التصلّب اللويحي المتعدّد مرض يعيق حركة الشباب
أصعب ما في مرض التصلّب اللويحي أنه يظهر في سنوات الشباب التي يكون فيها المريض في قمة عطائه، فيقلب حياته رأساً على عقب وتسوء حاله تدريجاً من خلال أعراض صعبة قد يصل بسببها إلى مرحلة يعجز فيها عن القيام بأبسط أعمال الحياة الروتينية.
بين نوبة وأخرى من المرض يستعيد المريض وظائفه المعتادة أو جزءاً منها، لكن شيئاً فشيئاً تتراجع حالته ويخسر المزيد من وظائفه وتقل درجة التحسن بين نوبة وأخرى.
مع الوقت كثر من المرضى يحتاجون إلى كرسي مدولب للتنقل والبعض يصبح عاجزاً عن الكلام. مرض صعب تزيد صعوبته كونه لا يمكن تحديد درجة تطوره مع الوقت ولا يمكن معرفة مواضع الجهاز العصبي التي ستصاب في كل نوبة.
التشخيص ليس سهلاً، خصوصاً أن الأعراض تتشابه مع أعراض أمراض أخرى مختلفة. لذلك وحده الطبيب الاختصاصي قادر على تشخيص الحالة بالاستعانة بالفحوص الطبية المتوافرة.
صحيح أنه لا تتوافر حتى الآن علاجات تشفي من التصلّب اللويحي المتعدد، فلا يمكن العودة إلى الوراء مع العلاج بعد بلوغ مرحلة معينة، لكن العلاجات الموجودة تسمح بوقف تطور المرض وبالسيطرة على أعراضه والحد من نوباته بهدف تأمين حياة فضلى للمريض.
لذلك، تبرز أهمية التشخيص في مراحل مبكرة من المرض للسيطرة عليه قدر الإمكان وإبطاء سرعة تراجع الحالة. الطبيبة اللبنانية الاختصاصية في الجهاز العصبي ورئيسة المركز الطبي للتصلّب اللويحي المتعدد في الجامعة الأميركية في بيروت سامية خوري تحدثت تفصيلاً عن التصلّب اللويحي المتعدد مشيرةً إلى أبرز أعراضه وعلاجاته ووسائل التشخيص التي ينصح باللجوء إليها في مراحل مبكرة للسيطرة على المرض في أولى مراحله بدلاً من الانتظار حتى بلوغ مراحل متقدمة تستحيل فيها العودة إلى الوراء.
- كيف يمكن التعريف بمرض التصلّب اللويحي المتعدد وما طبيعته؟
التصلّب اللويحي المتعدد هو مرض مزمن في الجهاز العصبي يصيب الدماغ والنخاع الشوكي. وينتج هذا المرض تحديداً عن خلل في جهاز المناعة وكأن الجسم يحارب ذاته حيث يحارب جهاز المناعة في الجسم عناصر في الجهاز العصبي، خصوصاً مادة الميلين myelin التي تتضرر فينتج عن ذلك أعراض ومؤشرات مرتبطة بالموضع الذي تضررت فيه.
- هل من أسباب واضحة تؤدي إلى الإصابة بالتصلّب اللويحي المتعدد؟
ثمة أسباب تزيد احتمال الإصابة، مع الإشارة إلى أن المرض ينتج عن عامل جيني في 30 في المئة من الحالات. لكن لا يمكن أن نهمل أنه في 70 في المئة من الحالات لا يكون السبب جينياً.
علماً أنه عندما يكون هناك اجتماع لجينات عدة يزيد احتمال الإصابة. من جهة أخرى ثمة عوامل وراثية تلعب دوراً وتزيد احتمال الإصابة، لكن يبقى الاحتمال هنا بسيطاً ولا يعتبر عاملاً أساسياً. يمكن الإشارة أيضاً إلى عوامل مسببة أخرى تلعب دوراً كالنقص في الفيتامين «د» الذي تبين أنه يلعب دوراً في الإصابة، إضافةً إلى الإصابة بالتهابات معينة منها فيروس EBV الذي يزيد احتمال الإصابة بالتصلّب اللويحي المتعدد، خصوصاً إذا اجتمع مع عوامل أخرى.
