ألغيرة بين الأخوة
«انتابت عمر (٤ سنوات) آلاماً حادة في معدته فهرع والداه به إلى المستشفى، وهناك أكد لهما الطبيب أنه لا يعاني أي مرض عضوي. فوجئت أم عمر بسلوك ابنها الذي لا تجد مبرراً له. هل هو يريد المكوث في المنزل إلى جانبها؟ هل يغار من شقيقه الأصغر سنّاً؟ ولمَ ظهرت هذه الغيرة فجأة وبعد مضي سنتين؟ «لها» إلتقت اختصاصية علم نفس الطفل غارين زوهربيان التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.
تقول زوهرابيان: «الغيرة بين الأخوة ظاهرة طبيعية جداً، لذا من الضروري أن يتوقعها الأهل. وعموماً يعتبر الطفل البكر في العائلة أكثر الأبناء الذين ينتابهم شعور الغيرة. فهو اعتاد أن يكون المميز في العائلة الذي يحوز اهتمام والديه الكبير لأنه الطفل الأول، وبالتالي يشعر بأن حبهم واهتمامهم به حقان حصريان له لا يجوز لأحد غيره أن يشاركه فيهما. ولكن تجري الأمور بما لا يشتهيه هذا الطفل البكر ويأتي المولود الجديد الذي يشاركه كل الامتيازات التي كان يتمتع بها».
وتتحدث الاختصاصية عن العوامل التي تحرك مشاعر الغيرة عند الطفل وتقوّيها ومنها:
سن الطفل
كلما كانت سن الطفل صغيرة كان أكثر حاجة إلى والدته وبالتالي أكثر غيرة من شقيقه الأصغر. فهو إذا كان في سن السنة ونصف السنة يكون لا يزال يعتمد على والدته في كثير من الأمور. وفي المقابل ينال المولود الجديد الكثير من اهتمام والدته، فيشعر بأنها لم تعد تحبه كما في السابق وبأنها لا تهتم به كما كانت قبل أن يأتي هذا المخلوق الغريب. كما أن لتصرف الأم دور فهي إذا لم تعد تهتم به وكرّست كل وقتها لمولودها الجديد فمن الطبيعي أن تعزز، وعن غير قصد، شعور الغيرة عند الابن البكر. لذا فإن فارق السن المناسب بين الأشقاء هو سنتان ونصف. لأن الطفل في هذه السن يصبح مستقلاً في بعض الأمور، فهو مثلاً في إمكانه تناول الطعام وحده من دون مساعدة والدته، أو يمشي وحده، ولكن في الوقت نفسه لم يعتد على وجود طفل آخر منافس له.
جنس المولود
إذا كان المولود من الجنس نفسه فإن الغيرة تكون أقوى. فمثلاً إذا كان المولود الجديد بنتاً يشعر الولد بأنه ليس مهدداً، أما إذا كان ولداً، فيشعر بأن في إمكان هذا المولود الصغير أن يحتل مكانته في العائلة، وبالتالي سيشاركه في امتيازاته إن لم يأخذها كلها.
سلوك الأهل
غالباً ما يتجاهل الأهل شعور الغيرة عند الابن البكر. فيقولون: «لا يجوز لك الغيرة من أخيك وعليك أن تحبه وعليك وعليك...». هذه العبارات تعزز شعور الغيرة عند الطفل. وأحياناً يرفض الأهل الظن بأن ابنهم يغار فيقولون: «لا ليس غيوراً. من المؤكد أنه لا يغار من أخيه، بل على العكس هو يحبه، بل عليه أن يحبه». وهم بهذه العبارات لا يسمحون للطفل بأن يعبّر عن غيرته، بل يجعلونه يكبتها وبالتالي تتعزز في داخله، لأنه يشعر بالذنب، فهو مثلاً يرغب في ضرب أخيه الصغير، ولكنه في الوقت نفسه يشعر بالذنب لأنه يريد ذلك. فيقول لنفسه: «كم أنا شرير، أريد أن أعض أخي أو أؤذيه». وبالتالي يظن أنه شرير لأنه يغار وبالتالي تنتابه أحاسيس سلبية لأنه من غير المسموح له التعبير عن غيرته.
