طفلي مهرّج الصف!
«أشعر بالقلق إزاء ابني البالغ من العمر عشر سنوات لأنه يتصرف دائمًا كمهرّج الصف. فهو يحب أن يجعل الجميع يضحكون، ولكن يبدو لي أنه لا يعرف الفارق بين أن يُضحك الناس أو يضحكون عليه.
على سبيل المثال، إذا كان وأقرانه يلعبون كرة القدم، وتعثّر وضحك زملاؤه، يبالغ في تعثره لإثارة المزيد من ضحكاتهم». هذه المشكلة تواجهها بعض الأمهات مع أبنائهم الذين يتصرفون دائمًا وكأنهم مهرّجون، حتى في اللحظات الحزينة. ولكن لماذا يتصرّف بعض الأطفال على هذا النحو؟
يرى اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق أن هناك أسبابًا عدة وراء تصرف بعض الأطفال وكأنهم مهرّجون، فهناك مهرّج الصف، ومهرّج الشلّة، ومهرّج العائلة، وقد تعكس شخصية المهرّج التي يتماهى بها الطفل شخصية مرحة أو العكس.
فبعض الأطفال يحبون اللعب، والمزاح والقيام بالمقالب المضحكة ليكونوا مركز الجذب، وهم متميزون عن الآخرين ولهم دور خاص في الأسرة.
مثلاً يضحك وهو يتفوّه بعبارات المزاح، يخفي الأواني أثناء جلوسه إلى مائدة الطعام، فيثير ضحك الآخرين، وفي بعض الأحيان توبّخه والدته.
- ولكن ما الأسباب التي تدفع الطفل إلى أن يكون مهرّجًا بشكل مبالغ فيه؟
هناك أسباب عدة تجعل الطفل يتصرّف على هذا النحو منها:
هناك الطالب الذي يخشى من أن يوصف بأنه «الطالب الذي يذاكر كثيرًا»، فيتصرف كالمهرّج لتمويه قدراته الفكرية واكتساب رضا الأقران.
يريد أن يكون مركز العالم، فهو يحتاج إلى اهتمام والدته ليشعر بوجوده. ويلاحظ هذا الميل عند الأطفال الذين يبالغ الأهل في حمايتهم أو العكس، أي الأطفال الذين لا يعتمدون على أهلهم في شيء.
وفي كلتا الحالتين يتطلع الطفل إلى جذب انتباه والديه، من طريق إضحاكهما، أو لتخفيف العدوانية التي تكتنفه.
يسعى للتعبير عما يشعر به، فبعض «الأطفال المهرّجين» يجدون في تقمّص شخصية مضحكة، وسيلة للتعبير عما يخالجهم من مشاعر. مثلاً، فجأة يقلّد الطفل صوت شخصيته الكرتونية، وهذا ليس مجرّد لعب، فهو يظن من دون وعي أنه عندما يتقمص شخصية أخرى، سوف يستمع أكثر إليه ويقدرّان ما يقوله. لذا، من الضروري أن يصغي الوالدان إلى ما يقوله، خصوصًا إذا بالغ الطفل في تصرفه.
يسعى إلى التحايل على الوضع الذي يقلقه، على سبيل المثال يشكل النجاح المدرسي في العائلة مسألة مهمة، وبالتالي يجد في تصرفه كمهرّج ما يجنّبه مواجهة عجزه أو ضعفه الأكاديمي.
• وسيلة للتعامل مع المشاعر الصعبة
السلوك المغيظ الذي يعتمده الطفل المهرّج يسمح له بالتواصل مع الآخرين والتأثير فيهم معبّرًا في الوقت نفسه عن إبداعه. وعلاوة على ذلك، فلدى هذا الطفل كياسة ويتصرّف بذكاء ويكون مسليًّا إذا ما وُجد في وضع مزعج.
فهو يتمكن من جعل الآخرين يضحكون على حماقته. هذا الجانب من مزاجه يسمح له بأن يكون اجتماعيًا.
يستطيع الطفل أيضًا التصرف كما المهرّج للحدّ من التوتر المحيط به. فعندما يشعر بأن هناك جوًا مشحونًا بالعدائية، يحاول تلطيف الأجواء لتجنب تصعيد الغضب. فيطلق النكات عندما ترتفع لهجة الغضب داخل الأسرة. إنها وسيلته للتعامل مع المشاعر الصعبة مثل الخوف أو الإجهاد.
وعمومًا، يكون الطفل «المهرّج» حساسًا جدًا تجاه الآخرين ورأيهم فيه. ولديه حاجة كبيرة للفت الأنظار ونيل اهتمام الآخرين. لذا، على الأهل أن يكونوا يقظين في تدخلهم حتى لا يعرقلوا نمو احترام الذات لديه.
• الملل في الصف والحاجة إلى الترفيه
يتصرّف بعض الأطفال مثل المهرّجين عندما لا يجعلهم المنهج الدراسي ملتزمين بما فيه الكفاية، ولا يشكل لهم تحدّيًا، فهم يستوعبون شرح المعلّمة بسرعة، وقد ينجزون واجباتهم المدرسية أسرع من المتوقّع، ولا يعرفون كيفية توجيه أنفسهم إلى نشاط هادف آخر.
ففي بعض الأحيان يتوقع الأساتذة أو الأهل أن التلميذ الذكي لديه دوافع ذاتية، وقادر على تمديد مهمة أو تعزيزها. ولكن عادات العمل الجيدة، والقدرات الفكرية الفذّة ليست بالضرورة متلازمة.
