نوم الطفل في غرفة والديه...
حلّ المساء وذهب كريم إلى غرفته لينام في سريره، استيقظ عند الثانية صباحاً وتسلل إلى غرفة والديه. تنهدت الوالدة وقالت: «تعال حبيبي». رفعت له الغطاء وأكمل ليلته بينهما. يبدو هذا التسلل الليلي مقبولاً إذا حدث مرة أو مرتين في الشهر. ولكن أن يصبح عادة يومية فهذا يثير تذمر الأهل ويطرح تساؤلات. لماذا يرغب بعض الأطفال في إكمال ليلتهم في غرفة أهلهم؟ ما هي أسباب هذا السلوك؟ وإلى ماذا يشير؟ وكيف يمكن الأهل معالجة هذه المشكلة؟ ومتى يمكنهم السماح لطفلهم بالنوم في غرفتهما؟
يرى اختصاصيو علم نفس الطفل أن هناك أسباباً عدة يمكن أن تجعل الطفل يتسلل إلى غرفة والديه وينام في حضنهما. وليس هناك تعليمات وإرشادات محددة يمكن الطلب من الأهل اتباعها ، فكل طفل كائن فريد من نوعه.
المهم أن يلج الأهل عالم طفلهم ويعرفوا أسباب قلقه ومخاوفه. وعموماً تختلف طريقة كل طفل عن الآخر في التسلل إلى سرير أهله. فهناك بعض الأطفال يشرعون في البكاء والصراخ لحظة استيقاظهم فتتوجه الأم إلى سرير الطفل وتطمئنه فيعود إلى النوم. وهناك من يستيقظ بهدوء ويتسلل إلى سرير أهله، وبعضهم من يقصد إحداث ضجة ليوقظهم، وهناك من يكون في حاجة إلى جرعة من الحنان والعاطفة ليلاً رغم أنه يشاكس أهله خلال النهار.
وفي المقابل، فإن هناك حالات استثنائية يمكن السماح للطفل فيها بالنوم في غرفة والديه. ومن الأسباب التي تجعل الاستثناء مقبولاً:
الانتقال إلى منزل آخر
عندما ينتقل الطفل مع والديه للسكن في منزل آخر كالمنزل الصيفي مثلاً ، يشعر بالقلق والتوتر لأن المكان الذي سيبيت فيه وتحديدًا الغرفة التي سينام فيها لا يعرفها ويجد أن والديه هما المرجعان الوحيدان الثابتان بالنسبة إليه. لذا يمكن الأهل السماح للطفل بالنوم ليلة أو ليلتين في غرفتهما ولكن على سرير آخر، وإذا لم يشعر بالطمأنينة فعليهما أن يمنحاه الوقت ليندمج مع جغرافية المكان الجديد. واحترام هذا الإيقاع المتطور أساسي. وهكذا يصبح تغيير المكان مرحلة أوّلية، تجعله ينضج ويكبر، وليست مرحلة صادمة. وعاجلاً سوف يستعيد ثقته بنفسه ويتكيف مع غرفة نومه الجديدة.
رؤية كابوس
يبدأ الطفل بين الأربع والخمس سنوات برؤية الكوابيس، وهو في هذه السن لا يستطيع أن يميّز بين الحلم والواقع، ويشعر بأن ما يحدث خلال الكابوس أمور حقيقية، فهو يظن أنه فعلاً واجه وحشًا أراد أن يأكله مما يشعره بالخوف والقلق. وإذا لم يستطع الوالدان تهدئة روع طفلهما بالكلام يمكنهما السماح له بالنوم بينهما في سريرهما، شرط أن يكون فعلاً قد رأى كابوسًا. فبينهما يشعر بالحماية الكاملة ويتأكد أن الذئب الذي رآه في كابوسه لن ينقض عليه ويأكله. وفي المقابل إذا تسلل الطفل إلى غرفة والديه وكان يقظًا وباسمًا، مدعيًا أنه رأى كابوسًا، على الوالدين أن يعيداه إلى غرفته. أما إذا كان يخاف من العتمة والأصوات والضجيج فإنهما لا يساعدانه بالتخلص من مخاوفه إذا ما سمحا له بالنوم معهما في الغرفة بل عليهما أن يجدا حلاً آخر يساعدهما في اكتشاف هذه المخاوف، كالتحدّث إليه ومحاولة فهم ما الذي يجعله يخاف من العتمة أو يعتقد بوجود وحش في غرفته.
