تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

الطفلة دانييلا التي تغلّبت على المرض بشجاعة...

في كثير من التجارب، يفاجئنا أطفالنا بشجاعة نادرة لا نتوقعها منهم. إذ يبدو الطفل لأهله كائناً ضعيفاً يعجز عن حماية نفسه ويحتاج إلى حمايتنا.
في الواقع، سمحت تجربة دانييلا مع مرض السرطان لأمها كارلا وكل من حولها اكتشاف شجاعتها وهي لا تزال في سن 6 سنوات.
تقبّلت وضعها وتفهمت حالتها بشكل مفاجئ لطفلة في هذه السن. أما والدتها فوجدت نفسها عاجزة واستمدت قوتها منها، فيما كانت دائماً تحاول إبعاد أي ألم أو أذى عن أطفالها.
ولم يكن في هذه المرحلة الصعبة أمامها إلا الصلاة لتعطى طفلتها فرصة ثانية لتعيش. واليوم بعد شفاء دانييلا، ازدادت العائلة تماسكاً واكتشف الكل إرادة دانييلا الصلبة التي لعبت دوراً مهماً في تغلّبها على المرض.


عن تجربة دانييلا تتحدث والدتها كارلا التي فوجئت بشجاعة طفلتها وقدرتها على تحدي المرض: «اكتشفنا مرض دانييلا قبل سنتين، وشخصياً أعتقد أن ذلك كان من حسن حظنا حتى لا تتطور حالتها أكثر فيكون علاجها أكثر صعوبة.
أذكر جيداً أننا كنا نلعب في المنزل وسقطت دانييلا أرضاً على بطنها.
كان بكاؤها طبيعياً لي، وكأي طفل آخر هدأت بعدها ونسينا الموضوع. كنت خارج المنزل عندما اتصلت بي ابنتي الكبرى جوانا لتخبرني أن دانييلا تقيأت ولكنها بحال أفضل الآن.

عدت مباشرةً إلى البيت. بدت دانييلا شاحبةً عندما رأيتها وعندما لمست معدتها قالت إنها تؤلمها قليلاً. اتصلت بالطبيب وشرحت له أنها كانت قد سقطت، ظناً أن هذا قد يكون سبب ما يحصل لها.
أكد الطبيب أن المشكلة قد تكون في العضلات ليس إلا وأنه لا داعي للقلق. لم أكن اشعر بالاطمئنان بل كان قلقي يزيد فاتصلت بجراح صديق للعائلة طلب مني أن أن أنقلها إلى طوارئ المستشفى للتحقق من المشكلة.
حضّرت حقيبة لها لأني تصوّرت أننا قد نتأخر وكنت سأرسلها إلى المدرسة في اليوم التالي.

لكن ما أن وصلنا إلى المستشفى حتى راحت تتقيأ بكثرة. كان قلبي ينبئني بأن الأمر ليس طبيعياً. وضعت دانييلا في غرفة وأجري لها فحص الCT Scan  ورأيت مباشرةً التغير في وجوه الاطباء ومنهم صديق العائلة.
طلبوا مني الانتظار وألا أقلق، لكني كنت قد رأيت في وجوههم ما يدعو إلى القلق. أردت أن اعرف مباشرةً ما يحصل لطفلتي وطلبت منهم أن يقولوا لي الحقيقة لأني لن أتحمل الانتظار.
في ذاك الوقت، كانت حالة دانييلا تسوء أكثر فأكثر. تعب جسمها وأصبح ضعيفاً وكانت تواصل التقيؤ أكثر فأكثر. عندها تم الاتصال بصديق لنا هو طبيب أطفال حضر إلى المستشفى وتحدثت إليه وطلبت منه أن يخبرني ما يحصل لدانييلا.

كانت صورة السكانّر  CT Scan قد أظهرت ورماً في المعدة. لكنه كان يفضل انتظار رأي طبيب آخر، لكن كان يرجح أنه قد تكون هناك حاجة إلى إخضاع دانييلا لجراحة لاستئصال الورم ومعه إحدى كليتيها.
شرح لي أن الورم قد يكون سرطانياً وأنه لا بد من اتخاذ الإجراءات اللازمة. صحيح أني كنت أعرف جيداً عن السرطان وكنت أحب المشاركة في الأعمال الخيرية لخدمة المرضى، لكني لم أفكر يوماً انه قد يطال فرداً من عائلتي، خصوصاً طفلتي الصغيرة».

