تعويد الطفل على المطالعة مهمة صعبة...
«أشتري كتباً كثيرة لكن أبنائي لا يقرأون»، «كيف أختار كتاباً يشدّ انتباه طفلي ويحفّزه على المطالعة؟»، «الكتاب جزء من ديكور المنزل». هذه العبارات وغيرها نسمعها من أهل استسلموا لعدم رغبة أبنائهم في المطالعة. وفي المقابل نسمع أهلاً يقولون: «كيف نختار لأطفالنا كتباً مناسبة، تقوّي لغتهم وتغني مخيلتهم، وتعزز قدراتهم اللغوية والفكرية».
لا يختلف اثنان على أن التشجيع على المطالعة اليوم أمر يصعب على الأهل إقناع أبنائهم بالقيام به. فالنشاطات المتاحة للطفل اليوم، والتي تتضمن عناصر جذب ممتعة، كثيرة، كألعاب الكمبيوتر، ومراكز الترفيه المخصصة له، أفقدت الكتاب أهميّته.
يرى الاختصاصيون أن تشجيع الطفل على المطالعة صار مهمة صعبة، ولكن لا يجدر بالأهل الاستسلام لهذه الصعوبة، والقول إن الكتاب فقد قيمته. بل في إمكانهم توطيد علاقة طفلهم بالكتاب وتعزيزها بعدم جعل الكتاب مرتبطاً بمفهوم الدرس والمدرسة، بل يمكنهم أن يجعلوا المطالعة نشاطًا من ضمن نشاطات العطلة الصيفية.
وهذه نصائح للأهل هي بمثابة خطوات أوّلية يمكنهم اتباعها لتشجيع أبنائهم على المطالعة:
- أن يكون الكتاب في جميع أرجاء المنزل، بمعنى آخر أن يكون في متناول الطفل.
- أن يطالع الأهل أمام الطفل فهم المثال الذي يقتدي به ويقلّده.
- جعل اختيار الكتاب نشاطاً من النشاطات التي يقوم بها الطفل خلال العطلة الصيفية، كأن تخصّص الأم يوماً في الأسبوع للذهاب إلى المكتبة برفقة طفلها مما يؤثر إيجاباً على علاقته بالكتاب.
- القراءة للطفل بدءاً من سن الثمانية شهور كأن تضعه والدته في حضنها وتقرأ له شرط أن تكون القراءة في شكل محبب ومثير يرتكز على عنصري التشويق والمفاجأة، بعيداً عن الرتابة في نبرة الصوت.
- مدح الطفل عندما يمسك كتاباً أو يرتّب مكتبته.
- القراءة للطفل قبل النوم، بمعنى تحويل هذه الفترة إلى فترة تقرأ له أمه خلالها القصص. وليس من الضروري أن يعرف الطفل القراءة. إذ يكفي أن تقرأ له والدته وينظر إلى الصور حتى تصبح القراءة عنده عادة أو نشاطاً محبباً إليه.
أما لاختيار الكتاب المناسب فينصح الاختصاصيون الأهل بالاستعانة بقوائم مطبوعات الناشرين لأنها تساعد في اختيار الكتاب المناسب، فهي تحتوي على تعريف مبسّط عن الكتاب وعرض سريع لمحتواه. وهناك معايير يجدر بالأهل الأخذ بها إضافة إلى المحتوى: أسلوب العرض والإخراج وشكل الكتاب وصحّة ما يتضمنه من معلومات، وما إذا كان ما يقدّمه يتّسم بالحياد أو الانحياز، وأيضاً سلامة اللغة وما إذا كانت تناسب سن الطفل.
- ما هي مواضيع الكتب التي يجب اختيارها للطفل؟
عندما يتقن الطفل القراءة والكتابة يصبح لزاماً على الأهل اختيار الكتاب الذي يحتوي على فقرات. وينصح الإختصاصيون بأن تكون فصول القصّة قصيرة كي لا يشعر الطفل بالملل أثناء مطالعتها، فهو غير قادر على التركيز ومتابعة تسلسل الأحداث لأنه لا يزال صغيراً. أما في ما يتعلّق بالموضوع فليس هناك موضوع محدد يجب اختياره دون غيره، وهذا يعود إلى ميل الطفل. فرغم أننا نعيش في عصر التكنولوجيا لا تزال القصص الكلاسيكية من الأدب العالمي والتي يرتكز بعضها على الخيال والأسطورة تشدّ الطفل إلى قراءتها، فقصّة سندريللا أو بياض الثلج، على سبيل المثال لا الحصر، لا يزال الإقبال على قراءتها كثيفاً.
