الرسم والتلوين والطفل السعيد
«يمسك نائل أقلام التلوين ويبدأ بالخربشة فتتداخل ألوان الأحمر والأصفر والأخضر لتبدو رموزًا طريفة أسقطتها مخيلته على الورقة . ينتهي من رسمه البدائي ويهرول إلى أمه سعيدًا بإنجازه قائلاً: ماما انظري ماذا رسمت! تبتسم الوالدة معلّقة بالقول: برافو، مثل بيكاسو! يفتخر نائل بنفسه رغم أنه لا يعرف من هو بيكاسو، ولكنه يعرف أن والدته أُعجبت بلوحته خصوصًا أنها علّقتها على باب الثلاّجة ليراها الجميع».
يعتبر الرسم من المهارات الأساسية التي تعزز نمو مخيّلة الطفل وتطوّرها، ويساعده في كثير من الأحيان في التعبير عن مشاعره خصوصًا إذا لم يكن يجيد الكلام بعد. هذا ما تؤكده الاختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار.
تقول: «للرسم أهمية كبرى في حياة الطفل لأنه طريقة يعبّر بواسطتها عن مشاعره خصوصًا إذا كان في سن صغيرة لا يستطيع فيها التعبير بالكلام بعد، فيكون الرسم طريقة تسمح للأهل باكتشاف نظرة طفلهم إلى الحياة وما إذا كان سعيدًا أم حزينًا. لذا للرسم موقع مهم في حياة الطفل، ومن الضروري أن يرافقه خلال فترة نموّه حتى سن المراهقة. ومن المهم جدًا أن يكون ضمن البرنامج المدرسي. ولكن للأسف تستغني بعض المدارس عن حصة الرسم في مرحلة معيّنة حين تصبح الدروس الأكاديمية والنجاح المدرسي من أولويات التلميذ والمدرسة والأهل معًا، بينما لا يجوز الاستغناء عن ساعة الرسم لأنها تسمح للتلامذة بالتعبير عن مشاعرهم وعن أمور لا يتكلّمون عليها في الحياة اليومية».
- متى يعكس الرسم مشكلة أو صعوبة يعانيها الطفل؟
ليس من المفروض أن نحلل رسم الطفل أو ننتظر ونراقب ماذا يريد أن يرسم. إذ لا يمكن الجزم بأن الطفل إذا رسم شكلاً معينًا نقول إنه يعني هذا الشيء أو ذاك أي لا يمكن القول إن الرسم يرمز إلى أمر محدد. ولكن التكرار قد يكون مؤشرًا لمشكلة، فعندما يكرر التلميذ نموذج الرسم نفسه في كل مرة يرسم، أو يلوّن دائمًا رسومه بألوان داكنة جدًا ، يمكن أن تلفت نظر المعلمة أو الأم إلى أن هذا الطفل يعاني أمرًا ما لا تعرفه. كما أن التغيير المفاجئ في أسلوب رسم الطفل هو أيضًا مؤشر لمشكلة. معنى ذلك إذا كان الطفل خلال فترة طويلة اعتاد الرسم بألوان زاهية وفجأة بدأ يلوّن بألوان حزينة هنا يمكن أن نلاحظ أنه يمر بصعوبة ما. ولكن لا يمكن القول إن الطفل إذا رسم على هذا النحو أو ذاك فأنه انعكاس لشخصيته، لأن رسم كل طفل يشير إلى الوضع الذي هو فيه أو الموقف أو الحالة التي يمر بها، فإذا مثلاً أصبح لديه أخ، أي إذا حصلت أمور طارئة على حياته، يستطيع الطفل أن يعبّر عن مشاعره من خلال الرسم.
- هل هناك أهداف للرسم غير التعبير عن المشاعر؟
يساعد الرسم في تقوية العضلات الدقيقة لليد، فعندما يبدأ الطفل الرسم في المدرسة يعلّمونه كيف يرسم ضمن المساحة المطلوبة منه، مثلا التقيد بالخطوط وعدم الخروج عنها. كما يعلّمه مفهوم الوقت، فإنجاز الرسم يستغرق وقتًا، ويعزز لديه ملكة التركيز لفترة والصبر، والاهتمام بالتفاصيل . ولكن على الأهل ألا يحكموا على رسم ولدهم من المرّة الأولى، فالطفل يحتاج إلى وقت حتى يتمكن من الرسم في شكل واضح. فكما الكتابة، يحتاج التلميذ إلى وقت ليتقنها وليبدو خطّه واضحًا، كذلك الرسم.
