تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

الدكتورة ناهد باشطح: الإعلام الجديد يحتاج إلى قوانين وميثاق شرف

طموحة، عصامية ونشيطة، لم تثنِها الظروف عن الوصول الى السلطة الرابعة، فتنقلت فيها من صحيفة إلى أخرى، وفي كل صحيفة وضعت بصمة، من كاتبة للمقال الإبداعي إلى التحقيق الصحافي، حتى أصبحت الدكتورة ناهد باشطح مثيرة للجدل في أواخر القرن الماضي، وحصدت جائزة الصحافة العربية.
ومع بداية الألفية الثالثة، سافرت إلى بريطانيا وحصلت على الدكتوراه في الإعلام من University of Salford Manchester، وعادت حاملةً في جعبتها معايير جديدة لتطوير المحتوى الإعلامي، مع السعي الحثيث إلى تمكين المرأة السعودية. التقتها «لها» في حوار يكشف أوراقها الصحافية والإعلامية بين السعودية وبريطانيا.


- من هي الدكتورة ناهد باشطح المثيرة للجدل، والتي وضعت بصمة في المجال الإعلامي في وقت كان حكراً على الرجال؟
ناهد باشطح هي أمٌ ربّت ست بنات تربية ديموقراطية وحضارية. صحافية شغوفة بالعمل، ولم أصنع بصمة، فالله كافأني لإخلاصي في العمل ولاهتمامي بدراستي وأسرتي، ومهّد لي الطريق لأكون السبّاقة في الحصول على الجائزة العربية عام 2001.

- كرّستِ جلّ اهتمامك للصحافة الإلكترونية حينها، ما السبب؟
البحث الدؤوب عن الجديد في عالم الصحافة منذ عام 2000، والاهتمام الكبير بهذا العالم، وهو ما لم يكن متوافراً في العالم العربي، فلا أحد من الصحافيين والكتّاب كان يملك مواقع إلكترونية آنذاك باستثنائي أنا والصحافي سعد الدوسري، غير أنني أسّست موقعي وصمّمته بنفسي وكان أشبه بصحيفة إلكترونية، بمساعدة الأستاذ محمد أبا حسين، رئيس تحرير جريدة «الجزيرة» السابق رحمه الله.
كنت أمارس فيه الصحافة الإلكترونية وأنشر مقالاتي قبل أن يعرف أحد عن الصحافة الإلكترونية شيئاً، وكنت أكتب المقال على جهاز الكومبيوتر وأعمل له أيقونة: «اكتب تعليقك». ولم أكن أعلم أن هذا المكان للقارئ كي يتفاعل عبره،  فـ»التفاعل الإلكتروني» بين الكاتب والقارئ هو أحد أُسس صحافة الأونلاين.

- بمَ أفادكِ تأسيس ذلك الموقع؟
ثمة جهود لا نحصد نتائجها فوراً، لكنني زرعت بذرة أو ربما أسّست قاعدة حين صمّمت موقعي عام 2000، وانشغلت عنه في ما بعد بتأسيس المركز الإعلامي. واليوم أشعر بوجوب تجديد تلك التجربة. وكما قلت، لم أحصد شيئاً في ذلك الحين، سوى أنني فتحت نافذة لي مع متابعين للموقع من خلال منتدى شبكة ناهد، وحين ألتقي ببعضهم يخبرونني أنهم كانوا أعضاء في منتدى شبكة ناهد، فربما دفعني النجاح الى التفكير في تأسيس صحيفة أسبوعية إلكترونية.

- تنقّلت بين صحف سعودية وعربية عدة ونسجت معايير في كل منها، أي صحيفة وجدت نفسك فيها من دون مقص الرقيب؟
في صحيفة «الرياض» حين كان رئيس تحريرها الأستاذ تركي السديري رحمه الله، حيث أعطاني فرصة لم تكن متوافرة على مستوى الخليج، وسمح لي بأن أنشر قالباً جديداً من المقالات يُسمّى «المقال الابتكاري»، أي أضع على المقال صورة تعبّر عن المحتوى. وفي صحيفة «الجزيرة» حين كان رئيس تحريرها محمد أبا حسين رحمه الله، إذ شجّعني وعلّمني كيف أكتب الزاوية اليومية، وكيف أنزل من البرج العاجي بأسلوب مباشر.

