تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

عملية زرع نقي العظام تزرع الأمل أيضاً

تعتبر عملية زرع نقي العظام أصعب العمليات الطبية، لكن تكمن أهميتها في كونها تعطي أملاً لمرضى فقدوا الأمل بالحياة والشفاء، وتحديداً مرضى السرطان الذين لم تعد لديهم فرص بالشفاء أو، بنسبة أقل، مرضى التلاسيميا الذي تضرر لديهم معمل الدم مما يستوجب إجراء العملية لهم.
الظروف والشروط التي تجرى فيها العملية صارمة، يعزل فيها المريض لحمايته بعد أن يفقد مناعته جراء علاج كيميائي قوي يخضع له.
والشرط الأول والأساسي لإجراء العملية هو توافر متبرّع مطابق، إن لم يكن التبرّع الذاتي ممكناً.
بعد عملية زرع نقي العظام التي أجريت للمرة الأولى في لبنان من متبرّع غير قريب للمريض، بنجاح في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، تحدث رئيس قسم زرع نقي العظام في المستشفى علي بزرباشي عن هذه العملية وأهميتها لإعادة الأمل لمن فقدوه مع كل التفاصيل المرتبطة بها وعن الدقة في إجرائها.
وكانت العملية الأخيرة قد أجريت لسيدة لبنانية شُخّصت إصابتها بسرطان الدم النخاعي أثناء حملها في آذار/مارس 2011.
ولم يتوافر متبرّع متطابق جينياً معها في عائلتها. لذلك جرى الاتصال بمسؤولي البرنامج الوطني لمانحي نقي العظام في الولايات المتحدة الأميركية لإيجاد متبرع متطابق جينياً مع المريضة، فتم تأمينه وأجريت العملية بنجاح، مما يبرز أهمية التبرع بنقي العظام لإنقاذ مزيد من المرضى.


- ما هو نقي العظام؟
نقي العظام هو معمل الدم الذي ينتج الكريات الحمراء والبيضاء والصفيحات، وأي خلل سواء كان ناتجاً عن عامل وراثي أو عن خلايا خبيثة نتيجة الإصابة بسرطان دم أو سرطان في الغدد اللمفاوية، يؤدي إلى إصابته وتضرّره.

- ماذا عن عملية زرع نقي العظام؟
في عملية زرع نقي العظام يتم تدمير معمل الدم القديم بواسطة علاج كيمائي قوي، ويجري العمل على إنشاء معمل جديد بواسطة بذور إما أن تكون من المريض نفسه أو من متبرّع آخر، سواء كان من العائلة أو من خارجها.

- هل تعتبر النتيجة نفسها عندما يكون المتبرع من خارج العائلة؟
الأفضلية هي دائماً لمتبرع من العائلة نفسها، فإذا وجدنا متبرعا مطابقا في العائلة يعتبر الاختيار الأول لنا. مع الإشارة إلى أنه في نسبة 40 في المئة من الحالات يكون المتبرّع من العائلة، لكن ثمة حالات أخرى نعجز فيها عن إيجاد متبرع من العائلة، فلا بد من التوجه إلى خارجها من خلال بنك المتبرعين الذي هو عبارة عن شبكة عالمية فيها ملايين المتبرعين من العالم.
مع الإشارة إلى أن بنوك المتبرعين غير موجودة في لبنان بل في الدول الأوروبية والأميركية. أما في المنطقة فقد بدأت تظهر على نطاق ضيق في السعودية وإيران.

- كيف تتم عملية اختيار المتبرّع إذا كان من بنك المتبرّعين؟
يجرى فحص الدم للمريض وتفحص الكريات البيضاء ويتم إدخال المعلومات إلى الكمبيوتر، وبعدها، عند الحاجة، تحول إلى بنك المتبرعين فيجري اختيار متبرع على أساس هذه المعلومات التي أدخلناها.

- كيف تجرى عملية التبرّع؟
يؤخذ من المتبرع نقي العظام إما من داخل العظام أو بطريقة أخرى تقضي بإجراء عدة حقن (20 أو30 حقنة) في منطقة الحوض. وقد تكون هذه التقنية الثانية مؤلمة لذلك تجرى تحت تأثير التخدير العام.
وثمة طريقة ثالثة تقضي بتقوية الكريات البيضاء بواسطة حقن ويتم السحب في بنك الدم.

- هل في أي من هذه الطرق خطر على المتبرع؟
ليس في التبرّع بذاته خطر، إنما يكمن الخطر الطبيعي، كما في أي عملية، من التخدير العام الذي يجرى لا أكثر. وفي الطريقة الثالثة لا خطر لكن بسبب المقويات يمكن أن يشعر المتبرع ببعض الأوجاع في العظام في اليوم الرابع أو الخامس بعد إجرائها، بيد أنها تزول بمسكّن عادي. تعتبر العملية آمنة للمتبرع وهي أسهل بكثير من عملية وهب الأعضاء.

- في أي ظروف تجرى العملية؟
يتم التحضير لعملية الزرع في ظروف صارمة يكون فيها المريض معزولاً في غرفته ويتم تعقيم كل شيء نظراً الى قلّة المناعة لديه، إذ يكون قد حصل على علاج كيميائي قوي يقضي على مناعته قبل أن تعطى البذور لإنتاج معمل جديد للدم.

