تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

كيف يمكن الأهل إعلام أبنائهم بالمشكلات التي يواجهونها

كثيرًا ما يكون وقع الأخبار السيئة على الأبناء صادمًا، وغالبًا ما يجد الأهل صعوبة في إعلام أبنائهم بها. فانفصال الوالدين أو إصابة أحد أفراد العائلة بمرض خطير أو موت أحد الأقارب أو خسارة الأب وظيفته أو دخوله السجن... من المشكلات التي تواجهها العائلة، والخروج منها يحتاج إلى الكثير من الحكمة خصوصًا إذا كان الأبناء بين مرحلتي الطفولة والمراهقة. فالمراهق قد يستوعب فكرة الموت فيما الطفل الصغير يحتاج إلى إجابات واضحة تشعره بالطمأنينة، أما الطلاق فليس سهلاً على أحد من أفراد العائلة مهما كانت سنّه، وإفلاس الوالد أو خسارة وظيفته قد يسبب قلقًا وصدمة للأبناء.

يرى اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق أن الإجابة عن أسئلة الأبناء واحترام تفكيرهم هما أول الخطوات في طريق التغلب على الصعاب التي تواجهها العائلة. فالتعامل مع الأبناء على أنهم أفراد، لكل واحد منهم كيانه الخاص على علم بالأحداث التي تحصل في العائلة، أساسي لتكوين صورة واضحة عن نفسه في الحاضر و في المستقبل. وعندما يتحاور الأهل مع الأبناء في الصعاب التي يواجهونها، فإنهم يساعدونهم في تطوير قدراتهم على التواصل ليكونوا قادرين على طلب المساعدة متى كانوا يحتاجون إليها. ولكن يبقى لعوامل الوقت والطريقة التي يخبر بها الأهل الأبناء عن المشكلة وسن الأبناء دور في تذليل الصعاب التي تواجهها العائلة.

الجواب المناسب في الوقت المناسب
من المعلوم أن الطفل القلق، حتى وإن لم يكن لديه قدرة على  صياغة سؤاله في شكل واضح، فإنه يعرف كيف يجعل أهله يشعرون بقلقه. فهو يظهر نفسه إما متماسكًا  جدًا أو غاضبًا جداً، فوضويًا أو منطويًا على نفسه، ويطرح سؤلاً مهمًا في اللحظة غير المناسبة. وإذا فعل ذلك، على الأم أو الأب التأكيد له أن الإجابة عن سؤاله ستكون في وقت لاحق، وعندما يصبح الأب في مزاج هادئ، يمكنه أن يأتي إلى ابنه ويتحدث إليه ويقول له:" السؤال الذي طرحته علي صباحًا يمكنني الإجابة عنه الآن إذا كنت ترغب في ذلك". وفي المقابل على الوالد أن يكون لديه الجواب حتى وإن كان بسيطًا أو غير مكتمل لكنه يجعل الطفل يتوقف عن توقّع أو تخيّل الأسوأ. فعدم الإجابة يجعله يظن أن والده غاضب منه لأن هو من تسبب بالمشكلة. مما يجعله يشعر بذنب لم يقترفه.

تجنب الحديث عن تفاصيل المشكلة
من السهل على الأهل الانتقال من عدم قول شيء إلى قول الكثير. صحيح أن الأسرار تثير الريبة والخوف في نفوس الأبناء ولكن سيل المعلومات يمكن أن يكون تأثيره مدمرًا. لذا من المفيد مناقشة الأبناء في الأمور التي يكون لها نتائج مباشرة عليهم، ولكن في الوقت نفسه من الضروري التحدث إليهم والأخذ في الاعتبار سن الأبناء، فالتحدث إليهم لا يعني إخبارهم كل التفاصيل، فالأهل ليسوا ملزمين بذلك لذا لا يجوز لهم التحدّث إلى طفل في السادسة كما يتحدثون مع ابن مراهق.

