تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

واقع مشاركة الفنانين في أعمال لبنانية وسورية... الأعمال العربية المشتركة موضة أم حاجة؟

مما لا شك فيه أن فكرة إنجاز أعمال درامية تجمع بين مبدعين وفنانين من مختلف الدول العربية أمر ليس جديداً، لا بل يعود في إطاره العام إلى أيام الأبيض والأسود، إن كان في السينما أو الدراما التلفزيونية، فهي ظاهرة تشتدّ حركتها أحياناً وتتباطأ أحياناً أخرى.
وحتى في مرحلة تسعينيات القرن الماضي مع ازدياد وتيرة الإنتاج الدرامي وتكاثره تلبية لنهم المحطات العربية الفضائية آنذاك، كانت تُطعّم المسلسلات بفنانين عرب، وهناك أعمال تاريخية سورية صوّر جزء منها في أكثر من بلد عربي. ولكن كيف تبدو هذه الصورة اليوم؟ وهل تحمل السمات نفسها لتلك المرحلة أم أن الأمر اختلف؟

المخرجة رشا شربتجي: لو وجدت ممثلاً من الهند مناسباً للعمل لاستعنت به
للمخرجة رشا شربتجي العديد من التجارب التي تندرج ضمن إطار «البان آراب»، بخاصة تلك التي تجمع بين ممثلين سوريين ولبنانيين، حتى أن مسلسلها الجديد «الطريق» يؤدي دور البطولة فيه كلٌ من الفنانيَن عابد فهد ونادين نجيم، فكيف ستُقدم هذه الخلطة مجدداً، وهل هي الضامن للتسويق وتحقيق نسبة أعلى من المُشاهدة؟
«في النهاية هي صناعة، وينبغي أن يُباع العمل ويسوَّق ويحقّق مردوداً»... هذا ما تؤكده شربتجي. أما عن الخوف من أن تتحوّل هذه الظاهرة إلى موضة يلهث وراءها المنتجون وسط فبركة وجود فنانين عرب من مختلف الدول في عمل درامي واحد، فتقول: «أنا أكثر شخص حاول الهروب من فبركة هذه الحالة، ففي مسلسل «الطريق» نتابع حكاية رجل سوري انتقل في نهاية الحرب الأهلية اللبنانية إلى لبنان للعيش فيه، وبالتالي من المؤكد أن الحالة هنا غير مفبركة، لكن عندما تحكي عن سوري ومصري ولبناني من دون تبرير ذلك، يكون هناك أحياناً نوع من الفبركة، ويطبّق المثل القائل «ما الذي جمع الشامي مع المغربي؟»، لكن عندما تحكي عن سوريا ولبنان فلن يكون هناك تغريب، لأن ما من سوري إلا وله قريب في لبنان، والعكس صحيح، ثم دعنا نجتمع في الفن إن لم نجتمع في السياسة».
وتضيف شربتجي: «وجود دم جديد في المسلسل السوري أو المصري يزيد الجمهور شغفاً لرؤيته، وهذا أمر يهمّني، لأنه كلما زادت المشاهدة زاد دعم هذه الصناعة، فأنا لا أنجز العمل كي أضعه على الرف، وقد أتت الأعمال العربية المشتركة كدواء للدراما السورية ليستمر العاملون فيها في شكل من الأشكال بعيداً من الحرب والتهميش ومحاربة التسويق.
ولدى العودة إلى أعمالي السابقة، تجد أن ثمة مسلسلات تم إنجازها ولم تكن هناك أزمة تسويق حينها، مثل «بنات العيلة» و«ابن الأرندلي» و«شرف فتح الباب»، وإنما اجتمعت فيها مجموعة من النجوم السوريين والمصريين واللبنانيين، ولو وجدتُ أن هناك ممثلاً من الهند سيوظَّف في شكل صحيح في المسلسل لاستعنت به، فما أجمل أن نجتمع في التصوير على اختلاف لهجاتنا وطوائفنا وقناعاتنا وتوجهاتنا، ونأكل معاً على طاولة واحدة في الاستراحة... فهل هناك أجمل من ذلك؟».

