تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

المصمّمة تسنيم عشقي: لمجوهراتي قيمة معنوية وهي لا تُقدّر بثمن

أحجار متراصّة، يلمع بريقها في عينيّ كل متذوق حسّاس، وتعكس حوافها عشقاً فريداً من نوعه. هي بصمة مختلفة في عالم المجوهرات، وإن كانت تبدو للوهلة الأولى مجرد «سُبحة». قطع أمعنت صانعتها في تعميق ألغازها، فبدت منحوتات فنية تلامس الروح. تسنيم عشقي اسم لاقى صداه في عالم المجوهرات منذ عام 2014، ووصل الى العالمية، بعد حكاية جُمعت حبّاتها وصُقلت بكل حس وفن، ننثرها لنكتشف كنهها في هذا الحوار...

- بدايةً، حدّثينا عن نفسك، وكيف بدأ شغفك في عالم المجوهرات؟
أنا تسنيم أنور عشقي، عمري 31 عاماً، خريجة قسم الترجمة (لغة فرنسية)، وصاحبة علامة «تسنيم عشقي للمجوهرات». منذ طفولتي الباكرة وأنا أصمّم المجوهرات، فوالدي كان حريصاً على أن أشغل أوقات فراغي بالقراءة أو بممارسة هواية مفيدة. لذا، فضّلت تصميم المجوهرات، وكنت وما زلت أصنع مجوهراتي الخاصة بنفسي، وكلما كبرتُ كبرتْ معي هذه الهواية، التي أعتبرها اليوم هدفي في الحياة، ومهنتي التي أختارها لي الله لأفيد بها نفسي وكل من حولي.

- متى كانت انطلاقتك الحقيقية في عالم الأعمال؟
في البداية، رفضت بشدة بيع المجوهرات التي أصنعها، ليقيني أنها قطع ذات قيمة معنوية كبيرة، لا يمكن أن تُثمّن أو تُباع، وكنت أخصّ نفسي بتلك القطع، أو أهديها للمقرّبين مني. لكن بعد إلحاح مستمر، حصلت في عام 2014 على ترخيص لهذه الماركة، فسجّلتها رسمياً باسمي، مما خوّلني بيع القطع التي أصمّمها لكل الناس.

- لماذا حملت الماركة اسمك، ولم تختاري لها اسماً آخر؟
في الحقيقة، لم أكن أحبّذ فكرة أن تحمل الماركة اسمي، ذلك لكرهي الشديد للشهرة، فبحثت عن أسماء أخرى، إلا أن من حولي وجدوا أن من الأنسب أن أُطلق اسمي عليها، لكون قطعي تمثّلني وتعكس شخصيتي، ففي إمكان كل من يعرفني أن يميّز مجوهراتي من خلال لمساتي الفريدة التي أضفيها عليها، فهي قطع تحاكي روحي وإحساسي، لذا أطلقت على الماركة اسمي.


الترابط ما بين القطعة ومقتنيها هو هدفي في التصميم

- صناعة المجوهرات بحاجة الى خبرة وحس فني عالٍ، هل خضعتٍ لتدريب معين في مجال المجوهرات؟
بالفعل، اكتسبت خبرة أكاديمية وحصلت على شهادة من المعهد الدولي لتصميم المجوهرات، في كاليفورنيا عام 2016، فأضافت إلى خبراتي السابقة في مجال المجوهرات، والتي اكتسبتها من قراءاتي وتأملاتي للأحجار بمختلف أنواعها. فمن والدي تعلمت عشق الأحجار والسياسة في آن معاً، بحيث كان يجمع لي بعض الأحجار من رحلاته، لأكتشف الأنواع والأشكال والألوان المختلفة، كما لعب ذوق والدتي في اختيار الألوان دوراً في صقل مهاراتي وإغناء حسي الفني. لذا، أؤكد أن والديّ كانا وما زالا أهم داعم لي في كل خطوة أخطوها.

