اللعب هو العمل الذي يجيده الطفل
يُمسك هاني سمّاعة الطبيب ويجس نبض أخيه رامي الذي يلعب دور المريض»... مشهد يلعبه معظم الأطفال: بنت تقلّد أمها أثناء احتضان دميتها، وصبي يقلد والده حين يدّعي أنه يقود السيارة، ومن منا لم يلعب «بيت بيوت» وهو طفل!
إنه اللعب الذي يقول عنه الكاتب الفرنسي رنيه شاتو: «اللعب هو عمل الطفل».
فهو أولى خطواته لتعلّم التواصل الاجتماعي عن طريق ابتكار عالم افتراضي خاص به يقلّد فيه كل من يراه، وأحيانًا يغيّر الأحداث ويحوّرها تبعًا لما يتمناه. فمثلاً حين يدّعي أنه تشاجر مع صديقه أو أخيه يحوّر المشهد الحقيقي، فإما أن يدّعي أنه الضحية أو العكس.
فالطفل يبحث عن وسيلة ليأخذ مكاناً له في محيطه الاجتماعي بواسطة ثلاث طرق. بداية تكون لديه رغبة قوية في الاكتشاف مترافقة مع فضول زائد، يليها رفض يعبر عنه بكلمة «لا» وهي طريقة فعّالة ليعرف نفسه، والثالثة هي التقليد، ويأخذ طابع اللعب.
ويرى الاختصاصيون أن اللعب من الأمور التي يقوم بها الطفل بفرح، إذ يساعده في تحصيل العلم والمعرفة بسهولة، وينمّي عنده قدرة استيعاب المعلومات ويحفّزه على الإبداع ويشجعه على التعاون وتوطيد العلاقات الاجتماعية التي يكتسبها من خلال اللعب مع أترابه، ويطوّر قدراته على حل المشكلات التي قد تواجهه في المستقبل، ويعزّز لديه الثقة بنفسه. فاللعب يتطلّب من الطفل استخدام مناطق مختلفة من الدماغ، وهو بالتالي وسيلة مهمة لتطوير أسس التعليم الأربعة:
- المعرفة، لعب الطفل مع الراشد يتيح له فرصة فريدة لانتقال المعرفة إليه في كل المجالات.
- طريقة ممارسة عمل وإنجازه وتحديد المعطيات.
- معرفة كيف يكون، أي كيف يتصرّف الطفل في المواقف المختلفة التي يتعرّض لها مما يسمح له بالاندماج مع العالم المحيط به.
- إرادة الفعل أو الرغبة في العمل، فمن دون رغبة لا يستطيع الطفل أن يحصل على التعلّم وبالتالي لا يتطور فكره.
يسمح لعب التقليد للطفل بفهم الحياة الاجتماعية وتعلّم أصولها وقواعدها، لأنه يتيح له تحقيق أمرين: تقليد الراشدين، وإدارة التوتر والقلق. لذا يلاحظ أن الطفل يقلّد الراشدين في كل ما يقومون به، فهو يريد أن يفعل ما يفعلونه وإن عرقل والدته في بعض الأمور. وهذا التقليد هو الذي يساعده في النمو والتطور. فالطفل يصبح يوماً بعد يوم أكثر وعياً وإدراكاً لكل ما يحيط به من أحداث.
وإذا لم يكن بعد جاهزاً للتدخل المباشر في ما يحدث من حوله، يكتفي بالمراقبة والانتظار إلى أن يحين دوره في التفاعل مع الأشياء والأشخاص. وفي عمر السنة والنصف، تتفجر كل قدراته فهو لم يعد كما كان، لقد بدأ المشي وصار يفهم كل ما يقال له، وينتظر بفارغ الصبر أن يلعب بجهاز التحكم مثلاً.
ويشير الاختصاصيون إلى أنه في سن السنتين يمنح الطفل الأشياء الصورة التي يريدها، فهذا يُشعره بالسلطة تجاهها. فمثلاً يحوّل القدر إلى قبعة أو إلى طبلة، وقميص والدته إلى ثوب أمير. ففي هذه السن يشعر الطفل بأنه ملَك في عالم يصنعه بنفسه ومن مخيلته ويضع له حدوداً.
والتظاهر بقيامه بأمور عدة يفتح له الباب لقدرته على التقليد التي تنمو وتطور في شكل واضح في سن الثلاث سنوات.
فمن الملاحظ في هذه السن مثلاً تظاهره بصنع الحلوى من التراب ويتعامل معها على أنها حلوى حقيقية كالتي تحضرها والدته، أو يجعل من صندوق الكرتون سيارة يقودها. كما يستحضر الأحداث الماضية مع لعبته، ويتمثّل الحالات التي عاشها ويعيشها عن طريق اللعب. فمثلاً يعضُّ لعبته لأنها ترفض أن تأكل، وينهرها متظاهراً أنها وسخت نفسها. فلعب دور والديه يشعره بأنه الوحيد المسيطر على الأمور والأحداث.
تقليد الطفل الراشدين يساعده في فهمهم
عندما يلعب الطفل دور الراشدين مقلداً والديه أو الطبيب أو البائع... يسمح له هذا الأمر بمعرفتهم في شكل جيد. فبمجرد أن يمارس دور الآخرين على نفسه يتمكن من تخيّل ما يشعر به الآخر. فالتقليد يساعده في فهم العالم، والتكلم بصوت عال أثناء اللعب يطور قدرته اللغوية، وتخيله صديقاً وهمياً، يكون لطيفاً حيناً وشرساً أحياناً، يجعله يميز بين الخير والشر.
