تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الطفل الفائق الذكاء من هو؟

'ولدي فائق الذكاء ودرجاته في المدرسة عالية جدًّا' تفاخر أم هاني بذكاء طفلها مستندة إلى علاماته المدرسية. هو بالفعل طفل ذكي ولكنه هل هو فائق الذكاء؟ يرى التربويون أن ليس هناك طفل غبي وآخر ذكي بل كل الأطفال أذكياء إذا عرفنا كيف نحترم نمط تفكير كل منهم وإيقاع استيعابه. بيد أن الطفل الفائق الذكاء له مجموعة صفات معينة. وفي المقابل لا يمكن الجزم بما إذا كان فعلاً متفوّق الذكاء إلا من خلال إخضاعه لاختبار الذكاء المعروف بالـ IQ .
فمن هو الطفل الفائق الذكاء؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ كيف يمكن الأم ملاحظة ذكاء طفلها؟ ما هي الإشارات؟ فبعض الأمهات يحسبن أن طفلهن ذكي جدًا ويصدمن بعلاماته المدرسية المتدنية.
' لها' التقت الاختصاصية في التربية فرح تميم التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.


بداية ترى فرح تميم أنه لا يمكن التأكد من الطفل الفائق الذكاء إلا من خلال إخضاعه لإختبار الـ,
IQ وتحدد سماته بالآتي:

  • اكتساب سريع وعميق للمعلومات، وقدرة على تعلّم لغة جديدة بشكل سريع.
  • ذهن متوقّد ومتفوق على أقرانه من السن نفسها.
  • تنبّه واضح لكل ما يدور حوله.
  • رغبة كبيرة في الاكتشاف والمعرفة وتعلّم كل ما هو جديد.
  • قدرة كبيرة على التركيز لمدة طويلة.
  • ميل إلى العمل الفردي وتجنب العمل ضمن فريق.
  • ميل إلى الاستقلالية والاعتماد على النفس.
  • نظرة مثالية إلى الأمور فهو يتوقّع الكثير من نفسه ولا ترضيه الإنجازات التي يحققها حتى ولو كانت كبيرة ومهمة.
  • طرح أسئلة صعبة ومحرجة أحياناً قد يصعب على الراشدين الإجابة عنها.
  • ذاكرة ممتازة ولغة غنية بالمفردات.
  • نضج مبكر، فهو يبدأ المشي والكلام قبل أوانه
  • شعور مبكر بهوّيته، أي يشعر بأن مستوى تفكيره أنضج ممن هم في سنّه.
  • رغبة واضحة في التواصل مع الآخرين لتجنب شعور العزلة.
  • سريع الملل من العمل الروتيني.
  • اهتمام شديد بالقيم الأخلاقية والقضايا الإنسانية كالعدل ومحاربة الفقر والمساواة بين جميع الناس.
  • عدم الامتثال لما يطلب منه وأحياناً كثيرة يرفض القواعد التي تُفرض عليه فيحاول تخطيها.
  • ميل كبير إلى مرافقة الراشدين، لذا يُلاحظ على هذه الفئة من الأطفال عدم رغبتهم في اللعب أو مرافقة من هم في سنهم لأنهم يشعرون بأنهم أكثر نضجاً من أقرانهم.
  • لديه روح الفكاهة ويستعملها للتعبير عن أفكاره بطريقة غير مباشرة، فيبرر خطأه بطريقة طريفة إلى درجة قد تضحك الأم بدل لومه.


وتشير الاختصاصية إلى أنه إذا لاحظت الأم أن طفلها يتمتع بكل هذه الميزات أو معظمها يمكنها إخضاعه لاختبار الـ
IQ إذ لا يمكن القول عن الطفل إنه نابغة لمجرّد أنه يتمتع بميزة واحدة من هذه الخصائص التي ذكرناها.