كما يختلف الوضع بحسب ما إذا تمت الإصابة بالفيروس خلال الطفولة أو المراهقة.
- هل يصيب المرض في سن معينة؟
يظهر التصلب اللويحي المتعدد غالباً في سن 20 أو 30 سنة. لكن هذا لا يعني انه يظهر حصراً في هذه الأعمار بل يمكن أن يظهر في أي سن أخرى.
- هل يصيب الرجال أكثر أم النساء؟
يصيب التصلّب اللويحي المتعدد النساء مرتين أكثر من الرجال وهذا أمر مؤسف لأن الشابة تكون في ذروة نشاطها وعطائها في هذه السن ويأتي المرض ليفسد حياتها بالكامل.
- هل من أعراض معينة يمكن أن تنذر بوجود المرض في بداياته؟
تختلف الأعراض بشكل واضح بين شخص وآخر. لكن كل الأعراض التي يمكن أن يتعرض لها المريض مرتبطة بالجهاز العصبي وأكثرها شيوعاً فقدان النظر أو الغشاوة في عين واحدة حيث تعتبر هذه أول مؤشرات المرض.
لكن الأعراض الناتجة عن التصلب اللويحي المتعدد تظهر وتغيب عادةً ومع الوقت تزول بنسبة أقل ويستعيد المريض نسبة أقل من وظائفه، لكن عندما تظهر الأعراض مجدداً تكون أكثر حدة وصعوبة. كما يمكن أن يعاني المريض أحياناً تنميلاً. وتبرز أيضاً حالات اكتئاب بين مرضى التصلّب اللويحي المتعدد.
- هل يسهل تشخيص المرض من مراحله الأولى؟
وحده الطبيب قادر على تشخيص المرض. ويتم التشخيص بحسب الأعراض التي تظهر في المرحلة الأولى. وتكمن المشكلة في أن أعراض المرض قد تتشابه مع الأعراض الناتجة عن أمراض أخرى وتختلف كثيراً بحسب مواضع الجهاز العصبي التي يصيبها المرض.
- هل من فحوص معينة تساعد على التشخيص؟
لا يعتبر التشخيص سهلاً دون اللجوء إلى فحوص معينة. من الأسهل اللجوء إلى التصوير بالرنين المغناطيسي MRI الذي يظهر حقيقة المشكلة. كذلك يساعد فحص الSpinal Fluid، إضافةً إلى فحوص أخرى دقيقة تؤكد التشخيص.
- كيف تتطور حالة المريض الذي يعاني التصلّب اللويحي المتعدد؟
يتعرض معظم المرضى لمرحلة من النوبات تزول بعدها الأعراض بنسبة معينة. وفي 85 في المئة من الحالات، تزول الأعراض بعد النوبة الأولى فلا يعيرها المريض أهمية وتسوء الحالة تدريجاً خلال 20 سنة بحيث يجد المريض، بعد هذه الفترة، صعوبة في المشي.
ورغم أن المريض يتحسن بنسبة معينة بعد النوبة التي يتعرّض لها فإنه لا يتحسن كلياً وفي كل مرة تكون حالته أسوأ. ومن المضاعفات التي يعانيها المريض فيما تسوء حالته، الصعوبة في التوازن والتنميل في الوجه.
مع الإشارة إلى أنه يمكن التعرض لمضاعفات عدة مرة واحدة. وأصعب ما في هذا المرض أنه لا يمكن أن نعرف إلى أين يمكن أن تصل الحالة، فقد يجد المريض نفسه في حالة جيدة في أحد الأيام وتسوء حالته تدريجاً وتتدهور إلى أن يصبح عاجزاً عن القيام بأبسط الأعمال الروتينية في حياته.
