بين استقلالية الطفل ولاءاته وسؤال الـ «لماذا» وخوفه...
بدأ عمر (خمس سنوات) يظهر قدرته على القيام بأمور عدة من دون مساعدة والدته. ويغضب أحياناً عندما لا يتمكن من إنجاز ما شرع فيه، فهو بدأ يدرك هويته وشخصيته المستقلتين، ويريد أن يثبت قدرته على فعل الأمور وحده دون مساعدة من أحد. وفي المقابل تشعر والدته بالتوتر لأنها تخاف عليه من إيذاء نفسه. فمتى يصبح الطفل قادراً على الاتكال على نفسه؟ وكيف يمكن تعزيز هذه الاستقلالية؟
يرى الاختصاصيون أن ليس هناك قاعدة تربوية واحدة ومطلقة يمكن اتباعها في تربية الطفل. لأن لكل طفل شخصيته المستقلة التي تجعله متميّزاً عن غيره. ورغم ذلك فهو في حاجة إلى إرشاد وتوجيه أهله، فالطفل يجهل ما هو الأفضل بالنسبة إليه، وسلطة الأبوين تسمح له باستيعاب الممنوعات الأساسية والمرتبطة بالمجتمع. أما التوتر فهو تجربة ضرورية تساعده في تعامله مع المجتمع الخارجي، كما عليه أن يتعلّم أثناء تطوّره التخلي عن فكرة تحقيق رغباته مباشرة. كما يجب أن يدرك تماماً أن الحب والسلطة يكملان بعضهما، وأحدهما هو نتيجة الآخر. وعموماً لأن الأم تحب طفلها تضع له الممنوعات، من أجل سلامته وأمانه، فوضع حدود في طريق الطفل يساعده على التطور، والطريق الواضح يشعره بالأمان والثقة بالنفس فيصبح أكثر استعداداً للاتكال على نفسه. فمن دون سلطة قد يشعر الطفل بأنه مهمل ولا أحد يكترث لوجوده.
- كيف يمكن الأم ممارسة هذه السلطة؟
الوصفة الأساسية للسلطة هي التواصل. منع واضح وحازم، فمن دون تفسير هذا المنع لا تكون السلطة مفيدة وتبدو مشوشة. لذا من الضروري أن تشرح الأم لطفلها لماذا تمنعه من القيام بهذا الفعل أو ذاك بطريقة بسيطة وواضحة.
كما من الضروري أن يكون الوالدان متفقين على لائحة الممنوعات، فإذا قالت الأم نعم والأب لا فإن الطفل لن ينصاع لأمرهما وبالتالي يحتال عليهما فيستغل عدم توافقهما لمصلحته. وفي المقابل على الوالدين أن يتقيدا هما أيضاً بالقوانين، فهما المثال الذي يحتذي به الطفل، إذ لا يمكنهما أن يفرضا قوانين لا يتقيدان بها. فمثلاً لا يجوز الأم أن تلزم طفلها وضع حزام الأمان في السيارة فيما هي لا تفعل.
ويجب التمييز بين السلطة والتسلط. إذ يبدو الوالدان متسلطين حين يشعران الطفل بالخوف، وحين تكون تعليماتهما غير منطقية أو غير عادلة، وحين يمنعان الطفل من التعبير عن نفسه.
- ماذا على الأهل القيام به تجاه «لا» طفلهم الكبرى؟
خلال مرحلة نمو الطفل الجسدي وتعلمه الاتكال على نفسه، يمر بأزمات معارضة عدة. وتكون اللا على رأس لائحة الكلمات التي يعرفها، وهذه المرحلة أساسية في نمو الطفل الذكائي فهو يبني شخصيته عن طريق المعارضة . وفي المقابل على الأم التسلح بالصبر لتخطي هذه المرحلة. واستعمال التفاوض مع طفلها. فهو مثلاً لا يريد أن يأكل وجبة غدائه ويفضل أكل الشوكولا. هنا يمكن الأم التفاوض معه بأنه لن يأكل الشوكولا قبل وجبة غدائه.
- هل العقاب جائز؟
عندما يتخطى الطفل الحدود فالعقاب ممكن شرط ألا يصبح أسلوباً متبعاً في التربية، أي عقاب الطفل على أي خطأ يرتكبه. فالعقاب يجب أن يكون له معنى، وأن يشرح للطفل لماذا نال عقاباً. ومن جهة أخرى يجب أن يكون العقاب في اللحظة نفسها التي ارتكب فيها الطفل خطأ. وذلك لكي يدرك السبب. ولا يجوز أن يكون العقاب عنيفاً أو مهيناً. بل يكون مثلاً على شكل حرمان الطفل من أمر يحبه أو الطلب منه الدخول إلى غرفته والبقاء وحده. فبهذه الطريقة سيهدأ ويفكر في تصرفه وفي النهاية سيعرف خطأه. وعلى الأهل تجنب زيادة وتيرة العقاب لأن ذلك لن يجد نفعاً بل يزيد الطفل تعنتاً في موقفه.
