الأميرة دعاء عزت صاحبة مؤسّسة «أكاديمية ملتقى الأصدقاء»: الأكاديمية تهتم بالطفل صحياً وجسدياً وعقلياً ونفسياً
للطفولة أهمية كبيرة، ولها امتداد من الولادة إلى البلوغ، وتتسم بالنمو المستمر، والتطور الجسدي والنفسي والفكري، كما أنها من أجمل الأيام في حياة الإنسان. في ابتسامة الأطفال البراءة، وفي أحاسيسهم الرهافة، وفي أحاديثهم التشويق، وفي تعاملاتهم الرقة، وما علينا إلا تنمية مواهبهم الفنية في كل المجتمعات العربية واستخراجها، لأن الموهبة تنقّي الروح وتهذّب النفس. من أجل ذلك، أولت الأميرة دعاء عزت اهتمامها بالطفولة، وسقتها حبّاً ومحبة وحنيناً، بكل فخر وشموخ، وعمل دؤوب لا يهدأ، فسعت الى تأسيس «أكاديمية ملتقى الأصدقاء» لتنمية المواهب في النواحي الفنية والثقافية والاجتماعية والفكرية والرياضية، ساعيةً الى تطويرها كي تحقق أهدافاً نبيلة في المجتمع السعودي. الأميرة دعاء عزت حاصلة على ماجستير في إدارة الأعمال، وماجستير في القانون الدولي، وهي عضو فعال في جمعية «أفتا» السعودية التي تُعنى بالأطفال الذين يعانون اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه... التقتها «لها» في «أكاديمية ملتقى الأصدقاء» لتجول بين ردهاتها وتتعرف على مواهب الأطفال المميزة.
- ما الذي دفعك لتأسيس «أكاديمية ملتقى الأصدقاء»؟
لدي شغف وعشق للأطفال، وتأمّل شخصياتهم وأفكارهم، وتنمية مهاراتهم الفكرية والجسدية والحياتية، وأسعى لتأمين بيئة خصبة لهم ليظهروا مكنونات أنفسهم الإبداعية والفكرية، والاطلاع على تباين تلك الإمكانيات والأفكار ومعرفة القدرات للدفع بها نحو الأفضل.
وكي أقطع الشك باليقين، أن أطفال الأجانب أفضل من أطفال العرب، أثبتتُ عكس ذلك بالعمل الجاد، والسير على خطى أطفال العرب القدماء الذين كانوا قادة حقيقيين، وهم البادئون والناجحون في كل المجالات الهندسية والطبية والأكاديمية. لذا، حين نوجد البيئة والتربة الخصبة ننمّي مهارات الأطفال جميعاً.
- لكن، كيف هيّأتِ التربة الخصبة؟
كَوْني مؤمنة بثقافة الأنشطة اللامنهجية والتي تُمارس بعد الدوام المدرسي، سعيت لتأسيس تلك الأكاديمية، لأفتح الآفاق الرحبة أمام الأطفال للتعبير عن أنفسهم، وذواتهم الداخلية، بخبرات اكتسبتها من خلال دورات خاصة بسيكولوجية الأطفال والحياة التطوعية التي مارستها من خلال عضويتي في جمعية «أفتا» لأطفال فرط الحركة، ولي اهتماماتي الكبيرة بالأطفال لأنهم البذور التي تنبت منها أشجار المستقبل لبناء وطن واعٍ.
- ألواح التكنولوجيا سرقت عقول الأطفال، فما رأيك بها؟
أكثر ما يُحزنني أن أرى الطفل مسجوناً بين شاشة التلفزيون الصغيرة وشاشات التكنولوجيا، فهي تهدم القدرات والإبداعات الطفولية، لأنها ساعات معينة، مما يعني زمناً، والزمن إذا لم يُستثمر بطريقة صحيحة ستكون المخرجات خاطئة مئة في المئة، والعكس صحيح، لذلك يجب إعطاؤهم مساحة للتعبير عن أنفسهم وأفكارهم الإبداعية من خلال الأكاديمية المتنوعة بألعابها ونشاطاتها.