- أيهما أفضل اختيار الكتب العلمية «الموسوعية» أم الكتب القصصية؟
يؤكد الاختصاصيون أن القصة تساهم في تنمية قدرات الطفل التعلّمية، فهي مدخل لكل العلوم التي سيتلقاّها في المدرسة لاحقاً، واختيارها يجب أن يكون على أساس اللغة، ومدى ارتباطها بالتراث الثقافي والاجتماعي. أما قصص الخيال العلمي فتساعد على تنمية خيال الطفل، وتقدّم له معلومات عن مستقبل البشرية وتتناول مواضيع إنسانية كالخير والشر والمحبة والكره بأسلوب لطيف غني بالصور، إضافة إلى أنها قد تعكس صوراً عن المستقبل مما يشبع مخيّلة الطفل ويدفعه إلى التفكير في آفاق أوسع. وفي المقابل تحفز الكتب العلمية الموسوعية الفضول العلمي عند الطفل لأنها تجيب عن أسئلته التي لا تنتهي وتقدّم له المعلومات بشكل سريع، وتعلّمه كيفية البحث عن المعلومة وتوثيقها. شرط أن تكون هذه الكتب مناسبة لسنه، أي تحتوي على الرسوم البيانية والخرائط والصور الموضحة والعبارات السهلة. وعلى الأهل أثناء اختيارهم الكتب الموسوعية أن يتنبهوا إلى دار النشر، فمن المعلوم أن الكتب الموسوعية تغرق المكتبات ومن الضروري الأخذ في الاعتبار تاريخ الناشر ومصداقيته العلمية في عرض المعلومة.
- هل صحيح أن الكتب الأجنبية تساعد الطفل في إتقان اللغة الأجنبية؟
يشدد الإختصاصيون على ضرورة أن يقرأ الطفل قصصاً بلغة أجنبية وبلغة عربية على حد سواء فالمشكلة التي يواجهها الأهل اليوم هو ضعف الطفل باللغة العربية، والسبب في ذلك يعود إلى افتراض الأهل أن اللغة العربية يتعلّمها الطفل بمجرد أنه يتكلّم بها، فيقبلون على شراء كتب أو قصص باللغة الأجنبية. وهذا خطأ لأن هناك فرقًا بين اللغة العربية التي نتحدث بها وبين اللغة الموجودة في الكتب، مما يربك الطفل ويصعب عليه إتقانها عند دخوله إلى المدرسة. فهناك مثلاً فرق بين أن نقول «فادي راح عل المدرسة» و «ذهب فادي إلى المدرسة»، فعندما يقرأ الطفل هذه الجملة لن يفهمها، لأنه لم يعتد قراءتها أو سماعها في حياته اليومية.
ملكة اللغة عند الطفل
من المهم جداً تطوير قدرة الطفل على التعبير بالكلام وفهم ما يتلّقاه قبل أن يتعلم القراءة والكتابة. ومن المعروف أن الأهل والمجتمع عموماً يرون أن تطور اللغة المحكية وإتقانها عند الطفل هو من المسلّمات وهي نتيجة احتكاكه مع المحيطين به سواء مع أهله أو في الحضانة أو مع أترابه.
وبما أن اللغة المحكية هي الأساس في تطوير القراءة والكتابة عند دخول الطفل إلى المدرسة. من الضروري أن يتدخل الأهل والمدرسة عند ملاحظة تأخر الكلام عند الطفل مقارنة بمن هم في سنه. و لا يجوز القول إن نطقه سوف يتحسن مع الوقت.
