تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

للصبي حق في أن تدمع عيناه

«خالد لا تبكِ، عيب أصبحت رجلاً»! «الصبيان لا يبكون، البنات فقط يفعلن ذلك». يقول الأهل هذه العبارات وغيرها حين يذرف الصبي دموعه.

كان هذا «الرجل الصغير» يغرق في دموعه عندما يشعر بالجوع أو الحزن أو الغضب، ولكنه بدأ أخيراً يقاوم دمعه لأنه يخجل منه، فيعضُّ شفتيه وتلتمع عيناه وتحمر وجنتاه «إنه رجل لا يجوز له البكاء»! فهل هذا دليل على أن الصبي يكبر؟ لماذا يخجل معظم الصبية من دموعهم بدءاً من سن الثماني سنوات؟ ما هي أسباب ذلك؟
يرى اختصاصيو علم نفس الأطفال أن ليس هناك دراسة نفسية تثبت أن الصبي يخجل من دموعه بدءاًَ من سن الثماني سنوات. فهناك صبية يخجلون وآخرون لا.غير أن المجتمع يرى أنه من المعيب على الصبي أن يبكي لأنه رجل، أما إذا بكت البنت فهذا أمر طبيعي. وهذا الرأي غير صائب لأن البكاء دليل على صعوبة يعانيها الطفل سواء كان بنتاً أو صبياً.
وللأسلوب التربوي الذي ينشأ عليه الطفل دور رئيسي في تكوين شخصيته، بل حتى للسنوات الأولى من العمر دورها في علاقة الطفل مع دموعه. فعندما يكون رضيعاً تتحدث إليه أمه وكأنه رجل فإذا بكى تناغيه بقولها: «حبيبي يبكي، أنت رجل والرجال لا يبكون، ولو أنت قبضاي مثل البابا». وهكذا مع الوقت يربط الصبي بين عدم البكاء والذكورة والقوة.
من المعلوم  أن الصبي يتماهى بوالده ويحاول تقليده في كل ما يقوم به وعدم البكاء هو أحد هذه الأمور. ويعزز الأهل، سواءعن قصد أو غير قصد، تفكير الصبي في أن البكاء للبنات. ولاحقاً، يكبت الطفل «الذكر» دمعه لأنه لا يريد أن يخيّب أمل والديه خصوصاً أن شخصية هذا الرجل الصغير هي في طور النمو وطموحه أن يصبح مثل والده القوي الذي نادراً ما يراه يبكي إلا في أوضاع دراماتيكية. 
ويشير الاختصاصيون إلى أنه إذا كان النمو النفسي عند الطفل سليماً، ويعرف كيف يعبّر عن مشاعره في شكل صحيح، ويعرف كيف يدافع عن نفسه في المواقف الصعبة، فمن الطبيعي ألا يبكي إلا في مواقف قليلة، أي إذا تعرض لموقف حرج أو  قال له أحدهم كلاماً جارحاً لا يعرف كيف يرد عليه. مثلاً إذا قال له صديقه: «أنت سمين»، يرد عليه: «أنظر إلى نفسك». أما الطفل الذي لا يعرف كيف يدافع عن نفسه فقد يشرع في البكاء بمجرد أن توجه إليه ملاحظة. كما أن تعامل الأهل مع طفلهم بقسوة كالضرب أو العقاب أو توجيه الإهانات وما شابه، يفقده الثقة بنفسه، ويجعله مضطرباً في سلوكه لا يستطيع التعبير عن مشاعره.