فيما بعض الأطفال يهرّجون لمجرد الترفيه والمتعة. فجميعنا لديه حاجة أساسية إلى المتعة واللهو. وعندما لا تمنح المدرسة التلميذ خلال نهاره المدرسي منافذ إيجابية للمتعة واللهو، سوف يبتكر متنفّسه الخاص الذي قد يكون سلبيًا أحيانًا.
- متى يصبح تصرّفه مشكلة؟
أيًا كانت أسباب قيام الطفل بدور المهرّج في الصف، فلا ينبغي تجاهل سلوكه. في كثير من الأحيان، عندما يتغاضى الأهل والمدرسة عن هذا السلوك، تلتصق به العادات السيئة، وتُلصق بالتلميذ صفة المشاغب. لمساعدة هؤلاء الطلاب، يجب التعامل معهم كأفراد، وفهم احتياجاتهم.
لسوء الحظ، فإن الطفل «مهرّج الصف»، غالبًا ما يتسبّب في إبطاء مسار التعليم في الصف، بسبب الإزعاج الذي يُثيره أثناء الحصّة. فبين الست والثماني سنوات، أي سن العقل، على التلميذ الطفل أن يفهم فوائد اتباع القواعد واحترام الآخرين. لذا فإن دور الأهل هو أن يفسّروا له أنه لا بأس في أن يكون مضحكًا، ولكن عليه أن يميّز بين اللحظات التي يكون فيها المزاح والهرج مناسبين، كما في العطلة، أو اجتماع العائلة أو القيام بنشاط ترفيهي، واللحظات التي لا يجوز له التصرف فيها كالمهرج، مثلا أثناء شرح المعلمة الدرس.
يجب أن يكون معلومًا أن الكوميدي الصغير يجذب حتمًا انتباه الآخرين، ويكافأ عندما يضحك الآخرون لموقف قام به، فيميل إلى تكرار السلوك الذي يسمح له بجذب الانتباه. لذا، يستطيع المعلمون وأولياء الأمور كسر هذا السلوك النمطي لديه من خلال التركيز على سلوك آخر يقوم به، كتهنئته عندما ينجز واجبه المنزلي، فمن المرجّح أن يكرّر هذا السلوك في كثير من الأحيان.
ومن المهم أيضًا النظر إلى النيّات وراء سلوكه من أجل توجيه طاقته بطريقة إيجابية. فالطفل أو المراهق الذي يحتاج إلى اهتمام، على سبيل المثال، سوف يطوّر قدرته الفكاهية من طريق أخذ دروس في الدراما والرقص والسيرك.
وباختصار، فإن الهدف هو عدم كبح جماح الطفل الفكاهي، وإنما احتواؤه، وتوجيهه إلى النشاطات التي تتيح له تطوير مهاراته الكوميدية، مما يجعله يفهم أن للفكاهة مكانتها في المجتمع، ولكن ليس في كل الأوقات والظروف.
- كيف يمكن الأهل التدخّل؟
غالبًا لا يفهم الطفل الصغير تداعيات مزاحه. لذا على الوالدين مرافقته في تطوير تعاطفه ومزاحه مع الآخرين. كما عليهما أن يضعا في بالهما أنه يريد قبل كل شيء الحفاظ على الرابط المميز معهما.
لذا من المهم تهنئته على مبادراته الجيدة مثل نكاته المضحكة أو قيامه بلفتات إيجابية أخرى، لمساعدته على فهم أفضل لما هو مناسب وما هو غير ذلك. فكلما زاد شعور الطفل بالحب، وبأن والديه يهتمان لوجوده، سعى إلى أن يكون مركز الجذب.
يمكن الوالدين إيجاد المواقف التي يكون فيها الطفل قادرًا على تقنين قدراته الفكاهية من دون التأثير في عمل الأسرة، مثلاً خلال اجتماع العائلة مساءً حيث يمكن الطفل أن يُضحك الآخرين ويشعر بأنه محبوب في الوقت نفسه، فالطفل المهرّج سوف يقدّر النشاطات العائلية التي يمكن أن تجعله يطلق العنان لروحه الكوميدية.
القليل من الفوضى المرحة، يضفي على أجواء العائلة الراحة والاسترخاء. لذا، من الجميل أن يتفاعل الوالدان مع تهريج طفلهما عندما تكون المناسبة مواتية، فهما بذلك يصيبان عصفورين بحجر واحد: الأول منح الطفل الاهتمام الإيجابي الذي يحتاجه، وبعث رسالة إليه بأن تصرفه كان في الوقت والمكان المناسبين.
أمّا إذا أطلق الطفل مزاحه في الوقت الخطأ أو غير المناسب، فعلى الأهل تجنب توبيخه أمام الآخرين، مثل الإخوة والأخوات والأصدقاء... ، للحفاظ على كرامته.
أمّا إذا كانت أفعاله مثيرة للقلق، فمن الأفضل أن توضح له والدته، على انفراد، كيف أن مزاحه في بعض الأحيان يكون له تأثير سلبي في الآخرين.
على الأهل أن يتذكّروا دائمًا أن الطفل الذي يحب أن يلعب قليلاً دور المهرّج، هو بلا شك طفل يتمتع بشخصية منفتحة، وثقة كبيرة بالنفس، وغالبًا ما يتميّز بقدرة كبيرة على التواصل مع الآخرين وهو طفل اجتماعي. في الواقع، من الجيد أن يكون في العائلة طفل يتمتع بروح الفكاهة، ويعرف كيف يلطّف الأجواء التي تكون أحيانًا مشحونة بالتوتر.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024