تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

ابني يستعمل أشيائي الخاصة!

يأخذ كريم هاتف والدته النقال ويقول: «هذا لي». ويلعب بكمبيوتر والدته ويفتح بريدها من دون أن يشعر بالذنب أو الإزعاج، وينسخ في مفكرتها الخاصة كلمات غير مفهومة.  كريم( ثلاث سنوات) لم يفهم بعد فكرة الملكية الخاصة ولم يتضح له معناها، وكل ما يملكه والداه يعتبره ملكًا له.

هل من الطبيعي أن يستعمل الطفل أشياء والديه ويعتبرها ملكاً له؟
نعم ولكن إلى حد معين. فمن المعلوم أن الطفل  يتماهي مع والديه ويقلدهما في كل ما يقومان به، لأنهما يشكّلان بالنسبة إليه نموذجًا مثاليًا يساعده في النمو الذهني وتطوّره. لذا فإن الطريقة المثلى بالنسبة إليه كي يصبح مثلهما هي استعمال أشيائهما الخاصة كما لو كانت تخصه. فمن المعروف مثلاً أن البنت الصغيرة تنتعل حذاء والدتها ذا الكعب العالي كي تكون مثلها وتلعب دور السيدة الراشدة، وسبب ذلك هو الفضول الجنسي عند الطفل الذي يدفعه بشتى الوسائل المتاحة له للتعرّف إلى الهوية الجنسية للكبار وبالتالي ليتعرّف إلى هويته، وهذا طبيعي.
ومن المحتمل أن يشكّل اهتمام الطفل بأشياء والديه، لا سيما استعمال الهاتف والكمبيوتر، نسخة معاصرة لتقليد الطفل والديه. فهو يريد أن يعرف ما يحدث بينهما عندما يغلق باب غرفتهما، وبما أنه يعجز عن الوصول إلى هذه المعرفة يحوّل اهتمامه إلى أمور أخرى. لذا فإنه يجد في  استعمال أشيائهما الخاصة طريقة للتعرّف إلى علاقتهما الحميمة بطريقة غير مباشرة من دون أن يواجه صعوبة في ذلك.
وفي المقابل، فإن أسلوب عيش العائلة في المجتمعات المعاصرة قد تبدّل كثيرًا ولم يعد هناك اختلاف في الاهتمامات بين الوالدين وأبنائهما، فمن الملاحظ مثلاً أن النشاطات الترفيهية والعطلات  وحتى الألبسة أصبحت متشابهة. لقد تغير العصر الذي كان فيه لكل فرد من أفراد العائلة هويته الخاصة المتعلّقة بالمرحلة العمرية التي هو فيها. ففي الحاضر أصبح الكمبيوتر والهاتف النقال وحتى الأحذية والقمصان تنتمي إلى كل الأعمار، فملابس الوالد مثلاً نجد مثيلاً لها في متاجر الألبسة الخاصة بالطفل، وكذلك الأم، فكثيرًا ما يتكرر مشهد طفلة صغيرة ترتدي فستانًا يشبه فستان أمها. وبما أن كل شيء أصبح متاحًا لكل أفراد العائلة من دون حواجز عمرية ، فهوية الأجيال تتمازج. إذًا كيف يمكن الطفل أن يفهم أن هناك حدودًا بين أهله وبينه؟. فضلاً عن أن الأهل المعاصرين يعاملون في كثير من الأحيان أبناءهم وكأنهم أصدقاؤهم فلم تعد توجد حواجز بين الوالدين وأبنائهما في التعامل إلى درجة أن يعض الآباء يسمحون لأبنائهم بمناداتهم باسمهم وليس بلقبهم أي ماما وبابا.
فكم مرة نسمع طفلاً ينادي والده باسمه والوالدان يبتسمان أو يضحكان. فضلاً عن أن الأهل أصبحوا لا يترددون في إظهار مشاعر مهما كانت إلى أطفالهم. صحيح أن من شأن ذلك أن يوطد العلاقة بينهم  ويقوّيها ولكن في الوقت نفسه تضع الطفل في موقع ندي مع والديه. ويسأل لمَ لا يحصل على الأشياء نفسها التي يحصلان عليها! بما أنه يحقّ له ما يحق لهما.
ويرى الاختصاصيون أن الطفل الذي لا يدرك خصوصية الآخرين ولا يفهم معنى أن يكون لكل شخص أموره الخاصة لا يمكنه أن يدرك أن له أموره الخاصة ويجدر بالآخرين احترامها، ويعيش حياته متمنيًا الحصول على ما يمتلكه الآخرون، فيذوب في شخصيتهم من دون أن تكون له شخصية خاصة به. ومن الأخطاء التربوية التي يرتكبها الأهل السماح للطفل بالجلوس معهم أثناء استقبالهم أصدقاءهم، مما يعزز مفهوم نديته مع والديه لأنه يعتبر أن أصدقاء والديه هم حكمًا أصدقاؤه، وبذلك يخرج من نطاق سنّه وبالتالي يتدّخل في أمور لا تعنيه. لذا من الضروري أن يضع الأهل حدًّا لهذا السلوك كأن يقولوا لطفلهم " نحن أمضينا معك وقتاً كافياً والآن سوف نجلس مع أصدقائنا"، وعليه احترام هذا الوقت. فعندما يزداد تدخل الطفل في شؤون والديه الخاصة فهذا مؤشر لأنه أصبح متورطاً في عالم الكبار ويفقد مرحلة الطفولة مما يجعل تصحيح الأدوار صعباً.

كيف يمكن وضع حد لهذا؟
بأن يكون الأهل حازمين مع الطفل بعبارات واضحة ومحددة ومن دون عدوانية. «لا أريد أن تتدخل في أموري الخاصة»، والتأكيد له  أنه هو أيضًا يستطيع أن تكون له أشياؤه الخاصة التي يملكها وحده.  كأن يقترحوا عليه اللعب بكمبيوتره الخاص، وفي الوقت نفسه من الضروري توجيه فضوله الكبير نحو أهداف بنّاءة. فقراءة رسائل والدته الهاتفية لا تساعده في أن يكبر ويتطور، بل على العكس، تجعله يفكر في ما هو أكبر من سنه مما يعني تخطيه مراحل نموه الطبيعي وانشغاله بأمور لا طائل منها، في الوقت الذي عليه القيام بنشاطات تناسب سنه وتساهم في تطوير قدراته الذكائية. كما من الضروري أن يخصّص الأهل الوقت الكافي للتعرف إلى رغبات ابنهم الحقيقية وليس احتياجاته الفورية ومساعدته في الحصول عليها. فالحوار مع الطفل ضروري لجعله يدرك  موقعه الصحيح في الهرم العائلي من حيث السن وليس وضعه في موقع المساواة مع والديه مما يجعله مشوشًا. فمعرفة الطفل لموقعه في العائلة ولحقوقه وواجباته تعزز لديه الاستقلالية و الثقة بنفسه وبوالديه.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080