الطفل بين سلطة الأهل وتسلّطهم
يعتبر الطفل كنز والديه، يحيطانه بالحب والرعاية ويوفران له الطمأنينة والشعور بالأمان، وهذا أمر طبيعي وجيد. ولكن المغالاة في حب الطفل قد تدفع الأهل إلى الخضوع لطلبات طفلهم من دون قول كلمة «لا»، فيصبح الطفل الوديع طاغية المنزل يأمر وينهي من دون أن يردعه أحد، مما يعكس سلبًا على سلوكه الاجتماعي خارج إطار المنزل. فهو عندما يذهب إلى الحضانة أو المدرسة حيث هناك أقران له يحتاجون إلى رعاية الحادقة واهتمامها بشكل متساوٍ، عليه أن يقبل بمبدأ الأخذ والعطاء وعدم نيل مراده بالشكل الذي اعتاده في المنزل، مما يسبب له توترًا وقد يصبح إما عدوانيًا مع أقرانه أو منكفئًا على نفسه لأنه خارج «مملكته».
لذا ينصح الاختصاصيون التربويون الأهل بأن يكونوا معتدلين في تعاملهم مع طفلهم، أي ألا يغالوا في محبّته إلى حد الخضوع، ولكن في الوقت نفسه لا يجوز أن يكونوا متسلّطين. فهناك فرق بين سلطة الأهل وتسلّطهم.
إذًا ماذا على الأهل القيام به حتى يخضعوا طفلهم لسلطتهم، من دون تسلّط؟
يبدو أن بعض الأهالي لا يعرفون كيف يلزمون أبناءهم بالقوانين التي يضعونها. فهم مثلاً عندما يطلبون من طفلهم أن يغسل أسنانه أو أن يذهب إلى سريره، يتركون انطباعًا لديه أنهم يطلبون منه تنفيذ أمر شخصي خاص بهم. فبدل أن يقولوا «اذهب واغسل أسنانك» أو «عليك أن تنام الآن»، يقولون له «اذهب أغسل أسنانك لو سمحت»، فيما تكون نبرة الأهل الذين يعرفون كيف يلزمون أطفالهم بقوانين المنزل حازمة لا تترك مجالا للمساومة على ما يطلب منه. فالطفل يصغي جيدًا ويعرف ما إذا كان هناك تهاون في نبرة أهله، وبالتالي يعرف كيف لا يخضع لطلباتهم.
ويشير الاختصاصيون إلى أن الأهل الذي لا يعرفون إلزام أطفالهم بالقوانين يكون لديهم انطباع أن صيغة الأمر تسبب ألمًا داخليًا لطفلهم، وفيها إهانة له، ويظنون أنهم بإرغامه على تنفيذ أوامرهم يبعثون إليه رسالة بأنهم لا يحبونه. والخوف من هذا الشعور يجعل الأهل متساهلين إلى أقصى حدود في إلزام أبنائهم بالقوانين والطقوس اليومية التي يجدر بالطفل التقيد بها. فهذه الفئة من الأهل لا تدرك أن حب الطفل ورعايته لا يعنيان التساهل معه إلى حد يفقدهم سلطتهم الأبوية.
إلزام الطفل بقوانين الأهل يساعد في بلورة شخصيته
لكي يتخلص الأهل من وهم الخوف من فقدان محبة طفلهم بسبب إلزامه بقوانينهم، من الضروري أن يدركوا أن هذا الظن هو الذي يمنعهم من وضع طفلهم في إطار محدد. وعليهم بعد ذلك أن يبدّلوا معتقداتهم الخاطئة عن التربية بسلوك آخر يساعدهم على التعامل مع أبنائهم بطريقة مختلفة. فما هي الطريقة المثلى إذًا؟
على الأم التي تحب طفلها أن تكون مربيته، إذ عليها أن تساعده في توجيه سلوكه ضمن الأطر الاجتماعية المقبولة وهي الخضوع لقانون المنزل وسلطة الأهل التي هي نموذج لما يمكن أن تكون عليه قوانين المجتمع وسلطته، والذي يخرج عليها يعني أنه شخص خارج على القانون بصورة عامة. لذا على الأم تعليم الطفل تقبل قواعد اللعبة الاجتماعية. كما عليها تعليم طفلها معرفة الاندماج في المجتمع لكي يصبح قادرًا في المستقبل على تحديد أهدافه وتحقيقها، بمعنى آخر ضبط قواعد سلوكه الاجتماعي.
وهكذا عندما يرفض الطفل تنظيف أسنانه يمكن الأم أن تبدأ بشرح لمَ عليه القيام بذلك كأن تقول له إنه إذا لم ينظف أسنانه فإن طبقة من الجير سوف تتكوّن على أسنانه ومع الوقت ستصاب بالتسوّس و بالتالي بالتلف. ولكن من المحتمل أن لا يكفي شرح السبب، لأنه صغير جدا وغير قادر على الفهم. هنا دور الأم أن تموّه هذا العجز في الفهم، ومن واجبها أن تساعد ابنها على الفهم. فأثناء ثورة غضب الطفل واحتجاجه على ما يطلب منه على الأم أن تكون حازمة وتفرض عليه مثلا تنظيف أسنانه ومراقبته من بعيد. فهي تساعده بذلك على النمو، وتعلّمه أن في الحياة عمومًا واجبات علينا قبولها. فهي تساعده على بناء هيكلية داخلية صلبة. فهذه خدمة تؤديها لطفلها، وليست تعاملاً سيئًا. فعندما تدرك الأم هذه الحقيقة لن تتردد في زجر طفلها إذا أساء التصرف بل تمنعه لأنها تحبه، وهذا دور الأهل، فأن نمنح الطفل الحنان أسهل من أن نلزمه بالتقيد بالقوانين.
وعمومًا فإن الظن بأنك لا تحبين طفلك لأنك توبخينه على فعل سيئ مؤشر لأنك تعانين توتراً معرفيًا، وتظنين أنك تعذّبين طفلك، وهذا شعور خاطئ. بل على العكس فأنت تجعلينه يتألم لأنك لم تنظمي سلوكه ضمن إطار اجتماعي واقعي. كوني نافذة البصيرة و لا تغرقي في ظاهر الأشياء، إذا ما بدا أنه متألم. وقد يكون فعلا كذلك شعوره، ولكن أقل مما لو لم تعلّميه أصول الآداب العامة. لذا عليك التأكد أنك عندما تتحدثين إلى طفلك بنبرة حازمة وتطلبين منه تنفيذ الأوامر دون مواربة فإن طفلك سيقبل هذه التربية لأنها تشعره بالأمان والثقة بأمه وبنفسه في الوقت نفسه.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024