نوم الطفل المتقطّع مشكلة تواجهها الأم...
يبدو على هانية التعب فهي لم تنم طوال الليل بسبب طفلها الرضيع الذي كان يستيقظ كل ساعة تقريباً ليرضع، إضافة إلى بكائه الشديد الذي لم تتمكن من معرفة أسبابه. فحرارته عادية وحفاضه نظيف و لا يعاني أي مرض عضوي يعكّر صفوه. أما نهى فهي قلقة على ابنها محمد البالغ ثلاث سنوات لأن نومه متقطع.
يشكّل نوم الطفل المتقطع خلال الليل مصدر قلق للأم فتنشغل بأسباب مشكلة النوم عند طفلها، وتصبح متوترة وقلقة لأنها لا تستطيع النوم بشكل كاف وأخذ قسط من الراحة، فتقع في حلقة مفرغة.
لماذا يستيقظ الطفل خلال الليل؟
يسير نمط نوم الرضيع حتى شهره الثالث تبعًا لدورة الثلاث أو الأربع ساعات نهارًا وليلاً، أي أنه يستفيق كل ثلاث أو أربع ساعات لأنه يريد تناول وجبته. ومن أسباب نومه المتقطّع أيضًا المغص الذي يصيبه ليلاً والذي لم تعرف أسبابه حتى اليوم، فهذا المغص لا علاقة له بالبرد أو الطعام الذي يتناوله أو أي مرض عضوي. والملاحظ أن أعراضه تظهر بين الساعة السابعة مساءً والسادسة صباحاً. وعموماً تختفي آلام المغص في الشهر الرابع. أما السبب الآخر فقد يكون مرضاً عضوياً يرتبط بخلل في الجهاز العصبي عند الرضيع، ولكن هذه الحالة نادرة جداً. وقد تطول فترة استيقاظه لأنه يكون غير قادر على فهم سبب آلامه وإعطاء تفسير لما يحدث له.
من أين يأتي هذا؟ ولماذا؟ كم من الوقت يستغرق هذا الأمر؟ فيما الراشد قد يستيقظ ليلاً ولكنه يعود إلى النوم إذا كان يمر بالحالة نفسها. إذًا الطفل لا يقصد إغاظة والدته، ولكنه لا يفهم ما يحدث له والأحاسيس التي تنتابه، ويحتاج إلى والدته ليتكامل معها ويشعر بالأمان.
هل صحيح أن الأرق أو النوم المتقطّع يؤثر في نمو الطفل الجسدي؟
هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي تقول إن النوم الكثير يؤدي إلى زيادة الطول وهذا ليس صحيحاً، فقد أكدت الدراسات والأبحاث الطبية أن لا علاقة بين النوم وزيادة الطول. وفي المقابل يؤثر النوم المتقطع في سلوك الطفل فيصبح أكثر عصبية وتوتراً مما يؤثر سلباً في سلوكه وأدائه المدرسي.
ما هي النصائح التي يمكن إسداؤها إلى الأم؟
جعله يأخذ قيلولة منتظمة
يحتاج الطفل حتى السنة الثانية إلى الكثير من النوم، لذا يرى الاختصاصيون أنه من المهم جدًا جعله يأخذ قيلولة ثلاث مرات في اليوم. واحدة قصيرة عند الصباح مدتها ساعة، وثانية بعد الظهر مدتها ساعتان، وثالثة عند بداية المساء مدتها ساعة.
وعلى الأم أن لا تخشى من مقولة أن القيلولة العميقة تمنع طفلها من النوم مساء، بل على العكس فإن نقص النوم خلال النهار قد يسبب نشاطًا مفرطًا مساء وبالتالي يصعب على الطفل النوم بسهولة.
تعويد الطفل على فكرتي النهار والليل
خلال الشهور الأولى لا يدرك الطفل معنى الليل والنهار، لذا من المهم مساعدته في إيجاد مرجعه بملاحظة التناقض بين المحيط المضاء والمحيط المعتم. فخلال الليل على الأم أن توفّر له محيطًا يجعله يشعر بأنه ينام في الظلام وفي محيط هادئ، فيما في النهار يمكنها إضاءة الغرفة بنور قليل الشعاع. فهذا التمييز بين النهار والليل يسمح له بالتكيف مع إيقاع النوم.
تفادي كل النشاطات الجسدية والترفيهية قبل ساعة النوم
على الأم أن توفر لطفلها الجو الهادئ للنوم. ويُحذر في الوقت نفسه من جلوس الطفل إلى التلفزيون مدة طويلة وخصوصاً قبل موعد نومه. فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون لمدة ساعة أو أكثر قبل ذهابهم إلى النوم لا ينامون في شكل عميق.
فضلاً عن أنه من الضروري تجنيب الطفل النشاطات الجسدية التي تثيره، ولكن في الوقت نفسه تزيد حالة التيقظ لديه، فمن المهم أن يسترخي الطفل قبل ساعة نومه ويشعر بالهدوء الجسدي والذهني.
التحدث بعبارات لطيفة والابتسام له قبل النوم
الذهاب إلى النوم يعني بالنسبة إلى الطفل الانفصال عن الآخرين ليكون وحده في السرير وفي العتمة. لذا فطقوس قبل النوم التي تشعره بالأمان ضرورية. مثلاً كأن تقول له أمّه العبارات اللطيفة بوجه ضاحك، وتداعب شعره بحنان... فهذا يجعل الطفل يشعر بالأمان ويحتفظ في ذهنه بصورة مريحة وسعيدة لوالدته عندما يكون وحده في السرير وفي العتمة. وهذا لا علاقة له بجعله اتكاليًا وإنما بأن يكون سعيدًا قبل النوم.