المخرج أحمد إبراهيم أحمد: «هوا أصفر» عمل صادق وليس فذلكة من أجل التسويق
كثيراً ما صرّح المخرج أحمد إبراهيم أحمد في لقاءات سابقة، بأن المسلسلات التي تندرج ضمن إطار «البان آراب» هي أعمال غير حقيقية، وعن هذا الموضوع، يقول: «هي مفبركة ومُركّبة لتقديم النسيج العربي على أساس أنها الدراما العربية الموحدة، فترى الخال المصري والعمّ السوري والابن اللبناني والأخ الخليجي... وبالتالي هي أعمال غير صادقة وغير حقيقية، لهذا لا تتعاطف معها، فأساس نجاح العمل الدرامي هو الصدق.
لكن أحمد أنجز حديثاً مسلسلاً ضخماً بعنوان «هوا أصفر»، جمع فيه ممثلين من سورية ولبنان، على رأسهم النجمان سلاف فواخرجي ويوسف الخال، وضمن هذا الإطار يرى أن الحالة هنا مختلفة تماماً عما يُقدّم من فبركات في عدد من الأعمال التي تضم بين دفتيها مجموعة من الممثلين العرب، لأن القصة في «هوا أصفر» ترتكز على خطوط متشابكة بين لبنان وسورية، وبالتالي كان لا بد من وجود ممثلين من كلا البلدين».
وعن عمله الجديد، يوضح: «المسلسل ليس عملاً مفبركاً لبنانياً- سورياً من أجل التسويق فقط، وإنما هو عمل سوري- لبناني بالمنطق الحكائي الذي يفرض أن يكون سورياً - لبنانياً، فلم يكن التسويق هو الهدف من ذلك... بل إنها حكاية تدور أحداثها بين مدينتي دمشق وبيروت، وبالتالي النص فرض أن تدخل في تصوير الأحداث شخصيات لبنانية، فكان من الطبيعي الاستعانة بممثلين لبنانيين، وفي الشخصيات السورية استعنّا بممثلين سوريين، كما أن الشخصيات اللبنانية تدور أحداثها في لبنان، وهناك رابط مشترك بين الحالتين.
كما تم اختيار الممثلين بناء على منطق الشخصيات، أي أنه ليست هناك فذلكة من أجل التسويق، وعند العرض سيجد المشاهد أنه عمل حقيقي بامتياز».

المخرج فهد ميري: الشركات المنتجة تطالب بهذا النوع من الأعمال
المخرج فهد ميري الذي يخوض حالياً تجربة تجمع بين فنانين سوريين ولبنانين من خلال إخراجه مسلسل «فرصة أخيرة»، يرى أن الشركات المنتجة اليوم تطالب بهذا المزج، أي أن يشترك في العمل ممثلون عرب من بلدين أو أكثر (سوريون ولبنانيون ومصريون...).
وعن هذه الشراكة، يقول: «يبدو أن هناك رواجاً في هذه النوعية من الأعمال، فهي مطلوبة جداً حتى أنها تُنجز بطلب من المحطات وتحقق جماهيرية كبيرة في الوطن العربي، وبالتالي تساهم في شكل أو آخر في شراء الأعمال، وربما هناك سياسة عامة في المنطقة تستدعي إنجازها.
أما في ما يتعلق بمسلسل «فرصة أخيرة»، فهو يندرج ضمن إطار هذه المسلسلات، ولدينا البطلة لبنانية وباقي الممثلين سوريون، وبررنا هذا الأمر درامياً من خلال القصة، وفي شكل عام التبرير ليس صعباً، ففي الحياة العادية تجد من يتزوج لبنانية أو سورية أو روسية أو أميركية... فالتبرير موجود ومنطقي».

