الحمام الشعبي.. طقس جار عليه الزمن
لو قدر لك يوما أن تعيش تجربة الذهاب إلى "حمام بلدي" في مصر، وقمت بنفس التجربة في دولة أخري مثل تركيا أو المغرب أوالجزائر أوتونس، فبالتأكيد ستعرف أن المقارنة لن تكون لصالح الحمامات الشعبية المصرية، أو التي يطلق عليها العامة "الحمام البلدي"، والتي للأسف تدهورت وصار مستواها بعيدا عن المقارنة بما هو عليه في أي دولة أخرى.
علا الشافعي
ولا أحد يعرف إن كان هذا التدهور بسبب تراجع ثقافة الذهاب إلى الحمام الشعبي وممارسة هذا الطقس الأسبوعي، أم أن إهمال تلك الأماكن وعدم العناية الكافية بها هو ما جعل المصريين ينصرفون عنها تماما.
على عكس مصر، عرفت تركيا قيمة الحفاظ على هذا التراث، وباتت الحمامات التركية تأخذ مكاناً مميّزاً في خطة كل سائح يرغب بزيارة تركيا. وهناك إحصائيات أجريت على السيّاح تفيد بأن الفنادق والأماكن السياحية في تركيا التي تحوي حماما تركيا تكون جاذبة أكثر للسياحة.
وكان عدد الحمامات التركية يتجاوز 14 ألفاً في فترة من الزمن، وكان بعضها 155 مخصصاً لعامة الشعب (حمام السوق)، وتمتلئ بها مدينتي إسطنبول وبورصة، وبعضها الآخر مخصص للسلاطين والأمراء، وكان معظمها موجودا داخل قصورهم.
الحمام الشعبي كان له رصيد كبير في الثقافة الشعبية، سواء بالنسبة للرجال أو السيدات. فهو لم يكن مجرد مكان للاستحمام والنظافة الشخصية، بقدر ما كان ساحة للمعرفة وتبادل الخبرات، وترتيب لقاءات التعارف والزواج وغيرها من التفاصيل الحياتية اليومية. لذلك تجده مجسدا في الفن التشكيلي، وفي الأدب الشعبي، والسينما أيضا، حيث قام المخرج المصري المخضرم صلاح أبوسيف بإخراج فيلم بعنوان "حمام الملاطيلي".
وكانت حمامات القاهرة من أجمل "حمامات البخار" التي عرفها الشرق في القرن الثاني عشر الميلادي، واندثرت تلك الثقافة مع الوقت، ولم تمتد إلى مبانيها يد الإصلاح، فغاب "الحمام البلدي"، وحل محله "الجاكوزي" و"الساونا".
ورغم انصراف المصريين عن الذهاب إلى هذه الحمامات، وتفضيلهم أماكن تقدم نفس الخدمات في مراكز التجميل، إلا أن هناك حمامات قليلة لا تزال موجودة وتقاوم هذا التغيير ومنها "حمام الثلاثاء" المعروف بـ"الملاطيلي"، وهو أقدم حمام في القاهرة، بناه الحاكم بأمر الله منذ 1000 عام، حيث شيد العديد من الحمامات وكان يستحم كل يوم في واحد منها.
ولا يزال ذلك الحمام أشهر حمامات القاهرة التي تعمل وتستقبل الجمهور حتى يومنا هذا، ولم تمسه أيادي الترميم، لكن، للأسف، حالته سيئة للغاية، ومن يخدمون فيه يستغلونه أيضا كمكان للسكن، وتحديدا في الحوش الخاص به، ويتم تقسيم أيام الأسبوع فيه بين الرجال والنساء.
وهناك أيضا "حمام الأربعاء" المعروف باسم "عوكل" نسبة إلى صاحبه إبراهيم عوكل. ويقع الحمام على بعد خطوات خلف فندق كونراد كورنيش النيل، وله بوابة خارجية متصلة بمدخل ينتهي بساحة لاستقبال الزائرين وحفظ متعلقاتهم، وتتبعها مجموعة من الغرف الداخلية التي تحوي أحواضاً يجلس فيها الزائر ليتم "تكييسه"، وذلك بتدليك الجسم بطمي بني مخلوط بمواد أخرى لتفتيح الجسم والبشرة وإزالة الجلد الزائد.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024