أبطال علي عطا يعيشون على حافة الحياة في روايته الأولى
بعد ثلاثة دواوين شعرية هي: «على سبيل التمويه»، «ظهرها إلى الحائط»، و»تمارين لاصطياد فريسة»، يقدّم الشاعر المصري علي عطا تجربته الروائية الأولى بعنوان «حافة الكوثر» (الدار المصرية- اللبنانية). وبطله في هذه الرواية هو مثله، صحافي سبق له أن أصدر ثلاث مجموعات شعرية، لكنّه تعب من شعوره المستمرّ بأنه مسحوق بين نصوص الآخرين. أراد أن يتمرّد على ضجره من تحرير مواد الآخرين، وأن ينتقم لذاته التائهة بين أسماء كتّاب الجريدة ومراسليها، فقرّر أن يكتب رواية. والأصحّ قولاً إنّ أفكاره لم تقده الى التفكير برواية وإنما بقصة قصيرة ينشرها باسمه في الصحيفة التي يعمل فيها. هكذا كتب قصته «شجرة التوت» التي رصد فيها تجربته في المصحّة النفسية «الكوثر»، ولمّا أثارت إعجاب كثيرين، من بينهم صديقه المغترب طاهر يعقوب، واصل الكتابة جاعلاً من قصته القصيرة رواية.
وعلى امتداد زمن الكتابة - كتابة الراوية - ظلّ الراوي (حسين عبدالحميد) يتواصل مع صديقه الافتراضي عبر الرسائل الإلكترونية، حتى شكلّت الرسائل نفسها متن الرواية.
هكذا، نتابع أحداث الرواية، التي تدور بين القاهرة والمنصورة، على لسان الراوي الرئيس، حسين عبدالحميد جاد، الذي يتوجه أولاً الى صديقه، ومن خلفه الى القرّاء. فيُدخلنا الراوي عبر بوح حميم الى عالم الكتابة وخصائصها، ثم يسوقنا معه الى تفاصيل دقيقة عرفها داخل مصحة للأمراض النفسية «الكوثر» (دخلها ثلاث مرات في أربع سنوات لمدة 31 يوماً من شتاء 2012 إلى ربيع وبداية صيف 2015).
يجتمع في المصحّة المرضى النفسانيون والمدمنون والمثقفون المكتئبون، والأشخاص المأزومون. هناك، لا يلتقي القارئ بعوالم المصحّات النفسية الغرائبية التي اعتاد مصادفتها في الأفلام والمسلسلات، إنما يرصد «الكوثر»، مع مفارقة التسمية، كمكانٍ طبيعي يسكنه أشخاص متعبون ويشعرون بأنّهم يعيشون على الحافة. قد يفتقدون توازنهم في أي لحظة ليكون مصيرهم السقوط، وربما يستعيدون قوّتهم فينجون بأنفسهم. واللافت أنّ هذا الإحساس لا يُلازم أهل المصحّة فقط، وإنما من هم خارجها أيضاً. ويتصادف أنّ أزمته النفسية تتزامن مع تجاوزه سنّ الخمسين، ما يستدعي إلى ذهنه محطات صعبة وخطيرة حدثت في محيط أسرته. لذا فإنه يعود الى ذكرياته مع دعاء، زوجته وحبيبته الأولى، التي صارت مصدر النكد في حياته، ومنها الى زوجته السرية سلمى السكري التي اعتقد أنّ خلاصه سيكون بالزواج منها ليكتشف أنها زادت ضغوطاته. يحكي عن أبنائه ومشاكلهم، ثم يسترجع طفولته الصعبة وسط عائلة فقيرة يُعيلها أب يعمل كبائع متجوّل مدمن على الحشيشة. ومن أيام الطفولة الصعبة التي اضطرته الى العمل قبل أن يدخل المدرسة الابتدائية، ينتقل بنا الى قضايا ذاتية أخرى، ثم ينطلق نحو قضايا عامة تتلخص في ثورة 25 يناير المصرية وتبعاتها على الشعب.
إذا كانت المصحّة النفسية تشكّل فضاء الرواية بوجهه الواقعي/ المأسوي المعروف لدى الطبقة الوسطى في المجتمع المصري، تبقى القاهرة - بأهلها ونيلها وجوامعها وكنائسها - النقطة التي تحتوي على فيض الأفكار والقضايا التي اشتغل عليها علي عطا في نصّه البديع «حافة الكوثر».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024