العودة إلى المدرسة
انتهت العطلة الصيفية وحان يوم العودة إلى المدرسة. بعض التلامذة ينتظرون هذا اليوم بفارغ الصبر فيما الآخرون يشعرون بالقلق. والأهل في كلتا الحالتين يعدّون العدة لهذه العودة، ولكن شراء الكتب والقرطاسية لا يكفي، بل تحضير التلميذ النفسي هو الأساس. فهو أمضى شهرين فعل خلالهما ما يحلو له، يسرح ويمرح كما يريد من دون تقيد بمواعيد تلزمه بساعة استيقاظ وتناول طعام ومشاهدة التلفزيون... والعودة إلى المدرسة تعني التخلي عن هذه الفوضى الممتعة، مما يجعل الأيام المدرسية الأولى صعبة على التلميذ وأهله، لذا فهو في حاجة إليهم ليكونوا حاضرين في شكل مكثف يحيطونه بالعاطفة والحب.
يرى الاختصاصيون أن العطلة الصيفية والعودة إلى المدرسة تشكّلان حدثين متناقضين. فالعودة إلى المدرسة تعني الخروج من أجواء الاستجمام إلى أجواء تحمّل المسؤولية، مما يعني الانتقال من الحرية الفوضوية بعض الشيء إلى حياة الانضباط، أي العودة إلى السهر والدرس والامتحانات وإلحاح الأهل والأساتذة على ضرورة العمل بجد للنجاح وغير ذلك. بمعنى آخر يجد التلميذ نفسه ملزماً بإعادة التأسيس لروتين يومي تخلى عنه لفترة ثلاثة أشهر تقريباً. وهذا لا يمكن القيام به بين ليلة وضحاها.
ينصح الاختصاصيون الأهل باتباع الإرشادات الآتية لتسهيل عودة الأبناء إلى المدرسة:
- تعويد التلميذ على التوقيت الجديد: بعد أمسيات صيفية جميلة واستيقاظ صباحي متأخر، يحتاج الطفل إلى روتين يومي جديد. لذا يمكن الأم قبل أيام من عودته إلى المدرسة تقديم ساعة نومه وساعة استيقاظه.
- تحضير التلميذ نفسيًا: على الأم أن تتحدث مع طفلها عن المدرسة قبل موعد العودة بأيام. فتشرح له لمَ عليه الذهاب إلى المدرسة، وما الحسنات التي يحصل عليها، شرط أن تكون الحجج التي تقدمها ملائمة لسن طفلها وشخصيته. فمثلاً يمكنها أن تحدّثه عن متعة لقاء زملائه الذين لم يرهم خلال العطلة وتبادل الأحاديث والأخبار، واكتشاف نشاطات جديدة في المدرسة وتعلم أمور تساعده في نمو الفكري وتطوره.
- طمأنة التلميذ: يشعر الطفل بالقلق، ويبدو ذلك واضحًا عندما يبدأ بالبكاء حين تحدّثه والدته عن المدرسة، فتسمع عبارة:" لا أريد الذهاب إلى المدرسة"، وهذا طبيعي. لذا على الأم أن تقول له إنها تتفهم قلقه، لأنه قد يتعامل مع معلمة جديدة أو يذهب إلى صف مختلف لا يعرف فيه أحدًا... وأنها هي نفسها عندما كانت في سنّه كان ينتابها الخوف والقلق اللذان يشعر بهما، ولكن الجميل أنها حصلت على أصدقاء جدد. كما عليها أن تؤكد له أنها سوف تكون حاضرة لمساعدته في تخطي الصعاب التي يمكن أن يواجهها.