- كم سنةً عملت في الصحيفتين؟
عملت في صحيفة «الجزيرة» ستة عشر عاماً، وفي عام 2001 تنقّلت بين صحيفتَي «الشرق الأوسط» و «الوطن» ونشرت في مجلتَي «المجلة» و»لها»، وبعدها عملت في صحيفة «الرياض» ما يقارب السبع سنوات، ثم عدت الى بيتي الأول، «الجزيرة»، واليوم تركت كل ما يمتّ إلى الصحافة الورقية بِصلة وأعمل على تأسيس صحيفتي الإلكترونية.

- سافرت إلى بريطانيا لدراسة علم النفس، وبعدها انتقلت الى دراسة الإعلام، ما السبب الرئيس لذلك؟
لم يكن التخصّص في الإعلام ضمن تخصّصات الابتعاث، فتسجّلت في علم النفس العيادي، وبعد سنة تغيّرت ظروفي الاجتماعية وانتقلت إلى الإعلام وحصلت على الدكتوراه في المجال الذي أحب.

- ما الفارق بين الإعلامين العربي والغربي؟
الإعلام الغربي واضح في توجهاته ومنظّم، فهم أسرع تطوراً منّا. أما في الإعلام المحلي فمؤسسات المجتمع المدني تبدو كالغائب الحاضر، لا دور فعّالاً لها في تنظيم المهنة. وفي الإعلام العربي، لغياب الحرية دور بالطبع في ممارسة المهنة، ومع ذلك هي ليست دوماً على درجة عالية من الصدقية، لكنني أحب الاطّلاع على إعلامهم لمزيد من الفهم والتحليل، ولا أوافق على كل ما ينشرونه.

- لهم نظرتهم الخاطئة عن عالمنا العربي...
هم متحيّزون كثيراً. قرأت أخباراً خاطئة وكاذبة عن المرأة السعودية، وعن حياتها في أكثر الأحيان، لكن أحترم مهنيتهم في ما يتعلق بالأسس الصحافية.

- لماذا ينظرون إلى المرأة السعودية نظرة سلبية؟
هذه الصورة السلبية تعود الى أكثر من سبب، منها الخلفية التاريخية في زمن الاستشراق، بأنها امرأة خانعة وخُلقت فقط لإغراء الرجل. ومنها ثقافة الصحافي حين يكتب عن ثقافة مغايرة لثقافته، فيدخل في ما يسمّونه «الأُطر»، ويستخدم لا شعورياً بعض الأطر التي تصنع صورة سلبية عن المرأة السعودية، وتهمّش إيجابياتها.

- ما يعني أن هناك تحيّزاً!
التحيّز موجود في الإعلامين الغربي والعربي، لأن كلاً منا يكتب وفق ثقافته، ووفق النظرية التي استخدمتها في بحثي للدكتوراه «تحليل الأطر» في حال نشر الصحافيين البريطانيين عن المرأة السعودية، ونتيجة لثقافة الصحافة، العامل البارز في بناء الأخبار يُحدث التحيّز.

- بين الأمس واليوم، كيف تقرأ الدكتورة ناهد وجود المرأة السعودية في المجال الإعلامي؟
أنا متفائلة، ومع ذلك يجب أن نفعل شيئاً كأن تكون لنا منصة خاصة نحن الإعلاميات، ليس للانفصال عن الرجل، بل من أجل التركيز على قضايا المرأة وحقوق الإعلامية ومدى تطوير ذاتها المهنية.

- ما أهم تلك الحقوق؟
ما زال راتب الإعلامية السعودية أقل من راتب الإعلامي، وهي مستبعَدة من التغطية الإعلامية خارج الوطن، والأفضلية للإعلامي، وحقوقها مهدورة في بعض المؤسسات. لذلك أطالب بمنصة أو تجمع نسائي مسؤول عن المرأة الإعلامية السعودية، لفتح المجال أمام جيل قادم من الإعلاميات يحتاج إلى أن يتخطّى العقبات التي واجهتنا في الأمس كإعلاميات.

 - «لها» ترى أن هناك جيلاً جديداً من الفتيات تخطّى تلك العقبات في الإعلام الجديد؟
إن كانت «لها» تقصد الفتيات اللواتي يعملن في الصحف الإلكترونية، فهؤلاء متعاونات بلا رواتب ليس إلا، لكن من خلال الرسائل التي تأتيني على «تويتر» لم يتخطّين العقبات، ولا تزال غالبية الإعلاميات المتحمّسات في حاجة الى المساعدة والتوجيه الصحيح، ذلك أن الإعلام الجديد بلا قوانين ولا ميثاق شرف مثل الإعلام التقليدي لدى معظم الدول.

