تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

جوال ريشا تصارع السرطان بالإيمان

لم تكن الشابة جوال ريشا تتصور أن سرطان الثدي يمكن أن يصيبها وهي لا تزال  في التاسعة والعشرين. حتى الأطباء لم يتصوروا ذلك وأكدوا لها أن لا مشكلة لديها.
لكن حدسها أكد لها العكس حتى اكتشفت إصابتها بالمرض. قطعت جوال طريقاً صعباً ولا تزال، في محاربتها المرض الذي تخلصت منه في المرة الأولى فعاد بشراسة كبرى وانتشار أوسع في المرة الثانية.
هي تعرف جيداً أن التجربة التي مرت بها ليست سهلة لكنها تتقبلها بكل إيجابية وشجاعة وتعرف أن ما ينتظرها قد لا يكون أقل صعوبة.
كان لإيمان جوال دور كبير في مساعدتها على تخطي كل الصعاب فتتكل على الله في كل خطوة تقوم بها، مؤكدة أن آخرين يمرون بتجارب لا تقل صعوبة، لكن الأهم هو التحلي بالإيمان لتخطيها بإيجابية وشجاعة، كما تفعل.


اكتشفت جوال ريشا إصابتها بسرطان الثدي بالصدفة. لا بل إن حشريتها، كما تقول، ساعدتها على اكتشاف المرض، إذ لا يمكن أن يتوقع أحد إصابة شابة لا تزال في سن 29 عاماً بسرطان الثدي.
هي حالة نادرة لم يتنبه لها الطبيب حتى، لكن حدس جوال كان ينذرها لتتأكد أكثر من وجود المرض.
عن اكتشافها الورم الخبيث في الثدي للمرة الأولى تقول جوال: «الكل يتحدث عن أهمية التشخيص المبكر لسرطان الثدي في سن 40 أو 50 سنة، كما أنه ثمة حالة في أواخر الثلاثينات، لكن من يتوقع أن اصاب بالمرض في هذه السن المبكرة وأنا لا أزال في سن 29؟ كنت أسمع عن حملات قوية كانت تقام في ذلك الوقت في الولايات المتحدة الأميركية وتدعو إلى الكشف المبكر لسرطان الثدي.
دفعني فضولي إلى إجراء الفحص الذاتي فيما كنت أستحم ولاحظت دملة في أعلى الثدي الأيمن، فيما لم أكن أتوقع أبداً أن أجد شيئاً، وهذا أمر طبيعي في مثل سني خصوصاً. مع الإشارة إلى أن لا أحد في عائلتي أصيب بسرطان الثدي.
كان من الممكن أن أهمل الموضوع بكل بساطة، لكن وكأن الله كان يدعوني إلى المتابعة لأكتشف مرضي في الوقت المناسب.
والغريب أنه حتى الطبيبة النسائية أكدت لي أنه لا يمكن أن يكون التورّم خبيثاً وأنا في هذه السن، مؤكدةً أيضاً أنه تكتل سرعان ما يزول. لكن نظراً إلى إصراري طلبت لي صورة وهي مقتنعة بأنه لا مشكلة عندي.

أنا شخصياً لم أقتنع أبداً بما كانت تقول، وكان حدسي ينبئني بأن الأمر أخطر من ذلك بكثير. لذلك، كنت مصرّة على المتابعة.
وعندما اتصلت للحصول على موعد للصورة، قيل لي إن هذا غير ممكن قبل شهر، لكن أحدهم كان قد ألغى موعده لليوم التالي، فأخذته مباشرةً كوني كنت شديدة القلق. طوال الوقت كنت أشعر أنه أمر خطير وأنه يجب ألا أهمل الموضوع وأتغاضى عنه.
عندما ذهبت إلى الفحص، رأيت كيف تغيّر وشحب لون وجه الفتاة التي تقوم بالفحص. عرفت عندها أن الأمر ليس طبيعياً وبدأت أخاف أكثر فأكثر، فسألتني منذ متى هذا الورم موجود في الثدي، أخبرتها أني اكتشفته من أقل من أسبوع لكنني أجهل منذ متى ظهر.
خصوصاً عندما طلب من 3 أطباء الحضور إلى جانبي حاولوا أن يطمئنوني مؤكدين أنه لا مشكلة لدي وطلبوا مني إجراء صورة شعاعية للثدي لمزيد من الاطمئنان.
الغريب أنه حتى في الصورة الشعاعية لم يظهر شيء فخضعت بعدها لصورة Ultrasound (فوق الصوتية) ثم كان يجب أخذ خزعة لكني لم أوافق مباشرةً بل طلبت التفكير بالموضوع.
لكنهم كانوا مصرّين على ذلك وطلبوا مني عدم التأخر في إعطاء الجواب لأنه يجب عدم إضاعة الوقت.
بعد 5 أيام أتصلوا بي لأني لم أرجع من أجل الخزعة وأخبروني أنه نظراً إلى ما رأوه هناك نسبة 50 في المئة بأن أكون مصابة بالسرطان.
في الواقع تبين أنه فعلاً ورم خبيث في مرحلته الأولى لكنه شرس كأي ورم يظهر في هذه السن المبكرة.
أما شراسته ففي الدرجة الثالثة. من لحظة اكتشافي المرض أشكر الله، فلولاه لما لاحظت الورم في بدايته ولما أصررت على المتابعة وأنا اشعر بوجود مشكلة.

