تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

نسائية أو رجالية...

تقضي سنّة الحياة بأن بتزوّج الرجل والمرأة بغية تكوين عائلة وإنجاب أولاد. وبعد فترة، لا بدّ من حلول طبية علمية تساعد الزوجين على إكمال حياتهما الزوجية من دون الخوف من إمكان الحمل غير المرغوب فيه، لسبب أو لآخر. ذلك أنّ هذه التقنيات هي الأفضل، منعاً للإجهاض الذي لا يتقبّله دين أو مجتمع أو معتقد.
من هنا، لا بدّ من إتخاذ تدابير وقائية تكون كفيلة بإراحة بال الزوجين اللذين اقتنعا بما أنعمه الله سبحانه وتعالى عليهما من أولاد.
لكن تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد طريقة فعّالة 100%، وإنما نسبة النجاح عالية للغاية. كما يجدر التنويه بأنّ لكلّ طريقة حسناتها وسيئاتها، كما أنّ سن السيدة وحالتها الصحية ووضعها وعدد أولادها، معايير تؤخذ في الإعتبار قبل مباشرة أي إجراء.
ناهيك بحصّة الرجل في الموضوع، وهو غالباً ما يرفض الخضوع لأيّ شيء قد يمسّ بـ «ذكورته» وصحته الإنجابية، وخاصةً في الشرق.


طال التطوّر العلميّ الهائل كل جوانب حياتنا البشرية، وذلك لمساعدة الإنسان على المضيّ قُدماُ ومواكبة العصر، في محاولة لتسهيل حياته قدر المستطاع وإزالة العقبات التي قد تقف عثرة في طريقه.
إنّ إنجاب الأطفال حلم الرجل والمرأة على حدّ سواء. لكن هذه النعمة قد تصير نقمة في حالات حمل غير مرغوب فيها، إثر تقدّم الزوجين في السن، أو وجود عدد كافٍ من الأولاد، أو صحّة السيدة الإنجابية، وسواها من الحالات... من هنا، لا بدّ من التعرّف على مجموعة وسائل حديثة طبية علمية لمنع الحمل، بعيداً عن فكرة الإجهاض!

تشرح الدكتورة ماري تازانيوس، إختصاصية في الجراحة النسائية والتوليد، عن وسائل منع الحمل المستعملة عند النساء، وتعرض لمختلف الحالات، مفصّلةً أنواعها، المضاعفات التي قد تسبّبها وحتى موانع استعمالها.
ومن جهته، يفسّر الدكتور حسين قنديل، إختصاصيّ في جراحة الكلى والمسالك البولية وأمراض الذكورة والعقم، شقّ منع الحمل المتعلّق بالرجل، عبر تفصيل التقنيات المستخدمة لهذه الغاية.

وفي النهاية، يبقى القرار المصيري مرتبط بقرار مشترك من الزوجين، قبل الإقدام على خطوة بهذه الأهمية، ولكن هذا لا يعني نهاية المطاف، وإنما هو بداية جديدة لمرحلة مختلفة من العلاقة الزوجية.

 

منع الحمل
يعرّف الأطباء تقنيات منع الحمل بأنها «طرق مختلفة لتفادي الحمل غير المرغوب فيه، منعاً للإجهاض». ويمكن للمرأة أن تستعمل إحدى هذه التقنيات، كما يمكن ذلك للرجل، في الوقت المناسب، وبطريقة مناسبة، للحصول على النتيجة المرغوب فيها».
تقول الدكتورة تازانيوس: «عند النساء، الوسائل متعدّدة ويمكن تلخيصها بخمسة أنواع مختلفة: الحاجز، الحبوب الواقية، اللولب، الحقن والزرع، والجراحة».


عند النساء

أوّلاً، ترى الدكتورة تازانيوس أنّ «الحاجز شبه الطبيعي هو إمّا الواقي النسائي وإما ما يُسمى بالDiaphragm.
إنّ الواقي النسائي مصنوع من مادة Polyurethane وليس من الLatex، فهو بالتالي أكثر صلابة ولا يمزّق بسهولة، كما هو 95% آمن، ويمكن وضعه بطريقة صحيحة قبل ساعات من العلاقة الزوجية وحتى خلال الدورة الشهرية.
وفي ما خصّ الDiaphragm، فهو نوعان حسب حالة عضلات المهبل وصحة الرحم وباب الرحم. ولا بدّ من نزعه كلّ 24 ساعة لغسله ويدوم نحو سنتين.
لكن قد يزيد نسبة إلتهابات البول ولم يثبت بعد قدرته على الحماية من الأمراض المنقولة من خلال العلاقة. كما أنه صعب التركيب ويحتاج إلى زيارة الطبيب في المرّات الأولى لتعلّم كيفية استعماله».

