تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

علّمي طفلك أهمية المشاركة

علّمي طفلك أهمية المشاركة

المشاركة ليست أمراً بديهياً بالنسبة إلى الأطفال. ويعود إلى الأم أن تعلم طفلها الصغير مفهوم المشاركة عبر ألعاب صغيرة وتمارين ممتعة تجعله يكتسب هذا المفهوم الضروري...


إنها المسرحية نفسها في كل مرة! يرغب طفلك الصغير في اللعب مع رفاقه لكن بعد مرور خمس دقائق فقط، ينفجر في البكاء ويطلب النجدة. لقد أخذ منه صديقه لعبته المفضلة وهو لا يريد أن يتشاركها معه!

يرغب كل طفل في "استعارة" الألعاب من الآخر، ولا شك في أن أحداً منهم لن يوافق على مبدأ المشاركة هذا. والمضحك أن طفلك الصغير لم يكن يرغب في هذه اللعبة قبل أسبوع وطلب منك رميها في سلة المهملات، لكن بعد أن وجد صديقه راغباً في اللعب بها، باتت هذه اللعبة عزيزة عليه ولا يريد اللعب إلا بها... يقول الاختصاصيون إن الطفل يعيش كل لحظة بلحظتها. يكفي أن يرغب طفل أو شخص آخر في شيء يملكه حتى يصبح لهذا الشيء قيمة كبيرة ويرغب فوراً في الحفاظ عليه وعدم إعارته إلى أي كان.

 
روح ملاّك صغير

هل سيكون طفلك أنانياً جداً إذا كان يرفض المشاركة في الوقت الحاضر؟ يفضل الاختصاصيون عدم استعمال كلمة الأنانية والتحدث بدل ذلك عن الرغبة في التملك. فرفض الإعارة يعني أن الطفل متشبث بممتلكاته، تماماً مثل الكبار. لكن على عكس الكبار، يعبّر الطفل عن رفضه للمشاركة بتهذيب أقل وعدائية أكبر. واللافت أن رفض الإعارة هو مرحلة ضرورية في نمو شخصية الطفل لا بل إنه دليل على تطوره في الفهم. ففي عمر ٦ إلى ٨ أشهر، حين يختفي غرض ما عن نظره، يدرك الطفل أن هذا الغرض اختفى للوقت الحاضر لكنه لا يزال موجوداً. كما يدرك أن هناك أشياء تخصه وأشياء أخرى لا تخصه.

لذا، نعمد مثلاً إلى تذكيره باستمرار بضرورة عدم لمس الأشياء الصغيرة الموضوعة على منضدة الليل في غرفة النوم أو على الطاولة الكبيرة في الصالون.  يجد الطفل ممتلكاته الأولى مهمة جداً لأنه يدرك أنه يملك حق التصرف في الأغراض التي هي ملكه. وفي عمر ٣ سنوات تقريباً، يدرك الولد أهمية الإعارة إلى الآخرين، ويستوعب أيضاً أهمية إرضاء الأهل. لذا، تجد الأم سعادة كبرى عموماً حين يبدأ طفلها في إعارة أغراضه إلى الآخرين.

 
خوف النقص

إذا كان الطفل مدركاً لأهمية إرضاء أمه، لماذا يكون عنيداً جداً حين يتعلق الأمر بإعارة أحد أغراضه إلى رفاقه؟ ترتبط صعوبة الإعارة في أغلب الأحيان بالخوف من النقص: سيملك الطفل الآخر أغراضاً أكثر مني ولن يكون لديّ الكثير من الأغراض الخاصة بي. بالفعل، يسند الطفل استقراره على أغراضه، إذ يساعده ذلك على الإحساس بالطمأنينة وإثبات شخصيته والتوكيد على ممتلكاته.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الألعاب بالنسبة إلى الطفل بمثابة علامات قوة وحنان. فكل أم تدرك بلا شك أن بعض الأغراض لها دلالة عاطفية كبيرة بالنسبة إلى طفلها، مثل الدب الصغير الذي لا يستطيع النوم من دونه. إنه غرض شخصي جداً ولن يقبل حتماً بإعارته إلى أي كان. هناك أيضاً بعض الأغراض الأخرى التي لها أهمية عاطفية بالنسبة إلى الطفل، ويجب احترام هذه العاطفة الموجودة لديه. في هذه الحالة، يستحسن الاتفاق مسبقاً مع الطفل على "إخفاء" هذه الأغراض أثناء زيارة أصدقائه له بحيث لا يتسنى لهم رؤيتها واللعب بها، والكشف في المقابل عن مجموعة الأغراض الأخرى التي يمكن لأي كان اللعب بها أو لمسها...