- ما هي الاستراتيجية التي وضعتها للأكاديمية؟
الاستراتيجية تقوم على الاهتمام بالطفل صحياً وجسدياً وعقلياً ونفسياً، وكل ما يحتاج إليه الطفل في بيئة تعليمية ترفيهية، كوني أماً لأربعة أبناء، وما أحبّه لأبنائي أحبّه لأبناء وطني، لذلك اهتممت بكل ركن من أركان الأكاديمية، وأن يكون بمواصفات عالمية آمنة وعلى كل الصعد، وحرصت على أن أتعامل مع كل طفل بحرفية ومهنية من خلال الاستعانة بذوي الخبرات والكفاءات العالية، سواء كانت معلمة أكاديمية أو مدرّبة رياضية أو فنانة تشكيلية أو عازفة موسيقى.
- ما الألعاب الرياضية التي يمارسها الأطفال في الأكاديمية؟
يمارسون كل الألعاب الرياضية، مثل السباحة والتايكواندو والجودو والكاراتيه التي تُعتبر رياضة جسدية وفكرية وتعزز الثقة في النفس، لأنها تعلّم التركيز على الهدف وتحضّ الآخر على أن يُقاتل بشرف. أما بالنسبة الى رياضات كرة القدم وكرة الطائرة وكرة السلة، فهي تعلّم الطفل العمل بروح الفريق، والتركيز على الهدف لتحقيقه، وتعطيه إحساساً بالفخر.
- أيّ عمر يسمح بالانتساب إلى الأكاديمية؟
نستقبل حديثي الولادة، وأصغر طفلة في الأكاديمية عمرها شهران، أمّها تعمل واضطرت لتركها في مكان آمن. لدينا حاضنات يتميزن بالكفاءة والمهارة للتعامل مع الطفل، وبفضل الله تشهد الأكاديمية إقبالاً كبيراً حتى عمر 12 سنة من الذكور والإناث، أيضاً نستقبل إناثاً تخطين هذا العمر في الإجازات كلها، لأن أبواب الأكاديمية مشرّعة طوال العام.
- على أي أساس يُقبل الطفل في الأكاديمية؟
تستقبل الأكاديمية جميع الأطفال من دون استثناء، وهم: الطفل العادي، الذي يعاني صعوبة في التعلّم، ذو الاحتياجات الخاصة، وذو الحركة المفرطة... ولأن الأطفال أحباب الله، لم أرفض أياً منهم، بل أسّست قسماً لكل فئة على حدة، ويخضع الطفل لاختبارات إدراكية وحسية وأدائية بإشراف المسؤولة، بعدها يتم تحويله إلى اختصاصية لتشخّص حالته، سواء كانت فرط حركة، أو صعوبة في التعلّم أو طيف توحّد، أو التوحّد، ونشرح للأم الرافضة في قرارة نفسها تقبّل أي مشكلة تخصّ ابنها، علماً أننا لا نرفضه، بل نضعه في القسم الخاص به، ليُدمج في ما بعد مع الأطفال العاديين.
- في الأكاديمية أيضاً اختصاصية تغذية...
استعنتُ بها فعلاً في الفترة الأخيرة لمراقبة الطفل صحياً ورياضياً، في حال رغبت الأم بذلك، حيث وضعنا نظاماً غذائياً معيناً يتلاءم مع وضع الطفل، إضافة الى ممارسة الرياضة التي تناسبه، وبذلك يتبع نظاماً يجمع ما بين الغذاء والرياضة فتتحسّن حالته الصحية.