لماذا يقلّد الطفل شخصًا راشدًا ليس من جنسه؟
يبدأ الطفل في سن صغيرة جدًا تقليد كل الأشخاص المحيطين به، من دون تمييز جنسي. فالطفل الصغير جدًا يحب تقليد والدته وهي تنظّف المنزل، أما البنت الصغيرة فتقلّد والدها وهو يقود سيارته. ومع الوقت سواء شجع الأهل لعب التقليد أو لم يشجعوا يُلاحظ أن البنت تميل إلى تقليد والدتها والإناث الراشدات المحيطات بها، أما الصبي فيتماهى بنموذج الذكور. ففي سن الثلاث سنوات يدرك الطفل الفرق بين البنت والصبي، ودور كل منهما في المستقبل. لذا نجد الصبي يقوم بأعمال يدوية ويحاول مثلاً أن يصلح لعبته أو يلعب لعبة الحرب، والبنت تهدهد لعبتها أو تنتعل حذاء والدتها ذا الكعب العالي. وعلى الرغم من أن التقليد له فوائد كثيرة، على الأهل أن يكونوا يقظين لأن الطفل لا يدرك الأخطار التي قد تنجم عن تقليد الراشدين، فمثلاً يحاول تقليد والده في إشعال النار، أو تقطيع عجينة الطين بالسكين، وغيرهما من الأمور التي قد تنتج عنها حوادث خطرة.
وينصح الاختصاصيون الأهل بعدم نقد الطفل والحكم على اختياره الشخصيات التي يقلّدها. فالطفل ممثل في إمكانه لعب كل الأدوار في الحياة من دون عائق الجنس والمستوى الاجتماعي.
هل من أكسسوارت للعِب التقليد؟
توجد في الأسواق كل أكسسوارات لعِب التقليد التي هي نموذج لأشياء يستعملها الراشدون، مثل حقيبة الطبيب أو أدوات النجار، يلعب بها الطفل مقلّدًا الراشدين في استعمالها. ولكن يجدر بالأهل ألا ينسوا أن الطفل قادر على تحويل علبة من الكرتون إلى قصر. كما يمكن الأهل تحويل الأشياء الموجودة في المنزل إلى أكسسوار لعب. فالطفل يشعر بالسعادة بتصنيع لعبة من مواد موجودة في المنزل.
لعب الأدوار يساعد في إدارة الصراع والتوتر
يخضع الطفل للكثير من التوتر والضغط نظرًا إلى سنه ووضعه كطفل. ويساعد لعب التقليد والأدوار في فهم هذا التوتر كما يسمح له بفهم الممنوعات وقبولها، فخلال اللعب لا يكون خاضعًا للقوانين بل يضعها ويفرض الممنوعات. ومن خلال لعب الأدوار يعيد الطفل إنتاج توتر موجود بينه وبين أهله ويتعلم كيف يدير هذا التوتر وحل المشكلة بطرق مختلفة. فمثلاً «البابا لا يحل المشكلة بالطريقة نفسها التي تقوم بها الماما، والطبيب أقل تساهلاً من الأهل ومن الصعب القول له لا لأنه يشعرني بالخجل...». وكل الأوضاع والأحداث التي تحصل في الحياة اليومية التي يقلدّها الطفل أثناء اللعب تعلّمه كيف تبنى العلاقات الإنسانية في الحياة الواقعية.
أي نوع من الألعاب يجب توافرها؟
كل أنواع اللعب جيدة لنمو الطفل وتطوره على الصعيدين الذهني والنفسي. كل لعبة تسمح له بالعمل وإنجاز تحديات مختلفة. فكلما كانت الألعاب متنوعة كانت مفيدة للطفل، وأحيانًا يصعب على الأهل رؤية كل ألعاب ابنهم منتشرة على أرض الغرفة، ولكن إذا كان الترتيب ضروريًا وبنّاءً، فإن مظهر الفوضى كذلك ضروري، فالفوضى تسمح للطفل بتطوير مخيلته وقدرة الإبداع لديه وتخطّي الضغوط التي يخضع لها.
لعب التقليد يسمح للطفل بـ:
- العمل والاكتشاف بمتعة
- الانفتاح واكتشاف العالم المحيط به والآخرين.
- تعلم التصرّف وكيف يغيّر العالم و محيطه الاجتماعي.
- تعلم كيف يدير ويتخطى التوتر المرتبط بالعلاقات والضغوط الاجتماعية. فمن خلال اللعب يتعلّم الطفل فهم المجتمع بشكل أفضل وكيف يتصرف في المواقف التي يواجهها ويخضع لها. فاللعب يعلم الطفل أن يكون اجتماعيًا.
- تعلّم الأدوار الاجتماعية ووظائفها.
- تطوير الثقافة الاجتماعية والعائلية والمرجعية كي يحل مشكلاته.
- إظهار وتوقّع ما يمكن أن يكون عليه في المستقبل عندما يصبح راشدًا.
- اختراع وابتكار وتغيير محيطه.
- العمل والتركيز.
- تنظيم لتفكيره وذكائه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024