- ما الفائدة من دفتر الرسم وهل يساعد في تطوير موهبة الرسم عند الطفل؟
ليس الهدف من دفتر الرسم تطوير الموهبة، بل مساعدة الطفل على التركيز والتقليد وتعلّم اتباع التعليمات وهي تمارين تقنية. لذا نجد أن في كل صفحة من صفحات دفتر الرسم رسمًا كاملاً يُطلب من الطفل تلوينه، وتقابله صفحة موجود عليها الرسم نفسه، ولكنه منقّط ويُطلب تحديده بالخطوط. وفي المقابل يطلب الأهل أحيانًا من الطفل اتباع الرسوم المنقّطة الموجودة في دفاتر الرسم بشكل دقيق وكامل إلى درجة ينتقدونه إذا ما خرج الخط عن النقط، وهذا يؤثر سلبًا في الطفل و لا يعود يرغب في الرسم، في حين أن الهدف منها تعليمه التقنيات التي ذكرتها سابقًا. لذا على الأم ألا تطلب من طفلها محو أخطائه في الرسم الذي أجمل ما فيه أنه يسمح للطفل بأن يعبّر عن نفسه وينمي خياله الذي يسقطه في الرسم، وإذا وضعنا قوانين نكون نكبت هذه المشاعر ونحرم الطفل إطلاق العنان لمخيلته وإبداعه. أي إذا جلست الأم إلى جانب ابنها أثناء قيامه بالرسم عليها ألا تضع له ممحاة بل عليها أن تقول له يمكنك أن ترسم ما تريده فأنا لن أحكم على رسمك. هكذا نعطيه الحرية ليرسم ما يريد.
- هل صحيح أن الألوان ترمز إلى شخصية الطفل؟
ليس بالضرورة. هذه النظرية في علم النفس ليست ثابتة، فكل طفل لديه طباع تجعله يحب لونًا دون غيره، فضلا عن أن البيئة وأسلوب الأهل التربوي هما اللذان يؤثران في تفضيله لونًا على آخر. وهذا موضوع دقيق جدًا لا يمكن الجزم به. فالطفل قد يستعمل الألوان التي ترمز إلى حالة معينة يمر بها، فإذا كان يمر بحالة عنف قد يستعمل اللون الأحمر، ولكن لا يمكن الجزم بأنه في كل مرة يستعمل اللون الأحمر يكون يمر بحالة عنف. ولكن إذا لوّن الرسم كله بلون محدد فهذا لافت للنظر ويمكن أن نسأله بطريقة لطيفة عن السبب، ونجرب أن نفهم من رسمه ماذا يشعر.
- هل صحيح أن الرسم يشكّل جزءًا من العلاج النفسي عند الطفل؟
عندما يتعامل الاختصاصي مع الطفل يكون الرسم جزءا من العلاج ليتبين ما يحدث معه، أما الأهل والأساتذة فلا يمكنهم القيام بهذا الدور أو الحكم على الأمور من خلال الرسم. ولكن يمكن المعلّمة أن تتنبه عندما يرسم الطفل في سن معيّنة رسمًا لا يتناسب مع سنه. إذ لكل سن نمط معين من الرسم، أي أن الرسم يعكس نمو الطفل وتطوّره. فرسم طفل في الثالثة يختلف عن تفاصيل رسم طفل في الخامسة. معنى ذلك إذا كان طفل في السابعة لا يزال يرسم بالطريقة نفسها التي يرسم بها طفل في الثالثة، فهذا قد يكون مؤشرًا لتأخره عن صفه. وهنا يمكن أن يطلب رأي الاختصاصي، ولكن شرط أن يكون عدم التناسب بين السن والرسم متكرّرًا أو حدث بشكل مفاجئ.
وإذا كان التكرار والتغيير المفاجئ في الرسم يؤشران لوجود مشكلة عند الطفل كما تقول عازار، فإن الاختصاصيين يحددون تطور ملكة الرسم عند الطفل في مراحل عمره المختلفة، ويشيرون إلى ما يمكن أن ترمز الألوان واختيار أدوات الرسم.مهارة الرسم خلال مراحل
- بين الثمانية عشر شهرًا والسنتين
يشكّل إمساك القلم ورسم الخطوط اكتشافًا للأنا بالنسبة إلى الطفل في هذه السن، فالتنسيق بين حركة الجسم واليدين مهم في مرحلة النمو.
- بين السنتين والثلاث سنوات
هي مرحلة اكتشاف أدوات الرسم:الريشة وعلبة الألوان المائية أو الزيتية أو أقلام الرسم المصنوعة من الشمع. فالطفل في هذه السن يحب أن يرى النتيجة التي تعطيها هذه الأدوات، فهو يختار أكثر من كونه يعبّر.
- بين الثلاث والأربع سنوات
إنها مرحلة بداية الرسم الحقيقية، فالطفل يخبر والدته ماذا يريد أن يرسم قبل أن يبدأ بالرسم.
- بين الأربع والخمس سنوات
بدءا من هذه المرحلة تشكّل الألوان أهمية بالنسبة إلى الطفل فيربطها بالواقع. فهو ينسق الألوان تبعًا للأشياء التي يراها في الواقع. فالشجرة لديها غصون بنيّة وأوراقها خضراء، ومياه البحر لونها أزرق...
أدوات الرسم: الأقلام والورق
يكشف اختيار الأقلام والورق شخصية الطفل بحسب الاختصاصيين. فمثلاً الأقلام ذات الرؤوس السميكة والكبيرة هي المفضّلة عند الطفل ذي الشخصية الحازمة، بينما الأقلام ذات الرؤوس الدقيقة غالبًا يختارها الأطفال الذين يعانون صعوبة في التعبير أو فرض أنفسهم. والطفل الذي يفضّل الريشة الألوان المائية وأقلام التلوين الشمع هو ممن يبرعون في الأعمال اليدوية أكثر من الأعمال الذهنية المجرّدة.