- هل تكتشفون مواهب الأطفال من خلال إخضاعهم لاختبارات معينة؟
حين تأتي الأمهات لتسجيل أطفالهن، يكون بعضهن يدرك موهبة الطفل والبعض الآخر لا. في تلك الحالة، يمارس الطفل كل الأنشطة، والمعلّمة هي التي تكتشف موهبته، مع اطّلاعي اليومي على تقارير الأطفال لأعرف حالة كل طفل على حدة، وأتبيّن نقاط القوة والضعف لديه. ومن خلال خبرتي ورؤيتي، أوجّه المعلّمة إلى الطريق الواجب عليها سلوكه. وعلى سبيل المثال، إذا شعر مدرّب التايكواندو أن طفلاً ما وصل الى التميّز، أدعمه وأشجعه بمنحه اشتراكاً مجانياً لمدة شهر أو ثلاثة.
- يُقال إن الموهوب منكوب في مجتمعاتنا، لماذا؟
علينا أن نكون أكثر إيجابية رغم الإحباطات الحياتية التي نعيشها، وأن نتميّز بالموضوعية قدر المستطاع، ونتفاءل ونُحسن الظن لنعطي نتائج أفضل وأجمل، فالحياة ليست وردية دائماً، ويجب النظر إلى النقاط الإيجابية ونكون متفائلين، فالموهوب ليس منكوباً إذا دافع عن موهبته.
- أي نهج تتبعونه في التعامل مع الأطفال؟
نبرمج عقول أطفالنا على أنهم قادة، وهم في عمر الثمانية أشهر، ففي هذه السنّ يبدأ الطفل بتخزين المعلومات، لأنه واعٍ تماماً بما يحدث أمام عينيه. من الممكن برمجته وهو جنين في بطن أمه ليكون إنساناً واعياً ومميزاً، وأي كلام مع الأطفال لا يجدي نفعاً، لأن الطفل بطبيعته يحب التقليد، وما علينا إلا ممارسة السلوك الإنساني الصحيح أمامه ليقلّده بحذافيره، فكلّما رأى سلوكاً صحياً بُرمج عليه، فالكلام لا يؤثر فيه بمقدار التصرف، ولنكن قدوة لأطفالنا حتى يقتدوا بنا ويتفوّقوا علينا.
- كيف تتعاملين مع أبنائكِ؟
رزقني الله بفيصل وعمره اليوم 17 سنة، وسعود 15 سنة، وخالد 13 سنة، ودُنا 10 سنوات. لا أحدّثهم بمقدار ما أنتهج في تعاملي معهم سلوكاً مميزاً. إذا رغبت برؤيتهم يقرأون، أقرأ بشغف أمامهم. وإن أردتهم يصلّون، أؤدي صلاتي أمامهم بخشوع... ومراراً جعلت من أحدهم قائداً حيث يقف إماماً في الصلاة بخشوع لأُعزّز ثقته بنفسه، وألامس روحه. فالتعامل الروحي ينعكس إيجاباً عليه، جسدياً وفكرياً، لكون الروح هي النافذة الجميلة والقوية إلى الفكر، فبالبرمجة الروحية نصل الى العمق، وبالمحبة نحقق قادةً.
- كيف تحاكين روحكِ للسموّ بها؟
أحاول كل يوم أن أكتسب معلومة جديدة تُغني روحي، وإن أخفقت فلا أيأس أبداً، وأعتبر ذلك رسالة تحفيز من الله عزّ وجل لأتعلم كيف أستمر وأحقق الأفضل. وبما أننا بشر، من الطبيعي أن نخطئ وأن نصيب في حياتنا.
- كم هو عدد الأطفال في الأكاديمية؟
تتباين أعدادهم وتختلف من وقت الى آخر. في الإجازات الرسمية يفوق عدد الأطفال المئة، وفي وقت الدراسة يأتون لممارسة الأنشطة فقط، لكن في عطل نهاية الأسبوع يزداد العدد، لأن الأكاديمية لا تغلق أبوابها مطلقاً، ذلك أنها أُسست لهدفين: سعادة الأطفال ورضا الأمهات، وحين وصلني تساؤلهن: أين يذهب أطفالنا في الإجازات الأسبوعية؟ قررت أن تبقى أبواب الأكاديمية مشرّعة على الدوام.
