تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

تجربة تينا شاغوري مع التصلب المتعدد...

لا شك في أن التصلّب المتعدد من الأمراض الصعبة سواء للمريض او للمحيطين، خصوصاً أنه يظهر في سن صغيرة يكون فيها المريض في أوج نشاطه.
يمكن أن يكون هذا المرض مدمراً للبعض، فإما أن يختار المريض الخضوع له ويصبح ضحية لمرضه عندما لا يقوم بجهد لمواجهته، وإما أن يواجهه بكل قوته بالثقافة والمعرفة والإرادة والشجاعة والضحك والفرح، تماماً كما فعلت تينا شاغوري التي تحدث عن رحلتها عن المرض الذي يرافقها من سن 14 سنة.
تعايشت تينا مع مرضها بكل شجاعة ، وعاشت سعيدة وتزوجت وأنجبت 3 أولاد يدعمونها في كل خطوة تقوم بها. أما المستقبل فلا داعي للتفكير فيه برأيها بل الأفضل الاستمتاع بالحاضر بكل ما فيه.


بدأت أعراض التصلّب المتعدد تظهر لدى تينا شاغوري من سن 14 سنة، لكن في ذاك الوقت لم يتمكن أي طبيب من تحديد طبيعة تلك الأعراض التي تعانيها. إذ أن المرض لم يكن منتشراً ومعروفاً في ذاك الوقت بشكل واسع.
أول الأعراض التي ظهرت لدى تينا في تلك المرحلة بدت مشابهة لأعراض أي مشكلة أخرى مما قد يبعد التفكير في التصلّب المتعدد كمسبّب لها. عن تلك المرحلة التي شهدت ظهور أول أعراض التصلّب لديها، تقول تينا: «لم أكن أستطيع اللعب مثل سائر الأطفال الذين هم في سني.
كنت أشعر بكسل دائم وتعب أعجز عن التغلّب عليه. كنت مختلفة عن بقية الأطفال في تلك المرحلة، لذلك حرص أهلي على استشارة أطباء عدة في اختصاصات مختلفة دون ان يتمكن أي منهم من اكتشاف المشكلة التي أعانيها، خصوصاً أن التصلّب المتعدد لم يكن من الأمراض المعروفة آنذاك.
وكان الكل يؤكد اني لا أعاني أي مشكلة. لكن في سن 16 سنة، بدأت أشعر بتنميل في ذراعي اليسرى وصرت عاجزة عن استعمالها وتحريكها. عندها قلق أهلي أكثر فأكثر فاصطحبوني إلى طبيب أمراض قلب أكد أني لا أعاني أي مشكلة وحوّلني إلى طبيب اختصاصي في أمراض الأعصاب أجرى لي تصوير Scanner أكد على أثره أني مصابة بالسرطان نظراً إلى ظهور بقع لدي في الدماغ.
عندما أخبر أهلي بذلك، انهاروا بشكل تام وفقدت والدتي الوعي علماً أنها كانت مصابة بحالة اكتئاب من ذاك الوقت وكنت أعتني بها وبوالدي على الرغم من أني أنا التي تحتاج إلى العناية في الواقع.
اعتنيت بوالدتي في الوقت الذي أخبرها فيه الطبيب بهذا الخبر وطمأنتها واكدت لها أني لا أعاني أي مشكلة ولا أشعر بشيء.
من ذاك الوقت وأنا أشعر أني أحتاج دائماً لأكون أقوى لأقف بجانب والديّ وأعتني بهما.
أحتاج إلى الكثير من الطاقة لنفسي ولأجل والديّ، خصوصاً أن مريض التصلّب المتعدد يحتاج إلى معرفة مرضه جيداً من مختلف النواحي ليتمكن من مواجهته والتعايش معه».