الفنان يوسف الخال: التزاوج على الصعيد الفني يقدّم تجارب جميلة ومهمة
للفنان يوسف الخال الكثير من المشاركات التي تندرج في إطار الأعمال التي تجمع ممثلين سوريين ولبنانين أمام كاميرا واحدة، كحاله اليوم في مسلسل «هوا أصفر»، فكيف يرى منطق الأمور انطلاقاً من تجاربه الدرامية؟ يقول: «إنها تركيبة عضوية وخاصة بين البلدين (سوريا ولبنان)، وأشعر بأن هذا التزاوج والانصهار بينهما على الصعيد الفني والدرامي يقدم تجارب جميلة ومهمة، فالممثلون اللبنانيون يستفيدون من خبرة السوريين وتجربتهم، كما أن السوريين يجدون شيئاً قد ينقصهم عند جيرانهم. وبالتالي لكلٍ خبرته ورؤيته وتجربته، وأرى أن من الطبيعي أن يخرج أي فنان من بيئته ويُظهر كل ما لديه لأكبر عدد من الناس».
ويضيف: «ومما لا شك فيه أن هناك أعمالاً باتت تُقدّم تركيبة تحمل استخفافاً بالجمهور وبالحالة الفنية، ولم تعد تقدّم الجديد، حتى أنها أصبحت تشبه بعضها بعضاً، لكن في «هوا أصفر» الذي يضم فنانين سوريين ولبنانيين، بدت التبريرات طبيعية ومنطقية لوجود الممثلين من كلا البلدين ولم تكن لأسباب تجارية، لأن الحكاية تطلّبت ذلك، الأمر الذي يميّز التركيبة المقدّمة خلاله عن باقي المسلسلات، مما يجعله من الأعمال الأكثر نضجاً من هذه الناحية، فطبيعة البلدين الموجودة في النص حقيقية وليست مُنجزة بهدف جمع البلدين في عمل واحد فقط».

الفنانة ضُحى الدبس: لست ضدّ الأعمال العربية المشتركة إذا كانت مرحلية
شاركت الفنانة ضحى الدبس في عدد من الأعمال التي صوّرت في لبنان، منها: «غداً نلتقي»، «علاقات خاصة» و»العرّاب»، كما شاركت في أعمال صوّرت في سورية وجمعت بين فنانين لبنانيين وسوريين كما هي الحال في مسلسل «خاتون»، وحالياً في مسلسل «الفرصة الأخيرة». ولدى سؤالها: هل بات من الضروري لتسويق العمل الدرامي أن تشارك فيه ممثلة لبنانية وممثل سوري وربما ممثل مصري؟... تحاول العودة إلى أصل انتشار هذه الموضة من الأعمال، فترى أن الأزمة هي التي أفرزت هذا المزج في العمل الواحد، وتقول: «بعد العقوبات على العمل السوري والصعوبات الكبيرة في تسويقه، بات المنتج أمام خيار صعب جداً، فإما أن يوقف شركته وعندها لن يستطيع إنتاج الأعمال الدرامية، أو عليه اللحاق بالركب ومواكبة الظروف المُستجدة. ولأن المنتج غير مستعدّ لإنجاز عمل لا يدرّ عليه أرباحاً أو لا يسوّق، اضطرّ لهذه الاستعارة.
فمنهم من ذهب إلى لبنان لينجز أعماله هناك، فأوجد هذا المزج بيننا وبينهم، ومنهم من بقي في سورية وصوّر أعمالاً شارك فيه أيضاً ممثلون سوريون ولبنانيون.
وبالنتيجة هي حالة من الالتفاف على الوضع الذي تعانيه الدراما السورية، وأنا لست ضدّه إن كان مرحلياً، علماً أنه دائماً ما كانت هناك أعمال مشتركة في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، لكن المشكلة أنه في السنوات الأخيرة وعند كتابة النص، بات الإقحام يظهر جليّاً، فلا يتمّ تبرير وجود اللبناني والسوري والمصري معاً، وكثيرة هي الأعمال التي وقعت في هذا الفخ، فكان على القيمين عليها إيجاد تبرير مُقنع لذلك، لأن اللعبة كُشِفت أمام الناس، والمشكلة أنهم مارسوا هذه اللعبة من أجل التسويق، لكن بات فيها نوع من الاستسهال والتذاكي على ذهن المتلقي وعقله».
وترى الدبس أن هذه الحالة لا تتعدى كونها موضة، وتتابع: «المسألة تشبه ما حدث في «باب الحارة»، فبعد الجزءين الأوّلين واللذين يبدو أن الآخرين أعجبوا بهما، عمد الجميع إلى إنجاز أعمال تشبه هذا المسلسل، وهذا الأمر مشكلة في حد ذاته، إذ ما إن تظهر موضة حتى يركض الجميع وراءها، والإيجابية فيها أنها حالت دون موت الدراما لتستمر في الوقوف على قدميها، ومن هذا المنطلق أنا معها، لكن ألا تتحول فتصبح موضة».
ولدى سؤالها إلى أي مدى تشبه هذه الحالة ما عاشته الدراما السورية في مرحلة سابقة عندما استعانت بممثلين عرب عبر الكثير من أعمالها المهمة؟ أجابت الدبس: «هذا حدث فعلاً، لكن كانت الحالة مختلفة تماماً، فما نعيشه اليوم أفرزته الأزمة، وهذا الأمر يحدث في السينما وليس في التلفزيون، ففي الماضي كان يمكن أن يُمرّر الأمر في الفيلم السينمائي، ولم يكن التسويق أو الأزمة هما السبب، وإنما كان نوعاً من اللعب، كما لم يكن متوافراً هذا الكم الكبير من الممثلين، لذا عمدنا إلى هذا التعشيق في ما بيننا، لكن الأمر اختلف اليوم»

