الطلاق والأبناء
لا يختلف اثنان على أنه مهما كانت أسباب الطلاق وظروفه، فإنه يقلب حياة الأبناء رأسًا على عقب بغض النظر عن سنّهم. فخلال قيام الزوجين بمعاملات الطلاق يتعرض الأبناء للكثير من التوتر نظرًا إلى أن المحيط العاطفي يتحوّل إلى حلبة صراع تؤثر سلبًا فيهم، خصوصًا إذا تحكمت في الزوجين مشاعر الانتقام من بعضهما، ويكون الأبناء سلاحًا يستخدمانه ليقهر أحدهما الآخر. لذا يشدّد الاختصاصيون على أنه مهما كانت أسباب الخلافات التي أدت إلى الطلاق، على الزوجين أن يضعا أبناءهما بمنأى عن خلافاتهما الشخصية وإلا ضاع مستقبل الأبناء بسبب معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
وهذه بعض الأسئلة التي يجيب عنها الاختصاصيون
-كيف يمكن الزوجين إعلان خبر الطلاق للأبناء؟
في البداية لا يجوز خداع الأبناء. إذ مهما كانت التدابير الوقائية والطريقة الهادئة التي أعلن فيها خبر الطلاق، فإنه يشكل بالنسبة إلى الأبناء انقلابًا حقيقيًا في وجودهم. ولهذا فعندما يكون الانفصال حتميًا هناك بعض المفاتيح التي تساعد الأهل في إعلان خبر انفصالهما. الأول بديهي ولكن غالبًا ما يُهمل، وهو أنه مهما كانت سن الأبناء فإنهم يشعرون بالتوتر بين والديهما قبل إعلان خبر الطلاق، وهم يتوقعون الانفصال قبل إعلانه. لذا من الضروري أن يجري الوالدان حوارًا مع أبنائهما في مسألة الطلاق، وأن يطرحوا عليهم الأسئلة بصراحة وبساطة مثلاً: هل شعروا بالجو المتوتر في المنزل خلال الأشهر الأخيرة؟ هل فكّروا في أن والديهم لم يعودا يستمعان إلى بعضهما؟ هل هناك من بين أصدقائهم من لديه والدان مطلّقان؟ هل ظنّوا أن الشجار المتكرر بين والديهما لن يؤدي إلى الطلاق؟
فتحضير الأبناء يكون في السماح لهم بالتعبير عن خوفهم أو الصعاب التي يواجهونها بالكلام، على أن تطرح هذه الأسئلة من الوالدين مجتمعين. فالأبناء سيتذكّرون لحظة إعلان الخبر، لذا من الضروري أن تكون هذه اللحظة متداولة ومتوقعة وعلى كل من الوالدين أن يتجنب كل واحد منهما إظهار نفسه ضحية، ويتخليا عن أنانيتهما، فأبناؤهما في حاجة إلى الحماية والطمأنينة في هذه المرحلة.
-ما هي الأخطاء الشائعة التي يرتكبها المطلّقان؟
كلما كانت سن الأبناء صغيرة، يجب أن تكون الفترة بين إعلان الطلاق و رحيل أحد الوالدين عن المنزل الزوجي قصيرة. ومن الأخطاء التي يرتكبها الوالدان المطلّقان تبادل اللوم كالقول مثلاً "والدك لم يعد يحبني"، أو "أمك منشغلة عني" وغيرهما من العبارات التي تضع الأبناء في موقف يجعلهم في حالة إرباك. كما يجب ألا يعرف الأبناء التفاصيل التي لن يفهموها، فبعضها تتخطى قدراتهم ويجب أن تبقى ضمن عالم الراشدين. وعلى المطلقين أن يؤكدا لأبنائهما أنه إذا انتهى الحب بينهما فإن حب الوالدين لهم دائم ولا ينتهي، وهما وإن انفصلا فإنهما سيبقيان يحبان أبناءهما الذين في إمكانهم رؤيتهما وإن لم يعد يجمعهما منزل واحد.
وهناك خطأ فادح يرتكبه المطلقان وربما عن غير قصد، هو جعل الأبناء يشعرون بأنهم سبب طلاق والديهم، فيشعرون بالذنب و بالعجز عن عدم قدرتهم في منع والديهم عن هذه الخطوة، لذا من الأفضل أن يؤكد الوالدان للأبناء أنهم ليسوا سبب الطلاق وأن قرار الطلاق نهائي لا رجعة فيه، و لا يجوز إطلاقًا أن يتوقّعوا إمكان عدول الوالدين عن قرارهما.
