تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

هل للألعاب هوّية؟

دمية، باربي أو أواني مطبخ للبنت. سيارة، مسدس، رجل إطفاء، أو طائرة للصبي. ألعاب يشتريها الأهل بحسب جنس أطفالهم، وإذا شاء الولد اللعب بدمية باربي مثلاً، يعترض الكبار ويقولون: «عيب هذه اللعبة للبنات!»، وكذلك الأمر بالنسبة إلى البنت. فهل للألعاب هويّة جنسية؟

أظهرت الرسوم والآثار التي تعود إلى عهد الإغريق أن الألعاب مثل الدمية  وعربة الأحصنة ومجموعة أواني المطبخ كانت موجودة في ذاك العهد القديم، وفي القرن التاسع عشر وصفت كونتيسة سيغور في روايتها «آلام صوفي» Les Malheurs de Sophie الألعاب الأنثوية فكتبت: «دمية من الشمع وأواني مطبخ من البورسيلين». فيما خلّد فيكتور هوغو في روايته «البؤساء» دمية بطلة الرواية كوزيت في الذاكرة فكتب قائلاً: «في اللحظة التي أخرجت كوزيت القرش من يدها، وهي كئيبة ومرهقة، لم تستطع أن ترفع نظرها عن هذه الدمية الرائعة... وبدا لها البوتيك قصرًا، هذه الدمية لم تكن دمية، بل رؤيا... وقالت في نفسها يجب أن تكون ملكة أو أميرة كي تحصل على شيء كهذا». أي الدمية التي جذبتها وأسرتها.

يعبّر هوغو في هذا النص عن قمة السعادة التي يشعر بها الطفل مهما كان كئيبًا عندما يحصل على لعبة. وبغض النظر عن أن  كوزيت هوغو أنثى أبهرتها دمية في بوتيك، فإن كل الأطفال ينبهرون بالألعاب ويرغبون في الحصول عليها. ومشهد الأطفال في متاجر الألعاب وهم يتجولون وعيونهم تلمع فرحًا بين الرفوف يختارون الألعاب التي يريدونها خير دليل. وفي المشهد نفسه نجد الأهل يعترضون على أطفالهم إذا اختاروا لعبة لا تناسب جنسهم. من قال إن هناك لعبة لكل جنس؟ ولماذا يقلق الأهل حين يظهر الولد شغفاً بألعاب البنات والعكس؟

يرى اختصاصيو علم نفس الطفل أنه لا يمكن الفصل بين الطفولة واللعب بسبب دوره الأساسي في تطوّر الطفل ونموّه. كما أن الطفل يجسّد خبراته في لعبه، وكثيراً ما يكون اللعب الادعائي، حيث يؤدي الطفل دور شخصية من نسج خياله، الحدّ الفاصل بين الحقيقة والخيال. ويعود التمييز بين ألعاب البنات والأولاد، إلى المفاهيم المسبقة والتقاليد الاجتماعية الراسخة. ففي الحضانة يجد الطفل نفسه في مواجهة مع هذه التقاليد الاجتماعية، فهناك ألعاب خاصة بالبنات( دمية، أواني مطبخ، دمية نموذج رضيع...) فيما الصبيان ألعابهم تكون سكة حديدية، ومرآب سيارات، وألعاب تركيب. وفي هذه السن لا يرتكز اختياره على جنسه، بل يريد أن يلعب بما يحلو له، والقلة من الأهل يسمحون لأطفالهم اختيار الألعاب التي تناسب أذواقهم، ربما خوفًا من أن تتصرّف البنت بشكل ذكوري، أو أن يتصرف الولد بشكل أنثوي.