- هل من عوامل معينة تساهم في زيادة حالة المريض سوءاً؟
ثمة مشكلات صحية معينة تحرّك أعراض المرض وتزيد الحالة سوءاً كما عندما يتعرض المريض لالتهابات في البول أو انفلونزا. لكن لا يمكن اعتبارها أسباباً مباشرة.
- ما الهدف من العلاج إذا كان عاجزاً عن شفاء المريض تماماً؟
هدف العلاج هو منع حصول النوبات ومنع تكوّن الصفائح في الدماغ.
- هل يعجز العلاج عن التصحيح وتقتصر فوائده على السيطرة على الأعراض والنوبات؟
في حال معالجة المريض في مرحلة مبكرة، ثمة أمور يمكن تصحيحها ويمكن أن يساعد العلاج على تصحيح بعض المشكلات والأضرار في الدماغ، لكن بقدر ما تكون المرحلة متقدمة يصبح التصحيح صعباً لأن التدمير الذي يكون قد حصل في الدماغ يكون أقوى.
- إذا كان العلاج قادراً على السيطرة على الأعراض، لماذا يمكن أن يستمر تفاقم الحالة تدريجاً رغم الالتزام بالعلاج؟
لكل علاج نتبعه مع مريض التصلّب اللويحي المتعدد فاعلية معينة، ولا يتجاوب الكل معه بالطريقة نفسها وبالتالي لا تعتبر فاعليته هي نفسها مع الكل.
كما أن بعض المرضى يصلون إلى وقت لا يعودون يتجاوبون فيه مع العلاج. إضافةً إلى أنه لكل علاج آثاره الجانبية. في هذه الحالات، نحاول مراقبة المريض بدقة ونغيّر الأدوية التي لا نجدها مفيدة له بعد فترة. كل هذه الأمور تختلف بحسب تجاوب المريض مع العلاج.
- هل يعني هذا أن العلاج ضروري طيلة الحياة؟
العلاج ضروري طيلة الحياة ولا يمكن وقفه. وتبرز المشكلة المادية أيضاً كون العلاج مكلفاً. كما أن المشكلة في أن العلاج لا يضمن تجاوباً من الكل.
- هل تعتبر مريضة التصلّب اللويحي المتعدد قادرة على الزواج والإنجاب؟
يمكن أن تحمل مريضة التصلّب اللويحي المتعدد وأن تنجب دون مشكلة، خصوصاً أنه لوحظ أن نوبات المرض تخف خلال الحمل لأن مناعة الجسم تخف خلال هذه المرحلة.
لكن بعد الولادة، من الضروري أن تخضع المرأة لمراقبة دقيقة لأنها قد تتعرض لنوبة عندها. مع الإشارة إلى أنه بحسب الدراسات، لا تسوء حالة المريضة التي تنجب.
- هل يمكن أن يمارس المريض الرياضة؟ وما أهميتها له؟
تعتبر الرياضة ضرورية لمريض التصلّب اللويحي المتعدد. اذ يجب أن يحافظ على نشاطه قدر الإمكان وأن يمارس أنواع الرياضة التي تسمح له حالته بممارستها.
- ألا يواجه المريض صعاباً أثناء ممارسة الرياضة بسبب حالته؟
يمكن أن يمارس المريض الرياضة ضمن حدود معينة دون الإفراط في ذلك، إذا كانت حالته تسمح بذلك. فكثر من المرضى ينزعجون من ارتفاع حرارة الجسم عند ممارسة الرياضة فتؤثر عليهم سلباً.
لذلك يجب ممارسة الرياضة بالقدر الذي يسمح به الجسم. وبشكل خاص، ينصح بالسباحة فهي الرياضة الفضلى للمريض لأنه يحرّك فيها عضلات الجسم كلها فيما يبقى الجسم مبرّداً. كذلك ينصح برياضة اليوغا.