- ما الذي تقدّمينه اليوم إلى جانب الأنشطة؟
تدريس اللغات: الإنكليزية، الإسبانية والفرنسية، وبعض الأنشطة الروحية من خلال تعليم تِلاوة القرآن الكريم بأسلوب حضاري بعيداً من الحفظ والتلقين، نظراً لما لمسته في أحد الأنشطة حين طلبت من الأطفال ترديد سورة «الكوثر» فأحب الجميع المشاركة، لكن حين سألت ما معنى «الكوثر»؟ لم يجبني أحد للأسف... عندها أدركت سوء عملية التعلّم.
- ثمة سعي حثيث للتشديد على مضمون اللغة العربية؟
أعشق اللغة العربية، وكلما تعلّمت لغة زاد تعلّقي باللغة العربية، فهي في رأيي لا تُقارن بأي لغة أخرى من حيث الأبجدية والبلاغة والنقد. لذا أشدّد على أن تكون اللغة الأم هي الأولى بين اللغات. أنا لست ضد أي لغة، وأتحدّت الفرنسية والإنكليزية بطلاقة، ومن تعلم لغة قوم أمن مكرهم، فالاطلاع على حضارة الشعوب وثقافاتهم مهم وضروري، وحين أقرأ كتاباتهم أستمتع بها، لكن اللغة العربية أمي ولها الأولوية في التعلّم.
- لمن يعود الفضل في تعلّقك باللغة العربية؟
أمي سبب تعلّقي باللغة العربية. حين كنت في التاسعة من عمري، أهدتني مجموعة كتب الناشئة، ومنذ ذلك الحين والكتاب خير جليس لي، لذلك جعلت مكتبة الأكاديمية تمثل الفضاء الخارجي ليشعر القارئ أنه يحلّق في سماء المعرفة.
- ما الأنشطة المتوافرة في الأكاديمية؟
المطالعة والفن التشكيلي والموسيقى والجمباز والباليه وعلوم الكمبيوتر والتفصيل وكل ما هو ثقافي يقوّي الأطفال وينمّي مواهبهم.
- كيف تتطلعين إلى المرأة اليوم؟
المرأة نصف المجتمع، إن لم تكن كله، فهي التي تلد الرجل وتربّيه، وأخصّ بالذكر الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان الداعمة للمرأة ونهضتها في مجال الرياضة، فلها مني كل الاحترام والتقدير، هي والكثير من السيدات السعوديات ممن لهن بصمة مميزة في تنمية المجتمع ونهضته.
- أرى أربعة أعلام في مكتبك!
علم مملكتنا الحبيبة، علم رؤية 2030 التي وُجدت لبناء الفكر الإنساني بقيادة الأمير محمد بن سلمان، علم الأكاديمية الذي أفخر به، كما يهمني علم منظمة اليونيسيف الداعمة للطفل، وفي القريب العاجل سأُقدّم لها خدمة تطوعية كونها تُعنى بحقوق الطفل وأمانيه.
- من يقف وراء هذا النجاح كله؟
نجحت بتوفيق من الله عزّ وجل، ثم بدعم زوجي ورفيق دربي الأمير محمد بن عبدالله بن تركي، الذي منحني حرية العمل كي أحقق إنجازاتي ونجاحاتي وباركها لي، وأبنائي الذين هم منبع إلهامي ونافذة أفكاري، وبالتأكيد العلم والعمل الدؤوب والثقة بالقدرة على تجاوز التحديات، وفريق العمل المميز، فلهم مني كل الحب والتقدير.
- ما هي أحلامك المستقبلية لتطوير الأكاديمية؟
تعلمت من خلال دراستي أن أبدأ صغيرة وأكبر رويداً رويداً، فدرست النواحي الأكاديمية والعملية، وتطلعت الى الأمام فوجدت أن في استطاعتي المضي قدماً. نجحت وأخفقت وتعلمت من أخطائي، حيث بدأت من الصفر، واليوم أملك مبنى ضخماً أتطلع من خلاله إلى تقديم العلم بالتوازي مع الترفيه، متمنيةً أن يستوعب المجتمع أفكاري التنويرية.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024