وعلى العكس تقلق زوهرابيان من الطفل الذي لا يظهر غيرته. وتقول:«من الطبيعي أن يشعر الطفل الذي يلاحظ اهتمام أمه بأخيه الرضيع بالغيرة ويتمنى أن يكون مكانه، ويقول علناً «سوف أتخلص منه كي أحوز ما يحوزه» فهذه العبارة عادية لأنه عبّر بها عن غيرته، وفي الوقت نفسه عن حاجته إلى الشعور بالطمأنينة، وتتلاشى هذه الغيرة عندما يعرف الأهل كيف يعدلون في توزيع اهتمامهم بين الابن البكر والمولود الجديد ويمنحون الأوّل الطمأنينة. أما الطفل الذي لا يعبّر عن غيرته، فهناك احتمال أن يتعزز هذا الشعور في داخله، في الوقت الذي يظن الأهل أنه ليس غيورا، وإذا قيل لهم إنه يغار لا يتقبلون الأمر بل يؤكدون أنه مستحيل أن يغار، وغالباً ما نسمع أماً تقول لابنها: «أنت ولد جميل لأنك لا تغار من أخيك». وكأنها تقول له «ممنوع عليك أن تغار» وبالتالي لا تسمح له بمواجهة هذا الشعور فتصبح الأمور أكثر تعقيداً. والعدوانية الظاهرة في السلوك هي انعكاس لمشاعر الغيرة، كأن يضرب أخاه أو يرفسه، فهذه العدوانية إذا لم تظهر فإنها تبقى في داخله، مما يفسر التصرفات النكوصية للطفل. فبعضهم يتصرف كما المولود الصغير كأن يبوّل في سريره أو يرغب في شرب الحليب بالقنينة ويتحدث كما الطفل الصغير جداً ، أو يدعي أنه لا يعرف ارتداء ثيابه وحده ... فهناك تقليد واضح للرضيع. فلكي يكسب حب أهله واهتمامهم يروح يتصرف كما الطفل الرضيع.
وأحياناً يحاول الطفل أن يجد أعذاراً ليبقى مع والديه كي لا يترك هذا المولود الجديد وحده مع والدته. ومن إشارات الغيرة هو أن يعاني الطفل آلاماً عضوية كما حدث مع عمر. مثلاً قد يصاب بآلام في المعدة أو ربما يصاب بالحرارة المرتفعة، وهنا نتحدث عن اضطرابات نفسية عضوية فهو يحاول المستحيل لإيجاد الأعذار التي تبقيه في المنزل. لذا فإن الطفل الذي لا يستطيع التعبير عن غيرته قد يصاب بأعراض مرضية جسدية.
- ما هو الحل الأنسب في هذه الحالة؟
الحل هو السماح للطفل بالتعبير عن غيرته. وتتذكر زوهرابيان طفلاً زارها في مركزها الخاص وتقول: «جاءني طفل كان يركض فرحاً إلى والدته أثناء نوم شقيقه ويقول لها إنه مات، خافت الأم من أن يؤذي شقيقه لأنه يتمنى له الموت . عندها أكدت للأم أن عليها أن تشعر ابنها البكر بالطمأنينة. كأن تقول له: «لديك حق في ما تقوله. كل الأطفال الذين لديهم أخوة أصغر منهم يشعرون بما تشعر به. هل أنت خائف من عدم حبنا لك ومن أننا لن نعود نهتم بك؟» سوف يجيب «نعم». هنا على الأم أن تؤكد له أن مكانه محفوظ في قلبها، وأن شقيقه لن يحتل مكانه لأن لديه مكاناً آخر في قلبها. والكلام لا يكفي، بل على الطفل أن يلمس ذلك بتصرفات أهله معه التي تبرهن أنهما الاثنان لديهما المكانة نفسها في حياتهم.
وتشير الاختصاصية إلى أن هناك من الأهل من يظن أن إهمالهم الرضيع الصغير يخفف من حدة الغيرة، وهذا خطأ لأنه يعززها فعندما يقول الأهل: «أننا لا نحبه» قد تكون رد فعل الطفل على عكس المتوقع، فهو سيفعل أي شيء لكي يحافظ على اهتمامهم وحبهم له وحده.
ولكن يحدث أحياناً أن أسباب الغيرة المذكورة غير موجودة، ومع ذلك نجد طفلاً يعاني آلاماً حادة من دون أن يكون مصاباً بمرض عضوي. فهل يمكن أن يغار الطفل من أقرانه في الصف؟ واجهت أم هذه المشكلة مع ابنها الذي بحسب اعتقادها يريد تقليد رفاق صفه.