الفنانة دارين حمزة: الأعمال المشتركة تعود إلى أيام الأبيض والأسود            
شاركت الفنانة دارين حمزة في العديد من المسلسلات التي جمعت عدداً من الفنانين العرب، وحقّقت من خلالها حضوراً لافتاً، واليوم تعيد التجربة في مسلسل ينحو باتجاه الرومانسية بعنوان «الفرصة الأخيرة»، لكنها تضع شروطاً لنجاح حالة الجمع بين فنانين عرب في مسلسل واحد، وعن هذه الشروط تقول: «عندما يكون في المسلسل أخ سوري وآخر خليجي وأم مصرية وأب لبناني... عندها «تضيع الطاسة»، ويصبح العمل أشبه بطبخة حصى مع عدس! وأنا لست مع هذه الفكرة، لكن عندما يُقدّم العمل بطريقة مبرّرة، يصبح الأمر مختلفاً.
على سبيل المثال، في المسلسل الجديد «فرصة أخيرة» تجد أن شخصية «نايا» لبنانية، لكن مات أهلها في الحرب، وبما أنها تزوجت، وهي كما يقولون «مقطوعة من شجرة»، كان لا بد من أن تكون على هذا النحو، لتشعر بضعفها ورقّتها وحاجتها إلى بناء أسرة، وهو أمر منطقي ويحدث، ويغذّي العمل، فنحن بلدان جاران، وهناك الكثير من النماذج في الحياة العادية تجد فيها أن أحد الزوجين إما سورياً أو لبنانياً».
وتضيف: «يبدو أنهم وجدوا أن خلطة اللبناني مع السوري تلقى نجاحاً كبيراً على الشاشة، لذا يتمّ الجمع بين فنانين من البلدين، وتجد أن كلاً من الجمهور السوري واللبناني سيتابع العمل، كما أن هذه الأعمال يمكن أن تقرّب بين ثقافتَي البلدين ووجهات النظر، وبالنتيجة هو تقارب بين البلدين. وإنجاز أعمال مشتركة أمر ليس جديداً، لا بل يعود حتى إلى أيام الأبيض والأسود».

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078