- كيف يمكن تعزيز ثقة الطفل بنفسه؟
حضور الأهل وعباراتهم التي يوجهونها إلى طفلهم هي المحرك الأساس له، فضلاً عن الوقوف بجانبه لتشجيع تطوره النفسي. وفي الوقت نفسه الطفل يحتاج إلى هامش حرية، لذا على الأم تجنب القيام بكل الأمور بدلاً منه اختصاراً للوقت، مما يوتر الطفل. لذا على الأم أن تكون مرشدته أثناء إنجازه أمراً ما.
كما يجدر بالأهل تجنب العبارات التي تحبط من عزيمة الطفل، على نحو «لا يمكنك القيام بذلك، أنت فوضوي»، فهذه الكلمات تجرح مشاعره وتفقده ثقته بنفسه وتؤثر سلباً في نمو شخصيته المستقلة.
وفي المقابل عندما يظهر تقدّما في استقلاليته على الأم مدحه والثناء عليه من دون المبالغة فهو في حاجة إلى عبارات تشجيع تمنحه الثقة بنفسه.
وأخيراً على الأهل أن يتجنبوا الطلب من طفلهم أن يكون مثالياً ويحترموا قدراته وسنه، إذ لا يمكن الطلب من طفل في سن الرابعة ما يُطلب من طفل في السابعة. وفي حالة اضطرار الأم للخروج من المنزل وترك طفلها مع جدته عليها أن تشرح له لماذا هي ستتركه وتؤكد له أن جدته ستهتم به وأنها ستعود، فالطفل يفهم اكثر مما يعتقد الأهل.
- ماذا أفعل حيال اعتراضات طفلي المتزايدة؟
ترافق نمو الطفل أزمات معارضة متكررة، ويعترض الطفل بشكل منتظم على ما يطلبه منه الكبار، فهو أصبح مدركاً أن ليس عليه الخضوع لكل ما يطلبه منه أهله، فيستعمل كلمة لا ليعبر عن رفضه. ومرحلة الاعتراضات هذه هي اختبار للأهل وفي الوقت نفسه مرحلة ضرورية بالنسبة إلى الطفل. فبالاعتراض يبني شخصيته المستقلة، إذ ترافق هذه المرحلة مراحل الاكتساب الكبرى عند الطفل وهي المشي والنظافة والكلام. فكلما استطاع الطفل تعلم الاعتماد على نفسه يصعب توجيه رغبته في التحرر، فهو يريد اكتشاف العالم حوله وممنوعات الأهل تعرقل هذا الميل. وفي المقابل تكون الاعتراضات التي سببها التغييرات الكبيرة التي تحدث في محيط الطفل الاجتماعي، مثل قدوم أخ له والانتقال من منزل، وسيلة الطفل للتكيف مع وضعه الجديد.
- لماذا يخاف الطفل؟
يظهر خوف الطفل من العتمة ومن الحيوانات والنوم وحده في غرفته بين السنتين والخمس سنوات. ولهذا الخوف أسباب عدة وهي طبيعية وتشكل قسماً من توازنه النفسي. ففي هذه السن تتطور لديه ملكة التفكير، ويصبح واعياً لمحيطه، ويتلقى التغيرات المحيطة به والأخطار الطارئة التي يمكن أن يتعرض لها. وهو لا يعرف كيف يتصرف، وخوفه يكون صرخة إنقاذ لمساعدته. وبمساعدة الأم يستطيع السيطرة على خوفه والنمو في شكل سليم.
- لماذا يسأل الطفل كثيراً؟
يرهق الطفل أحياناً أمه بالأسئلة التي لا تنتهي وكأنها أسئلة ذرّية، فمن كل جواب عن سؤال تصدر أسئلة عدة، وكل ما يراه هو موضوع سؤال. فسن الثلاث سنوات هي سن الـ «لماذا» الكبرى. وعندما يدخل الطفل الحضانة يكتشف عالماً جديداً، بعيداً عن والدته وبيته. وفي مواجهة كل هذه الأمور الجديدة من الطبيعي أن يطرح الأسئلة. والأجوبة تكون بحسب سنه، فكلما تقدمت سنه يمكن أن يكون الجواب أكثر تفصيلاً. ومن الضروري ألا تتجاهل الأم أسئلته، فهذا يشعر الطفل بعدم التوازن.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024