تغيّرات في جسم المرأة وشكلها!
تولد فتاة، وسرعان ما يتهافت الأهل لشراء الملابس الزهرية وربطات الشعر والأكسسوارات الجميلة وحتى الأحذية والحقائب... ومنذ صغرها تعتاد على فكرة الجمال والأناقة. لكن ما لا يُقرّ به الجميع، هو أنّ المرأة أكثر عُرضة للتقلّبات والتغيّرات الحسّاسة من الرجل.
وهي تمرّ بمراحل بيولوجية وفيزيولوجية ونفسيّة متنوّعة، ليتقلّب مزاجها ويتعدّل جمالها وتختلف تضاريسها وتكاوينها في مختلف المراحل العمريّة من حياتها! ذلك أنّ تغيّر الهرمونات الذي يرافق الفتاة منذ ولادتها وحتى بلوغها، مروراً بفترة الحمل والولادة، وصولاً إلى إنقطاع الطمث، ينعكس ليس فقط على شكلها الخارجيّ، وإنما على نفسيّتها ومزاجها وحتى على أدائها وعلاقاتها.
فما هي المراحل الكبرى التي تمرّ بها كلّ سيّدة في حياتها؟ وكيف يؤثر ذلك على شكلها وعلى معنوياتها؟
المرأة كائن يتمتّع بنعم كثيرة، وفي المقابل تخضع لضغوط جمّة، جسدية، نفسيّة وحتى عاطفيّة! يردّ البعض ذلك إلى عامل «الهرمونات» الذي له التأثير الأكبر، إذ أنه يجعلها أكثر حساسية وعصبيّة أحياناً. لكن لا بدّ من القول إنّ لكلّ مرحلة عمرية تمرّ بها السيدة، تغيّرات بيولوجية وفيزيولوجية، ناهيك بتغيّر البشرة والقوام مما يولّد أحياناً شعوراً بالخوف أو القلق، ليفاقم الشقّ النفسيّ!
تشرح الدكتورة ساريا واكيم الغريّب، إختصاصيّة داء سكّري وغدد، مختلف المراحل التي تقطعها المرأة والتغيّر الهرموني في جسمها. كما تتحدّث الإختصاصية في علم النفس ريتا أبو سمرا عن العواقب النفسية والتقلّبات المزاجية لتي ترافق كلّ تغيّر مع مرور السنوات.
لقد وهب الله المرأة القدرة على الإنجاب. وهي نعمة لا نفكّر بها كثيراً،
لأنها من المسلّمات. لكن من الناحية العلميّة، تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الحالة مرتبطة بالدورة الشهرية والهرمونات. لذلك، لا بدّ من الإطلاع، وإن بشكل موجز، على تاثير هذه الأمور على تركيب الجسم وعلى النفسية أيضاً.
مراحل حياتيّة
عند الكلام عن أبرز التغيّرات الفيزيولوجية التي قد تخضع لها كلّ فتاة، لا بدّ من التطرّق إلى أبرزها، ألا وهي مرحلة البلوغ، أي عند بدء الدورة الشهرية.
تقول الدكتورة واكيم: «يمكن تقسيم المراحل الكبرى التي تقطعها المرأة إلى أربع، وهي البلوغ، الحمل، الولادة ، وإنقطاع الطمث. بالعودة إلى البداية، عندما تولد فتاة، تكون هرموناتها عالية، لتنخفض بعد بضعة أشهر وتظلّ معدومة حتى سنّ البلوغ».
تضيف: «إنّ مرحلة بدء الدورة الشهرية، أي البلوغ، هي الأبرز. وهي عموماً ما تكون بين سن العشرة والخامسة عشرة. وقبل الدورة يبدأ البلوغ الفيزيولوجيّ والعقليّ.
فعلى صعيد الشكل، ينبت الشعر تحت الإبطين وفي النطقة الحساسة، ويكبر الثدي ومن ثمّ يترافق ذلك مع الدورة الشهرية. وأمّا على الصعيد العقليّ، فنلاحظ أنّ الفتاة تتبدّل من ناحية بعض التصرفات، وتصبح أكثر وعياً وإدراكاً للأمور».
وفي بعض الحالات، نلحظ حالات Puberty أو بلوغ مبكر، فنعمد إلى تأخير الأعراض من نمو شعر وسواه، عبر إعطاء دواء حتى بلوغ سنّ الثامنة. وفي حالات مختلفة، قد يتأخرّ البلوغ حتى السادسة عشرة، وهو أمر طبيعيّ، إذ يلعب عامل الوراثة دوراً كبيراً.
تستطرد الدكتورة واكيم: «المرحلة الطبيعية التي تأتي نتيجة البلوغ، هي القدرة على الحمل. وأثناء هذه المرحلة، يحصل تغيّر هائل على مستوى الهرمونات. إذ ترتفع هرمونات الحمل مثل Beta HCG والأستروجين والبروجيستيرون، خاصة في الأشهر الأولى. أمّا من حيث الشكل، فيُترجم ذلك طبعاً بإكتساب الوزن، وبتغيّر في عادات الأكل والنوم. كما قد تعاني بعض الحوامل من مشاكل جلدية مثل الكلف والحبوب، ومن تورّم، خاصة في القدمين.
وهذه التغيّرات الهرمونية قد تسبّب أحياناً مشاكل في الغدة الدرقية أو غثياناً ودواراً وتقيّؤاً وإنقطاع شهية ، أي الوحام. وأثناء الحمل، تصبح السيدة اكثر حساسية وتوتراً وقلقاً، بسبب الهرمونات وبسبب الحالة النفسية التي تمرّ بها أيضاً».
