد على أن الوالدين نموذج الطفل وهو يفهم ويدرك كل ما يدور حوله، ويستطيع ابتزازهما.
وغالبًا يعتمد الطفل هذا التصرّف عندما يكون الوالدان منفصلين، فإذا كانا مختلفين في التربية ويحطّ أحدهما من قدر الآخر، ليجذب الطفل إليه، يحدث خلل كبير في استيعاب الطفل مبادئ الحياة وطريقة عملها ويشعر بالضياع ولا يعرف اتخاذ القرارات في المستقبل.

- التناقض في الرأي بين الوالدين يكون أحيانًا نتيجة القلق والخوف على الطفل، خصوصًا من جانب الأم. ألا يؤدي هذا في النهاية إلى صراع؟
هناك أمهات قلقات ويتولين مسؤولية الأبناء من ألفها إلى يائها إلى درجة أن الوالد لا يعرف بأمور المنزل بسبب انشغاله، وهذا إيجابي في مواقف معينة، إذا كان الوالد لديه روح النكتة ومتساهلا أحيانًا، فهذا يجعل الطفل متقربًا من والده لأنه يستطيع أن يفعل معه ما لا تسمح له به والدته.
مثلاً يمكنه أن يلعب معه الملاكمة أو يخرق عادة غذائية اذا كانت الأم خارج المنزل. لذا من المهم أن تمنح الأم الأب وقتًا يمضيه مع أبنائه وتكون متساهلة في بعض الأمور وتسمح للوالد بأن يخرق بعض قوانينها.
يمكن الأهل في بعض الأحيان عدم التوافق ولكن التناقض لا يعني عدم التنسيق، طالما التناقض كان محدودًا ولفترة قصيرة، ولا يكون من الشخص نفسه .
 اختلاف الرأي بين الوالدين في نظر الأبناء يبدو أن الأبناء يقتنعون بوجهات نظر والديهم وإن اختلفت، أما إذا كان الأهل متفقين على رأي واحد في أمر معين، فإن الأبناء يجدون طريقة كي يحققوا رغباتهم.


لها التقت بعض الأطفال واطلعت على آرائهم.

رافييللا عنيد (11 سنة)
تسمح والدة رافييللا لها في بعض الأحيان بالسهر لمشاهدة برنامجها المفضّل رغم أن والدها لا يوافق على ذلك. وتقول رافييللا: «أحب كثيرًا مشاهدة برنامج ستار أكاديمي، وفي رأي بابا أن السهر مضر بصحتي لأنني لا أزال صغيرة، ولكن ماما تطلب منه أن يسمح لي لأنه في اليوم التالي لا يكون عندي مدرسة.
أحيانًا لا أسهر لأنني أكون تعبة وفي حاجة إلى نوم وبابا معه حق بالنسبة إلى السهر، ولكن أحب مشاهدة برنامجي المفضل».

غبريال طبال (7 سنوات)
يحب غبريال أن يلعب مع والده الملاكمة لكن أمه تخاف من أن يؤذي نفسه. ويقول: «الماما لا تحب أن ألعب بوكسينغ مع البابا لأنها تخاف علي من أؤذي نفسي ولكن بابا يؤكد لها أنه حريص على ألا اتعرّض للأذى».
المفارقة أن والدي غبريال يتفقان على عدم السماح له بأكل الشوكولاتة بشكل مستمر ولكنه يخرق هذا القانون عندما تتاح له الفرصة، ويقول: «الماما والبابا لا يسمحان لي بأكل حصة كبيرة من الشوكولاتة في اليوم، ولكن عندما تتاح لي الفرصة لا أفوّتها».

نائل صلّوخ (7 سنوات)
يحب نائل أن ينام في بيت جدته مي في العطلة الأسبوعية ولكنّ والديه لا يسمحان له ذلك كل أسبوع فيقول: «الماما والبابا لا يسمحان لي بالمبيت عند جدتي في عطلة الأسبوع بشكل متواصل، فقط عندما يكونان مسافرين، علمًا أنني أحب أن أمضي العطلة الأسبوعية عند جدتي كل أسبوع، فأنا أتسلى كثيرًا عندها.
الماما والبابا معهما حق لأن الأحد صباحًا علي الذهاب الى تمارين كرة القدم وبالتالي لا أريد إزعاج جدتي عند الصباح لاصطحابي إلى النادي». 

رومي فرح (12 سنة)
رومي فتاة في بداية سن المراهقة تحب التحدث على الهاتف النقّال ولكن المنع يأتي دائمًا من أمها. وتقول: «أحب التحدث على الهاتف، ولكن الماما تمنعني من الكلام على الهاتف الخلوي  كي لا تنفد وحداتي ولا أزعج صديقاتي، بينما والدي يغض النظر.
ولا تحب والدتي جلوسي الطويل إلى الكمبيوتر بينما والدي يسمح لي. أحيانًا تكون والدتي معها حق لأن صديقاتي يكن مشغولات. ورغم أن الفاتورة تكون مكلفة ويبدي البابا والماما انزعاجهما لكنهما في النهاية يدفعانها.
أما بالنسبة إلى الكمبيوتر فلا أخضع لإرادة ماما وأجلس إليه لساعات لأنني أحب أن أطلع على المواقع الإلكترونية والتحادث عبر الفيسبوك مع أصدقائي وهذا ما لا يحبه والداي. أدرك أنه ليس أمرا جيدا ولكني أفعله».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079