 
الحاجة إلى الطمأنينة

في بعض الأحيان، ينجم رفض الطفل لمشاركة أغراضه مع رفاقه عن تجارب سابقة تعيسة: لقد أعار اللعبة إلى صديقه فكسرها أو أضاعها. بالفعل، لكي يتشارك الطفل أغراضه مع الآخرين، لا بد أن يشعر بالطمأنينة على ممتلكاته. يجب أن يكون مقتنعاً بأن الغرض المعين هو له من دون شك وأن صديقه سيعيده إليه بعد أن ينتهي من اللعب به. لا بد أن يتأكد أيضاً من أنه سيستعيد لعبته بحال جيدة وسليمة، غير مكسورة أو مجزأة أو ناقصة... وهنا يبرز دور الأم في توفير الضمانات لطفلها والإشراف على حسن سير العملية. وأخيراً، لكي يقبل الطفل مشاركة ألعابه مع رفاقه، يجب أن يختبر تجربة التبادل قبلاً.

من هنا أهمية اللعب الجماعي والسماح للطفل بالتواصل مع أطفال آخرين من عمره. تجدر الإشارة إلى أن الطفل الذي يذهب إلى دار الحضانة يعيش هذه التجربة بشكل فعلي ومكثف إذ يجد نفسه مضطراً إلى مشاركة الأغراض مع بقية الأطفال. لكن لا بد أن تتكامل هذه التجربة في دار الحضانة مع أخرى مماثلة في المنزل، بحيث تبتكر الأم الفرص المناسبة لتعليم طفلها مبدأ المشاركة والتبادل، خصوصاً قبل الدخول إلى المدرسة. وإلا، لن يعرف الطفل كيف يتفاعل مع الآخرين أو يدافع عن ممتلكاته.

 
تجربة التبادل

يجب أن يعتاد الطفل إذاً على استقبال أصدقائه الصغار في المنزل، ويبدأ بدعوتهم الواحد تلو الآخر، على أن تطلب أم الطفل المضيف من أم الطفل الضيف أن ترسل مع طفلها كيساً من الألعاب. بهذه الطريقة، يشعر الطفل المضيف أنه ليس الوحيد المجبر على مشاركة أغراضه. كما يسهّل عليه ذلك الاعتياد على مبدأ التبادل. لكن لتسهيل هذه المسألة، يجدر بالأم تفادي الوقت الميت وتنظيم نشاطات يستطيع من خلالها الأطفال التناوب على اللعب. هكذا، يتعلم الطفل الصبر ويدرك أنه يملك وقتاً محدداً مثلما يملك رفيقه وقتاً محدداً له.

ويفترض بهذا المبدأ أن يطبق لاحقاً في الحياة العملية: عند الجلوس إلى مائدة الطعام، لا يمكن الشروع في تناول الأكل إلا بعد سكب الطعام في أطباق الجميع. لا يمكن أيضاً الخروج إلى الحديقة أو للعب خارجاً إلا بعد انتعال الأحذية الخاصة بالحديقة. إنه تعلم الإصغاء إلى الآخر واحترامه والالتزام بقواعد العيش في المجتمع التي يفترض أن تكوّن شيئاً فشيئاً شخصية الولد مستقبلاً.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078