عدم التردد في احتضان الطفل أو هدهدته
كل الظروف التي تستحضر ذكريات حياة الطفل في رحم أمه والتواصل معها جسديًا تسمح له بالاسترخاء والتحفيز على النوم. فالهدهدة مثلا تذكّره بالأحاسيس التي كان يشعر بها أثناء مشي والدته حين كان جنينًا في رحمها، وهكذا عندما يبكي لأن أمه ابتعدت عنه فهو لا يقصد ابتزازها أو إزعاجها، بل يبعث إليها بإشارات بأنه لا يزال في حاجة إلى وجودها بقربه.
استرخاء الأم
تعتمد الحالة النفسية والعاطفية عند الطفل في جزء منها على مشاعر الأم وحالتها النفسية، فهي تؤثر فيه بشكل مباشر. لذا من المهم جدًا عندما يقترب موعد نوم الطفل أن تكون الأم في حالة من الاسترخاء والهدوء، وإلا فإن حالتها النفسية المتوترة تنتقل إلى الطفل وبالتالي تجعله متوترًا يصعب عليه النوم.
في أي سن ينام الطفل طوال الليل؟ وماذا تفعل الأم إذا كان يستيقظ مرات عدة خلال الليل؟
بدءًا من شهره السادس يمكن الطفل أن ينام طوال الليل، ولكن هذا لا يعني أنه لا يستيقظ أبدًا، بل أنه لا ينادي أمه حين يستيقظ. فرضيع في شهره الثالث يمكن أن يطلب رضعتين خلال الليل ولكنه يستيقظ حوالى ثماني مرات في الليلة الواحدة. فهو ينام تبعًا لدورة النوم ويستيقظ بشكل عفوي مرات عدة خلال الليل، فهذه مسألة فيزيولوجية. واستيقاظ الطفل يمكن أن يكون طويلاً خصوصًا في سن السبعة أو الثمانية أشهر، ولكنه قد يبقى هادئًا في سريره ويفتح عينيه ويلعب بدميته أو ملاءته ومن ثم يعود إلى النوم، شرط أن يعرف القيام بذلك.
وفي المقابل، هناك أطفال يشيرون إلى استيقاظهم بشكل تلقائي لأنهم اعتادوا أن يكونوا برفقة أحد أثناء نومهم، ليهدهدهم ويحضنهم، وهم غير قادرين على النوم من دون رضاعة الحليب، أو التنزه أو النوم قرب أهلهم.
أهمية طقس النوم في مساعدة الطفل لينام جيداً
لمساعدة الطفل في أن ينال نومًا عميقًا، ينصح الاختصاصيون تعويده على النوم في مهده منذ شهره الثالث، أي ألا تحمله والدته وتحضنه إلى أن ينام بل تضعه في مهده وتساعده في النوم، وذلك من خلال عادة بسيطة: أن تقول له «تصبح على خير»، وتغنّي له أغنية هادئة. وبدءًا من شهره الخامس من الأفضل وضعه في سريره وهو متيقظ حتى يعتاد النوم وحده. وخلال مراحل استيقاظه، يجب الاهتمام به بطريقة متجردة، عدم التحدث إليه، أو تبادل الحديث معه، وعدم إخراجه من سريره، فإذا احتضنته والدته عشر دقائق فإنها ستعقّد الأمر لأن الطفل يفهم انه يكفي أن يبكي مدة أطول حتى تهدهده والدته.
وكذلك يجب خفض كمية الرضعات مساء تدريجيًا لا وقفها تمامًا بشكل مفاجئ. وبدءًا من السنة الأولى يمكن ترك الطفل يبكي شرط أن تكون الأم موجودة بقربه لتهدئته وتقول له «أنا هنا»، ثم تخرج وتعود بعد خمس دقائق وهكذا. وهذا التصرّف ليس سهلاً على الأم أن تقوم به ويتطلب منها الصبر . ولكن كل هذا من أجل مصلحتهما معًا، فالأم التي تبقى مستيقظة طوال الليل لن تكون علاقتها مع طفلها هادئة.
لماذا يحتاج الرضيع إلى وجبة ليلية
من الطبيعي جداً أن يستيقظ الرضيع خلال شهريه الأول والثاني أثناء الليل والنهار ليتناول وجبته، فهو لا يزال في هذه الفترة في حاجة إلى الغلوكوز لأن ليس لديه المخزون الكافي الذي يساعد في نمو الدماغ وفي الوقت نفسه يمكّنه من النوم طوال الليل من دون تناول الطعام. وبعد بلوغه الشهر الثاني يكون السبب طريقة النوم التي اعتاد الطفل عليها، أي حين تستمر الأم في إرضاعه كما اعتادت في السابق.
لذا على الأم أن تعوّد طفلها على نظام ثابت في الرضاعة كأن تحدد مدة فاصلة بين الرضعة والأخرى لا تقل عن خمس ساعات، فإذا استيقظ الطفل قبل هذه المدة عليها أن تنتظر حتى يحين الوقت. ومن الطبيعي أن تواجه الأم والرضيع صعوبة في الأيام الأولى، لكن بعد أسبوع كحد أقصى سوف يعتاد الطفل على هذا النظام الغذائي. أما إذا تركت الأم الطفل على هواه، أي أن تُطعمه في كل مرة يستيقظ فيها ليلاً، فسوف يصبح الجوع عادة ليلية لديه تستمر حتى سنته الثانية.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024