- الأحجار التي تستخدمينها في تصاميمك، هل هي محلية أم مستوردة؟ وما هي البلدان التي تستوردين منها بكثرة؟
كل بلد من بلدان العالم ينفرد بنوع معين من الأحجار وتدرّجات ألوانها. مثلاً، العقيق لا يمكن أن نجد أفضل من العقيق اليمني، لذا أستورد غالبيته من اليمن، وأتعامل مع كبار التجار لجلب الكميات التي أحتاج إليها منه. أما بالنسبة الى حجر المرجان فتونس والجزائر من أكثر البلدان اشتهاراً به، في حين أستورد حجر الكهرمان من عدد من الدول، ومن بينها روسيا، إضافة إلى البرازيل المعروفة بأحجارها الكريمة... كما أفضّل جلب الأحجار الطبيعية غير المنحوتة.

- يغلب شكل «السُبحة» الفريد على تصاميمك، من أين تستلهمين أفكارك؟
ماركة «تسنيم عشقي للمجوهرات» تتفرد بكونها مجوهرات تمنح القدرة على التسبيح، لكنها في الحقيقة  ليست «سُبحة». وإن تعمّدت أن يكون عدد الأحجار في تصاميمي مطابقاً لعدد حبّات «السُبحة»، فذلك لجعلها تصاميم عملية يمكن ارتداؤها والاستفادة منها في الوقت ذاته. أحاول دائماً إيجاد لغة جذب بين القطعة وصاحبها، ليشعر بترابط عاطفي وروحي يمنحه السكينة والأمان. هذا هو باختصار الخط الذي انتهجته لنفسي، وقد أعجب الكثير من الناس حول العالم، وحتى من غير المسلمين.


لكل مناسبة تصاميمها الخاصة

- ما الآلية التي تنفّذين بها قطعك؟
كوني إنسانة عملية وملتزمة بجدول أعمال، لا يمنعني من الموازنة بين ما هو موجود ورائج في الأسواق المحلية والعالمية، وبين إحساسي وذوقي، ذلك تماشياً مع المناسبات الخاصة بكل مجموعة أصمّمها. مثلاً، مجموعة «آمين» التي تمثّل الإيمان القوي، كانت من ضمن أنجح المجموعات، حيث بيعت كل قطع المجموعة في يوم عرضها نفسه، وهي عبارة عن عشرين قطعة. كذلك من المناسبات التي أخصّص لها تصاميم، مناسبة عيد الأم، وقد حاولت فيها دمج أحاسيسي وعواطفي مع أثمن أحجار «الروبي» تعبيراً عن حبي لوالدتي، فتنفيذي للقطع يعتمد على نوع المناسبة والألوان الرائجة، والأحجار المتوافرة والمطعّمة بأفكاري وإيحاءاتي.

- هل تنفّذين القطع لوحدك، أم هناك من يساعدك في ذلك؟
أصنع مجوهراتي يدوياً، وأبذل في تصميمها مجهوداً فردياً لا يشاركني فيه أحد. فرسم التصاميم وتحديد مناسباتها واختيار الأحجار وتدرّجات ألوانها وصولاً الى وضع اللمسات الأخيرة على القطع... كلها خطوات أخطوها بنفسي، لكنني أستعين ببعض الأشخاص في ما يتعلق بالتسويق وتصوير كل قطعة على حدة، واستيحاء الأفكار المناسبة لكل قطعة.

- من المجموعات التي تعملين عليها سنوياً مجموعة «معاً نصلّي»، ما الذي يميز هذه المجموعة؟
مجموعة «معاً نصلّي» هي من المجموعات الصالحة لكلا الجنسين، وكانت فكرتها أن تقتني الزوجة وزوجها القطعة نفسها، بغية توطيد علاقتهما بالله، وتذكير كل منهما بالدعاء للآخر والتسبيح له، فهي من المجموعات الروحانية والعاطفية التي توثّق الرباط ما بين أعز شخصين.

