د. كوليت أبي حنا: علاقة السرطان بالمواد الكيميائية أكيدة...
سمعنا الكثير في الفترة الأخيرة عن تأثير العوامل الخارجية على الإصابة بالسرطان. وشاع الحديث خصوصاً عن خطر المواد الكيميائية واستعمال المبيدات في زراعة الخضر والفاكهة وتأثير مختلف المواد السامة التي نتعرّض لها في حياتنا العادية وفي وظائف ومهن معينة. وبات الرابط أوضح مع ارتفاع نسبة السرطان بشكل لافت في السنوات الأخيرة. تكثر الأقاويل المرتبطة بهذا الموضوع، حتى صار كلٌّ منا يشعر بأن الممنوعات صارت أكثر مما هو مسموح به لعيش حياة هانئة وسليمة. «لها» التقت الطبيبة الاختصاصية في أمراض الدم والأورام كوليت أبي حنا للتأكد من صحة المعلومات المتداولة التي تربط ما بين الإصابة بالسرطان والتعرّض للمواد السامة.
- ما سبب هذه الحملة الواسعة التي تؤكد وجود علاقة مباشرة بين الإصابة بالسرطان والتعرض لمواد كيميائية فيما لم نكن نسمع عن ذلك قبل سنوات؟
بدأ درس العلاقة بين الإصابة بالسرطان والتعرض للمواد الكيميائية في الثمانينات. لكن تتطلب الدراسات سنوات ليتم إثباتها، ولا يمكن التأكد من مدى صحتها مباشرةً.
حتى الآن، تم تأكيد وجود خطر، لكن لا يعرف حتى الآن إلى أي درجة يصل تأثير المواد الكيميائية والكمية التي يزيد التعرض لها احتمال الإصابة بالسرطان، ولا تزال هذه المسألة قيد الدرس.
تماماً كما حصل في إثبات العلاقة بين التدخين والإصابة بالسرطان، إذ تبيّن وجود علاقة بينهما في البداية لكن لم يعرف مدى تأثير التدخين حتى فترة غير بعيدة من الآن حين تبيّن أن للتدخين تأثيراً مباشراً ومؤكداً في الإصابة بسرطان الرئة. لكن يمكن القول أن إثبات حجم العلاقة بين المواد الكيميائية وسرطان الرئة يعتبر أكثر صعوبة لأننا لا نأكل نوعاً معيناً من الطعام من مصدر واحد.
وفي الوقت نفسه لا يمكن أن نتغاضى عن توعية الناس وعن لفت النظر إلى وجود خطر. وبالتالي لا يمكن أن نقول للناس أن يأكلوا كل شيء دون مشكلة. من هنا أتت فكرة الطعام العضوي Organic Food.
- ماذا نقصد بالمواد الكيميائية وأين توجد؟
يمكن التعرض للمواد الكيميائية من مصادر عدة، وقد يحصل التعرض بشكل عام في الأكل والتدخين أو حتى في إطار وظائف معينة ومهن تكثر فيها المواد السامة.
- إلى أي مدى يمكن مراقبة المواد المعتمدة في بلادنا للحد من خطر الإصابة؟
لا شك أن المراقبة الدقيقة صعبة. لكن تتخذ حالياً بعض الإجراءات للحد من استعمال المبيدات عند الزراعة وتجري مراقبة المنتجات. لكن المراقبة الدقيقة تعتبر أكثر صعوبة.
- ما سبب الدعوة إلى سحب قناني الحليب البلاستيكية من الأسواق اللبنانية؟
تحتوي بعض القناني البلاستيكية على مادة Bysphenol التي تتحوّل إلى سامة عند تسخين الحليب فيها أو الماء أو عند تعرّضها للحرارة المرتفعة مام يجعلها خطيرة. لذلك، طلب سحبها من الأسواق.