- ما هي المشكلات التي تواجهها هذه الفئة من الأطفال؟
من المشكلات التي يواجهها الأهل مع الطفل الفائق الذكاء  أنه سريع الانفعال بسبب التباين بين نموّه الذهني ونموّه الانفعالي العاطفي. فحاجاته العاطفية تشبه حاجات أقرانه بينما قدراته العقلية متقدمة عليهم، وهذا ما يعرف Dyssynchrony syndrome  الذي وضعه جان شارل تيراسييه وهذه مشكلة رئيسية. تكون قدرات الطفل المتفوق الذكاء العاطفية والحركية مثله مثل باقي أقرانه فيكون حسّاسًا جدًا ويرفض الظلم ويلجأ إلى الدفاع عن نفسه بطريقة عنيفة. كما يواجه مشكلة في الكتابة فالقدرة الحركية لديه أبطأ من فكره، مما يجعل خطه سيئًا لأن حركة يده لا تلازم نمط تفكيره، لذا لا يجوز  للمعلمة أو الأم الإصرار عليه لتحسين خطّه، فالكتابة وسيلة للتعبير ويمكن الشرح له لمَ عليه تحسين خطه وأنه إذا عرف كيف يحسّن خطه سوف يخفف عنه الكثير من الأمور.
وقد يعاني مشكلات أكاديمية واجتماعية نتيجة عبقريته. فهو قليل الصبر يريد إنجاز ما يقوم به بسرعة، فيواجه مثلاً مشكلة مع من يلعب معه، إذا لم يكن على المستوى الفكري نفسه، ويبدي حرصاً كبيراً على الأمور التي تهمه، ويصاب بالإحباط عندما لا يجد نشاطاً يقوم به، ويشعر بالحزن إذا رفضه الآخرون أو انتقدوه مما يجعله منزوياً أحياناً يفضل عدم الاقتراب منهم أو التواصل معهم.
إضافة إلى أنه لا يتغاضى عن الهفوات التي يرتكبها الغير مما يثير تذمر من حوله، رغم أنه يتوق إلى التواصل مع محيطه، ويفضل عدم تدخلّ أحد في شؤونه الخاصة. وغالباً ما يعيش حالة قلق من الطريقة التي أنجز فيها عملاً ما فهو يسعى إلى الكمال في كل ما يقوم به، مما يعرقل أحياناً تقدّمه. كما أن الاكتساب السريع للمعلومات واستيعابها قد يسببان له الملل في الصف فلا يتابع ما تعطيه المعلمة وقد يتحوًل إلى مشاغب، مما يؤثر سلباً على أدائه المدرسي وبالتالي تتدنى علاماته، وقد يؤدي الأمر لاحقاً إلى عدم رغبته في متابعة دروسه الأكاديمية. إجمالاً هؤلاء الأطفال يدركون ذكاءهم ويعرفون أن الآخرين لا يتنبهون إلى قدراتهم الذكائية مما يسبب لهم شعورًا بالظلم.


- دائمًا نسمع باختبار الذكاء الـ IQ فما هو؟
هو اختبار بسيط مكوّن من أسئلة ترتكز على المنطق وسرعة البديهة وغيرها من المهارات الذكائية، تطرح على عدد من الأطفال من فئة عمرية معيّنة، فإذا نال طفل معدلاً أقل بكثير من المعدّل العام الذي هو 130فهذا مؤشر لأنه أقل ذكاء من الفئة العمرية التي ينتمي إليها.
ومن ينال أعلى من المعدّل المطلوب تكون لديه قدرات ذكائية تفوق من هم في سنّه. عمومًا تشير الدراسات إلى  أن الطفل الذي يكون نتيجة اختبار الذكاء عنده أعلى من 130 يعتبر طفلاً فائق الذكاء.
ولكن تبعًا لنظرية غاردنر 'الذكاءات الثمانية' ليس هناك طفل ذكي وآخر غبي، فهل يأخذ إختبار الـ IQ هذه النظرية في الاعتبار؟
اكتشف طبيب الدماغ الأميركي هوارد غاردنر بعد أن أجرى جراحة في المخ أن دماغ الإنسان مؤلف من ثماني مناطق، تعرف بمناطق الذكاء وهي:

  • منطقة اللغة.
  • منطقة الرياضيات والمنطق.
  • منطقة مفهوم المساحة.
  • منطقة الموسيقى.
  • منطقة القدرات التي تتحكم في الجسم.
  • منطقة التواصل مع الذات.
  • منطقة التواصل مع الآخرين.
  • وأخيراً منطقة الاهتمام بالطبيعة..

وبحسب هذه الدراسة فإنه من الضروري تطوير هذه المناطق الثماني وتعزيز تفاعلها مع بعضها حتى يتمكن التلميذ من تطوير استيعابه لكل المواد المدرسية. وهكذا نُقضت مقولة أن الطفل الذكي هو البارع في الرياضيات واللغة فقط . فكل إنسان لديه ثماني مناطق ذكاء. ما أعنيه أنه إذا كان استيعاب التلميذ ضعيفاً في الرياضيات، فإن الطريقة التي تساعده في الاستيعاب قد تكون بتعزيز إحدى مناطق الدماغ التي تساعده على الفهم وبلورة قدراته الأكاديمية.
وهذا لا يعني أن فائق الذكاء يكون متفوّقًا في المناطق الثماني بالضرورة، بل هو في مجال معين يكون مستواه مرتفعًا جدًا. فالأطفال الذين تكون نسبة الذكاء لديهم مرتفعة في جميع مناطق الذكاء فهم النوابغ أو العباقرة، فيما فائق الذكاء يكون في منطقة أو منطقتين، أما في بقية الأشكال فيكون مستواه طبيعيًا، أي يتميز بذكاء معين.