عدم الانهيار أمام الأبناء
ليس هناك أفضل من أن يتبع الأهل حدسهم، فمن المهم التصرّف بشكل ملائم، إذ ليس أكثر تدميرًا للأبناء عندما يجدون أهلهم يغرقون في الدموع في حين عليهم أن يتمتعوا بالقوة للإجابة عن الأسئلة من دون أن ينهاروا أمام أبنائهم. وعليهم أن يكونوا حذرين في التعبير والكلمات التي يستعملونها مع الأبناء الصغار. فمثلاً عندما يخسر الوالد وظيفته لا يجوز القول للطفل سوف ننتهي في الشارع فهذه العبارة مأسوية جدًا، تثير قلقه الشديد،  بل عليهم إخباره بالمشكلة والتأكيد له أن الحلول موجودة وإلى حين تحققها على العائلة أن تكون متماسكة. لذا فإن التخفيف من المصاريف واقتصارها على الضروريات هي من الحلول الموقته. ويشير الاختصاصيون إلى أن تظاهر بعض المراهقين بأنهم غير مبالين بما يمر أهلهم من صعاب مادية، وإبعاد أنفسهم عن المشكلة هما طريقتان للدفاع عن أنفسهم أثناء مواجهتهم المشكلة. لذا  لا يجدر بالأهل اتهام ابنهم المراهق، إذا كانت ردة فعله على هذا النحو، بأنه أناني ولا يشعر بالغير، بل عليهم استيعاب ما يشعر به ويتحدّثون إليه بهدوء ويظهرون تفهمهم لقلقه وتوتره.

سن الأبناء وشخصية كل واحد منهم
يرى الاختصاصيون أن إعلام الأبناء عن المشكلة الطارئة في العائلة أثناء اجتماع كل أفرادها قد يؤدي إلى نتائج سلبية رغم أنها طريقة صحيحة، فطريقة الحوار والعبارات المستعملة تكون واحدة، وبالتالي قد لا يستوعبها كل الأبناء خصوصًا إذا كانوا متفاوتين في السن، فضلاً عن اختلاف في الشخصية ورد فعل كل واحد منهم تجاه تلقيّه الخبر. لذا ينصح الاختصاصيون الأهل  اختيار ما يجدر قوله تبعًا لسن الطفل وشخصيته. وعلى الأهل التركيز والاهتمام بالابن الذي يشرع في البكاء ويبدي غضبه من دون جعل الآخرين يشعرون بأنهم مهملون.

مشكلات يطرحها الأهل على الاختصاصيين: كيف يمكن إعلان خبر طلاقنا لأبنائنا؟

في البداية لا يجوز خداع الأبناء. إذ مهما كانت التدابير الوقائية والطريقة الهادئة التي أعلن فيها خبر الطلاق، فإنه يشكل بالنسبة إلى الأبناء انقلابًا حقيقيًا في وجودهم. ولهذا فعندما يكون الانفصال حتميًا هناك بعض المفاتيح التي تساعد الأهل في إعلان خبر انفصالهما. الأول بديهي ولكن غالبًا ما يُهمل، وهو أنه مهما كانت سن الأبناء فإنهم يشعرون بالتوتر بين والديهما قبل إعلان خبر الطلاق، وهم يتوقعون الانفصال قبل إعلانه. لذا من الضروري أن  تجريا حوارًا مع أبنائكما في مسألة
الطلاق، وأن تطرحا عليهم الأسئلة بصراحة وبساطة مثلاً: هل شعروا بالجو المتوتر في المنزل خلال الأشهر الأخيرة؟ هل فكّروا في أن والديهم لم يعودا يستمعان إلى بعضهما؟ هل هناك من بين أصدقائهم من لديه والدان مطلّقان؟ هل ظنّوا أن الشجار المتكرر بين والديهما لن يؤدي إلى الطلاق؟
فتحضير الأبناء يكون  في السماح لهم بالتعبير عن خوفهم أو الصعاب التي يواجهونها بالكلام ،على أن تطرح هذه الأسئلة منكما مجتمعين. فالأبناء سيتذكّرون لحظة إعلان الخبر، لذا من الضروري أن تكون هذه اللحظة متداولة ومتوقعة وعليكما تجنب كل واحد منكما إظهار نفسه ضحية، وتتخليا عن أنانيتكما، فأبناؤكما في حاجة إلى الحماية والطمأنينة في هذه المرحلة.