مرّ الوقت من دون أن تعرف تينا ولا أهلها أساس مشكلتها وتلك الأعراض التي تعانيها. اكتفى الأطباء عندها بإدخالها إلى المستشفى وإعطائها الكورتيزون مما ساهم في تحسّن حالتها من دون أن يعرف أي سبب لمشكلتها.
لم يُكتشف مرض تينا إلا بعد أن اصطحبها اهلها إلى فرنسا لإجراء الفحوص اللازمة، فأُبلغوا هناك انها مصابة بالتصلّب المتعدد.
نصحها الاطباء عندها بتجنب مسببات التوتر وعدم الإنجاب بعد وصف العلاج المناسب لها. أما هي فلم تشأ إلا أن تواصل حياتها وان تعيش كأي امرأة أخرى وتكون سعيدة . كانت تعرف جيداً أن التوتر يسيء إليها والحزن يعجّل في تطور مرضها.
أما الحقن التي يجب أن تجرى لها بانتظام فكانت تحضرها من خارج لبنان لأنها لم تكن متوافرة محلياً في ذاك الوقت.

وتتحدث تينا عن مراحل حياتها منذ اكتشافها أنها مصابة بالمرض قائلة: «في المرحلة الأولى لم يكن هناك من حديث عن المرض أصلاً على الرغم من أهمية فهم المريض لكل المعطيات المتعلّقة بمرضه ليتمكن من مواجهة هذا التحدي.
إذ أنه على المريض أن يكون طبيب نفسه لأن أحداً لا يمكن أن يساعده فعلاً إذا لم يساعد نفسه ويعمل على التأقلم مع وضعه بالشكل الأنسب ليسهل الأمور على نفسه ويتخطى الظروف الصعبة التي يمكن أن يمرّ بها.
لذلك تلعب الإرادة دوراً كبيراً في هذا المرض. أعترف بأن العلاج لم يكن سهلاً في البداية ولا بد للمريض من تحمّل آثاره الجانبية الصعبة إلى أن يعتاد جسمه عليه.
فعند الحصول على العلاج للمرة الأولى ينهض المريض في اليوم التالي مع ألم في الساقين واليدين وإحساس بالتعب في الجسم كله، كما في حال الإصابة بالانفلونزا، مع ارتفاع حاد في الحرارة.
لكن لا بد من التوضيح أن هذه الأعراض تزول ما أن يعتاد الجسم عليها.

يرفض بعض المرضى أن يتابعوا العلاج بعد التعرّض لهذه الآثار الجانبية الصعبة، إلا ان هذا لا يجوز كون أهمية العلاج تفوق بكثير آثاره الجانبية الموقتة التي تزول مع اعتياد الجسم عليها، خصوصاً أنه لا يمكن الاستمرار دون العلاج الذي يبطئ تطوّر المرض.
لذلك دون العلاج يجب أن يتوقع المريض أن تتدهور حاله بسرعة كبرى. شخصياً صرت قادرة على الاعتناء بنفسي دون اللجوء إلى الطبيب لأني صرت أعرف ما يضرّ بي وما يفيدني. أما درجة مرضي فهي في الوسط.
لكن أياً كان وضعي ما يهم أني عرفت مرضي جيداً وصرت قادرة على مواجهة كل الامور.
والاهم أن يعرف المريض نفسه جيداً وليس ضرورياً الاعتماد على الطبيب باستمرار. فالعلاج الوحيد هو بالحقن التي تجرى شهرياً وتبطئ تطوّر المرض.
هذا هو الأهم لكي لا يصبح المريض ضحية لمرضه. فهمت من البداية أنه لا بد من الاعتياد على هذه الحياة مع المرض والتعايش معه وتجنّب كل ما قد يضرّ كالشمس والحرارة والبرد الشديد والتوتر.

كما أخضع لنظام غذائي معين هو الأفضل لي كوني اعرف أن اللحوم والدهون مثلاً تسيء إلي، لذلك أتجنبها قدر الإمكان. اما عن مرضي، فأتحدث دون خجل.
لم أخضع لمرضي يوماً ولن أفعل وسأبقى قوية باستمرار وأتابع حياتي كأي شخص آخر وأحرص دائماً على التأكيد أني لا أعاني أي مشكلة، على الرغم من أن قدرتي على المشي تأثرت وصرت أعرج وأستعمل العصا.
فقد وقعت مرات عدة ونصحوني باستعمال العصا، إلا أني كنت أرفض في البداية فكرة استعمال عصا، لكن بعد أن وقعت وتأذيت وافقت واكتشفت لاحقاً أني كنت محقة عند رفضي للموضوع.
إذ أني سرعان ما لاحظت أن عضلات ساقي باتت ضعيفة بسبب استعمال العصا. وأخضع باستمرار منذ ذاك الوقت إلى جلسات من العلاج الفيزيائي».

