سهى حسين أول فلسطينية تحوذ رخصة قيادة درّاجة نارية
تتميز بعينين لامعتين، بشرة برونزية، وابتسامة ساحرة تنمّ عن التحدي. لطالما سعت الى كسر أحد تابوات المجتمع، الذي جعل من قيادة الدرّاجات النارية حكراً على الرجال وحدهم، ونجحت في سعيها فكانت أول امرأة تقود درّاجة نارية كلاسيكية. إنها الفلسطينية سهى حسين التي تعمل جاهدةً لإيصال رسالة تفيد بأن المرأة كالرجل تقوى على فعل أي شيء.
تبلغ سهى من العمر 34 عاماً، وهي من رام الله، وحائزة إجازة جامعية في تخصّص الإذاعة والتلفزيون، وقد عملت في قناة BBC NEWS، وحصلت أخيراً على رخصة مفتوحة لقيادة الدرّاجات النارية في فلسطين.
التقيناها بينما كانت ترتشف قهوتها الصباحية في أحد المقاهي العامة في رام الله، فاستهلّت حديثها عن بدايتها قائلةً: «كنت أشارك في مجموعة تمارس رياضة المشي لمسافات طويلة في الجبال الوعرة، وتسمى «شطحة». وبعد مضي عامين، انضممت إلى فريق الرياضة الجبلية الذي يستخدم أفراده الدرّاجات الهوائية، وكنت الفتاة الوحيدة المشاركة معهم. فارتأى زملائي الرجال في الفريق شراء درّاجات نارية، وحسبتُ هذا انقلاباً، لأننا كنا نركب الدرّاجات الهوائية بشكل أسبوعي كنوع من الرياضة التي تساعد على تفريغ الطاقة السلبية.ولكن بعد شرائهم الدرّاجات النارية وجدت نفسي وحيدةً بينهم وأُغرّد خارج السرب، فحاولت العودة للمشاركة مع مجموعة المشي في الجبال، وشعرت أيضاً بأن هذا غير كافٍ لأن قيادة الدرّاجات النارية فيها الكثير من التحدي، ومغامرة تستحق أن أخوضها، لكنني لم أكن أفكر أبداً في نيل لقب أول فتاة تحصل على رخصة قيادة درّاجة نارية في فلسطين».
وأضافت سهى: «في أحد الأيام، طرح عليّ زملائي أصحاب الدرّاجات النارية فكرة أن أحصل على رخصة قيادة مثلهم، وآنذاك لم أكن أفكر بذلك أبداً. لكن بما أنني أحب المغامرات، قررت الحصول على رخصة قيادة درّاجة نارية، وكان لي ما أردت. وبعدها قصدتُ مدرّباً كي يعلّمني أصول القيادة. وفي أول درس تلقيته، سألني المدرّب: «لماذا تودّين تعلّم قيادة الدرّاجة النارية؟»، فأجبته: «ولمَ لا، إذا كان في إمكاني القيام بذلك؟». وبعدما لمس إصراري على التعلّم، راح يدرّبني على القيادة بين السيارات والمارّة في الشارع».
وتابعت: «كنت أتصبّب عرقاً في الدرسين الأولين في التدريب، لأنني كنت أرتدي جاكيت مزوّدة بعنصر وقاية في الظهر، وأضع خوذة مغلقة بإحكام، بحيث لا يعرفني أحد. وفي تدريبات أخرى كان المدرّب يجلس خلفي، وكان هذا غريباً بالنسبة إليّ أنا الفتاة الشرقية المحافِظة على العادات والتقاليد، إضافة إلى خوفي على حياة إنسان يشاركني ركوب درّاجة أقودها بنفسي».
أما عن ثقة المدرّب بها فقالت سهى: «بعد أن تأكد المدرب من قدرتي على السيطرة على الدرّاجة النارية لوحدي، طلب مني أن أسحبها كي أشعر بثقل وزنها، وكان هذا صعباً عليّ، كما كنت أعجز عن رفع الدرّاجة إذا وقعت على الأرض بسبب ضخامتها، لذا كنت أحاول جاهدةً رفعها من خلال إسنادها إلى كتفي، وكانت المحاولات في غالبيتها تبوء بالفشل... ومع ذلك كان المدرّب فخوراً بي، ويدعمني فيقف عند كل سيارة تدريب ويقول: «انظروا إلى هذه الفتاة، إنها تساوي عشرة رجال»... لكن الناس كانوا يتفاجأون، وتتراوح تعليقاتهم ما بين الخوف والإيجابية».
وأشارت سهى إلى عملها ومواعيد التدريب، فقالت: «في ذلك الحين، كنت أعمل في قناة BBC NEWS وأنظّم وقتي بين عملي والتدريبات المستمرة، ولم يحدث أن خرجت يوماً من عملي لأتلقّى دروساً في القيادة، فقد كنت أرتّب أمور حياتي بدقة».
لكن كل هذا جعل الشبان ينظرون إليها باستياء... نظرة بمقدار ما تسبّب لها ضيقاً كانت تعزز ثقتها بنفسها، فعبّرت قائلةً: «كنت أشعر بالغيرة في عيون بعض الشبان وهم ينظرون إليّ، وبالحيرة التي تدفعهم لطرح سؤال دائم: كيف تقدر فتاة على القيام بما نعجز عنه نحن الشبان! ولكنها في رأيي غيرة إيجابية».
