أوجاع البطن...
نعاني جميعاً بين الحين والآخر من وجع في البطن. هل هذا الوجع مجرد تفاعل مع التوتر والضغط أم أنه عارض لمرض أكثر خطورة؟
تظهر الدراسات أن السبب الأكثر شيوعاً لوجع البطن هو التهاب المعدة والأمعاء، علماً أن هذا الالتهاب يصيب الجهاز الهضمي مثلما يفعل الزكام مع الجهاز التنفسي.
فوجع البطن شائع جداً عند معظم الناس، وتشير الإحصاءات إلى أن 80 في المئة من الأشخاص حول العالم يعانون من وجع البطن، فيما 10 في المئة منهم مصابون بتناذر تهيج القولون وتعاني نسبة قليلة من الأشخاص من التهابات خطيرة في الأمعاء.
تتمثل أعراض وجع البطن في إسهال، أو تقيؤ، أو فوضى كبيرة في الأمعاء وتستمر الحال على هذا المنوال لمدة يوم أو يومين، ثم يعود كل شيء إلى طبيعته. يعزى السبب غالباً إلى جرثومة موجودة في طبق معين، أو إلى فيروس منقول بواسطة الإنسان.
وعلى عكس الاعتقاد الشائع، تبقى العدوى بالأكل نادرة جداً. ويؤكد الأطباء أن التهاب المعدة والأمعاء ناجم بشكل أساسي عن اليدين الوسختين، ولذلك تبقى النظافة، وتحديداً غسل اليدين بانتظام قبل تناول الطعام، أفضل وسيلة لمحاربة هذا المرض.
أسباب منوعة
قد تصعب معرفة سبب وجع البطن بدقة... لذا، يطرح الطبيب غالباً مجموعة من الأسئلة المفصلة المرتبطة بالأوجاع وأوقاتها قبل أن يجري تحاليل دم وصور أشعة وصوراً صوتية... وفي أغلب الأحيان، تتمحور أسئلة الطبيب حول نوع الوجع (هل هو مفاجئ أم دائم، حارق أم ساكن، مستمر أم متقطع...) وتوقيته ومدته.
كما يسأل عن الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الأعراض (توتر أو نوع معين من الطعام...)، والعلاجات التي تفيدك في تسكين الوجع (مضادات حموضة، راحة، قيلولة...).
يؤكد الأطباء أن معظم أوجاع البطن لا تشكل أي خطر على الصحة، رغم أنها مزعجة جداً وتسبب الإحراج في الحياة اليومية. واللافت أن معظم الأوجاع المبرّحة في البطن هي أوجاع حميدة، فيما يبقى سرطان القولون من دون أية أعراض ظاهرة.
لكن هذا لا يعني ضرورة السكوت عن أوجاع البطن وتجاهلها وعدم استشارة الطبيب. فإذا استمر وجع البطن لأشهر عدة وترافق مع أعراض أخرى (مثل خسارة في الوزن، وظهور دم في البراز...)، يجب مراجعة الطبيب على الفور لأن أمراضاً عدة في الجهاز الهضمي قد تكون وراء أوجاع البطن وآلامه.
وفي معظم الأحيان، يكفي إجراء تعديل في الغذاء وأسلوب العيش وتناول علاج معين للتخفيف من حدة الأعراض والشعور بالارتياح.
تناذر ما قبل الطمث
ثمة سبب لوجع البطن وانتفاخه عند النساء وهو تناذر ما قبل الطمث. واللافت أن معظم النساء يعانين من هذه المشكلة، وإنما بنسب مختلفة.
فقد أثبتت الإحصاءات أن 5 إلى 10 في المئة من النساء يعانين من أعراض قوية لتناذر ما قبل الطمث، فيما تشعر 35 في المئة من النساء بأعراض متوسطة، وتبقى 10 في المئة فقط من النساء بمنأى عن هذه الأعراض المزعجة.
يؤكد الأطباء أن تعديل أسلوب العيش هو أفضل طريقة للتغلب على هذا التناذر والحد من أوجاعه. ويتمثل ذلك أساساً في السيطرة على التوتر، وإفراغ الضغط العصبي المسيطر على الجسم، وممارسة نشاط جسدي، وتخفيف كمية الملح والكافين.
إلا أن هذه التعديلات في أسلوب العيش لا تكون كافية وتبرز الحاجة إلى علاجات هرمونية تحت إشراف الطبيب.
تناذر تهيج الأمعاء
يصيب تناذر تهيج الأمعاء 20 في المئة تقريباً من الأشخاص الراشدين وهو يتمثل في انتفاخ في البطن، ووجع مبرّح، وتناوب بين الإمساك والإسهال... واللافت أنه يصعب تشخيص هذه المشكلة لأن الفحوص الطبية التي يجريها الشخص المريض عادة لا تكشف عن أي خلل وإنما تبدو طبيعية تماماً.
