تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

سونا عاروري: المرض احتلّ جسدي...

بعد مضي عشرة أشهر على نجاة سونا عاروري من مرض السرطان، قررت أن تركّز اهتمامها على النساء المصابات به من أجل التوعية والتثقيف حول هذا المرض والتأكيد أن النجاة من الإصابة بهذا المرض هي من خلال العلاج النفسي إلى جانب العلاج الوقائي... سونا عاروري أم لولدين، ومتخصصة في مجال زراعة الأسنان في ألمانيا، وكانت قد شاركت في تأسيس قطاعات صحية في فلسطين خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، وقدمت الكثير من الخدمات للكثير من النساء والأطفال، وأدركت من خلال ذلك أنها تستطيع العمل في المجال المجتمعي أكثر من المجال الطبي الذي عملت فيه سابقا. وهي تعمل حاليا ممثلة لمؤسسة ميدي-بالستاين ومتطوعة في دنيا، المركز التخصصي لأورام النساء في فلسطين.

وفي مقرالمركز التخصصي لأورام النساء في رام الله التقينا سونا عاروري، فروت لنا حكايتها مع مرض السرطان... قالت: 'إذا سألتِني كم عمري ألان؟ سأقول لك : عمري الحقيقي هو سبعة أشهر، لأني اعتبر أني ولدت من جديد عندما نجوت من المرض.
بدأت حكايتي مع سرطان الثدي والغدد اللمفاوية قبل عام، وكان من المفروض عند وصولي إلى سن معينة أن ابدأ بالخضوع للتصوير الشعاعي، ولكن الدنيا كانت تجذبني إلى الاهتمام بعملي وولدي وزوجي، ولم أفكر أنني في يوم من الأيام سأكون واحدة ممن سيستهدفهن هذا المرض، مع أني كنت أقول لغيري دائما إن الفحص المبكر مهم جدا للنساء.
وعندما توجهت إلى المستشفى تم تحديد كتلة لدي في الصدر واكتشفوا أن هذه الكتلة يجب أن تستأصَل جراحياً. وأثناء الجراحة أُخذت عينة من الغدد اللمفاوية واكتشفوا أنها هي الأخرى مصابة بالسرطان. وبعد أسبوعين أجريت لي جراحة أخرى لاستئصال الغدد اللمفاوية المصابة'.
أضافت: 'بعد ذلك شرح لي الطبيب الخطوة التالية وهي الخضوع للعلاج الكيميائي، فوافقت على ذلك. والى جانب ذلك كنت طوال الوقت على اتصال بأطباء في أميركا، كانوا يقدمون لي المساعدة'.


تداعيات...

وعن حياتها الزوجية قالت: 'ليس من السهل أن يتقبّل الكل فكرة إصابتي بالسرطان، وكانت هذه مسألة صعبة على زوجي ولكنها أعطته الكثير من القوة لكي يتعامل مع الموضوع بشكل منطقي، واعتبار أن ما يحدث مجرد مرحلة ستمضي.
وفي السنة التي تلت العملية الأولى تعرض زوجي للشلل في حياته المهنية والاجتماعية ولم يتركني في أي لقاء لي مع الأطباء، أو أثناء أخذي جرعات الكيميائي، وكان برفقتي طوال الوقت، ويقول لي دائما 'إحنا رايحين ع الكيمو'.
وكانت مشكلتنا أن الكلمات كانت صعبة على الأذن مثلا كيميائي آو بيولوجي آو إشعاعي. وأنا خضعت لكل تلك العلاجات'.

وعن تأثر ولديها بمرضها وكيفية تعاملها مع ذلك قالت: 'أصعب شيء بالنسبة إليهما كان تساقط شعري وذلك بعد العملية الثانية. فقررت حلق شعر رأسي كاملا، لكي لا احزن عليه، ولكي لا يرى ولديّ بقايا من شعري على المخدة أو في مكان الجلوس.
وكنت ارتدي غطاء على رأسي عندما اخرج من البيت. وفي أثناء علاجي اضطررت للسفر إلى أوستراليا وكانت لدي أمنية بأن أسير في الشارع دون أن أضع غطاء على رأسي، وفعلا فعلت ذلك.
واعتقد الناس هناك أن حلاقتي لشعري هي مجرد موديل، وعندما بدأ شعري بالنمو من جديد بدأت اخرج إلى الشارع دون وضع غطاء على رأسي'.