- ما رأي الدكتورة ناهد بـ»السوشال ميديا» في شكل عام؟
أؤيد الإعلام الجديد، سواء الصحافة الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي، لكونها تعطي القارئ حق التفاعل، وتمنح الصحافي حق الإبداع بلا رقيب، ويبقى الضمير المهني محرّكه الأساس، لكن المشكلة تكمن في تخلّف مؤسسات المجتمع المدني عن القيام بدورها في تطوير المهنة ومعاقبة مخالفي أنظمتها.

- لكن «سناب شات» غصّ بالتغطيات من كل حدب وصوب بلا مهنية...
ما أراه على «سناب شات» مجموعة شباب لا علاقة لهم بالإعلام، ويغطّون أحداثاً صحافية، ما يدفعني للعتب على الصحافيين المهنيين الذين أعطوهم كل المفاتيح، والمفروض أن يستثمروا هم تلك التغطيات في «سناب شات» وينتصروا لمهنتهم، وألاّ ينتظروا المؤسسات أو وزارة الثقافة والإعلام. بعض الصحافيين تخلّفوا عن الركب الإعلامي الجديد، لذا يجب أن نسعى جميعاً كإعلاميين وإعلاميات إلى انتزاع حقنا في تطبيق مبادئ مهنتنا، ولا حق في العالم يُقدّم على طبق من ذهب.

- هل يعني هذا أن المرأة السعودية حاضرة بقوة في الإعلام الجديد؟
حاضرة بقوة، لكن من دون توجيه أو أي محاسبة على ما يُنشر في السوشال ميديا.

- الدكتورة نوف الغامدي، مستشارة التنمية الاقتصادية وحوكمة الشركات، كتبت: «سوق إعلانات الـ «سناب شات» وحدها بلغت نحو 50 مليون ريال شهرياً، أي 600 مليون ريال سنوياً، وتطالب بإطار قانوني وترخيص من وزارة الثقافة والإعلام تحت مسمّى إدارة الإعلام الجديد والإشراف على المحتوى». كونك تعملين على تطوير المحتوى الإعلامي، ما هي وجهة نظرك؟
أوافقها الرأي، لأنه يجب أن يكون هناك اتفاق على المحتوى بين وزارة الثقافة والإعلام، وإدارة الإعلام الجديد، لكي تنشط وتراقب كل ما يُنشر من غثٍّ وسمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والأمر يحتاج إلى وقفة، لأنه منذ تسلّم الدكتور عواد العواد وزارة الثقافة والإعلام، كان مهتماً بالإعلام الجديد، لكننا نطمح إلى وجود الصحافي المؤهّل/ الصحافية المؤهّلة، في الإعلام الجديد مع وجود قواعد وقوانين صارمة.

- ما هي الاستراتيجية لتطوير المحتوى الإعلامي الجديد في ظل الانفتاح؟
تدريب الصحافيين والصحافيات على قواعد الإعلام الجديد يُبقي مستوى المحتوى الإعلامي جيداً، وإن وُجدت بعض التجاوزات البسيطة في كل بقاع العالم، نعمل على مكافحتها، لأن المحتوى الرديء مثل العملة الرديئة، مصيره الاندثار.

-  كيف تقرأ الدكتورة ناهد دور المرأة السعودية في الإعلام الجديد؟
حصلت الصحافية السعودية اليوم على مزايا كثيرة في الإعلام الجديد غير متوافرة في الإعلام التقليدي. وعلى الجانب الآخر قابلت الكثير من الصحافيات والصحافيين الذين درسوا الصحافة الإلكترونية ولا يعرفون كيف يتعاملون معها، لأن دراستهم بقيت في إطار القواعد النظرية من دون تطبيق ولا تدريب.

- لكن بعض الصحافيات المهنيات يرفضن الظهور على «سناب شات»؟
سينتهي عمر الكتابة في الصحف الورقية، والصحافة التقليدية آيلة إلى الاختفاء خلال السنوات العشر المقبلة، لذا إن لم تُطوّر الصحافية  والصحافي أدواتهما، فهما سينتهيان.

 - هل تكشف الدكتورة ناهد لـ»لها» خطواتها الجديدة نحو تمكين المرأة السعودية في الإعلام الجديد؟
لن أفصح عن كل أفكاري، لكن سأعلن من منبر «لها» عن مؤتمر الإعلاميات السعوديات الثالث في الرياض قريباً، وهو تجمّع نسائي في شكل أو آخر، لا نزال قيد التحضير له، ولم يُحدَّد قالبه بعد.