- ماذا على الأهل أن يفعلوا حين يثبت لهم اختبار الـ  IQ أن طفلهم فائق الذكاء؟
يحتاج الطفل الفائق الذكاء إلى معاملة خاصة من الأهل والمدرسة، وضروري حصول تعاون بينهما ليستطيع هذا الطفل التكيّف مع المجتمع حوله وبلورة ذكائه، وذلك من خلال وضع برنامج تربوي ومنهجية تناسب ذكاءه. وإذا لم نفعل يلاحظ نشاطه المفرط في الصف فيما في المنزل يشعر بالراحة أكثر لأن ليس هناك من يجعله يشعره بالملل، وهذا مختلف عن الطفل الذي يعاني اضطرابات النشاط المفرط. ويجب على إدارة المدرسة إتخاذ التدابير الضرورية من أجل أن يكون دورها مكمّلاً لدور الأهل في التعامل مع الطفل.

- لماذا يرسب بعض التلامذة الفائقي الذكاء رغم أن المدرسة والأهل وضعوا برنامجًا خاصًا بهم؟
لأن متابعة الأهل والمدرسة اقتصرت على فترة محددة في حين أن  المتابعة يجب أن تستمر إلى أن ينهي المرحلة الثانوية لأنه سوف يجد دائمًا أن لديه قدرات تختلف عن قدرات أقرانه. وتشير الدراسات أن 30 في المئة من التلامذة الفائقي الذكاء يتسرّبون من المدرسة لأنهم يصلون إلى مرحلة يعتبرون أنفسهم فيها أنهم موجودون في مكان ممل لا يشبع فضولهم المعرفي ولا يلبي حاجاتهم الذكائية و ليس هناك ما يحفزهم على التعلّم.
كل هذه العوامل تؤدي إلى الرسوب وبالتالي إلى التسرّب المدرسي. لذا أؤكد ضرورة متابعة التلميذ الفائق الذكاء إلى حين انتهاء دروسه الثانوية لأنه عندما يدخل الجامعة يعرف ماذا يريد وأي اختصاص جامعي يريد متابعته ، فهو صار في استطاعته إدارة ذكائه. مثلا يدرك أنه بارع في الرياضيات فيختار هذا المجال وينجح فيه بتفوّق. وحين يستمر الأهل والمدّرسون في متابعة التلميذ الفائق الذكاء فهم يساعدونه في تطوير ذكائه وبالتالي لن يكون مثل غيره، بل قد يصبح في المستقبل مخترعًا أو مميزًا في المجال الذي اختاره.

- دائمًا تربط العلامة المدرسية بذكاء الطفل وأنت تؤكدين أن لا علاقة بين العلامة المدرسية والذكاء، ولكن في النهاية العلامة  المدرسية تهم الأهل خصوصًا في المرحلة الثانوية التي تهيئ للدخول الجامعي. هل التدابير التي تنصحين الأهل بها توصل التلميذ الفائق الذكاء إلى درجات عالية؟
طبعًا، إذا وضعوا استراتيجة تربوية تحفزه على التعلّم، سوف يركز في الصف ومن الطبيعي أن تكون النتيجة المدرسية عالية. إذا كان لديه الحماس والثقة بالنفس ويجد أن كل من حوله يهتم به في الصف والمنزل تصبح لديه لذة التعلّم، وتطوير ذكائه.
لذا لا يمكن أن نقول إنه ذكي رغم درجاته المتدنية أو رغم سلوكه السيئ في الصف، بل على الأهل والأساتذة أن يضعوا إستراتيجية ليكون سلوكه في الصف منسجمًا مع البرنامج. المهم أن يتأكد الأهل أن طفلهم فائق الذكاء كي لا يظلموا طفلاً ذكاؤه عادي.


 
- هناك بعض الأهل يدرسون طفلهم البرنامج المدرسي للسنة المقبلة لأنه فائق الذكاء، ما الأثر السلبي على التلميذ؟

لا يجوز مطلقًا أن يقوم الأهل بذلك،لأنهم سيواجهون مشكلة أكبر. فهو في الأساس يعرف أكثر من غيره، وفي إمكانه استيعاب كل ما يعطى له خلال العام المدرسي في15 ساعة. هذا ما أثبتته الدراسات. فإذا علموه البرنامج قبل أوانه فإنهم يعجّلون في تدمير ذكائه لأنه سيشعر بالملل في الصف وبالتالي يؤدي الأمر إلى رسوبه، في حين أن على الأهل خلال الإجازة أن يطوروا القدرات الاجتماعية والجسدية لطفلهم. كتحفيزه على الألعاب التي تستند إلى التفكير لأنها تجعله أمام تحدٍ،  وهذا ما يحبه أصلاً.