وفي كل الحالات على الأهل أن يفهموا الرسائل التي يبعث بها الطفل إليهم. فمن الضروري خلال النهار أن تتحدث الأم إلى طفلها وتسأله عن الأحلام التي رآها، وتطمئنه. وهناك وسائل عدة لذلك. فمثلاً يمكن الأم أن تقرأ له الكتب التي تتناول مشكلته كالتي تروي حكاية الكابوس وكيف أن بطل القصة تمكّن من تخطي مشكلة الخوف والعتمة.
ومن الضروري التحدّث عن الكابوس، فهناك بعض الأمهات يعتقدن أنه من الأفضل عدم تذّكير الطفل به، بينما يجب التحدّث عنه والموافقة على منطق الطفل الذي يظن أن كل ما يراه واقعي. فمثلاً يمكن الأم أن تقول له : «صحيح، أخبرني لماذا أتى الذئب ليلاً، ماذا كان يريد؟ هل كان يريد أن يأكل؟ ما رأيك أن نضع له بعض الحلوى؟» بمعنى أن تتفاعل الأم مع طفلها كأن تسأله: «ألم يأت البابا لمساعدتك؟ ربما لم يسمعك. ما رأيك في أن تضع سيفك إلى جانبك لمواجهة الذئب!» كما يمكنها أن تجعله يتعاطف مع الشبح الذي يراه في منامه كأن تقول له: «ربما هذا الشبح كان خائفاً ولجأ إليك لتحميه». أي أن تحفّز الأم طفلها على إيجاد الحلول بنفسه.
وقد تسبب الدمى الموجودة في غرفة الطفل الخوف منها خصوصاً تلك التي ترمز إلى الشر، فيتوهم أنها تتحرّك ليلاً. فمثلاً يقول لأمه: «رأيتها ترمقني بنظرة مرعبة»، عندها يمكن الأم أن تقول: «ما رأيك أن نسجنها في الدرج؟ أو تضع دميتك المفضّلة إلى جانبك وتضمّها، فهي سوف تحميك». لذا يمكن الأهل ترتيب غرفة الطفل تبعًا لرغبته لمساعدته في التخلص من توتره، كأن يُترك باب غرفته مفتوحًا أو مغلقًا أو يضعوا له قنديلاً ذا إضاءة خافتة. وإذا لم يستطع الأهل تبيان الحقيقة عليهم أن يستشيروا اختصاصيًا نفسيًا إذا ازداد قلق الطفل وخوفه.
الإصابة بالمرض
عندما يكون الطفل مريضًا يمكن اختراق قانون نومه في غرفته. فبعض الأهل ينتابهم القلق على صحة طفلهم المريض ويرغبون في مراقبته طوال الليل، لذا ففي إمكانهم أن يسمحوا له بالنوم في غرفتهم شرط أن يؤكدوا له أن هذا السماح استثناء. ولكن يشدد الاختصاصيون على ضرورة ألا يصبح هذا الاستثناء تقليدًا كلما مرض الطفل، بل عليهم الأخذ في الاعتبار حالة الطفل المرضية أي مدته وخطورته وما إذا كان من الضروري متابعته في شكل مكثف.
وفي الوقت نفسه، لا يجوز أن يسمح له الوالدان بالنوم في سريريهما بل يمكن اتباع حلول موقتة بأن يضعوا له سريرًا له في الغرفة على مقربة منهما خلال فترة المرض. فالطفل سيشعر بالراحة لوجودهما بقربه خلال الليل، وفي الوقت نفسه يشعر الوالدان بأنهما يقومان بدورهما على أكمل وجه، فضلاً عن أنهما سيشعران بالطمأنينة أكثر لأنهما سيكونان متأهبين في حال حدوث طارئ أثناء نومهما.