لكن لا بد من الإشارة إلى أنه ليست كل القناني البلاستيكية تحتوي على تلك المادة السامة، لا بل أصبح معظمها لا يحتوي عليها. لكن حفاظاً على السلامة العامة، ولأن المستهلك قد لا يعرف تحديداً أياً منها يحتوي عليها، كان من الأفضل استبدالها. كذلك يمكن أن تحتوي المطرة على مادة Bysphenol.
- هل من وظائف معينة يرتفع فيها احتمال الإصابة بالسرطان بسبب زيادة التعرض للمواد الكيميائية فيها؟
يعتبر العاملون في مجال طلاء الجدران ومواد البناء أكثر عرضة بسبب وجود مادة الأميانت - أو الأسبستوس - في المواد المستعملة، خصوصاً في ما يتعلّق بأولئك الذين عملوا في هذا المجال قبل 30 سنة حين كانت هذه المادة مستخدمة بكثرة في الطلاء، أما الآن فقل وجودها.
كذلك يعتبر المزارعون أكثر عرضة بسبب استعمالهم للمبيدات، لكن يتم العمل على تخفيفها والحد من استعمالها. أيضاً ترتفع نسبة الإصابة بسرطان الرئة بين العاملين في الخشب. أما العاملون في الصناعة الكيميائية، فترتفع لديهم نسبة الإصابة بسرطان المثانة وسرطان الدم. ويمكن القول إن نسبة 10 في المئة من حالات السرطان مرتبطة بمهنة المريض.
- هل ازداد استعمال المواد الكيميائية والمبيدات في الفترة الأخيرة وأدى ذلك إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان؟
ثمة عوامل عدة ساهمت في زيادة نسبة السرطان في أيامنا هذه كزيادة معدل الحياة، علماً أن السرطان ينمو مع التقدم في السن من الناحية الجينية مما يبرر ارتفاع النسبة.
كما أن التطور في مجالات الطب المختلفة ساهم في ذلك خصوصاً مع تطور وسائل التشخيص والكشف المبكر لأنواع عدة من السرطان. هذا إضافةً إلى عوامل أخرى كارتفاع نسبة السمنة مع تراجع نسبة الحركة وممارسة الرياضة، والاتجاه إلى الأطعمة السريعة التحضير الغنية بالدهون والوحدات الحرارية. وارتفعت أيضاً نسبة استهلاك اللحوم الباردة والمدخنة مما زاد نسبة الإصابة بسرطان القولون والمعدة، فيما لم تكن نسبة استهلاك هذه المواد مرتفعة إلى هذه الدرجة في السابق.
كما تبين أن الإفراط في استهلاك المواد الغنية بالبيتاكاروتين على علاقة بارتفاع نسبة الإصابة بسرطان الرئة. في المقابل تخفف الرضاعة الطبيعية من احتمال الإصابة بسرطان الثدي، فيما تراجعت أيضاً نسبة الأمهات اللواتي يرضعن أطفالهن. ولا ننسى ارتفاع نسبة التدخين بشكل جنوني فيما تم تأكيد علاقته المباشرة بسرطان الرئة.
- إلى أي مدى تلعب التغذية دوراً في الإصابة بأنواع محددة من السرطان؟
أجريت دراسة بين اليابان وكاليفورنيا تبين فيها أن سرطان المعدة شائع في اليابان حيث ارتفعت النسبة بين المقيمين، وعندما هاجروا إلى كاليفورنيا تراجعت نسبة الإصابة بعد فترة مما يؤكد تأثير المحيط والتغذية في الإصابة بالسرطان، خصوصاً في ما يتعلّق بسرطان القولون.
- هل صحيح أن المشروبات الغازية تؤثر في زيادة احتمال الإصابة بالسرطان؟
نعرف أنها تسبب مشكلات في المعدة لكن لم يثبت ما إذا كان لها دور في الإصابة بالسرطان.