كما يجب أن يعرض على الطفل عدة مقاسات وأنواع مختلفة من الورق ليختار ما يناسب شخصيته أو ما يريد أن يعبّر عنه في اللحظة نفسها. فإذا اختار ورقة صغيرة، فهذا مؤشر لأنه طفل لديه تركيز قوي ولا يحب أن يأخذ الكثير من المساحة، وإذا اختار ورقة متوسطة المقاس فهذا مؤشر لأنه طفل مرن في التفكير ويحترم الآخرين، أما إذا اختار ورقة من المقاس الكبير فهذا مؤشر لأنه طفل واثق جدًا بنفسه و لا يحب أن يكون منعزلا أو مهمَلاً من الآخرين. ويشير اختياره الورق الرقيق إلى شخصية حسّاسة جدًا بينما اختياره الورق السميك يشير إلى أنه مرتاح ولا يعاني توترًا.
كما أن اختيار الطفل دفاتر الرسم أو الورق الأبيض مؤشر يجب أخذه في الاعتبار. فاختياره رسم جاهز يسمح بالتركيز على الألوان، بينما اختيار الورقة البيضاء يجعله يطلق العنان لمخيّلته. وفي كل الأحوال من المفضل أن يوفر الأهل الاختيارين لأنهما يلبيان حاجاته المختلفة.
الألوان
يؤكد الإختصاصيون أنه لا يمكن الحكم على شخصية الطفل من خلال اللون الذي يفضّله إلا في حال استعماله لونًا واحداً للرسم بشكل متكرر أو مفاجئ، عندها يرمز اللون إلى شيء ما يدور في خلد الطفل، فهو يستعمل هذا اللون ليبعث عبره رسالة واضحة، ويريد أن يفهمه الآخرون.
الأحمر: هو اللون الأوّل الذي يميّزه الطفل. وإذا كان مفضّلاً لديه في رسومه فهذا مؤشر لأن لديه طاقة كبيرة ومن الصعب منعه من كبتها. ولكن الأحمر يشير أيضًا إلى العدوانية والغضب والقلق، فإذا كان اللون الأحمر طاغيًا على رسم الطفل فهذا مؤشر لأنه يمر بأزمة.
الأصفر: الأصفر هو مرادف للمعرفة والفضول وحب الحياة. فالطفل الذي يستعمل هذا اللون بكثرة يتمتع بقدرة التعبير عن نفسه أكثر من أترابه.
البرتقالي: كما الأحمر والأصفر يعبّر البرتقالي عن حاجة إلى التواصل الاجتماعي، وهو أيضًا مؤشر للميل إلى روح الجماعة والمنافسة.
الأزرق: هو آخر الألوان التي يكتشفها الطفل، ويرمز إلى السلام والانسجام والهدوء. والطفل الذي يستعمل الأزرق بكثرة انطوائي إلى حد ما و لا يحب أن يكون متسرّعًا، فهو يحب أن يحافظ على نمطه. أما إذا كان الطفل يستعمل الأزرق في شكل مكثّف فإنه يبعث برسالة أنه في حاجة إلى السلام في محيط عائلي ربما يعاني الكثير من المشكلات.
الأخضر: الأخضر هو مزيج من الأزرق والأصفر، ويعكس الفضول وحب المعرفة والسلوك الجيد. والطفل الذي يستعمل هذا اللون بكثرة غالبًا ما يستعمل حدسه في إدراك الأمور ويتميز بالنضج مقارنة بغيره ، حتى ولو كان يظهر شخصية حسّاسة جدًا. أما إذا استعمل الأخضر في شكل سيئ في الرسم فهذا قد يكون مؤشرًا لطغيان الأنا.
الأسود: يقلق الأهل كثيرًا عندما يستعمل الطفل الأسود في شكل كبير في رسومه. والأسود إحالة إلى اللاوعي وغير المرئي وليس بالضرورة إلى الأفكار السوداوية، والطفل الذي يستعمله يكون واثقًا بنفسه ولا يخاف من المستقبل. ولكن في الوقت نفسه قد يشير الأسود إلى أن الطفل لديه أسرار، و يريد أن يخفي بعض الأمور. وإذا أراد الأهل التأكد مما إذا كان الطفل عدوانيًا، عليهم التأكد ما إذا كان يرسم بشكل عنيف أم بشكل هادئ، وهذا يبدو من خلال طريقة رسمه.
الزهري: وهو مزيج من الأحمر والأبيض، ويشير إلى الحنان والهدوء وإلى أن الطفل يحب الأشياء الجميلة والسهلة، ومن السهل التقرب منه.
البني: الطفل الذي يستعمل البني في رسمه يحب الأمان والاستقرار وغالباً ما يكون صبورًا ويهتم بالتفاصيل، وهو هادئ الطباع ويحب تصنيف الأشياء وترتيبها بشكل دقيق.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024