بالنسبة إلي كانت رسالة من الله أنبأتني لأكتشف المرض في بدايته. إيماني قوي بالله أصلاً لكنه زاد كثيراً بعد هذه التجربة التي مررت بها وصار أكثر صلابة وقوة.
عندما علمت بإصابتي بالمرض سألت عما يجب فعله فقيل لي أني سأحتاج إلى عملية لاستئصال الورم، دون حاجة إلى استئصال الثدي كاملاً، وإلى علاج كيميائي قوي وجذري مع علاج بالأشعة.
سألت أيضاً عما إذا كنت سأخسر شعري فأكد لي الاطباء أن هذا ضروري لنقضي على المرض نهائياً.
تم استئصال الورم وكانت العملية سهلة، وبعد شهر ونصف الشهر بدأت العلاج الكيميائي لمدة 5 أشهر أجريت فيها 8 جلسات بمعدل واحدة كل أسبوعين.
أعترف بأن الأمر لم يكن سهلاً. تعذبت كثيراً وعانيت بشكل يصعب تحمّله، خصوصاً أن الاطباء أغفلوا في البداية إعطائي مسكنات الألم، فتحمّلت ألماً لا يحتمل وخلال 5 أيام لم أنم أكثر من 3 ساعات من شدة الألم.
 وكان أهلي من حولي يجهلون ما يمكن فعله لمساعدتي، وكنت أطلب من الله أن يساعدني وأن يعطيني القدرة على التحمّل.
كنت بالفعل عاجزة عن تحمّل الألم الكبير الذي أعانيه لدرجة أني كنت أود أن أرمي نفسي من شدته. تمكنت من تخطي هذه المرحلة الصعبة  بعون الله إذ شعرت بأنه يحدثني ليشجعني على التحمّل فأعطاني القوة اللازمة لذلك.

من تلك المرحلة، شعرت كأن قوة تنبع من داخلي. تابعت العلاج بكل شجاعة وكان الكل يقول لي كم أنا مشرقة في فترة العلاج، وكأن تلك القوة التي مدّني بها الله انعكست على وجهي.
فعلى الرغم من تساقط شعري كاملاً، لم ير أحد إلا إشراقتي الدائمة. وكنت أمشي في الطرق في أميركا دون شعر مستعار لأنه كان يسبب لي التعرّق نظراً إلى الحر الشديد، عارية الرأس وكثر يتوقفون لإبداء إعجابهم بجمالي ولتشجيعي».


في عودة المرض

لم تقتصر تجربة جوال على هذه المرحلة الصعبة، فبعد 3 سنوات، وفيما كانت تقوم بالفحوص الروتينية وبعدما نما شعرها مجدداً وعادت إلى حياتها الطبيعية، لاحظت ظهور دملة جديدة في الثدي نفسه في موضع أعلى. كان من الطبيعي أن تقلق عندها، بعد التجربة الصعبة التي مرت بها، فما كان أمامها إلا التوجه إلى الطبيب لإجراء الفحوص اللازمة.
عن هذه المرحلة الثانية تقول جوال: «تماماً كما في المرة الأولى التي أصبت فيها بالمرض، طلب الأطباء إجراء خزعة وتبيّن أن المرض قد عاد لكنه كان في هذه المرة قد بلغ مرحلته الرابعة، فقد خرج من الثدي وانتشر أكثر.