- ما أنواع الخضر والفاكهة التي تتأثر بالمبيدات بنسبة كبرى وتمتصها بشكل أكبر، وهل من الأفضل تجنب تناولها؟
معروف أن الفريز(الفراولة) يمتص المبيدات اكثر من غيره مما يجعله أخطر. يمكن تناوله لكن باعتدال.
- هل من طريقة للتأكد ما إذا كانت أطعمة كالخضر والفاكهة وغيرها غنية بمواد كيميائية؟
لا يمكن تحديد الأطعمة الغنية بالمواد الكيميائية لكن يمكن درس ذلك بحسب المصدر والإنتاج. فهذا ما يحدد نوعية الأطعمة ومحتواها من المواد السامة.
- هل من الأفضل تناول الأطعمة الOrganic وهل هي فعلاً آمنة؟
تبين أن الأطعمة العضوية تحتوي على نسبة أعلى من مضادات التأكسد مما يجعلها أكثر فاعلية في مقاومة السرطان. هذا، إضافةً إلى كونها خالية من المواد الكيميائية ولا تتعرض للمبيدات. لكن هذا لا يعني أنه يجب على الكل تناول الأطعمة العضوية حصراً.
- هل صحيح، كما يعتقد البعض، أن تناول الأطعمة العضوية يساعد في مكافحة السرطان وإطالة حياة المريض المصاب به؟
ليس صحيحاً أن تناول الطعام العضوي يساعد في مكافحة السرطان أو إطالة عمر المريض، بل يطلب من المريض التنويع في الغذاء وأن يأكل جيداً ليصبح جسمه أقوى ويكافح المرض بشكل أفضل.
قد تكون ثمة علاقة بسيطة لكون الطعام العضوي خالياً من المواد الكيميائية السامة، كما ترتفع فيه نسبة مضادات التأكسد، لكن ذلك لا يجعله حلاً مباشراً لمكافحة السرطان. في المقابل يمكن أن ننصح بالتنويع ما بين الطعام العضوي والطعام العادي للحد من نسبة المواد الكيميائية التي تدخل الجسم.
- كيف يمكن التأكد ما إذا كانت الأطعمة العضوية فعلاً آمنة مع تكاثرها في الأسواق؟
لا شك أنه يمكن الوثوق تماماً بالأطعمة العضوية المستوردة وهي تلك التي توضع عليها علامة ملصقة. أما في ما يخص تلك التي أنتجت محلياً، فمن المؤكد ان ثمة مصادر آمنة لكن لا يمكن الوثوق بالكل ولا يمكن التأكد مما إذا كانت آمنة تماماً.
- هل يرتفع الخطر على الحامل والطفل عند التعرض للمواد الكيميائية مقارنةً مع الآخرين؟
لا يرتفع الخطر على الحامل لكن الجنين يأكل مما تأكل ، وبالتالي من الضروري أن تحمي نفسها قدر الإمكان حتى لا تؤذي الجنين.
- ما أهم سبل الوقاية من السرطان المرتبط بالمواد الكيميائية والحد من خطر الإصابة بالمرض؟
- ثمة إجراءات يمكن اتخاذها للحد من خطر الإصابة بالسرطان المرتبط بالتعرض للمواد الكيميائية وهي:
- ممارسة الرياضة نظراً الى أهميتها في مكافحة السرطان.
- التنويع في الغذاء والإكثار من تناول الخضر.
- الحد من تناول الأطعمة التي تضاف إليها الملوّنات.
- اختيار الأطعمة التي لم تضف إليها المبيدات كالأطعمة العضوية.
- التشديد على أهمية تطهير الأكل وعدم الاكتفاء بغسله بالماء.
- تناول الطعام المجلّد بدلاً من المعلّب فهو صحي أكثر لأنه يجلّد فيما يكون طازجاً.
- ينصح بالحد من تناول المعلّبات. يمكن تناولها باعتدال وليس بشكل دائم.
- ينصح بالامتناع عن التدخين.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024