تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

قصتي مع السرطان...

في كل تجربة مع المرض، مهما كانت خطورته، درس لمن يعيشها ولكل من يحيط به. الحالات المرضية شر لا بد منه، فحري بنا أنا نتخطاها ونتعلّم منها أفضل ما يمكن. أرادت جيهان معربس أن تتحدث عن تجربتها مع السرطان اللمفوي لتكون قدوة لآخرين يمرون أو مروا بمثلها بالدرجة الأولى، ولتثبت لنفسها وللكل شجاعتها وصلابتها لأنها تمكنت من التغلّب على المرض فقهرته بدلاً من أن يقهرها. هي اليوم تحمد الله لأنها كشفت المرض في أولى مراحله مما ساعدها على الشفاء، وأيضاً لأنها حققت حلمها بالأمومة بعدما أنجبت صبيين إثر تغلّبها على المرض.


كانت جيهان معربس(29 عاماً) عروساً، تزوجت قبل أشهر، عندما بدأت رحلتها مع المرض. لكن بفضل العناية الالهية تمكنت من اكتشافه في مرحلة مبكرة لتكون محاربته ممكنة. فقد أصيبت جيهان بالانفلونزا وشفيت منها لكنها لاحظت أن سعالها استمر أياماً عدة بعدها، وأصبحت عاجزة عن مواصلة كلامها أحياناً بسبب السعال.

كان من الممكن أن تتغاضى عن الموضوع، خصوصاً أن ذلك قد يكون أمراً طبيعياً ولا يحتاج دائماً إلى استشارة الطبيب. لكن على الرغم من اعتقادها أنها قد تكون مجرد نزلة صدرية، توجهت إلى الطبيب لاستشارته. وعن ذلك تقول:" شاءت الصدف ألا يكون طبيبي موجوداً في عيادته عندما قصدته دون موعد مسبق. لذلك، توجهت إلى المستشفى، على أثر نصيحة أخي، لاستشارة طبيب صديق له.
في الواقع، كانت المسألة كلّها عادية لي ولم أكن قلقة أو متخوفة من أمر خطير. وعندما تحدثت مع الطبيب، فحصني بالسماعة أولاً لكنه لم يسمع صدى في الصدر كما يحصل عادةً بسبب وجود الورم. أجرى لي عندها صورة شعاعية وكنا نمزح ونضحك أثناء ذلك. لكنه لاحظ مباشرةً وجود شيء مريب في موضع الصدر. أراد أن يدقق أكثر في الأمر، فأجرى لي صورة Scanner.
استشرنا أيضاً طبيباً من العائلة، نصحني بأن أخضع للمزيد من الفحوص. كل الفحوص التي أجريتها كانت تشير إلى وجود ورم، لكن كنا نستبعد الفكرة تماماً وكأن المرض لا يمكن أن يطالني. رحنا ننتقل من طبيب إلى آخر. حتى أننا أضعنا الوقت لأنه في أحد المستشفيات، تم تشخيص الحالة بشكل خاطئ وقرر الأطباء أن الورم حميد لكن احتاج إلى الخضوع لعملية تستغرق 10 ساعات لاستئصاله. بصراحة، لم نؤمن بتشخيصهم وكررنا الفحوص في مستشفى آخر ومختبرات أخرى».

- كيف تلقيت خبر إصابتك بالمرض؟
بكل بساطة، اتصل بي طبيب قريبي كان يتابع حالتي وأخبرني أن الورم ليس حميداً كما قيل لي، بل إنه  ورم لمفاوي خبيث يحتاج إلى علاج كيمائي لمدة 6 أشهر ويزول نهائياً.

- كيف كان وقع الخبر عليك؟
بصراحة، الفكرة الأولى التي خطرت ببالي عندما تلقيت هذا الخبر الصادم هي الموت. كنت منهارة تماماً عندما اتصلت بشقيقتي لأنقل لها الخبر. كنت عاجزة عن التفكير إلا في الموت. بالنسبة إلي انتهت حياتي في تلك اللحظة.

- كيف تقبلت فكرة إصابتك بالمرض لاحقاً؟
لم تكن الأمور سهلة طوال تلك المرحلة. كانت فكرة الموت تراودني طوال الوقت. في الواقع، لم يتقبل أي من أفراد عائلتي، حتى، فكرة إصابتي بالمرض. شكل الأمر صدمة لنا وبقينا تحت وقعها طوال تلك المرحلة. 
لكن، بعد استشارة أطباء عدة، ارتحت عندما قابلت البروفيسور جورج شاهين الذي أشرف على علاجي بعدما وثقت به ولا أزال أستشيره حتى الآن. لكن على الرغم من خوفي وقلقي، كنت في الوقت نفسه أحاول أن أبدو قوية لأتغلّب على المرض. الخوف أمر وارد ولا بد منه لدى كل مريض، وإن قيل له إنها مرحلة صعبة تمر بعد انتهاء العلاج ويعود كل شيء كما كان.