هذا على الرغم من أني كنت قد أجريت التصوير بالرنين المغناطيسي دون أن يظهر شيء في الصور. كان الورم قد انتشر إلى أعلى الصدر.
خضعت لجراحة جديدة أكد على أثرها الاطباء أنه تم استئصال الورم بالكامل وأني لم أعد أعاني أي مشكلة وأن وضعي جيد.
ولم يتخذوا قراراً بإخضاعي للعلاج الكيميائي لأن المرض قد عاد وفي المرحلة الرابعة وكان من الأفضل، بحسب ما قالوه، أن أتبع علاجات لوقف المرض ومنع عودته نظراً إلى ارتفاع احتمالات عودته.
لكن بعد أسبوع، ولأني صرت أعرف جسمي جيداً بعد ما مررت به، لاحظت تورّماً صغيراً.
كنت قد بدأت بعلاج الأشعة وأرسلوني لإجراء الصور وتبين فيها وجود ورم صغير جداً أغفلوا استئصاله في الجراحة.
أوقفت العلاج بالأشعة واستشرت أحد الأطباء الذي نصحني باستئصال كل شيء مع الصدر لأن الورم في موضع دقيق ولا يمكن إهماله.
أما الطبيب الآخر الذي استشرته، فلم ينصح بإجراء العملية وأكد أنه غير مستعد لإجرائها.

كما كانت المشكلة أن أي جراح لا يعتبر قادراً على إجراء عملية دقيقة من هذا النوع، فنصحني الطبيب بالبحث عن جراح قادر على إجراء العملية.
كافحت كثيراً في تلك المرحلة ومررت بمرحلة صعبة لكني رفضت الاستسلام.
وانطلاقاً من تجربتي الخاصة أدعو كل شخص إلى اتباع حدسه عدم الوثوق تماماً بما يقوله الطبيب لأن الطبيب قد لا يكون دائماً على حق أما حدسنا فلا يخطئ أبداً.
أعرف مما مررت به أنه يجب الكفاح من أجل الحياة فحياتنا هي الأثمن لنا أما الأطباء فيرون الآلاف ولن تؤثر حياة شخص إضافي إن خسرها أو ربحها. لجأت إلى طبيب ثالث لأستشيره وأكد لي أنه لا يمكن أن أشفى من مرضي.
أخبرني أنه يمكن اتباع العلاج لكنه لن يساعد على الشفاء نهائياً من المرض.
نصحني عندها بالخضوع لعلاج كيميائي خفيف بهدف السيطرة على المرض. حاولت أن أفعل ما قال وأجريت لي جراحة بسيطة وبدأت العلاج قبل أشهر وأتابعه حتى الآن.
وكان الطبيب قد قال لي بعد شهرين من بداية العلاج أنه لم ير شيئاً في الصور وأنه يمكن وقف العلاج ومن الأفضل أن نجري العلاج بالأشعة.
لم أقتنع بما قاله وأردت أن أجري صورة شعاعية تبين فيها أن الورم لا يزال موجوداً.

إنزعجت كثيراً من الموضوع لأني أضعت الوقت وتركني الطبيب شهراً كاملاً دون علاج. بدأت البحث عن طبيب آخر بعدها خضعت للعلاج الكيميائي.
ثم تبيّن أنه لا أورام عندي فخضعت لجراحة دقيقة ناجحة أجراها لي 4 جراحين تمّ فيها إستئصال كل شيء بما فيه الصدر والثدي وتمّ العمل على شرايين معيّنة. مكثت 12 يوماً في المستشفى وها أنا اليوم أتعافى تدريجاً».
رغم هذه التجربة الصعبة التي مرت فيها جوال وهي في عز شبابها، ورغم كل ما تحمّلت تبدو نظرتها الإيجابية إلى الامور واضحة وتؤكد أنه كما مرت هي بهذه التجربة يمر أي إنسان بتجارب من نوع مختلف.
تسلّم أمرها إلى الله وتتقبل كل ما قد يحصل لها لأن إيمانها به كبير وتتكل عليه في إرشادها إلى الطريق الصحيح في كل ما تفعل لأنها من دونه لا يمكن أن تتابع حياتها.

لذلك تنتظر جوال دون خوف ما ينتظرها، فكما كان الله بجانبها من البداية حتى اكتشفت مرضها وحاربته هي متأكدة أن سيبقى بجانبها حتى النهاية، مهما حصل.
وكانت جوال قد أنشأت صفحة لها على الفيسبوك تضع فيها كل ما تحس به وما تمر به في فترة مرضها فتساعد نفسها وتساعد آخرين من خلال تجربتها. لكن في المرحلة الاخيرة لم يعد ذلك ممكناً بالنسبة إليها لضيق الوقت وكثافة العلاجات والفحوص ولأنها كما تقول، تحتاج إلى تخصيص كل الطاقة اللازمة لتواصل السير في الطريق.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078