هناك احتمالان:
ألأوّل إما أنه يحاول تقليد رفاق الصف ولكنه في الوقت نفسه يعبّر عن حاجته إلى العاطفة و الاهتمام، فقد تكون هذه الأم لا تهتم به إلا عندما يكون مريضاً.
أما الثاني فربما بدأ هذا الطفل تعلّم القراءة والكتابة مما يشعره بالتوتر والقلق لأنه مقبل على أمر جديد لا يخلو من الصعوبة، وهذا طبيعي فالراشد عندما يقدم على أمر جديد عليه يشعر بالتوتر والقلق فكيف بالصغير . إذا فإن هذا الطفل لا يريد الذهاب إلى المدرسة بسبب المنهج الجديد في التعليم. وإجباره على الذهاب إلى المدرسة لا ينفع، بل على الأهل التحدث إليه والاستماع إليه ربما يقول شيئاً يوضح الأمر، ما إذا كان سعيداً في المدرسة أم لا. وهذا الطفل في حاجة إلى اختصاصي ليعرف سبب ذلك. فعموماً إذا ادعى الطفل المرض فهذا لا يعني أنه يكذب، لأن الطفل دون الخمس سنوات لا يعرف الكذب، وعندما يشعر بآلام جسدية فهذا مؤشر لقلق ينتابه. فالطفل يجد صعوبة في التعبير، ولا يعرف أن يقول أنا قلق أو أشعر بكآبة كما يفعل الكبير، لذا فإنه يعبر عما يشعر به على طريقته وتكون الآلام الجسدية إحدى وسائل التعبير وهي جرس إنذار. وقد يكون قد أعطى الوالدين إشارات قبل ادعاء المرض ولم ينتبها إلى الأمر، فيكون ادعاء المرض هو الحل أمامه ليقول لهما عما يشعر به لأن الأهل يتنبهون إلى الصحة الجسدية أكثر من الصحة النفسية. وإذا لم يكن هناك سبب عضوي لا يجوز القول إنه يتغنج بل يجب التنبه إلى شعوره بالكآبة. وعندها يجب استشارة اختصاصي.
ابني لا يريد النوم وحده في غرفته
يشعر ابني (٩ سنوات) بالقلق عندما تحين ساعة النوم، ولا يستطيع أن يشرح خوفه ويقول إنه في حاجة إلى النوم بحضور راشد. لذا وضعنا له سريراً في غرفة نومنا أنا وزوجي، فهو لا يتحمل الابتعاد عنا خلال الليل. فهل من نصيحة؟
أروى- اليمن
تبيّن لي من مضمون الرسالة التي بعثتها كم من الصعب أن يقول بعض الأهل لأبنائهم «لا»، لأنهم يخافون عليهم من الألم، ولأنهم لا يدركون تماماً السبب الحقيقي وراء طلبات أبنائهم. وغالباً ما يعلل الأهل طلب ابنهم بأنه تعبير عن حاجة عاطفية، لذا يشعرون بأنهم إذا لم يحققوا طلبه فإنهم يكبتونه وبالتالي يمنعونه من الانفتاح على المحيط الاجتماعي. بينما قد تكون الحقيقة غير ذلك، فهناك بعض الأطفال من يحاول أن يتخطى سنه. فمنهم مثلاً من يريد أن تلبى طلباته فوراً ومن دون حدود، ومن يريد أن يأخذ موقع الراشد فيتصرّف مثله. وفي حالة ابنك يبدو لي أنه يريد أن يكبر بسرعة ويحتل موقع الراشد في البيت، فميله إلى النوم معك ومع أبيه في الغرفة لا يشير إلى أنه خائف من أمر ما لأن القلق الذي ينتابه لم يكن مفاجئاً، لذا فإن احتمال الخوف من كابوس غير وارد فأنت لم تذكري لي مثلاً أنه يخاف من العتمة بل يريد النوم في حضرة راشد.
لذا عليك سيدتي أن ترفضي طلبه وتؤكدي له أن لكل واحد غرفة نوم خاصة به، وأن تشرحي له أن غرفتكما أنت وزوجك هي لكما وحدكما وأنه لا يجوز له النوم فيها.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024