ثانياً، تضيف الدكتورة تازانيوس «أنّ اللولب أو IUD مصنوع من بلاستيك ومواد صلبة مثل النحاس Copper أو حتى الذهب والبلاتينوم.
يوضع في الرحم عبر عنق الرحم ويهدف إلى منع تلاقي السائل المنوي مع البويضة، وذلك عبر إحداث Inflammation «التهاب» داخل الرحم لمنع وصول السائل المنوي.
أما النوع الذي يفرز البروجستيرون، فيغيّر نوعية الMucus «المخاط» عند باب الرحم، وما يمنع دخول السائل المنوي عبره، أو يمنع أحياناً الإباضة». يغيّر اللولب المكوّن من Copper كلّ خمس سنوات أو ثماني سنوات.
تقول الدكتورة تازانيوس: «لا يجب إستعمال اللولب في حالات إلتهاب عنق الرحم، أو وجود نزف رحمي غير محدّد السبب، أو وجود سرطان عنق الرحم، أو سرطان بطانة الرحم، أو سرطان المبيض. كما أنّ له عدّة مضاعفات، حسب نوع اللولب، من أوجاع وإنزعاجات وعدم إنتظام الدورة الشهرية».

ثالثاً، تشرح الدكتورة تازانيوس عن «الحبوب المانعة للحمل التي تحتوي على البروجستيرون فقط Progesterone Only Pill، التي تؤخذ يومياً على مدار 28 يوما في الوقت نفسه دون إنقطاع.
وهي تعمل على زيادة سماكة المخاط في عنق الرحم وتغيير الغشاء داخل الرحم، كما تمنع الإباضة. وهي مناسبة عند المرضاعات، وفعالة 99% في حال أخذها كما يجب.
إلا أنها لا تناسب المصابات بتشمع الكبد أو بسرطان الكبد أو بسرطان الثدي، وتسبّب ألماً في الرأس والثديين».
أما عن الحبوب المانعة للحمل التي تحتوي على بروجستيرون وأستروجين، فتقول الدكتورة «إنها تعمل على منع الإباضة وتكثيف المخاط في عنق الرحم وتغيير نوعية البطانة الرحمية لمنع الزرع، كما تعمل على خفض الإصابة بسرطان المبيض وأكياس المبيض وفقر الدم والإلتهابات وتكتلات الثدي الحميدة وسرطان الرحم.
لكنها قد تؤدي من جهة أخرى إلى الإصابة بتورّم الثدي والغثيان وتغيّرات في المزاج والليبيدو. ويجب التنبّه إلى أنه في حالات تثير الإسهال أو التقيؤ، وعند إستعمال الAntibiotic تقلّ فعاليتها».
ويجب التوقف عن إستعمال هذه الحبوب قبل أربعة أسابيع من الخضوع لعمليات جراحية كبرى.

رابعاً، تتحدث الدكتورة تازانيوس عن الDepo Provera أي حقن البروجستيرون التي تعطى في العضل والممكن إستعمالها عند المرضعات، وعند النساء اللواتي يعانين من Epilepsy «داء الصرع»، أو اللواتي يعانينَ من دورة كثيفة وفقر دم حاد أو من عدم القدرة على تحمّل الأستروجين.
لكن هذه الوسيلة قد تزيد من خطر الإصابة بترقق العظام، خاصةً عند الشابات، وقد تؤدي إلى إضطرابات في الدورة أو زيادة في الوزن أو ألم في الرأس والثديين وتغيّر الحالة النفسية.
ويمنع إستعمالها في حالات سرطان الثدي وأمراض الشرايين وعند المدخنات وعند وجود حساسية أو نزف رحمي غير محدّد أو ترقق عظم أو أمراض في الكبد».
وفي ما خصّ الزرع تحت الجلد Implanon، تفسّر «إنها شعيرات بروجستيرون توضع تحت الجلد في منطقة الكتف، تدوم ثلاث سنوات، ومن المفضّل إستعمالها عند اللواتي لا يستطعنَ أخذ حبوب أو أستروجين.
عند إستعمالها من الممكن حدوث عدم إنتظام في الدورة وزيادة الوزن وألم في الثديين وحساسية في مكان وضعها. ويمنع إستخدام هذه الطريقة في حال المعاناة من أمراض في الكبد أو من نزف رحمي أو من سرطان الثدي».

خامساً، تتطرّق الدكتورة تازانيوس إلى «شقّ الجراحة الذي يتضمّن ربط الأنابيب، أو سدّ الأنابيب، أو حتى عملية إستئصال الرحم، كوسيلة نهائية لمنع الحمل غير المرغوب فيه».
وتجدر الإشارة إلى أنّ إنتقاء طريقة معيّنة يتمّ بعد التشاور مع الطبيب، والحصول على التشخيص السليم، الذي يضمن إمكانية عكس الإجراء لاحقاً في حال تبديل الرأي. إلاّ أنّ طرق عكس تقنيات منع الحمل ليست ناجحة 100%. لذا على السيدة التنبه للأمر قبل الإقدام على الأمر.