زوجي في السجن، كيف أخبر ابني؟

- ماذا يمكنني أن أقول لابني ( سبع سنوات) عن والده الذي دخل السجن بسبب تصرفاته العنيفة وقد اثبت تقرير الطبيب النفسي أنه غير مسؤول عن تصرفاته لأنه مريض نفسياً. فهل سيكون ابني عنيفاً بالوراثة؟
من الضروري أن يعلم ابنك أن والده في السجن ويعرف الحقيقة كاملة. لذا اشرحي له أن والده دخل السجن بسبب تصرّفاته العنيفة التي بدورها كانت نتيجة أن أحداً لم يفسر له ضرر هذه الحماقات التي يدفع ضريبتها الاجتماعية اليوم فمن المؤكد أن ابنك سيفهم، وهذا لن يمنعه من حب والده والافتخار به، فوالده ليس مجرماً لديه مشكلة نفسية، بل هو إنسان تألم في صغره وحاول التعبير عن ألمه ربما بطريقة خاطئة لكنه يبقى والده الذي يحبه.

العنف لا علاقة له بالوراثة. فالعنف عند الراشدين غالباً ما يكون سببه أنهم قد تعرّضوا في طفولتهم ومراهقتهم لعنف إما جسدي أو معنوي، فيحتفظون به في لا وعيهم ليعودوا ويمارسوه على الآخرين عندما يصبحون في سن الرشد، فيفجرونه عند أبسط مشكلة يواجهونها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأشخاص أو الأطفال الذين لم يتعوّدوا على السيطرة على حالات الغضب التي تنتابهم. فالطفل الصغير يتصرف بعنف عموماً فمثلاً إذا أراد شيئاً ومنعناه عنه يقاوم بشدة فيركل الشخص الذي أمامه. وكلام الأم معه يعلمه تدريجياً كيف يسيطر على غضبه ويعبّر عنه بالكلام بدل الضرب أو الركل. وإذا لم يُربَ على هذا النحو فإنه يبقى أسير عنفه، كما أن تصرفات الراشد العنيفة أمامه تشكل له نموذجاً يحتذي به، فيقلّده. فإذا كان التقرير الطبي قد أشار إلى أن زوجك يعاني مرضاً نفسياً من دون أن يشير إلى تاريخه الاجتماعي فهذا لا يعني أن ابنك سيكون عنيفاً بالوراثة.


مصابة بمرض عضال كيف أخبر ابني؟

-  أنا مصابة بالسرطان، ويطرح ابني (10 سنوات) الكثير من الأسئلة عن مرضي. فيسألني مثلاً :" ماما أنت مصابة بالسرطان سوف تشفين أليس كذلك؟"، " ماما عندما تخضعين لعملية جراحة هل ستمكثين في المستشفى شهرين كالمرة السابقة؟". وأنا لا أستطيع أن أجيبه عن حقيقة مرضي. هل من نصيحة؟
أهنئك لأنك امرأة قوية جداً. ليس فقط لأنك متقبلة لمرضك بل وتناقشين ابنك حوله. وهذا ليس بالأمر السهل. إليك بعض الإرشادات التي يمكنك اتباعها:
كوني صريحة مع ابنك ولكن اختصري الشرح. أجيبي عن كل أسئلته، كما يمكنك أن تحضري له بعض الكتب الطبية التي تشرح له المرض، إذا أصرّ على معرفة المزيد. فبعض الأطفال الذين في سنه يسألون عن الكثير من المعلومات وبعضهم الآخر لا. وتفهّمي أن أسئلته قد تكون في لحظات غير المناسبة، فالأطفال لا يدركون متى وأين يبدون تحفظهم، ولا تكوني غامضة في أجوبتك.
تحدثي إليه بطريقة متفائلة، أظهري له التفاؤل والأمل في تصرفاتك. من المعروف أن الطفل يخاف كثيراً عندما يمرض أحد والديه، لذا حدثيه عما يمكن أن يحدث ولكن لا تسهبي في شرح الأمر، لأن ذلك سوف ينغص على حياته ويجعله طفلاً حزيناً. عرّفيه عن المستجدات التي تطرأ على علاجك، كأن تصحبيه معك إلى الطبيب واسمحي له بطرح الأسئلة، كما اسمحي له بزيارتك أثناء خضوعك للعلاج في المستشفى، واعلميه عن الشخص الذي سوف يعتني به أثناء ذلك. لا تتجاهلي وجوده أثناء حديثك مع الآخرين، وتذكري أنه موجود ولا بد من مشاركته ما يحدث. فالطفل حساس جداً ويدرك تماماً ماذا يدور من حوله ويستطيع أن يفهم كل شاردة وواردة في أحاديث الراشدين.