من المعلوم أن الدموع أحياناً تفرج عن كرب الراشد فكيف بهذا الصغير؟
إذا لاحظ الأهل التوتر أو الحزن على طفلهم نتيجة تعرّضه لموقف صعب يمكنهم تشجيعه على التعبير عن ذلك، ولا ضير في أن يبكي فالدموع تحرره من الحزن وتبلسم الجروح. ومن الأفضل أن يلجأ الصبي إلى والده، فذلك يشعره بالأمان لأن الوالد هو المثال الذي يتماهى به وصورة الرجل التي يبحث عنها. وعلى الوالد بدوره أن يطمئنه كأن يقول  له «ابكِ فهذا سوف يشعرك بالراحة». ومن الممكن أن يحدثه عن طفولته: «أنا أيضاً أحياناً كنت أبكي عندما كنت في سنك حين كنت أتعرض لموقف حرج أمام أصدقائي». ومن المهم جداً أن يحمل ابنه على التحدث عن سبب حزنه، فالبكاء يصبح صحيحاً إذا ما رافقه الكلام. ويجب تعليم الطفل أن يقول «أنا حزين لأني...».
أما إذا كان الطفل يبكي من دون سبب منطقي، فمثلاً إذا كان يبكي كل يوم عندما يرجع من المدرسة، فعلى الأم أن تعرف سبب ذلك وأن تسأل عما يحدث معه. والمعلوم أن كثيراً من الأطفال يعانون ظاهرة «التنمير» في المدرسة. وعندما يلاحظ الأهل أن الطفل تفيض دموعه بأكثر مما يُتوقّع، يجدر بهم التحري من الطفل والمدرسة عن وجود أتراب يفرضون إرادتهم عليه. وإذا لم يتبين وجود مشكلة على الأم  أن تتحرى الأمر في البيت، فربما كان هناك أمر أو حدث طارئ يحمله على البكاء. وإذا لم يتبين وجود مشكلة عليها استشارة اختصاصي.
الأهل هم أولاً وأخيراً المسؤولون عن الطفل، فالتصرفات العنيفة أو المتوترة أو القلقة دليل على وجود مشكلة يعانيها الطفل، ودور الأهل أن يساعدوه في  مواجهة كل الصعاب كي ينمو في شكل صحيح .


طفلي يبكي كثيراً

- صارت ابنتي ( سنتان ونصف السنة) أخيراً تبكي في شكل متواصل، فعندما أقول لها «لا» تجهش بالبكاء، وعندما تحاول أختها الصغرى الاقتراب منها تبكي، وحين ينتهي فيلم الفيديو المفضل لديها تبكي. أحضنها وأقبلها ولكن بكاءها يجعلني أبتعد عنها. هل من نصيحة عن كيفية مساعدتها في  التخلص من التوتر الذي تشعر به؟ (دلال من دمشق)

بداية عليك تعليم ابنتك التعبير عن توترها بالكلمات عوضاً عن البكاء. فعندما تبكي لأنك رفضت أن تعطيها المزيد من الحلوى هدئيها وقولي لها بلطف: «أنت غاضبة لأن الماما لن تعطيك المزيد من الحلوى! يمكنك أن تبكي لكن لا يمكنك الحصول على الحلوى». وافعلي الأمر نفسه عندما ينتهي فيلمها المفضل. طمئنيها إلى أن تتوقف عن البكاء وقولي لها بحنان: «أنت حزينة لأن الفيلم قد انتهى أليس كذلك؟». وحين تبكي لأن أختها الصغرى اقتربت منها قولي لها: «أنت لا تحبين أن تقترب أختك منك؟». وحين تهدأ يمكنك أن تشرحي لها لماذا لم تعطها المزيد من الحلوى أو تسمحي لها بمشاهدة الفيلم مرة ثانية، أو لماذا أختها تحب الاقتراب منها. فعندما تعبر عن مشاعرها سوف تكون قادرة على فهم الأسباب.


ما لا يجوز فعله

  • لا تعزليها أو تتركيها لأنها تبكي.
  • لا تحاولي التحدث إليها أثناء نوبات بكائها كأن تقولي لها مثلاً: «لا يوجد سبب لبكائك».
  • لا تتوقعي أن تعود الضحكة إلى وجهها فور توقفها عن البكاء. اسمحي للوقت بمسح حزنها.
  • لا تستسلمي لبكائها. لا توجد ضرورة لمشاهدة الفيلم مرة أخرى أو إبعاد أختها أو تحويل «لا» إلى «نعم». فأنت لا تريدينها أن تتعلم أن البكاء يجعلها تحصل على كل ما تبغيه.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080