وأخيرًا من الضروري أن يستطيع الأبناء التعبير عن مشاعرهم وأحزانهم وكذلك عن غضبهم واعتراضهم على قرار والديهم. وكلما كانت سن الأبناء متقدّمة كان من السهل على الوالدين التحقق من مشاعر أبنائهما، لذا عليهما تقبل رد فعل الأبناء مهما كانت واستيعاب تصرفاتهم.
-ما هي النصائح التي يسديها الاختصاصيون إلى الأهل؟
عندما يكون الطلاق ودّيًا فإن انتقال وصاية الأبناء إلى أحد الوالدين تمر بهدوء مما يخفف من حدة توتر الأبناء فلا يمرّون في مرحلة صراع تؤثر فيهم سلبًا. لذا من الضروري تجنيب الأبناء المناخ المؤلم الذي يسود خلال مرحلة انتقال الوصاية إلى أحد الوالدين.
ويشير الاختصاصيون إلى أنه عندما يستقر قرار الوصاية على أحد الوالدين من الضروري أن يتجنب الأهل التصرف اللئيم أثناء زيارة الأبناء لهم. فمثلاً عندما يزور الأبناء والدتهم أو أباهم في أيام العطلة على الوالدين أن يتجنبا الصراع أو اللوم أثناء لقائهما، وإذا كانا غير قادرين على السيطرة على مشاعرهما يمكن للوالد مثلاً أن يسمح لطرف ثالث باصطحاب أبنائه إلى والدتهم أو يمكنه أن يوصلهم إلى المدرسة صباحًا، ذاكرًا لهم أن والدتهم ستأتي لتصطحبهم من المدرسة بعد الظهر.
وخلال وجود الأبناء خلال العطلة الأسبوعية أو الإجازة عند أحد الوالدين من الضروري السماح للأبناء بالاتصال بوالدتهم أو والدهم أو إرسال بطاقة تذكارية. فهذا التصرف يسمح للأبناء بالتعبير عن شعورهم ويخفف شعورهم بالذنب بأنهم يسببون ألمًا لأحد الوالدين. كما من الضروري أن يتجنب الزوجان المطلقان تحويل الأبناء إلى جواسيس يقدّمون تقريرًا مفصلاً عما حدث معهم أثناء زيارتهم لأحد الوالدين، خصوصًا الأسئلة المتعلّقة بالحياة الشخصية، مثلاً من زار والدك؟ ماذا قال عني؟...
وهذه نصائح الاختصاصيين للمطلقين
- على المطلقين ألا ينسيا أن الأبناء هم أبناؤهما معًا وليسوا لواحد منهما
- ألا يسألا أبناءهما ما إذا كانوا يحبون أحدهما أكثر من الآخر
- مساعدة الأبناء وتشجعيهم على الاتصال دائمًا بأحد الوالدين
- على المطلقين مناقشة مشاكلهما بنضج وهدوء وعدم استخدام الأبناء لبعث رسائل إلى بعضهما
- ألا يبدي أحد المطلقين انزعاجه عند زيارة الأبناء طليقه
- لا يجوز إطلاقًا لأحد المطلقين احتساب الوقت الخاص بالآخر
- عدم إبداء الدهشة أو الغضب إذا لم يعط الأبناء معلومات عن زيارة أحد الوالدين
- عدم استخدام الأبناء كأشياء يستعملها المطلقان
- عدم الشجار في حضرة الأبناء
- عدم قول أمور للأبناء ليس في مقدورهم فهمها
- السماح للأبناء باستقبال أصدقائهم في منزلي كلا الوالدين
- الاتفاق على النفقات
- عدم التخطيط لمشاريع كثيرة للأبناء أثناء الزيارة بهدف استمالتهم، فالأبناء يسعدون بمجرد أن يزوروا والدهم أو والدتهم
- البقاء على علاقة جيدة مع بيت حمى كلا المطلقين، أي الجدود
- تقبل فكرة زواج أحد الطرفين ثانية وعدم تعزيز مشاعر الكراهية تجاه الشريك الجديد عند الأبناء، بل التأكيد أن هذا اختيار شخصي و لا يجوز لأحد التدخل في حياة الراشدين
قد يصعب على المطلقين تنفيذ هذه النصائح ولكن عليهما المحاولة قدر المستطاع ومحاولة تفادي الأخطاء لأن الأبناء سيدفعون ثمن مشكلة وينطبق عليهم المثل القائل" الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون".
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024