يقول الأطباء إن عدم ظهور أي خلل في التحاليل الطبية على رغم وجود مشكلة تناذر تهيّج الأمعاء يعزى أساساً إلى التهاب مجهري تعجز الفحوص القياسية عن كشفه. وتتم معالجة هذه الالتهابات المجهرية بوصف ميكروبات بروبيوتية (microbes probiotiques).
تنجح بعض هذه الميكروبات في تعديل التهاب مخاط الأمعاء عند عدد من الأشخاص، لكن أشخاصاً آخرين يعانون من حساسية مفرطة في النخاع الشوكي، ما يؤدي إلى تشنجات في القولون، أو من خلل في سيطرة الدماغ على الوجع. في هذه الحالات، يصف الأطباء مضادات خفيفة للاكتئاب لمعالجة المشكلة، وقد أثبتت فاعليتها على مرّ السنوات.
مرض السيلياك
يعاني 1 في المئة من الأشخاص تقريباً من مرض السيلياك (celiac disease) المتمثل في أوجاع كبيرة في البطن، وانتفاخ، وخسارة في الوزن، وفقر في الدم، وانزعاج إجمالي، علماً أن هذا المرض يمكن أن ينشأ في أي عمر كان.
ينجم مرض السيلياك أساساً عن عدم قدرة الجسم على تحمل الغلوتين، وهو بروتين موجود في عدد من الحبوب، مثل القمح والشعير والشوفان...
يصعب تشخيص هذا المرض في أغلب الأحيان لأن أعراضه تتشابه مع أعراض العديد من الأمراض الأخرى، لكن استمرار المشكلة من دون علاج قد يفضي إلى فقدان المرأة لخصوبتها، وحصول نقص شديد في المواد المغذية والفيتامينات في الجسم، وصداع مزمن في الرأس... ففي حال بقاء مرض السيلياك من دون معالجة، يحدث تفاعل مناعي في الجسم كلما جرى تناول طعام مشتمل على الغلوتين، ويترافق ذلك مع التهاب في الغشاء المخاطي للأمعاء.
ومع الوقت، يحدث ضمور في الغشاء المخاطي ويتوقف الجسم عن امتصاص ما يكفي من المواد المغذية. لكن فور التوقف عن استهلاك الغلوتين، يعود الغشاء المخاطي إلى وضعه الأساسي ويرمم نفسه.
تجدر الإشارة إلى أن الحمية الغذائية الواجب اتباعها في حال المعاناة من مرض السيلياك هي حمية صعبة جداً إذ تستلزم الامتناع عن تناول كل ما يحتوي على الغلوتين، أي كل مشتقات القمح والشعير والشوفان...
مرض كرون والالتهابات المزمنة في الأمعاء
مرض كرون والتهاب القولون القرحي هما من الأمراض المزمنة التي تصيب الأمعاء، والمؤسف أن 25 في المئة من مرضى الالتهابات المزمنة في الأمعاء يجري تشخيصهم قبل عمر العشرين! وقد ازدادت خلال الأعوام العشر الماضية نسبة شيوع هذه الأمراض عالمياً.
تسبب الالتهابات المزمنة في الأمعاء أعراضاً شبيهة جداً بأعراض تناذر تهيج القولون، ومنها الإسهال، والانتفاخ في البطن، والآلام المبرّحة.
والمؤسف أن هذه الالتهابات المزمنة تحدث خللاً في عمل الأمعاء وتؤدي إلى تضاؤل قطر الأمعاء، وحصول فجوات أو شقوق أو تقرحات في الغشاء المخاطي للأمعاء.
هكذا، يصبح هضم الطعام صعباً ومزعجاً، فيخفف المريض من تناول الطعام ويخسر الكثير من الكيلوغرامات.
ما هو السبب الرئيسي لهذه الالتهابات؟ هل هي العوامل الوراثية أو الحمية الغذائية أو البكتيريا؟ لا تزال الأسباب غامضة بالنسبة إلى الأطباء، لكن بات مؤكداً أن التدخين هو أحد عوامل الخطر المسببة لهذه الالتهابات.
كما يعتقد أن العوامل الغذائية تؤدي دوراً في هذا الصدد، ومنها تناول الطعام "النقي" جداً، أي الخالي تماماً من أية بكتيريا، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى خلل في الجهاز المناعي للأمعاء.
لكن حتى لو بقي سبب الالتهابات المزمنة في الأمعاء مجهولاً، يستطيع الأطباء لحسن الحظ معالجتها بفاعلية عبر حمض الساليسيليك الأميني، والكورتيكويدات المحلية أو الموضعية، وقامعات جهاز المناعة.
ولتفادي التشنجات في البطن، يوصى المرضى عموماً باعتماد الحمية الغذائية الخالية من الرواسب وبالتالي الحد من استهلاك الفاكهة والخضار.