زوجي فقد عمله

- لا أعرف كيف أعلم أبنائي بأن والدهم قد استقال من وظيفته، ونخاف أن تنفد منا النقود التي وفرناها في المصرف، خصوصًا أننا لا نزال نعيش في المستوى المادي الذي اعتدنا عليه رغم أن زوجي ترك العمل منذ أكثر من شهر. هل من نصيحة؟
من الضروري جدًا التحدّث إلى الأبناء عن المشكلة في أسرع وقت ممكن. فخسارة الوظيفة يسبب تغييرًا في مزاج الأهل لا سيما الوالد الذي يصبح أكثر عصبية وتوترًا ويبدي غضبه عند أقل مشكلة تحدث، مما ينعكس سلبًا على الأبناء ويوتر العلاقة بينهم وبينه والدهم خصوصًا إذا لم يكونوا على علم بما يمر به. لذا لا تترددي في التحدث مع أبنائك عن المشكلة المادية التي تمرون بها من دون أن تروي تفاصيل لا طائل منها. وفي الوقت نفسه عليك وزوجك طمأنتهم إلى أن الأمور تتحسن لأن الوالد سوف يجد عملاً ، وفي المقابل  عليكم في الوقت الحالي أن تقتصدوا في المصاريف إلى أن تتحسن الظروف المادية. كما عليك أن تشرحي لهم أن يتفهموا ما يمر به والدهم من مزاج سيئ وتؤكدي لهم أنهم ليسوا السبب. وفي المقابل عليك تجنب العبارات التي تشعرهم بالذنب:" مثل من أين آتيكم بالمال؟"، " قد لا يجد والدكم عملاً". بل عليك أن تشعريهم بالتفاؤل.كما عليك تجنب إلقاء اللوم على زوجك لأنه استقال خصوصًا أمام الأبناء لأن هذا يفقدهم الثقة بوالدهم.


ابني يسألني عن جارتنا المسنة التي رحلت

- كيف يمكنني إخبار ابني 5 سنوات بموت جارتنا المسنّة التي كان يتردد إليها؟
يقلق معظم الأطفال من الموت ويطرحون حوله الأسئلة، وسبب هذا أن الأهل يحكون عن الموت بالهمس والسر وأحياناً بغموض ، ما ينتج عنه حيرة وخوف عند الطفل. والطفل لا يستطيع أن يتخيل أن للحياة نهاية، ويرتعب عندما يفكر أن حياته وحياة من حوله يمكن أن تنتهي فجأة. يجب قول الحقيقة للطفل بوضوح أي ألا نقول له أن جارتنا نامت ولم تقم. لأن الطفل سوف يخاف أن يغمض عينيه ويظن إذا نام فلن يقوم، وقد يرى كوابيس مرعبة. يجب التكلم مع الطفل بصراحة ولكن يجب السيطرة على عواطفنا ومشاعرنا لأنه من الممكن أن يخاف الطفل إذا أظهرنا الحزن في شكل عنيف. وهذا لا يعني أن لا نظهر حزننا. والكلام عن الموت بصراحة يمنح كل أفراد العائلة شعوراً بالراحة.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078