- تحضيره ليكون مستقلاً: يمكن لتحمل المسؤولية أن يسبب توترًا عند التلميذ خصوصًا إذا كان صغير السن. ولتجنبه الأم هذا الشعور يمكنها أن تعلّمه كيف يرتدي ملابسه ويخلعها وحده لا سيّما المعطف أو السترة، ويمكنها أيضًا أن تضع لاصقًا على ثيابه تدون عليه اسمه مما يسهل عليه تمييزها، فبعض التلامذة خصوصًا الصغار جدًا لا يميزون بين ثيابهم وثياب أقرانهم التي في كثير من الأحيان تكون متشابهة إلى حد بعيد، فيأخذون ما ليس لهم من دون قصد.
- إخضاعه للفحوص الطبية: لا يمكن التهاون في إخضاع الطفل لفحوص السمع والنظر والأسنان واللقاحات. فتراجع أداء التلميذ المدرسي المفاجئ من المشكلات المتكررة وغالبًا ما يكون سببه مشكلة في نظره أو سمعه. إذ كيف يمكن التلميذ أن يتعلم بشكل جيد إذا لم يكن يرى المعلمة ويسمعها بشكل جيد؟
- السماح للتلميذ بالتعرّف إلى المدرسة قبل أيام من العودة: انتقال التلميذ إلى مدرسة جديدة يسبب له قلقًا شديدًا، فهو لا يعرف المكان الجديد وأصحابه أي التلامذة والأساتذة مما يشعره بأنه تائه لأنه فقد المكان الذي اعتاد عليه لفترة. ولتعويد الأم طفلها على المكان الجديد يمكنها مرافقته إلى المدرسة الجديدة لأيام عدة قبل بدء العام الدراسي، فتدلّه على الملعب والصف و المطعم... ، بذلك يتآلف مع المكان الجديد بشكل أسرع.
- شراء قصص تتناول موضوع المدرسة: من المعلوم أن الطفل يتماهي مع بطل القصة التي يقرأها . والقصة التي يتناول موضوعها المدرسة تتحدث بطريقة غير مباشرة عن مشاعر القلق والتوتر والمخاوف التي تنتاب بطلها مما يطمئن الطفل الذي يواجه الصعاب نفسها ويدرك أن هذه الأمور ستنتهي نهاية سعيدة.
- تحضير حقيبة تتضمن أشياءه الخاصة: يمكن وضع أشياء في الحقيبة يكون الطفل متعلّقًا بها عاطفيًا، مثل دميته المفضلة إذا كان صغيرًا جدًا، فهذه الطريقة تجعله مطمئنًا عندما يأخذ معه إلى المدرسة أشياء من محيطه الاجتماعي الذي اعتاد عليه.
- يوم المدرسة: على الأم الاستيقاظ باكرًا لتجنب التحضير السريع جدًا. فمن الضروري أن يأخذ الطفل وقته في الاستيقاظ وتناول فطور صحي، أما إذا لم تكن لديه شهية بسبب القلق فعلى الأم ألا تصرّ على تناول وجبته، ولكن في الوقت نفسه عليها أن تحضًر له سندويشًا من الجبن ولوحًا من الشوكولا وقطعة فاكهة تضعها في حقيبته.
- اصطحابه إلى المدرسة: يمكن الأم اصطحاب طفلها إلى المدرسة حتى باب الصف إذا كان يرغب في ذلك. وإذا لم يكن في استطاعتها القيام بذلك عليها ألا تشعر بالذنب ولكن أن تشرح له الأمر، وتحاول أن تخصص له الوقت مساء كي يتحدث إليها عما حصل في اليوم المدرسي.
ويشدد الاختصاصيون على ضرورة أن تكون هناك مرحلة انتقالية بين فترتي العطلة الصيفية والمدرسة. فعلى المدرسة في الفصل الأوّل اتباع منهج مبسّط أي ألا تعطي كماً كبيراً من الواجبات المدرسية دفعة واحدة، بل يجب أن يكون فصلاً تمهيدياً للفصول اللاحقة. كما على الأم ألا تبالغ في حث ابنها على الدرس، فهناك بعض الأمهات ينتهزن فرصة أن المدرسة لا تعطي واجبات كثيرة لأبنائهن، فيعملن على تدريس أبنائهن الدروس اللاحقة ظناً منهن أنهن يسبقن المنهج المدرسي، وهذا خطأ لأن التلميذ سيشعر بالضغط خصوصاً أنه يعرف أنه ليس مطلوباً منه القيام بها، وبالتالي سينفر من الدرس والمدرسة. لذا من الضروري أن تتقيد الأم بمنهج المدرسة وألا تخشى من الواجبات القليلة لأن التكيف مع الفصل الدراسي يتطلب وقتاً تمهيدياً.