وتابعت: 'عندما تساقط شعر رأسي وحاجبيّ، فكرت مع زوجي بولدينا وبدأنا بطرح الأمر وكأنه فن وكنت اسمح لولدي برسم حاجبي أو تدليك رأسي. وعندما بدأ شعري بالنمو مجددا كانا مع زوجي يتابعون طوله يوماً بيوم بفرح. وجعلتهم يتعاملون مع مرضي على انه مرحلة سوف تمر.
وأثناء مرضي لم يرغب ولداي في أن يستضيفا أصدقاءهما في البيت، وكانا يواجهان الكثير من الأسئلة من الطلاب عما حدث لي. وحتى أن احدهما ثار على المعلمة عندما قلت له 'روح عند أمك ادلع عليها'. فأجابها: لا تذكري اسم أمي لأنها مريضة بالسرطان'.

وحدثتنا سونا عاروري عن مرحلة العلاج الكيميائي فقالت: 'طبعا كنت أؤمن بان هناك شفاء لأنني طالعت كثيرا حول هذا المرض، وتعلمت كيف أكون مناضلة وكيف أقضي عليه. وقد اعتبرت أن السرطان احتلّ جسدي دون أي إنذار وجلس فيه'.



علاج النفس والوقاية

وحول تجربتها مع هذا المرض وطرق التعامل معه قالت سونا عاروري: 'إذا أصاب هذا المرض امرأة فإن ثلثي العلاج هو علاج نفسي ومن ثم وقائي.
ومن ناحية أخرى نحن في بلد غير مجهز للطب المساعد أو الملطف وبالذات في موضوع السرطان، وهذا ليس دور الطبيب الذي يعالجني، ولكن يجب أن يكون هناك أشخاص مدربون على إيصال المعلومة وكيفية التعامل معها، ونحن في مركز دنيا  الذي أنشئ حديثا لدينا كل هذه الأمور'.

وعن عملها في 'دنيا' قالت: 'عمليا عندما كنت أعالَج في مستشفى المطلع كان هناك طبيبة تتدرب لكي تأخذ فكرة عن موضوع الأورام، وسألتني لماذا تتعاملين مع المرض بشكل عادي فدائما تقرئين وتستمعين إلى الموسيقى وأنت في جلسة الكيميائي؟ فقلت لها: لأنني أرى الدنيا ملونة ولا أحب أن أرها سوداء. فقالت لي: نحن بصدد إنشاء مركز وأرغب في أن أعرفك على صاحبة الفكرة التي ستنفذ المشروع في فلسطين ونحن في حاجة إليك كي تكوني معنا في المشروع وتعطينا خبرتك في مجال العلاقات العامة والتوعية.
وعرفتني على الطبيبة ميسون العراقي وهي فلسطينية من حيفا وتعمل مديرة قسم للأورام النسائية في مشفى بازل في سويسرا، وقد جاءت إلى فلسطين كمتطوعة لمدة ثلاث سنوات في مجال الرعاية الصحية للمرأة'.


العمل التطوعي

وتابعت عاروري: 'ثم جاء متطوعون ألمان من مؤسسة ميدي-بالستاين التي أمثلها في فلسطين، وهي مؤسسة غير حكومية وسويسرية تعنى بتطوير القطاع الصحي للنساء في فلسطين، وأحد مشاريعها هو مركز دنيا.
وقد بدأت بالعمل معهم خلال فترة علاجي الكيميائي. وفي مركز دنيا اعمل بشكل تطوعي، ولكني أيضا امثل المؤسسة الداعمة للمشروع من الناحيتين اللوجستية والمالية. وأحاول أن أضع المرحلة الثانية من المشروع وهي بناء مستشفى متخصص يعتني بالمرضى وأهلهم معاً'.