- نظراً الى الظروف الصعبة التي تجرى فيها العملية، هل تعتبر نسبة نجاحها مرتفعة؟
في الواقع، تعتبر عملية زرع نقي العظام أصعب الأعمال الطبية على الإطلاق وفيها خطر وتهدّد حياة المريض. لكن مع الوقت، ومع التطور الطبي في هذا المجال، انخفضت نسبة الخطر على الحياة إلى 10 أو 15 في المئة.
ولا بد من التوضيح أن المرضى الذين نجري لهم عملية زرع نقي العظام مصابون بورم خبيث وهم في مراحل متقدمة من المرض وتكون حالتهم غير قابلة للشفاء وينتظرون الموت، ومن خلال العملية نعطيهم فرصة للشفاء تصل إلى 50 في المئة ونعطيهم أملاً في الحياة مجدداً وهذا أمر لا يمكن الاستهانة به.

- ما الأسباب التي يمكن ان تستوجب إجراء عملية زرع نقي العظام؟
في معظم الحالات، يكون المريض مصاباً بسرطان الدم أو بسرطان الغدد اللمفاوية. لكن ثمة حالات أخرى يمكن أن تستدعي إجراءها.
كما يمكن أن تجرى عملية زرع نقي العظام في حال وجود أمراض وراثية كالتلاسيميا التي يكون فيها معمل الدم مصاباً لدى المريض .
وفي هذه الحالات تكون نتائج العملية أفضل مقارنةً بالحالات التي يكون فيها المريض مصاباً بمرض خبيث، وتصل نسبة الشفاء هنا إلى 70 أو 80 في المئة، فيما لا تتعدى نسبة الشفاء في الحالات التي يكون فيها المريض مصاباً بالسرطان 50 في المئة.

- ما الشروط المطلوب توافرها لإجراء العملية؟
إضافةً إلى ضرورة توافر متبرع، ثمة شروط ضرورية لا بد من توافرها لإجراء عملية زرع نقي العظام أولها ان يكون الوضع الصحي للمريض جيداً وكل أعضائه ووظائفها في حالة جيدة.
بشكل عام يجب أن تكون حالة المريض تحت السيطرة، حتى إذا كان مرضه في حالة متقدمة. إذ يعطى علاج خاص بهدف السيطرة على وضعه ، ثم يبدأ التحضير لعملية الزرع.

- ما المضاعفات التي يمكن أن تطرأ بعد العملية؟
يكمن أساس المضاعفات التي يمكن أن ترافق عملية زرع نقي العظام في تدمير معمل الدم القديم مما يفقد المريض مناعته. لذلك تظهر الخطورة في الفترة التي بين تدمير المعمل القديم وإنتاج المعمل الجديد. ثمة مرحلة مفصلية في العملية تكون مناعة المريض فيها منعدمة قبل أن يتم إنتاج معمل الدم الجديد.
لذلك تؤخذ عندها إجراءات صارمة لحمايته مما يمكن أن يصيبه في هذه المرحلة. كذلك من المضاعفات التي يمكن أن تنتج عن العملية عدم تقبّل الجسم للزرع.
فحتى إذا كان الزرع من متبرع مطابق، قد يجد الجسم البذور التي تزرع غريبة عنه فهنا تكون ردة الفعل الرافضة للزرع. وقد يتعرض المريض لاشتراكات. في هذه الحالة تعطى للمريض أدوية خاصة لمساعدة الجسم على تقبل الزرع.

- ما المدة التي يبقى فيها المريض في المستشفى؟
ذا كان الزرع ذاتياً أي من المريض نفسه، يمكن أن يخرج من المستشفى خلال 23 يوماً. أما إذا كان تبرعاً مطابقاً فيمكث المريض في المستشفى مدة 40 يوماً.

- هل تعود حالة المريض طبيعية بعدها؟
لا تعود المناعة طبيعية مباشرة، بعد العملية، بل تتطلب ما لا يقل عن 6 اشهر واكثر. لذلك بعد عودته إلى المنزل، يحتاج المريض إلى الكثير من الرعاية والأدوية والحرص والوقاية لحمايته حتى تعود مناعته إلى طبيعتها.

- كيف يعود المريض إلى حياته الطبيعية؟
إذا كان الزرع ذاتياً، يعود المريض بسرعة كبرى إلى حياته الطبيعية، أو على الأقل شبه الطبيعية، خلال أسبوعين. أما إذا كان الزرع من متبرع مطابق، فلا بد من الحرص خلال 100 يوم بعد خروجه من المستشفى يعود بعدها تدريجاً إلى حياته الطبيعية.
ولا بد من التركيز على حمايته من اي أمراض يمكن ان يلتقطها بالعدوى كالانفلونزا وغيرها في ظل ضعف مناعته.

- ما الحالات التي لا تسمح بإجراء عملية زرع نقي العظام لمريض معيّن؟
لا يمكن إجراء العملية إذا كانت حالة المريض لا تسمح بذلك وإذا لم يكن وضعه تحت السيطرة . كما أنه لا يمكن إجراؤها إذا كان يعاني قصوراً في وظائف أساسية في الجسم كالقلب أو الكلى. ومن الطبيعي ألا يكون من الممكن إجراؤها في حال عدم توافر متبرع مطابق.


هل يمكن أن يشكل اختلاف الجنسية مشكلة في العملية؟
مما لا شك فيه أن كون المتبرع من البيئة نفسها إن لم يكن من العائلة نفسها، يعتبر أفضل للعملية. لكن عند الضرورة، وفي حال عدم توافر التبرع الذاتي أو المتبرع المطابق، لا بد من اللجوء إلى متبرع آخر نجده في بنوك المتبرعين خارج البلاد.
في هذه الحالة، لا بد من الاعتراف أن الجينات الأجنبية تكون مختلفة عن جينات المريض اللبناني. لكن، أحياناً يمكن أن نوفّق بوجود متبرّعين عرب يعيشون في الخارج فتكون الجينات مطابقة وتكون نسبة النجاح أعلى.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079