- ما آخر المجموعات التي تعملين عليها، والتي ستعرضينها قريباً؟
«لمكّة تشد الروح رحالها... من شوقها لبارئها... لبيت خالقها... تتجلّى لربها»، تلك هي الكلمات التي تضمّنتها مجموعتي الأخيرة «لمكّة»، فقد حاولت من خلالها التعبير عن اشتياقي لهذا المكان الطاهر، من خلال لمساتي التي جعلتها بألوان الكعبة، ذلك لتعظيم الذهاب الى البيت الحرام وأداء المناسك، وقد جسّدت الطقوس الروحانية بسبعة أحجار بيضاء ترمز الى الإحرام، فيشعر كل من يقتني هذه المجموعة بالسكينة والخشوع أثناء وجوده في هذه البقعة الطاهرة من الأرض، ويتعطّش للتقرّب من الله، خصوصاً أن المجموعة مكوّنة من عشر قطع مختلفة، وهي ليست مخصصة لموسم الحج فقط، وإنما تصلح لكل أيام السنة.


أسعى لإرضاء متذوقي فنّي

- زبائنك، إلى أي فئة ينتمون، وكيف تحرصين على إرضائهم؟
سبق أن قلت لكِ إن لديّ قطعاً مصمّمة لكلا الجنسين. لكن، وعلى الرغم من كثرة عدد السيدات، يشكّل الرجال الغالبية. وأعتقد أن طبيعة الرجل العملية وقلّة الخيارات أمامه في ما يتعلق بالأكسسوارات، دفعتا العنصر الرجالي بقوة لاقتناء تصاميمي. وأرى أن الذين تخطوا سنّ الـ 25 هم الأكثر تذوقاً لقطعي واقتناءً لها، وأحرص دائماً على إرضاء زبائني من خلال التكفّل بصيانة القطعة إذا شابها أي عيب أو خطأ، فتهمّنا ضمانة القطع مدى الحياة، حيث إنه في إمكان أي زبونه تعرضت قطعتها للتلف مراجعتنا على الرقم الخاص بالقطعة، والمسجل لدينا بشكل نظامي، لإصلاح ما فسد منها.

- ما هو دافعك لإكمال مسيرتك في مجال التصميم وإنتاج قطع جديدة ومختلفة عن سابقاتها؟
تعلّق الناس بقطعي وشغفهم بها، يدفعانني لإكمال مسيرتي، ففرحي لا يوصف حين يصل إحساسي الى مقتنية القطعة، وكنوز الدنيا قد لا تعادل قيمة أي قطعة في مجموعتي، كما أرفض بيع مجوهراتي لكل امرأة متعجرفة ومتعالية، ذلك أنني أهدف من خلال تصاميمي الى توصيل الفكرة الروحانية والعاطفية، ولم أسعَ يوماً إلى الكسب المادي، بحيث لا أمانع في بيع إحدى قطعي بسعر رمزي لسيدة قدّرت قيمتها المعنوية ورغبت باقتنائها لانجذابها القوي إليها. 

- أين تعرضين مجوهراتك للبيع، ولماذا لم توزّع وتُعرض في محال بيع المجوهرات؟
لم أحبّذ فكرة وضع مجوهراتي في محال بيع المجوهرات، كما لم أفكر بالمشاركة في المعارض المُقامة، ذلك أنني أرغب في أن تُعرض في المراكز التجارية، والتي تضمن لي وجود متسوّقين ينظرون الى القطع ويتأملونها بروية. ولأن الكثير من مراكز التسوّق يشتري فيها المتسوّقون مقتنياتهم على عجل، فضّلت أن تُعرض مجوهراتي في متاجر «رباعيات»، بالإضافة إلى تسويقها إلكترونياً.

- ما هي خططك المستقبلية؟
مما لا شك فيه أنني سأتابع مسيرة تعليمي والحصول على المزيد من الشهادات، إضافة إلى حرصي على إنجاز المجموعات المقبلة في موعدها المحدد. فبعد مجموعة «لمكّة» سأُحضّر لمجموعة الشتاء، تليها مجموعتا «معاً نصلّي» و«يوم الأم»، كما أطمح الى تطوير عملي وعرض قطع مجوهراتي في دول العالم، لأعكس من خلالها صورة الإسلام، دين التسامح والمحبّة. فمجوهراتي ليست للمسلمين فحسب، بل لكل شخص يشعر بروحانيتها.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078