وعن تاريخ افتتاح مركز دنيا لعلاج أورام النساء قالت: 'افتُتح في الثامن من آذار/مارس 2011 كتكريم للمرأة في يومها العالمي، ومن خلال ذلك أكدنا أن النساء في حاجة إلى مركز متخصص يقدم لهن الرعاية.
ودور المركز هو استشاري وتشخيصي وعلاجي... هناك الكثير من النساء اللواتي فقدن حياتهن بسبب سوء التشخيص، وما يميز هذا المركز انه يحتوي على نظام يربطه بثلاثة مستشفيات في الخارج، بحيث يعطينا الأطباء رأياً آخر عن حالة المريضة، ونجتمع معهم عن طريق الفيديوكونفرنس، وبدلا من أن تذهب المرأة للعلاج في الخارج نحن وفرنا لها ما تريد هنا.

أقيم مركز دنيا في رام الله لأن هناك الكثير من النساء اللواتي لا يستطعن الوصول إلى القدس لأسباب عدة منها أن ابنها إما شهيد آو أسير، الأمر الذي يجعلها ممنوعة امنيا من الاحتلال من الحصول على تصاريح للتنقل.
وفي الشهر الثامن من هذا العام سنبدأ بإعطاء علاج كيميائي، وهذا سيجنب النساء عناء الذهاب إلى عمان. وبوجود مركز دنيا أصبح العلاج أفضل لأن المرأة لا تبقى وحيدة بل تستطيع أن تبقى مع أطفالها وزوجها خلال أخذها لوجبة العلاج الكيميائي'.

وتطرقت عاروري إلى صديقتيها اللتين أصيبتا بمرض السرطان خلال فترة علاجها فقالت: 'في فترة علاجي كانت هناك صديقتان تساعدانني في علاجي والآن هما تأخذان جرعات الكيميائي بسبب إصابتهما بالسرطان. وأؤكد هنا رسالتي التي أحاول قدر الإمكان أن أوصلها إلى كل المعنيين وهي أن هذا المرض يصيب امرأة واحدة من بين 8 نساء، العدد كبير ومخيف.
ونحن في مركز دنيا عندما تأتينا النساء فالعمر الافتراضي هو فوق الأربعين ولكن من يراجعننا حاليا هن في العشرينات والثلاثينات. وهنا نجد أن هناك مشكلة واضحة، وللأسف أن مرض السرطان هو من التابو آو المحرمات لان النساء لا يبحن لأحد بإصابتهن به، وآخر شيء قد تفكر فيه المرأة هو إجراء فحص مبكر. ولكن نحن نقول يجب أن تقتنع المرأة بأن السرطان مثل أي مرض آخر قد يصيبها.
وللأسف عندما تعلم بعض النساء بإصابتهن بالسرطان يتوجهن إلى طبيب عام آو جراح ولكنني أؤكد ضرورة وصولهن إلى مركز متخصص بكل ما يختص بالمرض'.

ودعت إلى تثقيف المجتمع: 'نحن في مركز دنيا نقوم بحملات توعية في موضوع الكشف المبكر لمرض السرطان من خلال الفحص الذاتي وغيره، وسنقوم بحملة كبيرة حتى نهاية هذا العام وسنستخدم وسائل إعلام مختلفة وسنصل إلى النساء في المناطق المهمشة'.

واختتمت كلامها قائلة: 'لدنيا حلم وهو افتتاح مستشفى شامل ترفيهي علاجي. ولدي رسالة حب لكل النساء لأن حياتهن مهمة، وأنصحهن بإجراء الفحص المبكر لأن العالم يحتاج إلى جميع النساء. وهن لهن الحق في العيش وأمامهن مهمات كبيرة، وبالذات نساء فلسطين لأن الوطن يحتاج إليهن'.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079