وفي المقابل، يؤكد الاختصاصيون أن لا مشكلة في رغبة الذكر في اللعب بالدمية أو رغبة البنت في اللعب بالسيف، إذا كانا دون السبع سنوات. فعندما يلعب الولد في سن الأربع سنوات بدمية،  فهذا يشير إلى حاجته إلى فهم معنى العائلة ودور كل فرد فيها. وفي هذه السن لا يدرك تماماً كل الفوارق بين الذكر والأنثى. و يشعر بالحاجة إلى لعبة تجسّد شخصية ما، يعبّر من خلالها عن مشاعره ويمثل الأحداث التي يعيشها فنراه يتظاهر بإطعام دميته، أو التحدث إليها. وعوضاً عن منع الطفل، في هذه السن، من اللعب بالدمية التي تجسّد شكل الفتاة، يجدر توفير مجموعات من الدمى التي تمثل له العائلة. ويقتصر دور الأهل على مراقبة ابنهم. فيراقبون الدور الذي يلعبه. وحين لا تكون الخيارات كبيرة أمام الطفل ولا يجد أمامه سوى دمية فتاة، فمن الطبيعي أن يختار اللعب بها. ولكن حين يكون عنده نماذج للذكر والأنثى حينها يمكن معرفة اختياره الحقيقي. وتشير الأحداث أو المواقف والحوارات التي يخترعها الطفل أثناء اللعب إلى أمور يعيشها في الواقع.
وعندما يكبر الطفل يدرك الاختلاف في الهوية الجنسية، وبحسب المحيط الاجتماعي الذي رافقه في طفولته الأولى تتتالى رغبته في التماهي مع أحد والديه من الجنس نفسه والذي يشكّل بالنسبة إليه نموذجًا. والألعاب وسيلة الطفل ليعيش ويضحك بطريقة الراشدين، فالطفل يعيد إنتاج ما يعتقده وظيفة الوالد أوالوالدة. وهكذا نجد البنت الصغيرة تدعي الطبخ أو تغيّر حفاض لعبتها وتقوم بدور الممرضة... فيما يدعي الصبي قيادة السيارة، ويبني منزلاً أو يلعب دور الطبيب.

ويشير الإختصاصيون إلى تأثر الطفل بالإعلانات والبرامج التلفزيونية، فمهما كانت موضة الثياب التي تتبعها الأم تظهر البنات في الإعلان يحلمن  باللون الزهري ويلبسن دميتهن فساتين  برّاقة. أما الصبيان فأعينهم لا ترى سوى ألعاب المغامرات والاستراتيجيات الحربية. وهكذا يتبنى الأطفال إراديًا هذه المنظومة الإعلانية والإعلامية وتترسخ لديهم فكرة الفرق بين لعب الصبيان وألعاب البنات، لعبة "السوبرمان" للصبي ودمية الباربي للبنت. فضلاً عن أن صانعي الألعاب يعزّزون هذا الفصل من خلال الإرشادات التي توضع على علب الألعاب. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لعبة بوكيمون تصف قاعدة اللعب مواجهة بين صبيين هما اللاعب ومنافسه، فيما نجد اللعبة نفسها لديها قسم خاص بالبنت مثل حقيبة ومجوهرات وعلاّقة مفاتيح... .

دور الأهل
من الضروري أن يكون الأهل حذرين، فالألعاب التي يختارونها لأطفالهم تحمل أيديولوجيا، ففي الوقت الذي أصبحت فيه النساء يشاركن في الوظائف العامة في المجتمع، لماذا تحصر الفتيات الصغيرات  في ألعاب يكون دور المرأة فيها الطبخ والقيام بالأعمال المنزلية أو ارتداء الفساتين الجميلة؟ ولماذا يحصر تفكير الطفل الذكر بألعاب يكون دور الرجل فيها خوض الحروب؟ فيما يمكن الأهل توجيه الطفل نحوألعاب أخرى تعكس نماذج أخرى في المجتمع.
عمومًا  يحب الطفل التمثّل بشخصية البطل الذي يقاتل من أجل الخير، والذي يكون في غالب الأحيان ذكراً. ولكن من المهم أن يتنبّه الأهل إلى خيارات ولدهم عندما يشتري دمية. هل يشتريها لأن أترابه حصلوا عليها؟ هل يعرف قصة هذه الشخصية أم لا؟ هل اختار الشخصية الشريرة أم الطيّبة؟ وتبعث هذه الأمور كلها بإشارات إلى الأهل عما يشعر به ابنهم الصغير. ويجدر بالأهل مراعاة الانسجام في توجيهاتهم للطفل. فلا يصحّ مثلاً أن ينهى الأب ابنه عن اللعب بدمية باربي لكي تأتي الأم وتعطيه إياها! إذ يؤدي التناقض في توجّهات الأهل، إلى تشويش فكرة الطفل عن الدمى وبالتالي عن هويته الجنسية أيضاً.
ويشدد الاختصاصيون على ضرورة أن تراقب العائلة مشهد اللعب الذي يمثّله طفلهم. وعليها ألا تقلق إذا لعب طفلها بالدمية وابنتها بالسيارة أو بالسيف. فلقد تغيّرت التقاليد الاجتماعية ولم يعد دور الأب يقتصر على العمل خارج المنزل، ولا دور الأم على رعاية الأبناء والاهتمام بشؤون المنزل. وصار الزوج يساعد زوجته في الاهتمام بالأبناء ويرعاهم أثناء غيابها. ومن الطبيعي  أن يقلّد الطفل أهله.


