تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

لا لإستئصال الرحم عشوائياً

تحلم كلّ فتاة منذ سنّ باكرة بالزواج والإنجاب وتكوين أسرة.
ولكن في بعض الأحيان، عندما تُنجب عدد الأولاد المرغوب فيه، قد تتوجّه لإستئصال رحمها كإجراء وقائيَ! كما قد ينصح أطباء بعض النساء بإتخاذ هذا القرار العشوائيّ إثر أيّ مشكلة صحّيّة نسائية تواجهها. وهذا أمر غير مستحبّ بتاتاً...
مع تطوّر الطبّ والعلم، وُجدت تقنيّات بديلة من شأنها أن تحلّ المشكلة الصحّيّة، من دون التعرّض للرحم وإستئصاله. فصحيح أنّ وظيفته محصورة بالناحية الإنجابية والدورة الشهرية، إلاّ أنه يبقى عضلة في الجسم لم تتكوّن داخل الجسم بهدف إزالتها بعد إنتهاء مهمّتها.
فما هي التقنيّات والإجراءات العلمية المختصّة التي يمكن اللجوء إليها؟ وما الغاية منها؟ ففي بعض الأحيان، لا يكون الحلّ الجذريّ هو الطريقة الفضلى للتعامل مع المشكلة، وإنما يجب درس الخيارات والتروّي في الإختيار.
كثيرة هي الأمور التي يمكن القيام بها طبّيّاً للتخلّص من مشاكل قد تصيب منطقة الرحم، حسب الحالة والتشخيص الدقيق.

قد تتعرّض السيّدة في سنّ معيّنة لبعض المشاكل النسائية في الرحم، مثل النزف المتكرّر أو الألم المتواصل، أو العقم أو حتى تكوّن ليفة أو خلايا سرطانية... لكن هذا لا يمنع إمكان علاج كلّ مشكلة على حدة، بما يقتضيه الأمر، من دون التفكير فوراً بإستئصال الرحم كضمانة أكيدة!
ومن جهة أخرى، قد يعتبر البعض أنّ وظيفة الرحم هي إنجابيّة فقط، وبالتالي يجب إزالته بعد تحقيق ذلك. لكن الأمر عارٍ عن الصحّة طبياً ومنطقياً.
إذ يجب التروّي في إتخاذ القرارات المصيرية التي لا يمكن عكس مفعولها بعد تنفيذها.
يتحدّث الدكتور ميشال عمَيره، إختصاصي جراحة نسائية وتوليد، عن طرق بديلة لإستئصال الرحم، عارضاً دواعي تطبيقها.
كما يتطرّق إلى الحالات التي توجب حتماً الإستئصال، لإرتباطها بالشقّ الصحّيّ. ومن جهته، يتناول الدكتور زياد النغيوي، إختصاصي أشعّة تداخليّة Interventional Radiology ، طريقة بديلة هي الUterine Embolization، التي قد تُغني -في بعض الأوقات -عن جراحة في الرحم، أو حتى عن إستئصال الرحم.
تتنوّع الطرق، ويبقى الهدف واحداً: سلامة المرأة الجسدية والنفسية، إذ إنّ الشقين مترابطان ولا يجوز فصل أحدهما عن الآخر.

إستئصال أم لا؟
يقول الدكتور عميره: «سادت العادة سابقاً بإجراء عمليات لإستئصال الرحم عند السيدات بعد سنّ الأربعين، وذلك عند وجود أيّ من المضاعفات التالية: النزف المتكرّر الذي يستوجب علاجاً دورياً، الألم القويّ، إحتمال تكوّن ورم سرطاني خبيث، أو حتى وجود «ليفة» داخل الرحم. إلاّ أنّ هذا الأمر لا يجوز.
فقد أوجدت تقنيات بديلة لمعالجة كلّ من هذه المضاعفات وبطرق متعدّدة. وتجدر الإشارة إلى أنّ نحو 30% من النساء يعانين وجود ليفة في الرحم!
يضيف: «في حال وجود نزف، وغالباً ما يكون سببه وجود الليفة، يمكن اللجوء إلى إعطاء البروجستيرون، أو حبوب منع الحمل بعد التأكّد من التاريخ الصحّيّ للسيدة منعاً لحدوث جلطة، أو إلى وضع Mirena وهو مانع خاص للحمل، يعمل على تخفيف غزارة الدورة الشهرية.
ويمكن أيضاً معالجة الليفة عبر إستئصالها أحياناً مع المحافظة على الرحم سليماً».
وفي حال وجود الألم، يتمّ طبعاً إزالة الليفة المسبّبة لذلك في حال عدم وجود أي سبب آخر للألم.
ونشير أيضاً إلى وجود عمليات إزالة بطانة الرحم بواسطة المنظار ووجود البالون الحراري للتخفيف من حدّة النزف.
ويوضح عميره: «يمكن وجود الليفة في ثلاثة أماكن: تحت الغشاء الخارجي للرحم، داخل عضلة الرحم، أو داخل بطانة الرحم.
وفي هذه الحالات، قد نلجأ إلى جراحة منظارية Hysterectoscopy لإزالة الليفة، خاصةً إذا كانت داخل البطانة أو العضلة.
ونحافظ تلقائياً على الرحم، إذ إنّ عمر الحمل بات أطول مع وجود التقنيات الحديثة مثل الزرع وسواها، فلا يجوز إستئصال الرحم عند سنّ الأربعين مثلاً».