وتختلف صعوبات اللغة من طفل إلى آخر، ويمكن الأهل والمربون ملاحظة هذا الأمر وإدراك مواطن الضعف عند الأطفال. فهناك بعض الأطفال يستطيعون فهم الكلمة أو الفعل ولكن يصعب عليهم التعبير عندما يريدون استخدامها للتعبير عن أمر ما، وهذا ما يسمى صعوبة استرداد الكلمة. ويؤدي ذلك إلى امتناع الطفل عن الإجابة عن الأسئلة أو المشاركة في المحادثة مع أترابه في الصف لأنه يخشى الارتباك الذي يصيبه بسبب عدم القدرة على التعبير. فمثلاً يستطيع الطفل أن يرسم أو يكتب جيداً لكنه لا يستطيع لفظ الكلمات أو شرح الصور التي رسمها.
وهناك أطفال يكون عندهم صعوبة في قواعد اللغة. فهم يحذفون كلمة واحدة أو كلمات عدة ويستخدمون جملاً غير مفيدة. كما يصعب عليهم التعبير عن أفكارهم في شكل كامل. والصعوبة في اللفظ أو لفظ الحروف الساكنة من المشكلات اللغوية التي يلاحظها الأهل والأساتذة في المدرسة. وتبديل الأصوات أو السمع الخاطئ لا يسمحان بفهم المعنى الحقيقي للكلمة. صحيح إن هناك بعض الكلمات أو المرادفات قد يستطيع الأطفال فهمها أو إتقانها في ما بعد أو في السنوات اللاحقة. وعموماً أن تأخر التعبير اللغوي عند الطفل قد يكون مؤشراً لوجود مشكلة قد تكون نفسية أو عضوية. ولا بد للأهل أن يعرضوا الأمر على طبيب الأطفال أولاً فإذا تبين أنه لا يوجد أي مرض عضوي كضعف في النظر أو ضعف في السمع، عليهم التوجه إلى اختصاصي تصحيح النطق. فقد يكون الطفل مصاباً بعسر الكتابة والقراءةDyslexia أو بتأخر لغوي. ودور الأهل أن يتعاونوا مع الاختصاصي عن طريق المطالعة المستمرة للطفل وتشجيعه على قراءة كل ما يراه كقراءة اللوحات الإعلانية أو قراءة الكلمات المكتوبة على علب الحليب...
نصائح !
هذه بعض النصائح التي يمكن الأم اتباعها لتحفيز طفلها على المطالعة من خلال الأمور التي تحدث في الحياة اليومية.
الطبخ معاً: الطلب من الطفل أثناء قيام الأم بتحضير وجبة الطعام قراءة المقادير.
التنزه معاً: تحويل اصطحاب الطفل في نزهة في الطبيعة فرصة لإثارة فضوله العلمي. كما يمكن تدوين في لائحة الأمور التي شاهداها أثناء النزهة كأسماء النباتات والطيور والحشرات مثلاً.
خلال العشاء: أثبتت الدراسات أن جلوس العائلة حول مائدة الطعام، والتحدث عما حصل خلال النهار أو التحدث عن الأمور التي سوف يقوم بها الأولاد في الغد، تعزز عند الأولاد قدراتهم اللغوية على التعبير.
التسوق: وضع لائحة بالمشتريات قبل الذهاب إلى السوق للتَّبضع. والطلب من الطفل أن يبحث عن الأغراض المدونة في اللائحة ومقارنة الماركة التي تريدها الأم واختيار الأشياء التي تحتاجها. وقراءة الإشارات والعلامات الموجودة في المتجر.
قراءة الصحف والمجلات: تساهم في تنمية القدرة على القراءة خصوصاً المقالات المصوّرة التي تتناول مواضيع ترفيهية أو سياحية.
القراءة والكتابة في شكل روتيني: على الأم أن تقرأ لطفلها بصوت مسموع والطلب منه أن يقرأ لها بدوره ثم تناقشه في موضوع الكتاب أو القصة ويدوِّنا ملاحظتهما على ورقة.
مشاهدة البرامج التلفزيونية معا: والقيام بنقد موضوعي للبرنامج أو الفيلم ، كأن يناقشا أداء الممثلين والحوار والسيناريو.
التحدث مع معلمة الصف: لمعرفة الأسلوب المتبع في المدرسة لتشجيع التلامذة على المطالعة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024