تضيف الوالدة: «لم يكن من الممكن إجراء الجراحة مباشرةً لدانييلا لأنها كانت تعاني نزفاً داخلياً وكان من الأفضل أن تستقر حالتها قبل القيام بالخطوة التالية. صحيح اني حافظت على هدوئي لكن كان من الضروري اتخاذ الإجراءات اللازمة.
اتصلت مباشرةً بوالدتي في الولايات المتحدة وطلبت منها الحضور بأسرع وقت ممكن للبقاء إلى جانب ولدي في المنزل لتعتني بهما.

لطالما وقفت والدتي بجانبي في أصعب الظروف التي مررت بها وكنت أعرف أنها قد تفعل أي شيء لتكون إلى جانبي. ومع أنها تملك شركة خاصة بها، ويصعب عليها أن تتركها بهذه السرعة، تأتي عائلتها في المرتبة الأولى بالنسبة اليها، فحضرت نفسها لتغادر في اليوم التالي.
هي الشخص الامثل الذي يكمن الاعتماد عليه في ظروف مماثلة. في تلك الليلة كان عليّ أن أشرح لطفلتي التي كانت في سنّ 6 سنوات أنه يجب المكوث في المستشفى لبعض الوقت وانه لا بد لها من الخضوع لجراحة.

فاجأتني دانييلا بقوتها. لم تشكُ يوماً مما تمر به. أجريت لها الفحوص اللازمة وتم حقنها ولم تتذمر للحظة. كانت تمسك بيدي طوال الوقت ليس إلا، وتقول لي أن بطنها يؤلمها وتطلب مني أن أبقى إلى جانبها طوال الوقت وألا أتركها.
تم نقلها إلى العناية الفائقة الخاصة بالأطفال. وطوال الليل كانت تشعر بألم شديد، لكنها لم تبكِ مرة بل كانت تمسك بيدي فقط.
في اليوم التالي، حضر طبيب اختصاصي بالأمراض السرطانية لدى الأطفال واكد لنا أن دانييلا مصابة بالسرطان.
كان وزن الورم لديها كيلوغرامان ونصف الكيلوغرام تقريباً في المعدة ويصل إلى الأمعاء ويضغط على الشريان الأساسي الذي يصل إلى القلب وعضلة الdiaphragmالتي تفصل بين البطن والقفص الصدري.

اكد الطبيب أنها عبارة عن قنبلة موقوتة ، لو لم تسقط دانييلا على الأرض كان من الممكن ان تتعرض إلى ذبحة قلبية تودي بحياتها بسبب ضغط الورم على الشريان. سألني الطبيب ما إذا كانت دانييلا قد عانت فقدان الشهية أو تعب.
لكنها كانت طفلة مفعمة بالفرح . صحيح أني كنت قد لاحظت أنها في الشهر الماضي، لم تشأ الذهاب مع والدها للتزلج ، لكني لم أعطِ للأمر أهمية. وجدت ذلك طبيعياً لانها لطالما فضلت تمضية الوقت معي. كانت شهيتها قد خفت قليلاً لكنها بقيت تأكل كل شيء.
كما ان بطنها بدا لي أكبر حجماً قبل شهر لكن كونها الأصغر في العائلة كانت مدللة وتأكل ما تريد، فتصوّرت أن وزنها زاد قليلاً.
وكنت قد أخذتها إلى طبيب الأطفال قبل 3 أشهر لذلك لم أفكر أن سوءاً قد أصابها. أخبرنا الأطباء في مركز سانت جود الطبي لسرطان الأطفال انه  من الضروري ان تخضع للجراحة لكن العملية دقيقة نظراً لطبيعة الورم وموضعه.