إنعكاسات سلبية للإستئصال
يحذّر عميرهمن أن لـ «لإستئصال الرحم إنعكاسات علميّة واضحة، ومنها عدم التمكّن من الإنجاب Infertility، والتأثير على وظيفة المبيضات، فتبدأ السيدة الإحساس بأعراض نقص الأستروجين وأعراض ما قبل إنقطاع الطمث، حتى ولو لم يتمّ إستئصال المبيضين.
ناهيك بالشق النفسيّ الذي قد لا يفهمه البعض، بحيث تشعر المرأة أنها غير كاملة، لحرمانها من إمكان الإنجاب، أو لشعورها بالفراغ.
وتبقى الحسنة شبه الوحيدة هي زوال مشكلة فقر الدم التي كان سببها النزف المتكرّر.
وطبعاً تجدر الإشارة إلى أنّ إستئصال الرحم ضرورة قصوى وأمر محتّم في حال المعاناة من سرطان داخل الرحم، فلا سبيل عندئذٍ سوى الإستئصال للمحافظة على حياة المرأة».

تقنيّة حديثة
يتحدث الدكتور النغيوي عن «تقنية مُستحدثة هي Uterine Embolization، وتقضي بإقفال الشريان الذي يغذي الرحم لإيقاف النزف.
وعي عبارة عن حقنة فيها دواء Resorbable منشّف، يعمل على إقفال الشريان.
وبعد بضعة أيام يلتئم الشريان ويكون النزف قد توقّف ويعود الرحم ليتغذى من جديد.
وتُجرى هذه التقنية كحلّ لمشكلة طارئة هي النزف بعد الولادة، منعاً لإستئصال الرحم».
لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الإجراء يجب أن يجريه إختصاصي أشعّة تداخلية، يكون موجوداً في المستشفى ومؤهّلاً للقيام بهذه الخطوة، ليعرف أيّ شريان يجب إقفاله، منعاً للمضاعفات التي لا تُحمد عقباها.
يضيف النغيوي: «نستعمل هذا الإجراء أيضاً في حال وجود ليفة في الرحم، لإقفال الشريان الذي يغذيها، وذلك لتجفيفها عبر قطع الأوكسيجين ومنع تدفّق الدم فيها أي ال Hypervascularisation».
كما يمكن إجراء جراحة بالمنظار في هذه الحالة. وفي بعض الأحيان، قد تكون هذه التقنية مساعِدة لجراحة إستئصال الليفة، إذ تجرى قبلها للحدّ من إمكان النزف، وذلك بالتشاور مع الطبيب ودرس الحالة.

إيجابيات وسلبيات
يقول الدكتور النغيوي: «من حسنات هذه التقنية أنها ليست جراحة Invasive، وهي لا تؤثر بالتالي على الصحة ولا تستلزم نقاهة طويلة الأمدّ. كما تجرى تحت تأثير بنج موضعي بناءً على تعليمات محدّدة، على يد إختصاصيّ أشعّة تداخلية.
وهي بديل في بعض الأحيان من عمليّات إستئصال الرحم».
أمّا السلبيّات فهي قليلة نسبياً، وهي إمكان عدم توقّف النزف أو عودة المشكلة، بالإضافة إلى إحتمال حصول إلتهابات. وطبعاً، يبقى أنّ تنفيذها على يد شخص غير متمرّس قد يؤدّي إلى أخطاء فادحة.

نصيحة
يشدّد الدكتور عميره على أنه «لا يحبّذ إستئصال الرحم إلاّ كملاذ أخير، بل يجب العمل على معالجة المضاعفات بمختلف التقنيات المختصّة.
قد ننصح السيدة باللجوء إلى ذلك في حال وجود تاريخ سرطان في الرحم. لكن هذا يتطلّب نقاشاً مع السيدة وتهيئة نفسية ومتابعة طبّيّة.
فالإستئصال هو للضرورة القصوى-حسب الحالة- التي قد تهدّد الحياة والصحّة فقط، وليس تلبية لرغبة عند السيدة».
ويختم الدكتور النغيوي ناصحاً بـ «ضرورة التروّي قبل إتخاذ قرار مصيريّ مثل إستئصال الرحم، والبحث عن بدائل وحلول أقلّ جذريّة، ومتابعة أحدث ما توصّل إليه الطبّ».{

هل تعرفين بعض مضاعفات إستئصال الرحم؟

  • إنقطاع الطمث قبل نحو أربع سنوات والشعور بأعراض الPre-menopause.
  • جلطات دم في الرئتين أو الساقين.
  • حصول نزف.
  • الإصابة بإلتهابات.
  • آلام في الحوض.
  • إمساك
  • زيادة في الوزن.
  • إنخفاض الرغبة في العلاقة الحميمة.

 

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079