- هل للتغذية أي تأثير على المرض؟
لا يمكن القول بوجود طعام يضر بمريض التصلّب اللويحي أكثر من غيره. فلا شيء يضر أو يفيد أكثر من غيره من ناحية التغذية. لكن مما لا شك فيه، أن النظام الغذائي القليل الدهون هو الأفضل. وبشكل عام من الأفضل اتباع نظام غذائي صحي.
تصنيف التصلّب اللويحي المتعدد
ثمة نماذج عدة من مرض التصلّب اللويحي ويختلف العلاج المعتمد على هذا الأساس. إنطلاقاً من ذلك، يمكن تقسيم مرضى التصلّب اللويحي إلى مجموعات
- Relapsing-Remitting MS
تعتبر هذه اكثر أشكال مرض التصلّب اللويحي المتعدد شيوعاً حيث يتعرض المريض إلى نوبات أو نكسات من المرض تظهر فيها أعراض جديدة كالتنميل والضعف والغشاوة في النظر أو فقدان التوازن وتستمر طوال يوم على الأقل.
وتتحسن هذه الأعراض عادةً وتظهر مجدداً بدرجات تختلف بين مريض وآخر. ويظهر هذا النوع أكثر في سن 20 أو 30 سنة. وتجدر الإشارة إلى أن النكسة تحصل من خلال نوبة تدوم لأكثر من 24 ساعة ويظهر فيها خلل جديد في الجهاز العصبي. - Primary Progressive MS
تعاني نسبة 10 في المئة من المرضى من التصلّب اللويحي المتعدد بشكله التدريجي الأولي Primary Progressive حيث يظهر تطور الحالة التدريجي بدءاً من أولى مراحل المرض.
ويظهر هذا النموذج، غالباً بعد سن الأربعين وبشكل خاص للذكور أكثر مقارنةً ببقية أشكال التصلّب اللويحي المتعدد. - Progressive Relapsing MS
تتعرّض أقلية من المرضى لهذا الشكل من المرض حيث تظهر انتكاسات المرض مع تطوره بشكل متوازٍ من بداية ظهوره. - Secondary Progressive MS
في هذا النموذج من التصلّب اللويحي لا تزول الأعراض المرتبطة بالجهاز العصبي وتعود بل تبقى موجودة وتصبح مزمنة. ويظهر هذا الشكل من المرض عادةً لدى المرضى الذين يعانون من ترددات المرض ونكساته خلال 10 أو 15 سنة. - Neuromyelitis Optica
تؤثر حالة التصلّب اللويحي هذه على النخاع الشوكي وعلى العصب البصري حصراً.
المركز الطبي للتصلّب اللويحي في الجامعة الأميركية
AUBMC Multiple Sclerosis Center
يعتبر المركز الطبي للتصلّب اللويحي المتعدد في الجامعة الأميركية الذي افتتح أخيراً، الأول من نوعه في لبنان والمنطقة ويهدف إلى توفير دعم طبي ومعنوي من أعلى المستويات للمرضى وعائلاتهم.
كما يعنى المركز باستمرارية الأبحاث والدراسات المتعلّقة بمرض التصلّب اللويحي المتعدد، إضافةً إلى دوره في تدريب العاملين في الجسم الطبي في هذا المجال والباحثين وتثقيف المرضى وعائلاتهم ونشر التوعية والوعي حول هذا المرض.
ويضم المركز اختصاصيين في أمراض الجهاز العصبي وممرضات وصيدلياً. علماً أن كل الأطباء والباحثين في المركز هم من الرواد في هذا الاختصاص وقد برزوا من خلال إنجازات عالمية لافتة واكتشافات في إطار هذا المرض.
وتم تدريب العاملين في المركز من قبل اختصاصيين رائدين في مجال مرض التصلّب اللويحي المتعدد. ويعمل الكل جاهدين على نشر الوعي حول المرض وتثقيف الناس عامةً والمرضى خاصةً في هذا الإطار لتحسين نوعية حياتهم.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024