حصول حادث مؤسف
يمر الطفل بمرحلة من التوتر والخوف الكبير عند حصول حادث وفاة أو مرض أو شجارات تدور في حضور الطفل لا سيما بين الوالدين. هذه الأحداث الصادمة تشعر الطفل بألم داخلي أحيانًا قد يصل إلى شعور بالذنب وبالتالي التوتر الشديد، مما يجعله يرغب في النوم في غرفة والديه. وفي هذه الحال على الوالدين أن يحضنا طفلهما ويتحاورا معه ويؤكدا له حبّهما.
ويشدد الاختصاصيون على ضرورة ألا يتهاون الأهل أحياناً في السماح لطفلهم بالتسلل إلى سريرهم، فهذا قد يسبب له ارتباكاً ويتساءل: «لمَ سمحوا لي هذه المرّة»؟ بل عليهم أن الالتزام بالقوانين التي وضعوها مهما كان رد فعل الطفل الذي يحاول دائماً اختبار قدراتهم على تنفيذها. ومن الضروري أيضاً أن يشرحوا له أسباب السماح له بالنوم في غرفتهما، وفي الوقت نفسه عليهم أن يفسّروا له أن لهم حياتهم الخاصة المستقلّة عنه خصوصاً ساعات النوم، فهو في حاجة إلى أن يفهم لمَ ينفصلون عنه ليلاً.
- هل يمكن الطفل أن يظن أنه قد تختفي والدته خلال نومه؟
من الممكن أن يظن الطفل ذلك خصوصاً عندما تحاول الأم أثناء انشغال طفلها بلعبة ما أن تتركه في الغرفة وحيداً من دون إعلامه، بغية أن تنهي بعض أعمال المنزل، مما يوتر الطفل لأنه سيفاجأ أنها ليست موجودة معه، وربما سيشعر أنه إذا نام ستختفي والدته فيجد في الاستيقاظ حلاً ليبقى على تواصل معها ومنعها من الابتعاد عنه. لذا على الأم إعلام الطفل عند مغادرتها الغرفة الموجود فيها وأن تستمر في التحادث معه حتى يشعر بالطمأنينة.
- ما هي أسباب اضطراب نوم الطفل الذي أصبح في سن الدخول إلى الحضانة أو المدرسة؟
هناك أسباب عدة منها:
- قد يكون الجو العام للمدرسة غير ملائم للطفل أو طرق التعليم فيها لا تراعي شخصية الطفل وقدراته الفكرية. مثلاً إذا كان مستوى استيعاب الطفل أقل من أقرانه والمعلّمة لا تأخذ في الاعتبار هذا الأمر وتعامل كل التلامذة بالطريقة نفسها، مما يسبب له قلقاً وتوتراً. أو إذا كان الطفل ضعيف البنية وخجولاً وهناك قرين له يخاف منه.
- القلق من العلامات المدرسية.
- القلق من خلافات الأهل التي قد يظن الطفل أنه السبب في ذلك مما يشعره بالذنب والتوتر.
- أن يكون الطفل قد اعتاد على الفوضى في مواعيد النوم. وغالباً ما يحدث ذلك مع الطفل الذي اعتادت أمه منذ أن كان رضيعاً على اصطحابه معها في زيارات مسائية، فهذا الطفل لم يعتد على موعد محدد للنوم.
- أن تفرض الأم وقتاً للنوم الذي لا يناسب الطفل.
- قدوم مولود جديد، فيشعر الطفل بأن أهله قد يتخلون عنه، وعدم النوم أفضل وسيلة ليبقى مصدر اهتمامهم.
- القلق من التبوّل، فالطفل عندما يتخلّى عن الحفاض قد يصبح الخوف من التبوّل الليلي هاجسه خصوصاً إذا كانت الأم تعاقبه على تبليل فراشه.
نتائج النوم المتقطّع
توتر خلال النهار ونوبات غضب وبكاء لا مبرر لها.
تشوّش في التفكير وعدم قدرة على الاستيعاب، مما يؤثر سلباً على أداء الطفل المدرسي.
التصرف في شكل عدواني.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024