كما أن الكتلة كانت قد فتحت في موضعين وكان الأطباء يجهلون ما إذا كان السبب هو سقوط دانييلا قبل يوم أو ما إذا كان ذلك قد حصل سابقاً. كما أكد الطبيب الاختصاصي بسرطان الأطفال د.عبود أنه من الضروري ان تخضع مباشرةً بعد الجراحة إلى علاج الأشعة والعلاج الكيمائي.
طلب منا أن نكون أقوياء وأن نخبر دانييلا الحقيقة وان نقف كلنا إلى جانبها لنمدّها بالقوة. كنت أعرف أنه محق نظراً لخبرته الطويلة في المجال.
كنت قد مكثت إلى جانب دانييلا طوال الوقت في العناية الفائقة الخاصة بالاطفال، لكن تركتها لبعض الوقت للتحدث مع د.عبود، ولدى عودتي فاجأتني بسؤالها: «هل أنا مصابة بالسرطان مثل كيكا؟» .
كيكا هي المربية التي بقيت لدينا طوال 7 سنوات ، ثم تبين أنها مصابة بالسرطان. عالجناها واهتممنا بها ثم عدنا وأرسلناها إلى بلادها. شرحت لدانييلا أن لديها ورما بحجم كرة في معدتها يجعلها مريضة وسيتولى الطبيب مهمة معالجتها لتشعر بتحسن.

أخبرتها أن الأمور لن تكون سهلة ولن تشفى سريعاً لكننا سنكون كلنا إلى جانبها لتجري الأمور بشكل أفضل.
لم أتصور يوماً أنها كطفلة ستكون متفهمة إلى هذا الحد. فاجأتني بشجاعتها، حتى أنها كانت مصدر قوة لنا كلّنا. عرفنا عندها كيف يمكن لطفلة بسن 6 سنوات أن تكون متفهمة وأن تفعل ما يطلب منها دون تذمر».


خلال العملية وبعدها

على الرغم من صعوبة تلقي خبر من هذا النوع، كان من الطبيعي ان تكون المرحلة التالية للعائلة ككل أكثر صعوبةً بعد. فكم من الصعوبة رؤية طفلة تصارع المرض بكل قواها وبشجاعة نادرة، فيما يجد الأهل أنفسهم عاجزين عن إزالة ألمها وعذابها.
لحظات صعبة مرت في حياة دانييلا وعائلتها التي وقفت إلى جانبها لتمدها بالقوة وتدعمها. عن هذه المرحلة تقول والدة دانييلا: «عندما تم اصطحاب دانييلا إلى غرفة العمليات، لم يكن أمامي إلا الصلاة. ولم أتصور ان مدة العملية قد تطول إلى هذا الحد.

8 ساعات مرت وكأنها دهر، جلست أصلي وأفكر أن طفلتي مصابة بالسرطان وأنها ستعاني كثيراً لتتغلب على مرضها وتشفى. هذا، وكنت أعرف أنه من الضروري أن أتحلّى بالقوة  وأن أكون إيجابية إلى أقصى حد لتكون الأمور أسهل لها وللعائلة ككل، وهذه الإيجابية هي الشيء الوحيد الذي قد يسهل الأمور علينا كلّنا. في العملية، تم استئصال الكلية جزء من عضلة الdiaphragm.
عرفت بعد العملية أنه كان من حظنا أننا اكتشفنا المرض في الوقت المناسب قبل أن يحصل الاسوأ ونخسر دانييلا. تعرّفت إلى أمهات أخريات في فترة انتظاري في المستشفى لم يحالفهن الحظ مثلي، وهذا ما زادني قوة وعزماً كون دانييلا أعطيت فرصة ثانية لتعيش ويجب أن نستفيد منها ونكافح حتى النهاية.

في هذه الأثناء، كان شقيقا دانييلا طوني(12 عاماً) وجوانا قلقين للغاية على شقيقتهما الصغرى. ارتحت كثيراً عندما وصلت والدتي في الليلة التي تلت الجراحة. كنت أحتاج إليها لتكون إلى جانب طوني وجوانا في هذه الأثناء الصعبة التي لا يمكن أن أكون فيها إلى جانبهما.
وبعد 5 أيام ، حضر طوني وجوانا إلى المستشفى لزيارة دانييلا. كانت هذه أجمل اللحظات. طلبت فيها من الكل أن يغادر الغرفة لاني كنت أعرف أنها لحظات، صعبة لهم يرون فيها شقيقتهما الصغرى في السرير مع كل تلك الأنابيب.