وعن كيفية وصول الخبر الى العائلة وردود فعلهم، قالت سهى: «كانوا يومها في المنزل، وأخبرتهم فجأة بأنني أريد شراء درّاجة نارية، لأن جميع أصدقائي باتوا يستخدمون الدرّاجات النارية، وبالتالي حصلت على رخصة قيادة، فبدت علامات الخوف على وجهَي أمي وأخي وراحا يحدّثاني عن كثرة الوفيات الناجمة عن حوادث اصطدام الدرّاجات النارية في فلسطين، فهدّأت من روعهما وأقنعتهما بجدوى فكرتي، وضرورة أن ينظرا إلى الأمر بإيجابية.
ولأن أفراد عائلتي متدينون، طلبت منهم أن يعقلوا ويتوكلوا على الله، وأكدت لهم أنني حصلت على رخصة القيادة بعد جهد جهيد، وأحتاط دائماً فأرتدي الملابس المخصصة لهذا النوع من الرياضات».
وتابعت: «كنت فعلاً قد اشتريت الدرّاجة النارية وأبقيتها عند صديقتي حتى أتمكن من إخبار أهلي بالحقيقة، كما يجب أن أعتاد عليها لأنها لا تزال جديدة، إضافة إلى خوفي عليها من الوقوع والتحطّم، فهي كما يقولون «تحويشة العمر»، خصوصاً أنها المرة الأولى التي أشتري فيها شيئاً مهماً وأُسجّله باسمي».
أن تمتلك سهى درّاجة نارية يعني لها الكثير، لذا قالت: «لقد أصبحت في عمر يخوّلني اتخاذ قراراتي بنفسي، ودرّاجتي تتيح لي تذوّق طعم الحرية في بلد يرزح شعبه تحت الضغوط السياسية والاجتماعية، علماً أنني أعشق قيادة سيارتي، وقد لا يرضى معظم الناس عمّا فعلت، ولكنني إذا اقتنعت بأمر ما، أُنفّذه».
كما حدّثتنا سهى عن الامتحانات التي خضعت لها فقالت: «تقدمت لامتحانين، أولهما عملي وخضعت له في العام الماضي، وكانت كل الفتيات المشاركات فيه يردن الحصول على رخصة قيادة السيارات فقط باستثنائي أنا، إذ رغبت في الحصول على رخصة قيادة درّاجة نارية، وكنت خائفة من الفشل وعانيت ضغطاً نفسياً لكوني فتاة وأرفض أن يقول عني الشبان: «فشلت لأنها فتاة». كان يوماً من أصعب أيام حياتي، لذلك طلبت أن أكون أول فتاة تخضع للامتحان، ونجحت فيه من المرة الأولى وحصلت على رخصة قيادة موتور «سي سي»، أما الامتحان الثاني فقد تزامن موعده مع يوم ميلادي وحصلت على رخصة قيادة مفتوحة».
شاركت سهى في سباقات دولية، وعن ذلك قالت: «شاركت بدرّاجتي النارية في سباق الرالي الذي أُقيم في الأردن، وكان جميع المشاركين فيه يملكون دراجات نارية ضخمة، وراق لي الأمر كثيراً... كنت أشعر كأنني أطير بجناحين، فقد قطعنا مسافة ألف كيلومتر، ولم تتخطّ سرعتي الـ210. لكن أكثر ما يخيفني، أن تعترض طريقي فجأة سيارة أو طيور أو كلب أو قطة تجتاز الطريق».
وكشفت سهى عن تعرّضها للكثير من المواقف المضحكة، والتي ذكرت لنا بعضها قائلةً: «حين ذهبت لشراء الدرّاجة النارية الكلاسيكية الكورية من الشركة الفلسطينية، فوجئ الجميع بطلبي وظنّوا أنني أُمازحهم، لكن بعدما لمسوا الجدّ في كلامي، طلبوا مني أن أُشغّل محرّكها حتى يتأكدوا من قدرتي على قيادتها، لتنهال عليّ التعليقات الإيجابية... وكذلك بعض الانتقادات السلبية التي لا أتوقف عندها، لأنها لا تعنيني ولن تثنيني عن إرادتي.
وفي موقف آخر، في إحدى جولاتنا في الضفة الغربية، توقفنا عند محطة للوقود، وكان يعمل فيها شاب صغير، رغب في أن يلتقط صورة معي، فذهب إلى المسؤول عنه وسأله ما إذا كان يسمح له بذلك، فقال له: «هي أمامك، اطلب الإذن منها»... وكلما تذكرت هذه الحادثة أضحك من أعماق قلبي».
دائماً تختلف نظرة المجتمع الى الظواهر الغريبة، لكن ماذا عن حالة سهى وهي تملك القدرة على إقناع الآخرين بجدوى أفكارها؟ لذا قالت: «هذا النوع من الرياضات متوافر بكثرة وهو حكر على الرجال، لكن بعد أن تمكنتُ من قيادة الدرّاجة النارية، أصررتُ على الحصول على رخصة لشعوري بأن النساء قادرات على على ذلك، وقد مثّلت فلسطين في الأردن، وأشجع كل الفتيات على خوض هذه التجربة».
ولدى سؤالها عما إذا كان العمر يقف عائقاً أمام ممارسة هذا النوع من الرياضة، أجابت سهى: «لا يمكن العمر أن يقف عائقاً أمام أي هدف أريد تحقيقه، ولا أرى أنني تأخرت في شراء الدرّاجة النارية، كما تعرفت إلى امرأة أردنية تعلمت قيادة الدراجة النارية وهي في الـ 49 من عمرها... وشخصياً، لا أنتظر الدعم من أحد، سواء مادياً أو معنوياً. وفي ختام حديثي، أحب أن أؤكد أن لعائلتي كل الفضل في ما أنا عليه اليوم».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024