- أرباح مشاهير السوشيال ميديا بلغت أرقاماً مهولة، حيث ترتفع في شكل متسارع حتى أصبحت تساوي 41 بليون دولار في عام 2017 مقابل 17.85 بليون دولار في 2014 وفق مقال الدكتورة نوف، ما رأيك؟
كوني متخصصة في المحتوى الإعلامي، لا أعرف عن الإعلانات شيئاً ولا أستطيع إعطاء أي تصور عنها، ولم أدخل مجال الإعلانات رغم عدد متابعيّ الضخم على «سناب شات»، لكن إذا دخلت هذا المجال ولم يكن الإعلان متوافقاً مع طبيعتي الإعلامية، فإن ذلك سيؤثر في صورتي الشخصية الراسخة في أذهان الجمهور، لذا أفضّل ألا أكون في هذا المجال وأخسر اسمي.

- ظاهرة الـ «سناب شات» أفرزت هوساً لتحقيق الشهرة، ولاهثين وراء المال، هل هي ظاهرة صحية؟
لا أناس مثاليين أو سيئين بالمطلق. في كل مهنة، يهدف البعض الى الربح فقط، والبعض الآخر يهدف الى الربح ونشر رسالة، وبينهم من لا يهدف إلى هذا ولا إلى ذاك، وكلٌ ميسّر لما خُلق له، وفي النهاية هم أحرار لأن قوانين الكون تقول: «ما تعطيه يعود لك».

- هل الشباب الغربي مهووس بالسوشيال ميديا مثل الشباب العربي؟
كل الناس مهووسون بـ»السوشيال ميديا»، لكن لدى الشباب الغربي استثمارات كبيرة، وحققوا أشياء كثيرة من خلال «السوشال ميديا»، وعرفوا كيفية الاستفادة منها، ومثلهم بعض شبابنا. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أنا استفدت كثيراً من «تويتر» حيث تعرفت إلى الكثير من الناس وأطلقت مشروعي، فحين أعلنت عنه وجدت تجاوباً، فـ»السوشال ميديا» جيدة إن استثمرها الإنسان بطريقة صحيحة.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟
التركيز في الإعلام الإلكتروني وصناعة المحتوى من خلال المركز الإعلامي، لذلك تركت صحيفة «الجزيرة» للتفرغ لمرحلتي الجديدة بعد الدكتوراه وتوظيف العلم الذي تلقيته لتطوير المحتوى الإعلامي من خلال المركز.

- هل هو مركز نسائي؟
هو مركز إعلامي للجميع تحت مسمّى «أبعاد لصناعة المحتوى الإعلامي»، لكنه يخدم النساء وله أهداف عميقة وكبيرة، وستأتي الأفكار الجديدة بالتتابع، منها مؤتمرات ومنها منصات وربما تواصل مع منظمات خارجية للحصول على معلومات أو العكس.

- كم ساعدك التخصّص في علم النفس في مجال الإعلام؟
حصلت على البكالوريوس في علم الاجتماع، والماجستير في علم النفس، والدكتوراه في الإعلام، لكن علم الاجتماع وعلم النفس من أهم العلوم التي تجعل الإنسان منفتحاً على ذاته، وحين يترافق الإعلام مع تلك التخصصات النظرية، يشكّل إضافة جيدة، ويقدّم إثراء معرفياً، لذلك كنت محظوظة بخبرتي في علم النفس وعلم الاجتماع قبل الدخول الى عالم الإعلام وفي أثناء ممارستي له.

- الدكتورة ناهد أمٌ، فكيف تتعامل مع بناتها في ظل «السوشيال ميديا»؟
أعطيت بناتي الأولوية في حياتي وما زلت، هنَّ صديقاتي وقد ربيتهنَّ على الصدق والصراحة، وأتعامل معهنّ بديموقراطية وحوار مفتوح ونقاش في كل الأمور، فإن كان أحد الأبوين منفتحاً فكرياً أو كلاهما، فهذا يحدّ من المشاكل، لأن مرجعية الطفل أمّه في الدرجة الأولى، فإن لم يجد من يسمعه فسيبحث عن أجوبة لأسئلته في الخارج.

- هل أنهت بناتك تعليمهنّ؟
 الأولى تُدعى «ذكرى»، تزوجت منذ سنوات وحاصلة على ماجستير في التسويق من جامعة مانشستر، والثانية «شهد» تدرس حالياً ماجستير في الهندسة الوراثية، والثالثة «دلال» سنة رابعة طب، والرابعة «وعد» سنة أولى تصميم وديكور، والخامسة «يارا» أولى إعدادي، والسادسة «علياء» في الصف الخامس الابتدائي.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080