ابنتي ولعبة الباربي

-عندي ابنة في الخامسة من عمرها، ولاحظت أخيراً أن رغبتها الوحيدة هي أن تصير مثل دمية «الباربي». ولاحظت أنا وزوجتي أنها لا تهتم إلا بهذه الدمية. كيف يمكننا تشجيعها على اكتشاف ألعاب أخرى؟
أحمد- الإمارات

يسمح نمو الطفل في عمر الخمس سنوات بالبدء في اكتشاف العالم المحيط به. ويبدو أن ابنتك تحاول البحث عن هويتها كفتاة، حتى وإن كنتما تتيحان لها اكتشاف أمور أخرى، لكنها  ستحاول معرفة معالم جديدة في شخصيتها خارج محيط المنزل. ويمكن الطفل بمجرد اصطحابه إلى محل بيع الألعاب، ملاحظة الاختلاف بين ألعاب الصبيان وألعاب البنات. وحتى الأولاد الذين لا يجلسون كثيراً أمام شاشة التلفزيون، إلا أنهم قد يحاطون بنساء يبالغن في الإهتمام بمظهرهن ورجال لا يهتمون إلا بأعمالهم ما يترك لديهم انطباعاً عن صورة المرأة أو الرجل. وإذا كانت طفلتك مولعة بدمية «الباربي» فهذا لا يعني أنها ستتماهى بها.


هذه بعض النصائح يمكن اتباعها تفادياً للتماهي المبالغ فيه:

  • شجعها على ممارسة ألعاب تتطلب مهارات جسدية كركوب الدراجة أو كرة السلة أو التسلق وغيرها من الألعاب التي تقوي عضلات الجسم. فكثيراً ما يظن الأهل أن ألعاب البنت ينبغي أن تكون داخل البيت.
  • اشترِ لها غرضاً أو غرضين من أغراض «الباربي»، إذ أن واحدة من المشكلات الناجمة عن ألعاب الأطفال أن المجوعة الكاملة للألعاب لا تفسح المجال لهم في ترك ركن في غرفة الطفل يثير مخيلته ويشجعه على الإبداع.
  • تحدث إليها عن «باربي». فهي عندما تلعب بها أو تسأل عن مجموعتها الكاملة، يمكنك أن تسألها ما الذي يعجبها في هذه الدمية فهذا يُشعرها بأنك تتفهم اهتماماتها.
  • ساعدها على اكتشاف عالم هذه الدمية. ويمكنك الاستفادة من هذا الأمر لتشجعها على القيام بنشاطات أخرى، كأن تقول لها أنك لن تشتري منزل «باربي» لكن يمكنكما معاً أن تصنعا لها البيت الذي تتصوره.
  • اسمح لها باللعب مع البنات والصبيان ما يفسح المجال أمامها تجربة أنواع متعددة من الألعاب.
  • اشترِ لها أنواعاً أخرى من الألعاب تساعد في نموها العقلي وتطوره، كالألعاب التي تتطلب تفكيراً رياضياً مثلاً.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079