تشكّل العودة إلى المدرسة حدثًا مهما أيضًا بالنسبة إلى الأهل. وهذه بعض النصائح التي يمكن اعتمادها لمساعدة الطفل في النجاح المدرسي: - الاطلاع على مفكّرة تدوين الوظائف والواجبات المدرسية للتأكد من أن التلميذ أنجز كل ما هو مطلوب منه لليوم التالي.
- سؤال الطفل عن دروسه اليومية وليس فقط عن المســابـقـات الأســبـوعية، والطـلـب مـنـه مـثـلاً تـلاوة الاستظهار. والأفضل تعليمه حفظ النصوص بشكل تدريجي أي فقرة بعد فقرة وليس حفظ النص كله دفعة واحدة.
- التحلّي بالصبر وتشجيع الطفل إذا واجه صعوبة في إنجاز وظائفه المدرسية، فكل طفل يتعلّم ويفهم تبعًا لإيقاعه الفكري.
- تشجيع الطفل على التقدّم بوظائفه، فمثلاً إذا أنجز وظائفه المطلوبة منه لليوم التالي، يمكن الأم تشجيعه على إنجاز وظيفة مطلوب منه تسليمها بعد ثلاثة أيام.
- التأكد من وقت إلى آخر من حالة الأدوات التي يستعملها التلميذ أثناء قيامه بواجباته المدرسية، وعلى الأهل ألا ينسوا توفير مكتب أو طاولة درس منظّمة يجلس إليها لإنجاز دروسه.
تعليم التلميذ تنظيم وقته لضمان نجاحه المدرسي
من الضروري تعويد التلميذ تنظيم وقته خلال العام المدرسي لينهي عامه بنجاح. وهذه بعض النصائح:
- الاهتمام بغذاء التلميذ: تحضير وجبة فطور صحية ومتوازنة يتناولها التلميذ قبل ذهابه إلى المدرسة، ومن الأفضل أن تكون العائلة مجتمعة إلى مائدة الفطور.
- الحقيبة المدرسية أداة لا يمكن الاستغناء عنها: تشجيع الطفل على تحضير حقيبته المدرسية عند المساء، وتعليمه أن يضع فيها ما يحتاجه لليوم التالي. فالحقيبة المثقلة بأشياء لا يحتاجها الطفل لا طائل منها، فضلاً عن أن الوزن الزائد يؤذي ظهره.
- السماح بالجلوس إلى التلفزيون في أوقات الاستراحة وبعد إنجاز الوظائف المدرسية وخلال أيام العطلة الأسبوعية. فضلاً عن ضرورة مراقبة جلوسه إلى الإنترنت وتحديد وقت استعمال الكمبيوتر.
- وضع نظام للنوم: النوم عشر ساعات ليس كثيرًا على الطفل. في العطلات يمكنه الذهاب إلى السرير متأخرًا. ولكن خلال العام المدرسي ولتعليمه عادات جيدة من الضروري أن تشرح له الأم أن عليه أخذ قسطٍ وافرٍ من النوم كي يكون مرتاحًا في صفه ويستطيع التركيز أثناء الدروس، ويستفيد من وقت الفسحة مع أصدقائه.
- عدم المبالغة في مشاركة الطفل في نشاطات لا صفية، بل القليل منها مفيد، وعلى الأم ألا تنسى أن يوم المدرسة طويل جدًا ومشحون بالعمل.
