تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

بين التراث، الأصالة والعصرية... قبرص قبلة السيّاح

بعيداً من صخب الحياة وضغوطها، تستقبلك جزيرة قبرص بسهولها الخضراء وشواطئها الذهبية المرصوفة على طول الطريق الممتد من مطار Ercan إلى فندق «ميريت رويال» والذي يبعد نحو 50 دقيقة من المطار.
يتميز شمال جزيرة قبرص بطقسه المعتدل الدافئ في الشتاء، وطبيعته الخلابة وهدوئه الراقي الذي يمزج بين الحداثة والتراث إذ يعود عمر الجزيرة إلى 8000 عام قبل الميلاد، ومع ذلك لا تزال تحافظ على طابعها الخاص، إضافة إلى شعبها المضياف الذي يستقبلك بحفاوة.


تبلغ مساحة جزيرة قبرص 9251 كيلومتراً مربعاً، وقد تعاقب عليها حوالى 9 حضارات بسبب موقعها الاستراتيجي بين القارات، وتم تقسيمها في العام 1974 إلى قسمين: قبرص-اليونانية وقبرص-التركية. وتعتبر قبرص ثالث أكبر جزر البحر الأبيض المتوسط بعد صقلية وسردينيا. 
أما وجهتنا فكانت القسم الشمالي من الجزيرة، وتبلغ مساحته 3242 كيلومتراً مربعاً، وعدد سكانه 300 ألف نسمة، وتمتد فيه سلسلة جبال أُطلق عليها اسم «5 أصابع». تشتهر الجزيرة عامةً بالسياحة وزراعة الحمضيات كالليمون والغريب فروت، إضافة إلى صنع دبس الخروب، كما يُعد «كباب الشافتالي» من أبرز أطباقها.

وصلنا إلى الفندق وأخذنا قسطاً من الراحة، وفي اليوم التالي إلى Bellapais كانت محطتنا الأولى للتعرف على تلك القرية الصغيرة التي تقع في محيط Girne أو «كيرينيا» كما يطلق عليها القبارصة.
في هذه القرية تنتشر المحال التجارية الصغيرة، وهي تتميز ببيوتها ذات الأبواب الخشبية والملونة القديمة الطراز، وأزقتها الخضراء المرصوفة بالحجر الصخري.
وفي وسط القرية يقع دير بلابايس الذي يمثل نموذجاً رائعاً لفن العمارة، وهو من أجمل النماذج المعمارية القوطية والفرنسية، ومن أهم آثار العصور الوسطى في البحر الأبيض المتوسط، وكان في ما مضى كاتدرائية تحولت إلى متحف يتضمن قاعة لتنظيم الحفلات الموسيقية ويرتاده السيّاح من مختلف دول العالم. ويُشرف الدير على مناظر خلابة من الطبيعة التي تعانق البحر، كما يطل على بعض المدن التركية مثل مرسين وألانيا.

بعد يوم متعب كان علينا العودة إلى فندق Merit Royal وهو واحد من سلسلة فنادق Merit الموجودة في شمال قبرص، إلا أنه أكثرها ترفاً وفخامةً. بعد قضاء ليلة هادئة، قمنا في اليوم التالي بجولة داخل الفندق للتعرف على غرفه المطلّة على البحر وأجنحته التي تتسع لأكثر من عائلة.
وللتخلص من التعب والإرهاق، عرّجنا على الـSpa ودخلنا حمّاماً تركياً للتمتع بمزاياه، وبعدها خضعنا لجلسة تدليك تنشّط الدورة الدموية وتهدّئ الأعصاب.
وللحصول على ألذّ الأطباق، كان المطبخ الإيطالي في انتظارنا لتناول الباستا والبيتزا مع مختلف أنواع المقبّلات والسَلَطات الإيطالية، وبالتأكيد لم ننسَ الحلويات... يتميز الفندق بمساحته الشاسعة وإطلالته البحرية من كل الجهات، إضافة إلى الحدائق الغنّاء التي تلفّه، والتي تمكّن مرتاديه من التمتع بنزهة في متاهاتها، كما يستطيع عشّاق الغطس ممارسة هوايتهم البحرية.
لم ينسَ Merit Royal الأطفال فخصّص مساحةً لهم، وذلك من خلال Kids Club الذي يقع في Merit Premuim التابع لإدارة «ميريت-رويال».

في اليوم الثالث ذهبنا إلى «كيرينيا»، وهي تعدّ المركز السياحي في شمال قبرص، وفيها تتمركز قلعتها التي تحمل آثار العصور: البيزنطي واللوزينياني والبندقي، وهي الحضارات الثلاث التي تعاقبت على هذه القلعة واتخذتها مركزاً لها.
من خلال التجول في أروقة القلعة نجد أنها القلعة الوحيدة التي لا تزال إلى يومنا هذا تحافظ على معالمها التاريخية، ولم تلحق بها أضرار أو تتعرض للدمار، ذلك أنها لم تشهد معارك ضارية، كما تضم القلعة كنيسة «سانت جورج» ومقابر «الكيرني»، برج البندقية والصهريج ومتحف السفينة الغارقة الذي يعرض أنقاض السفينة الفينيقية التي غرقت منذ أكثر من 2400 عام بمحتوياتها الأقدم عبر التاريخ.

تطل قلعة Girne على مينائها التاريخي الذي يعتبر من أجمل الموانئ في البحر الأبيض المتوسط، بالتالي لم يكن باستطاعتنا إلا التقاط الصور من أعلى القلعة من خلال الوقوف على أحد أبراجها بموقعه الوسطي بين البحر والجبل.
وللقاء البحر كانت الوجهة نحو ميناء غيرني التاريخي حيث ترسو سفنه المتعددة الأحجام والألوان، وتصطف على ضفافه المطاعم والمقاهي، وبالتالي وقبل أن نغادر المكان، كان لا بد لنا من تناول غداء شهي في أحد المطاعم المطلّة على البحر. وبعد الغداء، قصدنا السوق ليكون وجهتنا الأخيرة، فاشترينا الهدايا والتذكارات التي ستخلّد ذكرى هذه الجزيرة في أذهاننا.  

عدنا إلى الفندق وارتحنا قليلاً، ليحين موعد العشاء فنزلنا الى قاعة فخمة لتناول أشهى المأكولات التي يعدّها مطعم الفندق، والذي تنافست على مائدته ألذّ الأطباق العالمية، إلى جانب تخصّصه  بالمطبخ التركي. وإلى غرفنا توجّهنا حيث وضبنا أمتعتنا وعدنا أدراجنا إلى بيروت مجدّداً، بعد رحلةٍ ممتعةً تعرّفنا من خلالها إلى تاريخ جزيرة طبعت ثقافتها حضاراتٍ تسع.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079