لا تفكر تينا في المستقبل ولا حاجة إلى ذلك برأيها بل المهم أن تسيطر على حالتها وتتحكم فيها دون التفكير في ما قد يحصل لاحقاً، بل تعيش بسعادة، خصوصاً أنها أنجبت 3 أولاد على الرغم مما نصحها به الاطباء في فرنسا في أولى مراحل مرضها.
ونظراً إلى شجاعتها الكبرى، لطالما عملت على التحدث مع مرضى آخرين كون المعلومات عن المرض والإحاطة به لا تزال ناقصة.
فما أن تعرف عن احد المرضى تتحدث معه عن حالتها وتعمل على تشجيعه ليعرف ان الأمور لا تحصل كما يقول الاطباء وأن الامور لا تسوء في حال التحكم في المرض والتقيّد ببعض التعليمات والالتزام بالعلاج.


دعم معنوي

تقول تينا: «لا أريد إلا الضحك والسعادة، أخرج وأعيش حياتي وأريد أن أتابعها حتى النهاية».
وتخبر عن واقعة طريفة حصلت معها فيما كانت تستلقي تحت أشعة الشمس على الشاطئ، رغم أن هذا يضرّ بها، فاستلقت على بطنها ثم صارت عاجزة عن النهوض عندما أرادت ذلك وراحت تضحك وتحدّث ساقها التي تؤلمها لتقنعها بالنهوض.
وكانت هناك سيدة إلى جانبها فهمت أنها مصابة بالتصلّب المتعدد، فأخبرتها أن والدتها مصابة بالمرض وأنها تعاني حالة اكتئاب وتعيش منعزلة عن العالم ولا تخرج من المنزل وطلبت من تينا زيارتها والتحدث إليها.
وبالفعل هذا ما فعلت فقصدت السيدة وشجعتها فكان أن تحسنت نفسياً إلى حد كبير.
لذلك تؤكد تينا أهمية الدعم المعنوي للمريض الذي يحتل الأهمية الكبرى في هذا المرض. من هنا أهمية تأسيس جمعيات ومراكز تعنى بهذا الموضوع.

أما عن أولادها فتقول: «صحيح أن الاطباء كانوا قد نصحوني بعدم الإنجاب، لكني أردت ذلك فعلاً ولم أشأ أن تمر حياتي دون أن أعيش تجربة الأمومة.
وبعد إصرار مني وافق زوجي وأنجبنا ابني الاكبر دون أن أعاني مشكلة بعد الإنجاب. المرأة التي تحمل لا تتعرض لأي أزمة خلال حملها ومن الضروري ان توقف العلاج، لكنها معرضة بنسبة كبرى بعد الإنجاب لنوبة وانتكاسة قد تؤديان إلى تدهور حالتها.
وبعد 4 سنوات من إنجاب ابني البكر أنجبت الثاني دون مشكلة أيضاً، لكن لشدة طمعي أردت إنجاب طفل ثالث مباشرةً بعدها وخلال فترة قصيرة جداً وبعد ان أنجبته تعرضة لانتكاسة أدت إلى تضرر ساقي.
قد يكون السبب في كوني أنجبت مرتين خلال فترة قصيرة اضطررت فيها لوقف العلاج ولم أتمكن من معاودته بسبب الحمل الثاني.
قد يكون هذا هو السبب في تضرر ساقي وفي كوني أعرج حالياً. لكن إنجاب أولادي الثلاثة يستأهل هذه التضحية ولست نادمة أبداً.
أما أولادي فيدركون حالتي من البداية ويتعايشون معها ويعرفون ان التوتر يضرّ بي فيتجنبون إزعاجي. كما أنهم يساعدونني في كل الأمور ويقفون بجانبي وهذا وحده يجلب لي كل سعادة العالم».