- ما كانت أكثر اللحظات صعوبةً في تلك المرحلة بالنسبة إليك؟
خفت كثيراً عندما دخلت المستشفى للمرة الأولى، خصوصاً أن امرأة أخرى دخلت معي في الوقت نفسه وكانت حالتها صعبة جداً. فكل مريض يخاف لكن الخوف يكبر عند رؤية حالات صعبة مستعصية. قيل لي عندها إن كل حالة مختلفة ولا يمكن المقارنة. لكن اللحظة التي خفت فيها أكثر هي تلك التي تساقط فيها شعري. لم أشعر بخوف بكل معنى الكلمة قبل تلك اللحظة.
كانت لحظات صعبة جداً علي، خصوصاً أن همّ تساقط شعري كان يرافقني طوال الوقت. كنت قد حاولت أن أتحضر للموضوع، فقصدت المزين وقصصت شعري الطويل الأملس كما لم أفعل سابقاً. لكن ذلك لم يساعد كثيراً، إذ أن اللحظة التي تساقط فيها شعري لا توصف وكانت شديدة الصعوبة علي. أعتقد أن كل مريض لا يعي ما يحصل له حتى هذه اللحظة.
بعدما رأيت شعري يتساقط، قصدت المزين لقصّه أكثر، كما كان طبيبي قد طلب مني أن أفعل. لكني رأيت شعري يتساقط بين يديه، فكان عاجزاً عن قصّه وراح يحاول تهدئتي بعدما بدأت أبكي، ووضع لي الشعر المستعار الذي كنت قد حضّرته مسبقاً.

- هل تساقط شعرك مباشرةً بعد الجلسة الأولى من العلاج الكيميائي؟
بدأ يتساقط من الجلسة الثانية، وكنت على علم بأن هذا سيحصل.

- هل فضلت وضع الشعر المستعار؟
نعم، أعترف أني بكيت كثيراً عندما ذهبت لاختيار شعر مستعار وانزعجت كثيراً. لكن كان أمراً لا بد منه. وتقبلته بشكل أفضل عندما رأيت ردود فعل الناس الذين أبدوا إعجابهم بتسريحتي الجديدة. علماً أني لم أكن أنزعه كثيراً إلا عند النوم لأني كنت أنزعج من رؤية نفسي دون شعر.

- إذا أردت الآن العودة بالذاكرة إلى تلك المرحلة، ما أكثر ما يؤثر فيك؟
أعتقد أن أصعب ما في تلك المرحلة كان تغيّر شكلي، فهذا أكثر ما أشعرني باليأس  والإحباط. كما انه طوال فترة مرضي، كنت كأي مريض آخر، وفي كل لحظة أخاف من نظرة الناس لأنها لا ترحم.
ففي كل لحظة أقابل فيها أحداً، أفكر ما إذا كان سيعرف أني مصابة بالسرطان وما ستكون ردة فعله. هذا دون أن ننسى أخبار البعض وأحاديثهم المزعجة التي كانت تسبب لي الاكتئاب لما فيها من تشاؤم.


بعد سنتين سمح لي الطبيب بالإنجاب

- ما كانت أهم الأسئلة التي طرحتها على نفسك وعلى الطبيب في تلك المرحلة؟
أذكر أن شقيقي كان يقول لي أني كنت أكرر الأسئلة نفسها للطبيب في كل مرة أراه فيها. فأكثر ما كان يشغل بالي هو شعري، فكنت أسأل متى سينبت، وموضوع الإنجاب فأسأل متى سأتمكن من الإنجاب.

- هل أثر مرضك على قدرتك على الإنجاب؟
لم يؤثر مرضي لأني أجريت الحقن التي تسمح بإيقاف الإباضة خلال فترة العلاج حتى لا يتأذى المبيضان من العلاج الكيمائي ويبقى احتمال حصول الحمل طبيعياً.

- هل انتهى العلاج خلال 6 جلسات، كما قيل لك في البداية ؟
خضعت لست جلسات من العلاج الكيمائي كما قيل لي، تبعتها 20 جلسة من العلاج الشعاعي .


بعد انتهاء مرحلة العلاج

- ماذا تبدّل في حياتك بعد المرض؟
بعد شفائي من السرطان، لم أعد أفكر فيه. في الفترة الأولى كنت أخضع للفحوص الروتينية كل ستة أشهر ، وبعدها صرت اجريها كل سنة. عادت حياتي طبيعية ولم أعد أفكر في المرض. لكن أعترف بأني لا أزال أشعر بالخوف عند إجراء الفحوص وعندما أعاني سعالاً تطول مدته لأني أخاف من عودة المرض.
لكن في الوقت نفسه، بعد انتهاء مرحلة العلاج صرت أحاول في أبسط الظروف أن اثبت لنفسي وللكل أني شفيت وأني قادرة على التغلّب على كل الصعاب. فعندما نمشي، أكون الأولى لأثبت قوتي وأني لم أعد مريضة.
حتى أني شاركت في سباق ماراثون بيروت لهذا السبب عينه بعد شفائي.
واليوم أكره القول إني مريضة. أما بالنسبة إلى شعري، فنما بسرعة وعاد كما كان، ونزعت الشعر المستعار بكل شجاعة ما أن بدأ يظهر.

- هل حصلت تغيّرات في شخصيتك بعد هذه التجربة؟
لا شك أني كنت أكثر هدوءاً قبل إصابتي بالمرض، أما اليوم فصرت أكثر قوة وصلابة وأواجه بحدة ما أو من يمكن أن يواجهني.

- هل تمكنت من تحقيق حلمك بالإنجاب سريعاً بعد الشفاء؟
بعد مرور سنتين، سمح لي الطبيب بالإنجاب وها أنا أمٌ لصبيين، كما كنت أحلم.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079