التوتر
لا شك في أن التوتر يؤدي دوراً أساسياً في أوجاع البطن، وقد لاحظت ذلك بنفسك في يوم من الأيام قبل الدخول إلى امتحان، أو البدء بمقابلة مهمة، أو الذهاب إلى اجتماع حاسم... فعند الإحساس بالتوتر، يفرز الجسم كمية مفرطة من هرمونات معينة مثل الكورتيزول الذي ينظم الالتهاب.
وقد أثبتت الدراسات أنه توجد علاقة وثيقة بين الدماغ والأمعاء، لدرجة أن البعض يطلقون على الأمعاء اسم الدماغ الثاني.
بالفعل، يتألف الجهاز العصبي المعوي من مئة مليون خلية عصبية، ويتواصل الدماغ مع الأمعاء بواسطة الناقلات العصبية في حال الإحساس بالضغط والتوتر. لهذا السبب، نشعر بألم في البطن وتشنج في القولون عند الإحساس بالتوتر...
الأطعمة «الطازجة» عمرها سنة
كشفت الدراسات والاستطلاعات أن الفاكهة والخضار «الطازجة» التي تباع في المتاجر الكبرى عمرها سنة كاملة. فالمتاجر تبيع المنتجات بعد مرور أشهر أو حتى مواسم على قطافها وذلك بفضل التطورات التكنولوجية التي تتيح حفظ الأطعمة وإبقاءها «طازجة» كما لو أنها قُطفت للتو من البستان.
بالفعل، يمكن إطالة صلاحية التفاح في رفوف العرض لغاية سنة كاملة من خلال معالجة الهواء في بيئة الحفظ بغاز خاص. فالمادة الكيميائية، المعروفة
بـ SmartFresh، تمنع الفاكهة من إنتاج الإيثيلين، مادة النضوج الطبيعية. أما البطاطا فيمكن حفظها لغاية تسعة أشهر إذ تتم معالجتها بجرعات صغيرة من الإيثيلين تمنعها من الإنبات. والموز، الذي يٌقطف وينقل فيما لا يزال أخضر لإطالة أمد صلاحيته، تتم معالجته بالإيثيلين لاستهلال عملية النضوج مباشرة قبل عرضه على الرفوف للبيع.
كما يتم حفظ الكيوي لأشهر عدة، فيما يصل الإجاص إلى رفوف السوبرماركت بعد أربعة أشهر من قطافه. أما العنب فيمكن حفظه لغاية شهر كامل من خلال توضيبه بثاني أوكسيد الكبريت الذي يؤخر النضوج. وفي أغلب الأحيان، يتم حفظ كل المنتجات في غرف «مضبوطة الأجواء» جرى فيها تعديل تركيبة الهواء لتأخير التعفن.
ثمة عملية مماثلة، تُعرف بالتوضيب المعدل الأجواء، تمنع أوراق الخس من التحول إلى اللون الأسود في أطباق السلطة الجاهزة. في هذه الحالة، يتم خفض مستويات الأوكسيجين مع رفع نسبة ثاني أوكسيد الكربون. تقول المصادر الصناعية إن هذه المنتجات تحافظ على كل فوائدها، لكن الدراسات أظهرت أن أوراق الخس، التي يجري غسلها أيضاً بمحلول الكلور، تفتقد إلى المواد المغذية الرئيسية.
صحيح أن العملية تبقي الأوراق طازجة لغاية 11 يوماً كاملاً لكنها تقضي أيضاً على الفيتامينات ومضادات التأكسد الواقية، وخصوصاً الفيتامين C الذي يحارب الزكام والالتهابات الأخرى.
يعارض اختصاصيو التغذية هذه المسألة ويقولون إن الأطعمة الطازجة والجيدة لا تحتاج إلى أية تعديلات أو إضافات. ويفترض أن يحصل عليها المستهلك بسعر مقبول ونوعية جيدة ويستفيد من كل خصائصها الغذائية.
تجدر الإشارة إلى أن SmartFresh، الغاز المستخدم لإطالة صلاحية الفاكهة والخضار، يحتوي على المادة الكيميائية 1-MCP التي تمنع التفاح والبندورة (الطماطم) من إنتاج هرمون الإيثيلين، عامل النضوج الطبيعي فيها. وعند ضخ هذا الغاز في غرف الحفظ، يمكنه تأخير عملية النضوج لأسابيع أو حتى لأشهر. واللافت أن الإيثيلين نفسه يستخدم لتسريع عملية النضوج في الموز، فيما يجري ضخه بتركيزات ضئيلة لمنع البطاطا من الإنبات.
وفي النهاية، يبقى الاختيار لك أنت وإن كنا ننصحك عموماً بشراء الفاكهة والخضار الطازجة بكل معنى الكلمة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024