جمعية ALCEP لدعم مرضى التصلّب المتعدّد

تتحدث السيدة جين كوسى مؤسسة جمعية ALCEP عن أهداف الجمعية قائلة: «يحتاج مريض التصلّب المتعدد إلى الكثير من الدعم المعنوي والنفسي نظراً لأهمية الجانب النفسي في هذا المرض.
إضافةً إلى أهمية التوعية لأن المريض يحتاج إلى التعرف إلى مرضه بأفضل ما يمكن والحصول على كل المعلومات اللازمة عنه ليتمكن من مواجهته بالشكل المناسب وليتعايش معه بشكل لا يؤثر على حياته الطبيعية.
نظراً لاهمية الدعم العاطفي كان لا بد من العمل على تأسيس هذه الجمعية كون المرضى يحتاجون إلى الإحاطة العاطفية.
وجود الجمعية يساعد على كسر الجليد ويساعد المرضى على التحدث عن مرضهم بدلاً من أن يبقى إعاقة وحاجزاً بينهم وبين الناس.
فبهذه الطريقة يتخلّصون من أي عقدة نفسية يمكن أن تسببها الإصابة بالمرض.

لذلك، نقيم حلقات حوار بين المرضى ليتحدث كل مريض عن حالته فيُشعر ذلك الكل بالامان.
هذا إضافةً إلى أهمية التثقيف حول العلاج وطرق العناية بالنفس وتجنّب كل ما يضرّ ويساهم في تدهور الحالة، لأن ثمة فوضى عارمة بشأن طرق التثقيف حول المرضى تسيء إلى المرضى وتوقعهم في الخطأ مما يسبب لهم الكثير من الاذى، خصوصاً عند اللجوء إلى بعض مصادر الانترنت غير الموثوق بها.
كما تلعب الجمعية دوراً مهماً في متابعة تأمين الأدوية من وزارة الصحة والسهر على حقوق المرضى كلّها. ولا ننسى ايضاً ضرورة ملاحقة حقوقهم الحياتية مع أرباب العمل حتى لا يتم التغاضي عن تلك الحقوق المشروعة التي يعمد البعض إلى إهمالها .
انطلاقة الجمعية حديثة في 15 أيلول/سبتمبر 2012 وتضم اختصاصييين في مختلف المجالات التي تعنى بالتصلّب المتعدد بدعم من اطباء الجامعة اليسوعية».


حقائق عن التصلب المتعدد

  • شُخّص المرض للمرة الأولى عام 1849
  • يصيب التصلّب المتعدد نحو 2،5 مليون شخص في العالم
  • لم يظهر أي تأثير لأي فيروس في الإصابة بالتصلب المتعدد
  • يعتبر معدّل سن الإصابة بالتصلّب المتعدد 30 إلى 33 سنة
  • معدل سن تشخيص المرض هو 37 سنة
  • تشخَّص 10 في المئة من الحالات بعد سن الخمسين
  • عام 1936 كانت نسبة الاشخاص الذين يعيشون أكثر من 20 عاماً من تاريخ تشخيص المرض لديهم لا تتخطى 8 في المئة
  • منذ عام 1961 وصلت نسبة الاشخاص الذين يعيشون أكثر من 20 عاماً بعد تشخيص المرض لديهم إلى 80 في المئة
  • يصيب التصلب المتعدد النساء أكثر من الرجال بفرق كبير
  • بين التوأمين المتطابقين يصل احتمال إصابة التوأم الثاني في حال إصابة الأول إلى 30 في المئة. أما إذا كان التوأمان غير متطابقين فلا تتخطى النسبة 4 في المئة
  • احتمال الإصابة بالمرض في حال إصابة أحد أفراد العائلة القريبة كالأب أو الأم هو 1 إلى 3 في المئة
  • في حال إصابة الأم بالمرض يكون احتمال الإصابة 1 في 50 ، اما في حال إصابة الوالد فيكون الاحتمال 1 في المئة

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078