أمور على الأهل عدم التهاون فيها
أن يحاولوا قدر المستطاع أن يكونوا متوافرين ومستعدين لحضور اجتماع الأهل الدوري، وعدم التردد في تحديد موعد مع معلّمة الصف عند الضرورة.
التحقق من مفكرة التلميذ اليومية، فهي وسيلة جيدة ليبقى الأهل على تواصل مع المعلّمة، فعلى المفكّرة تدوّن مواعيد لقاء إدارة المدرسة أو المعلمة، والرحلات التي تنظم والأوراق المطلوب الاطلاع عليها.
الاهتمام بيوميات الطفل المدرسية مهم جدًا، ويكون ذلك بالطلب من الطفل أن يخبر والديه عن يومه المدرسي، ويشرح لهما ما قام به في الصف وما فهم وما لم يفهم. فهذا يساعد الأهل في تبيان الصعاب المحتملة التي يواجهها الطفل سواء كانت مرتبطة بدروسه أو بعلاقاته مع أصدقائه أو أساتذته.
الطفل الأصغر سنًا في الصف
يصاب الطفل الأصغر سنًا في الصف بالكثير من التوتر وسبب ذلك المنهج المدرسي. فقد بينت دراسة تربوية أن التلامذة الأصغر سنًا في الصف هم الأكثر عرضة لمشكلات نفسية من أقرانهم الأكبر سنًا. فبحسب الباحثين الإنكليز أن الأطفال ليسوا متساوين في المدرسة، والأصغر سنًا هم الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية. وقد وصلوا إلى هذا الاستنتاج من خلال دراسة تناولت عشرة آلاف تلميذ تراوحت أعمارهم بين الخامسة والخامسة عشرة. ولاحظوا أن التلامذة مواليد الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة هم اكثر عرضة للمشكلات النفسية، فهم يعانون مشكلات في النمو واضطرابات في السلوك مثل النشاط المفرط، ويكونون أكثر توترًا من التلامذة الأكبر سنًا.
ماذا عن الأستاذ المتطلب؟
في الصف نفسه يمكن أن يوجد فارق في السن بين التلامذة 12 شهرًا بين الأكبر سنًا والأصغر سنًا. لذا يقول التربويون إن التلامذة الصغار يكونون عرضة لضغط نفسي أكبر. ورغم أنهم ينالون نتائج مدرسية عادية ، فإن الأستاذ يطلب من جميع تلامذة الصف التقدم نفسه في أدائهم الأكاديمي، من دون أن يهتم لمسألة فارق السن بينهم، لذا من الصعب أن يحصلوا على الدرجات نفسها. وهؤلاء التلامذة غالبًا ما يكونون أكثر قلقًا مما يجعلهم عرضة لصعاب نفسية. والحل بالنسبة إلى أصحاب الدراسة أنه من الضروري أن تأخذ المدرسة في الاعتبار فارق السن بين تلامذة الصف نفسه، واقترحوا تقسيم الصفوف بحسب سن التلامذة. مثلاً أن يكون تلامذة مواليد الأشهر الثلاثة الأخيرة في الصف نفسه. وعمومًا على الأستاذة أن ينتبهوا إلى مسألة السن من أجل توفير تعليم مناسب للتلامذة. ولكن في الوقت نفسه من الضروري توسيع البحث في هذه الظاهرة التي تتعدى مسألة السن، فكل طفل فريد من نوعه ولديه إيقاع تعليم خاص به، فيما التعليم المعاصر لا يأخذ في الاعتبار التلميذ الفرد خصوصًا في الصفوف التي فيها عدد كبير من التلامذة. إذًا مسألة السن في المنهج التعليمي ينقصها الأفراد المختصون. وهنا دور الأهل أولي وأساسي، وعليهم أن يستمعوا إلى ابنهم والصعاب المدرسية التي يواجهها، ولا يترددوا في دعمه في دروسه كي يتمكن من اللحاق بزملاء الصف.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024