المطلوب من الإدارة المدرسية

مرونة في البرامج التعليمية كالسماح بانتساب الطفل إلى المدرسة في سن مبكرة، وتجاوز الصف والانضمام إلى صف أعلى أو متابعة مقرر مدرسي أعلى. إخضاعه لبرامج خاصة تقوم على الآتي:


المطلوب من الأهل الذين لديهم طفل فائق الذكاء

  • أوّلاً تشخيص الحالة أي إخضاع الطفل لاختبار الـ IQ، ويكون ذلك عند اختصاصي.
  • تشجيع الطفل النابغة على مواجهة تحديات نفسه. مثلاً إذا كانت لديه موهبة الرسم يمكن الأم أن تقترح عليه أن يرسم لوحة لا مثيل لها بحسب رأيه، فهو بذلك يختبر قدرته على تحدي نفسه.
  • مساعدته في وضع معايير واقعية لنفسه. فمن المعروف أن الطفل النابغة يتوق إلى الكمال والقيام بأمور يصعب عليه تحقيقها في الواقع، ودور الأهل مساعدته في وضع توقعات أقرب إلى الواقع كي لا يصاب بالإحباط بسبب قصور الواقع أمام الإنجاز الذي يريد تحقيقه.
  • تشجيعه على القيام بنشاطات متنوّعة تثير اهتمامه، تمتص طاقته وتبلور قدراته.
  • إشراكه في نشاطات تتطلب عملاً جماعياً يساعده على التفاعل مع الآخرين. فمثلاً يمكن إلحاقه بفرقة كشفية فيها مختلف الأعمار.
  • مساعدته في استغلال طاقاته وقدراته الفكرية عن طريق تشجيعه على مساعدة غيره. فمثلاً إذا كان لديه شقيق ضعيف في مادة الرياضيات يمكن الأم أن تطلب منه مساعدته في فهم المادة، فهذا الأمر يشعره بالاكتفاء.
  • مساعدته في التحدّث عن مشاعره والتعبير عنها.
  • مساعدته في تفهّم نظرة الآخرين إليه. فمن المعروف أن الطفل النابغة يواجه صعوبة في علاقاته الاجتماعية وغالباً ما يشعر بنبذ الآخرين له، مما يصيبه بالإحباط. لذا على الأم أن تشرح له الأمر كأن تقول له أنهم لا ينسجمون معه لأنه لا يحب القيام بالأمور التي يفعلونها أو لأن اهتماماتهم تختلف عن اهتماماته.
  • تشجيعه على المشاركة في اتخاذ القرارات. فمثلاً إذا أراد الأهل تمضية عطلة أسبوعية خارج المدينة يمكن الأخذ برأيه وإشراكه في اتخاذ قرار الذهاب أم لا.
  • منحه فرصة لعب دور الراشد. مثلاً الطلب منه القيام بمهمات تتطلب مسؤولية معيّنة.
  • مساعدته في إدراك أن الفشل خطوة نحو النجاح. فالفشل عند الطفل العبقري قد يؤدي إلى شعور بالإحباط مما يضعف تقديره لذاته. لذا على الأم أن تشرح له أنه ليس في إمكان الإنسان عموماً النجاح من المحاولة الأولى وعليه تكرار المحاولات لتخطي العقبات وتحقيق النجاح المنشود.
  • توفير المراجع والكتب وكل وسائل المعرفة التي تُشبع فضوله ونهمه إلى المعرفة.


دراسة علمية Paradoxal sleeping  

أثبتت دراسات علم النفس الخاصة بالأعصاب  أن نوم الـ Paradoxal sleeping ، أي الجزء الفكري في النوم حين يبرمج لاوعي الإنسان كل المعلومات التي تلقاها الوعي خلال اليوم، أن مرحلة تنظيم الأفكار والمعلومات نسبتها عالية جدًا عند الأطفال الفائقي الذكاء ، ووجدوا أن دماغ هذا الطفل لديه قدرة عالية على المرونة، و أن الانتقال بين أعصاب الدماغ سريع لذا لديه قدرة عالية على تلقي المعلومات وإعطاء الكثير منها ليس فقط من ناحية الكم ولكن أيضًا لجهة النوعية، فهو يفكر بطريقة مختلفة عن الآخرين، أي أن قدراته البيولوجية تساعده في أن يكون حاد الذكاء. 

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079