وقفا جامدين لحظات لكن سرعان ما راحا يلعبان معها ويقرآن لها القصص. عندها عرفت أن عائلتي ستكون بخير وستتخطى هذه المحنة.
وبعد هذه المرحلة، أتت مرحلة العلاج بالاشعة وبالعلاج الكيمائي. خضعت دانييلا إلى 8 جلسات بالأشعة وكانت هذه أصعب الأمور التي يمكن لطفل في مثل سنها أن يحتمله. أما العلاج الكيمائي فخضعت له خلال 6 أشهر .
طوال هذه الفترة كانت دانييلا تخضع للعلاج وتذهب إلى مدرستها قدر الإمكان كونها لم تشأ يوماً أن تكون في وضع مختلف عن أصدقائها.
اما رفاقها في الصف، وعلى الرغم من صغر سنهم فقدموا لها الكثير من الدعم وساعدوها كثيراً. حتى أنه عندما بدأ شعرها يتساقط، وكانت تعرف مسبقاً أن هذا سيحصل، ساعدها أصدقاؤها في التقاطه من الأرض ورميه في سلّة المهملات.

كما حضّرت لكل الفتيات في الصف أربطة رأس خاصة يضعنها كلّهن لكي لا تشعر دانييلا بأنها مختلفة، وكان الكل داعماً من رفاقها في الصف إلى معلّمتها.
اما بالنسبة الى ممرضتها التي كانت رائعة ودعمتنا كثيراً فكانت لطيفة ومحبة إلى درجة ان دانييلا صارت تنتظر بفارغ الصبر للذهاب إلى جلسة العلاج ورؤية ممرضتها رندا.
وبقينا على اتصال معها حتى الآن وتمر دائماً دانييلا لزيارتها. وكانت دانييلا قد اضطرت إلى دخول المستشفى مرات عدة في فترة علاجها، لانخفاض مناعتها.
وطوال ذاك الوقت، دعمها كل أفراد العائلة إلى حد كبير ووقف الكل إلى جانبها من والدها إلى شقيقها وشقيقتها .
كانوا يحضرون إلى المستشفى يومياً في فترة بعد الظهر لتمضية الوقت معها وتسليتها ورفع معنوياتها لتشعر بالسعادة».


بعد الشفاء

تمكنت دانييلا من التغلّب على مرضها بشجاعة مفاجئة لطفلة في مثل سنها. ولم يبقَ من تلك المرحلة الصعبة التي مرت بها إلا الفحوص الروتينية التي تخضع لها باستمرار.
أما والدتها فتخاف عليها أكثر الآن وتذكرها بضرورة الإكثار من شرب الماء ودخول الحمام باستمرار. علماً أن دانييلا تعرف جيداً أنها لا تملك إلا كلية واحدة تحتاج منها إلى رعاية خاصة.
وتقول والدة دانييلا عن مرحلة ما بعد المرض: «صحيح أن دانييلا عاشت تجربة صعبة جداً ساهمت في نضجها بسرعة كبرى بشكل لا يمكن أن أتصوّره. هي تفهم جيداً ما مرّت به من تجربة وتتفهمها وتعرف ما يجب أن تفعله الآن حيال هذا الموضوع من الآن فصاعداً.

قرّبتنا هذه التجربة من بعضنا البعض، كعائلة وعرفنا كم نحن محظوظون لكوننا عائلة متماسكة ندعم بعضنا ونحب بعضنا إلى هذا الحد.
أود أن أؤكد شخصياً، أنني كأي أم مستعدة لفعل أي شيء لأبعد الألم عن الأطفال عامةً، خصوصاً عن أطفالي. وكوني مررت بهذه التجربة التي عجزت فيها عن إبعاد الألم عن طفلتي شعرت بكثير من العجز.

أود أن أشكر كل أصدقاء دانييلا الذين وقفوا إلى جانبها في هذه الأيام الصعبة التي عاشتها وأظهروا لها الكثير من الحب والدعم ولا يزالون حتى الآن إلى جانبها ليشعروها بدعمهم وبوجودهم إلى جانبها لرعايتها.
لعب الدعم من قبل العائلة وأصدقائنا وأصدقاء دانييلا دوراً كبيراً في شفائها ويعني لنا الكثير. وبشكل خاص حضور أهلي من الولايات المتحدة وغواتيمالا شكل لي دعماً رائعاً وساعدني على تخطي هذه المرحلة لأزداد قوة من أجل دانييلا.

والأهم لنا بعد هذه التجربة الصعبة أن شجاعة دانييلا وعزمها وعنادها وشخصيتها الرائعة، كلّها عناصر لعبت دوراً مهماً في مرحلة علاجها لتبقى ضحكتها موجودة وتجعل كل لحظة في حياتنا أجمل وأكثر سعادة».

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080