عند الرجال

يشرح الدكتور قنديل أنّ «إستخدام الرجل لطرق منع الحمل هو أمر في غاية السهولة. لكن العائق هو الرفض النفسيّ، وخاصة في الشرق، بحيث تنشأ مشكلة انتقاص الرجولة، فيعمد الرجل إلى تأجيل الأمر أو يفضّل حتى عدم التطرّق له أصلاً.
إلاّ أنّ بعض الحالات تقتضي ذلك، خاصةً عند عدم تمكّن الزوجة مثلاً من تناول الهرمونات وما شابه.

يشير الدكتور قنديل إلى «وجود ثلاثة حلول أساسية، ومنها الطريقة التقليدية مثل استعمال الواقي الذكري أو القذف الخارجي، والطريقة الكيميائية عبر حقن هرمون التستوستيرون، وأخيراً الطريقة الجراحية عبر قطع القناة الدافقة».

أوّلاً، يقول الدكتور قنديل أنّ «الطريقة الأكثر شيوعاً هي القذف الخارجي. بيد أنّ إستخدام هذه الطريقة يُعتبر غير مضمون لأنه يقتضي سرعة وتحكّم وقد لا ينجح الرجل في كلّ مرّة، لذا فإمكان الحمل واردة. كما يمكن إستخدام واقٍ ذكري، وهي الطريقة الأنسب.
لكن المشاكل الناجمة عنه هي أنه قد يسبّب حساسية أو إلتهابات عند المرأة، كما قد يُثقب أثناء العلاقة أو يكون منتهي الصلاحية».

ثانياً، يشرح الدكتور قنديل «تقنية حقن مستحضر خاص من هرمونات الذكورة بجرعات عالية والمعروف بهرمون التيستوستيرون الذي يحقن في العضل كلّ ثلاثة أشهر، وهي تقنية تُعرف بإسم Chemical Contraception، تقضي بزيادة معدّل التيستوستيرون في الجسم، مما يؤدي إلى توقف غدد الدماغ عن إفراز المنشطات المحفزة للخصية لتكوين الحيوانات المنوية. وبالتالي، بعد نحو عدّة أشهر من الحقن، يصبح إجمالي عدد الحيوانات المنوية في السائل المنوي صفراً.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الدراسات أوضحت سلامة استخدام البدائل الهرمونية عند الرجل. كما أنّ هذا الأمر يؤدي إلى تحسّن في مستوى النشاط العام والجنسي إذا كان معدّل الهرمون منخفضاً.
لكن لا بدّ من إجراء فحص دم شامل وفحص دم للبروستات (PSA) كلّ 3 أشهر لكشف عن أي تأثير على غدّة البروستات أو تكاثر خلايا الدم بفعل الحقن».
إنّ التقنية غير قابلة للعكس بعد إنقضاء أكثر من سنة على حقن الهرمونات. لذلك، على الرجل أن يفكّر ملياً في الأمر قبل الإقدام عليه، بالتشاور مع الطبيب وتوقيع قبول موثق.

ثالثاً، يضيف الدكتور قنديل إلى أنّ «جراحة قطع القناة الدافقة Vasectomy منتشرة بكثرة في الغرب وهي عبارة عن فصل الأنابيب التي تصل الخصية بقنوات تخزين السائل المنوي.
وهي عملية جراحية بسيطة تستغرق القليل من الوقت وتجرى تحت تأثير تخدير موضعي ولا تتطلّب إستشفاءً. إلاّ أنّ مفعولها ليس فورياً، إذ يجب تفريغ الخزّان من السائل المنوي عبر 20 عملية قذف تقريباً ليتمّ بعدها إجراء تحليل السائل المنوي لتأكيد عدم وجود أي حيوانات منويّة فيه».
وإذا أراد الرجل عكس الإجراء، فالجراحة عندها تكون مهجرية ودقيقة وطويلة، وتستغرق من 3 إلى 6 أشهر لإعادة تكوين السائل المنوي وإعادة العمل للخصيتين. كما أنّ نسبة نجاحها تلامس ال80%.
ولا بدّ من التشديد، حسب الدكتور قنديل على أنّ «حالات الContraception أي وسائل منع الحمل لا تؤثر على الوظائف الجنسية عند الرجل Male Sexuality».


نصائح

تختم الدكتورة تازانيوس بأنّ «كلّ سيّدة حالة خاصة، حسب سنها ووضعها الصحي والإنجابي وعدد أولادها والأمراض السرطانية الوراثية في العائلة وحتى نمط حياتها وإن كانت مدخّنة أو لا.
لذا، لا بدّ من إستشارة الطبيب للتشخيص والنصيحة، لأنه لا يمكن عكس الإجراءات على الدوام».

ينصح الدكتور قنديل «بعدم التخوّف من إستخدام تقنيات منع الحمل عند الرجال، لأنه في الحالات القصوى عند العدول عن الرأي، يمكن دوماً اللجوء إلى الحمل المحضّر عبر التلقيح الخارجي مثلاً من خلال إستخراج الحيوانات المنوية جراحياً».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078