وأمّا بعد الولادة، فتعلو هرمونات الرضاعة مثل البرولاكتين، حتى تتمكّن الأمّ من الإرضاع. كما يبدأ جسمها بالعودة رويداً رويداً إلى سابق عهده. وتعود الدورة الشهرية إلى الانتظام بعد فترة توقّف أثناء الرضاعة.
بعدها، تقول الدكتورة واكيم: «بين الخامسة والأربعين والخمسين، تبدأ فترة إنقطاع الطمث Menopause، حيث تشيخ البويضات وتتغيّر نوعيتها، كما تعلو معدلات هرمونات معيّنة، فتتوقف الدورة الشهرية، وبالتالي تفقد السيدة القدرة على الإنجاب. ومن حيث المظهر الخارجي، قد يرتفع وزنها بعض الشيء وتعاني من جفاف المهبل إضافة إلى مشاكل في البشرة، ويتزامن ذلك مع أعراض الشيخوخة المبكرة للبشرة وللجسم برمّته. كما قد تعاني بعض السيدات من نوبات حرّ بسبب الهرمونات».
إنعكاسات نفسيّة
كما في كلّ شيء في الحياة، فإنّ التغيّر له وقع صعب على الناس، ويحتاج الجميع إلى فترة تأقلم مع الجديد ريثما يتقبّلونه ويعتادون على عواقبه.
تفسّر الإختصاصيّة أبو سمرا: «يختلف وقع التغيّر البيولوجي والفيزيولوجي بين إمرأة وأخرى. ويرتبط الأمر بقوّة الشخصيّة والمجتمع الحاضن والعلاقات العائلية والإجتماعية ونوعية العمل ونمط الحياة.
فالسيدة العملية العاملة قد لا تشعر بوطأة الألم ذاتها كما ربّة المنزل مثلاً أثناء الدورة الشهرية. ويعود ذلك إلى إنغماسها في العمل وعدم قدرتها على النوم والتأوّه.
كذلك الحامل في طفلها الثاني، يكون وحامها أقلّ لأنها تتحمّل مسؤولية الطفل الأول في البيت. طبعاً، بعض الحالات بيولوجية ولا تمتّ إلى الدلع أو الضغط النفسيّ بصلة. وتكون إجمالاً وراثية من ناحية الأم أو العمّة».
وتجدر الإشارة إلى أنه من الممكن أن تعاني السيدة الحامل من ضغوط نفسية ومن كبت للمشاعر سابقاً، يتفجّر أثناء الحمل، وأكثر ما يكون بعد الولادة، بحيث تكون مستويات الهرمونات غير صحيحة، ويؤثر العامل النفسيّ كذلك.
كما أنّ مسؤولية الأمومة ورؤية رضيع يعتمد عليها في كلّ شيء تحمّلانها ضغوطاً تعجز عن إستيعابها جميعها، فتنفجر في البكاء، أو تصبح عصبية أو تصرخ أو تنعزل. وهي فترة طبيعية تسمّى «إكتئاب ما بعد الولادة أو Baby Blues» وسرعان ما تختفي من تلقائها.
تضيف: «يعتبر البعض أنّ مرحلة إنقطاع الطمث هي سنّ اليأس، فيما يعتبرها آخرون بداية جديدة، ناضجة وحرّة، أي سنّ الأمل. فالمبدأ الأوّل يحتّم فقدان أنوثة المرأة بعد فقدانها ما يخوّلها الإنجاب.
كما يتزامن ذلك مع بدء الشيخوخة بشكل عام. لذلك نرى النساء عصبيات وقلقات ومتوترات. ولهذا الأمر شقّ نفسيّ وآخر بيولوجيّ هرمونيّ أيضاً. أمّا المبدأ الثاني، فيؤكّد أنّ السيدة التي عاشت كلّ المراحل، لا بدّ لها من تغيير يريحها من ألم الدورة الشهرية وتبعاتها.
لذلك تتحرّر من العبء الذي عانت منه على مدار سنوات، ويمكنها التمتع بسنواتها بكلّ نضج ورقيّ، ومحاربة معالم الشيخوخة المبكرة، عبر تقنيّات طبّيّة-تجميليّة».
علاجات بسيطة
تلفت أبو سمرا إلى أنه «من الممكن اللجوء إلى عقاقير مضادة للإكتئاب في بعض الحالات التي تكون نفسية ذات تأثير بيولوجي، للمساعدة في التأقلم. ولكن يتمّ ذلك تحت إشراف طبّيّ. قبل كلّ شيء، لا بدّ من أن تدرك السيدة أنها كائن أغدق الله عليه بنعم، وأنها قويّة ومستقلّة، وقبل كلّ شيء، هي أمّ! أي أنها تهزّ المهد بيمينها والعالم بيسارها... لذلك، يجب عدم ترك المجال لليأس والإكتئاب، بل يجب تقبّل المراحل الحياتية ومعايشتها. لهذا السبب، تبقى النصيحة هي التخفيف من التهويل والتضخيم والسير بسلاسة وإنسيابية».
من جهتها تؤكّد الدكتورة واكيم «ضرورة وصف هرمونات للمرأة التي تعاني من إنقطاع الطمث في مرحلة مبكرة أي قبل الأربعين، وذلك لتأخير المرحلة ولحمايتها من أخطار بعض الأمراض وأبرزها ترقّق العظم، وحتى تتمكّن من عيش حياة طبيعية وسليمة».
وفي النهاية، من البديهي أن يشعر كلّ إنسان بتغيّرات في جسمه وشكله وحتى في نفسيّته مع مرور الوقت، ولا داعي للقلق.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024